تصريحات رفسنجاني الرافضة لسب الصحابة والاحتفال بمقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب لماذا جاءت الآن.. وما هي دوافعها.. وكيف نرد عليها؟
انتقد الشيخ هاشمي رفسنجاني رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام في ايران، والرئيس الاسبق شتم الصحابة والاحتفال بمقتل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضوان الله عليهم، وقال ان هذه التصرفات غير المسؤولة ادت الى ظهور الجماعات المتشددة مثل تنظيم “القاعدة” و”الدولة الاسلامية”.
الشيخ رفسنجاني معروف باعتداله، بل ومعارضته للنظام الحالي في طهران، واقدامه على اتخاذ موقف كهذا، وعلى هذه الدرجة من القوة والشجاعة، يحسب له، ويجب ان يقابل من الطرف الآخر، اي علماء اهل السنة بخطوات مماثلة، تضع حدا لانزلاق العالم الاسلامي الى حروب اهلية طائفية يسعى من اجلها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الامريكية لتدمير العالم الاسلامي وتفتيته حتى لا تقوم له قائمة مطلقا.
فمنطقتنا لم تشهد في تاريخها الحديث هذه الموجة من التحريض الطائفي البغيض في الجانبين الشيعي والسني، مما اوصلنا الى حالة الانقسام الحالية، والاستعانة بالاجنبي، واهدار ثرواتنا في حروب عبثية، وصفقات اسلحة لا تستخدم ضد الاعداء وانما لقتل بعضنا البعض.
وقد يجادل البعض ان السيد رفسنجاني الذي يقيم علاقات جيدة مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز يصدر مثل هذه التصريحات في وقت تقف المملكة على حافة هاوية “فتنة” تجسدت في عملية الهجوم على حسينية لابناء الطائفة الشيعية في منطقة الاحساء يوم الاحتفال بذكرى عاشوراء، ادت الى مقتل ما يقرب من عشرة اشخاص وبهدف التهدئة، ولما لا، ولكن هذا لا يجب ان يقلل من اهمية هذه التصريحات، وصاحبها، في التقريب بين المذاهب، ووأد الفتنة، وتجنيب المنطقة ما يمكن ان يترتب عليها من صدامات دموية، وعلينا ان نتذكر انه سيواجه حمله شعواء من قبل المتشددين من اهل مذهبه بسبب موقفه هذا ايا كان هدفه، فنحن نحكم على الظواهر، والله اعلم بالبواطن.
***
السلطة السعودية، وبعد هجوم الاحساء، ادركت خطورة هذه الفتنة الطائفية، وبادرت، ان متأخرة، في اغلاق بعض المحطات المرئية المتخصصة في التحريض الطائفي، مثل قناة “وصال”، ولكن هناك قنوات اخرى اطلقتها، ومولتها، وما زالت تبث افكارها، وسمومها المذهبية يجب اغلاقها فورا.
نعم.. هناك قنوات طائفية ايرانية التمويل لا تقل تحريضا ضد ابناء الطائفة السنية، ويقدم بعض شيوخها خطابا طائفيا ساما، موغلا في تطرفه وعدائه المذهبي، يتطاول على الخلفاء والصحابة، وعلى السيدة عائشة وامهات المؤمنين كرم الله وجوههم جميعا، وهذه القنوات ما كان لها ان تؤسس وبأموال ايرانية ايضا، ويجب ان تبادر الحكومة الايرانية الى اغلاقها فورا، واذا كانت حريصة فعلا على الحوار وروابط الاخوة الاسلامية.
خلاف بعض الحكومات العربية مع ايران سياسي وليس مذهبيا، اساسه الخوف من تصاعد قوتها، ولجأت هذه الحكومات الى التحريض الطائفي البغيض لتعبئة مواطنيها في خندقها وفتحت قنوات الفتنة على مصراعيها امام بعض الدعاة لبث افكارهم وفتاواهم، ونبش كتب الفتنة لدعم حججهم وفتاواهم في هذا الاطار، وعندما بدأ سحرها ينفلب عليها، ووصلت نيران الفتنة الطائفية الى عمقها، وهددت امنها الداخلي بدأت تتراجع وتتحدث عن التسامح والتعايش بين الطوائف.
ليس هناك من يحب آل البيت اكثر من أهل السنة والجماعة، وليس هناك من يحب سيدنا عمر بن الخطاب اكثر من سيدنا علي بن ابي طالب واهل بيته، والا لما زوجه احدى بناته الفاضلات، ومن ينكر هذه الحقيقة جاحد طائفي لا يريد للمسلمين غير الانقسام والاقتتال والفتنة، ومن يسب سيدنا عمر يسب آل البيت الكرام.
لم نسمع عن “شيعية” ايران عندما كان الشاه محمد رضا بهلوي يحكمها ويقيم اوثق العلاقات مع اسرائيل، وتزوده امريكا بأحدث الطائرات والمعدات العسكرية حتى يكون حارسا امينا على مصالحها في منطقة الخليج العربي، ولم نشاهد محطات تلفزة سنية تهاجم الشيعة، او شيعية تهاجم السنة وتتطاول على الخلفاء والصحابة كرم الله وجههم جميعا، فلماذا الآن؟ والى متى يستمر هذا التحريض وبذر بذور العداء؟
ايران قوية، وطورت ترسانة عسكرية حديثة، وبنت مفاعلات نووية، وهذا حقها، واذا اراد البعض محاربتها لدرء خطرها، فعليه تحقيق التوازن الاستراتيجي معها اولا من خلال بناء قوة عسكرية تقليدية ونووية متقدمة، فلا ينقص العرب المال او الرجال، وعلينا ان نتذكر جيدا ان العربي الوحيد الذي حقق هذه المعادلة قتله العرب وتآمروا مع الولايات المتحدة علة تدميره ومشروعه واحتلال بلده.
نتحاور مع الاسرائيليين واليهود ونعرض عليهم مبادرة سلام نتنازل فيها عن معظم فلسطين، ونؤسس معاهد وهيئات ومجالس للانفتاح على الاديان الاخرى، وننفق مئات الملايين من الدولارات في هذا الاطار، ونعقد المؤتمرات في لندن وباريس ونيويورك، ونصافح شمعون بيريس الرئيس الاسرائيلي لنظهر حضاريتنا وتسامحنا مع الآخر، ونرفض الحوار مع المذاهب الاسلامية الاخرى ونحرض ضدها ليل نهار، بل ويعتبر بعضنا جماعات اسلامية سنيّة، متطرفة كانت او معتدلة خطرا كبيرا يجب اجتثاثه والاستعانة بأمريكا لمحاربته، ارجوكم قولوا لنا ماذا تريدون؟
***
تقف المنطقة في الوقت الراهن على ابواب كارثة طائفية قد تؤدي، اذا ما انفجرت، الى اغراقها في بحور من الدماء، وكان يجب التبصر بمخاطرها مبكرا، وقبل الهجوم على حسينية الاحساء بكثير، وما زال من الممكن تطويقها، اذا صلحت نوايا الطرفين، السني والشيعي معا.
الايرانيون يتفاوضون مع امريكا التي كانت حتى الامس القريب الشيطان الاكبر، فلماذا لا يتفاوضون مع العرب ابناء العقيدة الواحدة؟ وبعض دول الخليج تقيم تحالفات سرية مع اسرائيل، وتدعم حربها ضد المسلمين السنّة في قطاع غزة، ويهيئونها كحليف مستقبلي لهم ضد ايران المسلمة، فلماذا لا يحلون خلافاتهم مع ايران من خلال الحوار، فهل هم اكثر قوة من الولايات المتحدة الامريكية؟
ربما يبدو كلامنا “مثاليا” وغير و”غير واقعي” في نظر البعض، فما هو البديل لدى هؤلاء، اعلان الحرب على ايران؟ فليتفضلوا او يصمتوا، اليست اسرائيل هي التي تقسّم المسجد الاقصى وتحتل مدينة القدس والارض الفلسطينية وتشن الحروب ضد هذه الامة وتذل شعوبها؟
من المؤسف ان العقلاء تراجعوا لمصلحة تقدم رموز الفتنة وقارعي طبول الحرب، ولكن ضد العدو الخطأ، وفي الوقت الخطأ، وليتصالحوا مع شعوبهم اولا، ويقوون جبهتهم الداخلية، من خلال اقامة الحكم العادل، وتحقيق المساواة، ثم بعد ذلك يحلّون مشاكلهم مع جيرانهم ابناء جلدتهم، ويوقفون حروبهم الاعلامية ضد بعضهم البعض، وبعد تحقيق كل هذا لكل حادث حديث.