د. فيصل غرايبه
استشاري اجتماعي
تنشأ النزعة إلى العدوان نتيجة لشعور الشخص بالتهديد من طرف آخر،أو الاحساس بأن كرامته قد مست أومكانته قد هزت، وقد تبرز عند شعور الانسان بان الآخرين لا يفهمونه بمقاصده الحقيقية أو أنه لم يستطع إفهامهم نفسه على حقيقتها، أو عندما يواجه الانسان تهديدا لقيمه الاخلاقية أومبادئه السلوكية.وقد يتمكن الانسان من خبراته أن يكظم الغضب، ولا يعني ذلك أن النزعة العدوانية التي تولدت لديه قد تلاشت بل تبقى ولكنها تتراجع أو تنزوي.
تنمو النزعة العدوانية لدى الطفل، نتيجة لسريان الغضب لديه، والذي يرتبط اصلا بالميل إلى العناد،وتنمو هذه النزعة العدوانية نتيجة لعدم فهمنا لطبيعة نمو الطفل، وسوء فهم الكبار لما يصدر عنه من سلوكيات نعتبرها خاطئة، في حين أنها لا تزيد عن كونها مظهرا عادياً لنضج الوظائف الحيوية. لدى الطفل.ولما كان الأب نموذجا يحتذي به الطفل داخل الأسرة، ويبنى قيمه كما يعتنقها الأب ويقلد سلوكه على نحوها، فكلما كان الأب عدوانيا، يكون الطفل كذلك،الا اننا وبشكل مباشر يمكن ان نرد دوافع السلوك العدواني الى الإحباط،الذي يعتبر عاملا أساسيا للعدوان، فالطفل الذي يعاني من الإهمال ويعاني من الإحباط نتيجة ذلك، قد يندفع إلى العدوان كوسيلة دفاعيّة.وقد يصبح السلوك العدواني سلوكا مرضيا، عندما يميل الطفل للعدوانية، اذا منع من إشباع حاجاته الطبيعيّة، أو ربي بشكل يقوده إلى المقاتلة والنزاع.
النزعة ومظاهرها
تتجلى النزعة العدوانية بنوبة مصحوبة بالغضب والإحباط،تتزايد نتيجة للضغوط النفسية المتواصلة أو المتكررة في البيئة.وكذلك في سلوك الاعتداء على الأقران انتقاما أو بغرض الإزعاج باستخدام اليدين أو الأظافر أو الرأس، أو في الاعتداء علي ممتلكات الغير والاحتفاظ بها أو إخفائها لمده من الزمن بغرض الإزعاج.ويتسم الطفل العدواني في حياته اليومية اجمالا بكثرة الحركة وعدم اخذ الحيطة لاحتمالات الأذى والإيذاء.الى جانب عدم قدرته علي قبول التصحيح،والميل الى مشاكسة غيره وعدم الامتثال للتعليمات وعدم التعاون.ويلاحظ على الطفل العدواني سرعه الغضب والانفعال وكثره الضجيج والغضب.، والقيام بتخريب ممتلكات الغير كتمزيق الدفاتر والكتب وكسر الأقلام وإتلاف المقاعد وحتى الكتابة على الجدران، وكذلك توجيه الشتائم والألفاظ النابية السيئة
الوقاية
تبدأ الوقاية من نشوء النزعة العدوانية عند تجنب الأمهات والآباء والكبار في الأسرة لبعض ممارسات سالبة واتجاهات خاطئة في تنشئة أطفالهم، مثل:الاتجاهات العدوانية لدى الآباء تجاه الأبناء التي تولد سلوكيات عدوانية لدى الأطفال،وبالتالي قد يولد هذا العدوان ضعفا وخللا في الإنضباط، كما أن الأب المتسيب أو المتسامح أكثر من اللازم، هو ذلك الأب الذي يستسلم للطفل، ويلبي له طلباته ويزيده دلالاً ويعطيه قدرا كبيرا من الحرية، أما الأب ذو الاتجاهات العدوانية غالبا لا يتقبل ابنه ولا يستحسنه، وبالتالي لا يعطيه العطف ومشاعر الأبوة أو الفهم والتوضيح، فغالبا ما يميل الى استخدام العقاب البدني الشديد، و بذلك يسيء استخدام سلطته الأبوية، مما يولد الإحباط والعدوان لدى الأطفال بسبب سخط الطفل على أسرته ومجتمعه، فيأخذ بالتعبير عن هذا السخط بهذا السلوك، لذا فان المتوقع من الآباء أن يكونوا قدوة حسنة للأبناء في تجسيد الوسائل الجيدة،لحل المشكلات وإرشاد الأطفال لحل المشكلات بالطريقة الصحيحة.
لا ننسى في هذا المقام ان نتفهم أن النماذج العدوانية التي يتعرض لها الأطفال في التلفاز تؤثر بشكل قوي في ظهور السلوك العدواني لديهم، فلماذا لا تؤدي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة دورا أفضل في تعلم النماذج السلوكية الإيجابية،مثل توفير برامج فعالة ذات الأهداف الإيجابية للأطفال، لكي يتعلموا نماذج جيدة وبناءة في سلوكهم،وتستبعد بذلك الأفلام الكرتونية والقصص وغيرها، والتي تعمل على تعليم الأطفال العدوان والأنانية لتحقيق الأهداف وتبعث في نفوس الأطفال الخوف والقلق. ولما كانت أية اسرة لا تخلو من نزاعات ومشاحنات، بغض النظر عن حدتها وأسبابها، وما دام الأطفال يتعلمون الكثير من السلوك الاجتماعي من خلال الملاحظة والتقليد، فانه على الوالدين أو الإخوة الكبار أن لا يعرضوا الأطفال إلى مشاهدة نماذج من النزاعات التي تدور داخل الأسرة، وهي بشكل غير مباشر تعلم الأطفال طرقا سالبة لحل النزاعات منها السلوك العدواني،اذ البيئة الأسرية الخالية من النزاعات وذات الطابع الاجتماعي تنمي لدى الطفل الشعور بالأمن وبالتالي استقرار الذات.
ومن الحري أن ندرك إن الأشخاص الذين يعيشون خبرات عاطفية إيجابية كالسعادة والدفء والعطف والحنان، يميلون للتعامل بشكل لطيف وخال من أي عدوان أو سلوك سلبي آخر، أما الأشخاص الذين تعرضوا لإساءة المعاملة من قبل الوالدين وإهمال عاطفي واجتماعي فقد يسعون لاستخدام العدوان بأشكاله المختلفة، وذلك لجلب انتباه الأسرة وإشعارها بوجوده وضرورة الاهتمام به. إن إساءة المعاملة الجسمية والنفسية للأطفال كلها تؤدي إلى مشاكل وضعف في الجهاز العصبي المركزي وقد تقود إلي توليد اضطرابات سلوكية وانفعالية.
ولما كان القيام بأنشطة بدنية إيجابية كالرياضة تستثمر الطاقة الموجودة لدى الأفراد وتنمي كثيرا من الجوانب لديهم، فان توفر هذه الأنشطة خصوصا في المراحل العمرية المبكرة يعمل على تصريف أشكال القلق والتوتر والضغط والطاقة بشكل سليم. كما أن إعادة ترتيب البيئة المنزلية والمدرسية للطفل، بما تتضمنه من أماكن مناسبة للنوم والمعيشة واللعب والتعلم، تعمل على التقليل من التوترات والانفعالات و تمنع حدوث سلوك عدواني ناتج عن الضيق في مساحات اللعب وغيره، لان ذلك يعطي فرصا أكبر للاطفال للعب والحركة كما انه ينصح بوجود أشخاص راشدين كمراقبين عن بعد لسلوك الأطفال لمنع المشاجرات بين الأطفال. نشوء النزعة العدوانية
الاشراف على حياة الطفل اليومية
يحتاج الأطفال لمن يشاركهم اللعب ويشرف على لعبهم مما يبدي للطفل مدى اهتمام الراشد المشارك المراقب له، مما يحد من ظهور مشكلات سلوكية قد تنجم عن غياب الرقابة.ان عملية الاشراف هذه تتطلب مراعاة عدم التسامح أكثر من اللازم مع التصرفات العدوانية وعدم اللجوء للعقاب البدني،وكذلك تجنب مشاهدة أعمال العنف أياً كان مصدره، التلفاز أم غير، واتاحة المجال أمام الأطفال لمشاهدة البرامج التوعوية،ومحاولة إعطائهم الفرصة لممارسة النشاط الجسمي لتصريف التوتّر والطاقة في مجال أفضل.وكذلك مراعاة الكبار تجنّب الممارسات والاتجاهات الخاطئة مع الأطفا،والعمل على تغيير البيئة وإعادة ترتيبها للتخفيف من المشاحنات.
التصدي للنزعة العدوانية
تتضمن اجراءات التصدي للنزعة العدوانية لدى الأطفال تنمية التبصّر، بعد تجاوز نوبة الغضب والسلوك العدواني، ليتحقق فهمه لمشكلته، فيتضمن النقاش وصفاً لشعور ولي أمر، وشعور الطفل أثناء المشكلة والتعرف على الأسباب التي أدّت إلى ثورة الغضب، والطرق البديلة لحلّ مثل هذه المشكلات في المستقبلً.وكذلك العقاب البسيط حتى يفهم الطفل بأنه يعاقب فقط لمجرد التأديب لا أكثر، ولا لإلحاق الأذى به.وكذلك يمكن للآباء والامهات أن يسعوا الى إيجاد طرق أخرى كإمساك الطفل عن أن يؤذي نفسه أو يؤذي الآخرين، ليُمنع من الحركة ويبعد عن المكان حفاظاً على سلامته وسلامة الآخرين.الى جانب تعليم طفلهم تجنب اضرار الإحباط في الحياة اليوميّة ويتجاوزه، ويحوله الى درس للنجاح والتقدم في مختلف المواقف، وتدريبه على أن يخلّص نفسه من التوتر.
اما على صعيد المدرسة،فيتوخى من مديرها ومعلميها والمشرفين فيها أن لا يستخدموا أساليب تعامل جارحة مؤذية مع الأطفال، تؤثر في نفسياتهم، وتؤدي إلى سلوكهم مسلكا سلبيا،ويعمد في هذه الحالات ان حصل مثل هذا السلوك السلبي الى عمليات التفريغ العضلي وتصريف الطاقة باسلوب رشيد، وذلك بتشجيع الطفل على استخدام قوته الجسدية كأن يقوم بنشاطات رياضية أو فنية في الملعب المدرسي أو في قاعة النشاط، وربما يعمد في بعض الحالات الى تغيير الظروف البيئية أو أجواء الزمالة أو الصحبة، والتي تكون قد أدّت إلى ظهور هذه السلوكيات.