منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 شخصيات صنعت لها تاريخ

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالجمعة 01 فبراير 2013, 5:42 am

الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري

قال سبحانه وتعالي

((كنتم خير أمة أخرجت للناس ))


لم تنجب أمة في تاريخ البشرية , أبطال عظام مثل أمة الاسلام , ولو جاءت كل أمة من أمم الارض بأبطالها , وجاءت أمة الاسلام بنصف أبطالها لغبت
أمة الاسلام والحمد لله رب العالمين ..


وهنا نأتي علي سيرة الاسد الضاري وصاحب , القدر العالي محطم التتار والروافض والصليبيين , الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي ..
رحمة الله عليه .


محطم التتار والروافض والصليبيين :: الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري
شخصيات صنعت لها تاريخ 010gpozu8
شعار السلطان بيبرس

مولده ونشأته

الملك الظاهر ركن الدين بيبرس البندقداري الصالحي النجمي أبو الفتوح بن عبد الله، كان مولده في حدود سنة 620هـ في صحراء القفجاق

كازاخستان حالياً من قبيلة تركية كبرى، ونتيجة الزحف المغولي الأول بقيادة جنكيز خان وتحطيم الممالك الإسلامية في الشرق تدافع الناس هاربين، وتم أسر الألوف وبيعهم في سوق الرقيق، وكان بيبرس واحداً من هؤلاء الرقيق.

وأخذه تاجر واتجه به غرباً، وتم بيعه في دمشق للعماد الصائغ، ثم اشتراه علاء الدين الصالحي البندقداري الذي كان معتقلاً في قلعة حماه لدى صاحبها الملك المنصور، وقد رفضت والدة الملك المنصور شراء بيبرس لأنها رأت في عينيه

شراً لائحاً، فاشتراه مع زميله علاء الدين البندقداري، ومنه أخذ اسمه.
وقال الذهبي: اشتراه الأمير علاء الدين البندقداري الصالحي فطلع بطلاً شجاعاً نجيباً لا ينبغي أن يكون إلا عند ملك، فأخذه الملك الصالح منه.

ولما اشتراه الملك الصالح أعتقه وجعله من جملة مماليكه، وقدمه على طائفة الجمدارية لما رأى من فطنته وذكائه، وحضر مع أستاذه الملك الصالح واقعة دمياط..

بطل موقعة المنصورة

عندما قرر الصليبيون الزحف نحو القاهرة توفي الملك الصالح أيوب، وكانت محنة عظيمة ألمت بالمسلمين، وكان عمره عند وفاته 44 سنة، وقد عهد لولده

شخصيات صنعت لها تاريخ 010tdoni8

الملك المعظم تورانشاه ولم يكن موجوداً في مصر، وظهرت على مسرح الأحداث زوجته شجرة الدر وأدركت خطورة إذاعة خبر وفاة زوجها نجم


الدين على الجند، فقررت إخفاء خبر الوفاة، ولم يعرف ذلك إلا الخاصة وقدمت وثيقة تحمل توقيع السلطان بتعيين إسمه تورنشاه قائداً عاماً للجيوش


ونائباَ للسلطان اثناء مرضه، وخلال ذلك كان الصليبيون يتحركون جنوباً ووصلوا إلى مدينة فارسكور في الثاني عشر من ديسمبر 1249م، ومنها تقدموا إلى شار مساح ثم البرامون واصبح بحر أشمون هو الفاصل بين المسلمين


والصليبيين، وعند هذه المرحلة توقفت القوات الصليبية واقامت معسكرها على الضفة الشمالية وعملت على تأمين معسكرها بحفر الخنادق وإقامة المتاريس وظلوا على هذا حوالي شهر ونصف، ثم شرعوا في بناء جسر ليعبروا

شخصيات صنعت لها تاريخ 010wiehz8

عليه على الضفة الجنوبية لبحر أشموم، ولم تكن عملية إقامة الجسر بالأمر الهين، فقد أمطرهم المسلمون وابلاً من القذائف ولم يتمكنوا من إقامته وأخيراً نجح الصليبيون في التعرف على مخاضة دلهم عليها أحد الأقباط ، بعدها تمكنوا من


العبور إلى المعسكر الإسلامي وكانت خطة الملك لويس أن يعبر هو واخوته وجزء كبير من الجيش المخاضة إلى الجنوب، ويقوم بقية الجيش الصليبي بحراسة المعسكر الصليبي، وبعد إتمام عملية العبور تقوم الفرقة المخصصة


للحراسة باستكمال عملية إقامة الجسر، وإذا تم النصر على القوات الإسلامية في المنصورة يتقدم الجيش الصليبي إلى القاهرة، وكان في طليعة القوات الصليبية الكونت آرتو الذي شن على القوات الإسلامية المواجهة له هجوماً،


وحقق نصراً عليها، وعندما وصلت هذه الأخبار إلى الأمير فخر الدين أسرع بدعوة القوات الإسلامية والتحم مع الصليبيين في معركة عنيفة وقع فيها فخر


الدين شهيداً، فغسل بذلك عار إنسحابه من جيزة دمياط واغتر الكونت آرتو بالنصر الذي أحرزه ولم يبال بأوامر الملك لويس التاسع ونصائح القادة الصليبيين بالتريث حتى تتكامل القوات الصليبية وأراد أن ينفرد بشرف النصر لنفسه.


اغتر روبرت آرتو بقوته، وتابع زحفه إلى المنصورة لاقتحامها، والقضاء على الجيش الأيوبي، وأعرض عن توسلات الراوية بأن ينتظر وصول الملك والجيش الرئيسي، ونصحه بعضهم بالحيطة والحذر، ثم بادر، باقتحام المنصورة،


فأضحت المنصورة ساحة لحرب الشوارع !!!


وتولى قيادة المسلمين الأمير بيبرس البندقاري فأقام جنده في مراكز منيعة داخل المدينة، وانتظروا حتى تدفق الصليبيون بجموعهم إلى داخلها، ولما أدركوا أنهم بلغوا أسوار القلعة التي إتخذها المصريون مقراً لقيادتهم، خرج عليهم المماليك في الشوارع والحارات والدروب وأمعنوا في قتالهم،


ولم يستطع الصليبيون أن يلتمسوا لهم سبيلاً إلا الفرار، فوقع الاضطراب بين الفرسان ولم يفلت من القتل إلا من ألقى بنفسه في النيل، فمات غريقاً أو كان يقاتل في أطراف المدينة.، وكانت المنصورة مقبرة الجيش الصليبي ...


تعددت صور شجاعة هؤلاء المماليك في التعدي لأعداء الإسلام وشهد التاريخ ببسالة الدور الذي لعبه المماليك في مقاومة الصليبيين


فذكر جوانقيل آن الكونت بواتييه والكونت فلاندر


وبعض قادة قواتهم أنهم كانوا يرسلون إلى الملك لويس يتوسلون إليه: أن يقصر عن الجريمة لعجزهم عن متابعته لضغط المماليك الشديد عليهم. ويقول ثم جاء للكونتابل جندي كان يعمل صولجاناً ويرتجف خوفاً وأخبره أن الترك


قد أحدقوا بالملك وأنه في خطر عظيم فرجعنا، وأبصرنا بيننا وبينه ما لا يقل عن ألف مملوك والملك قريب من النهر والمماليك يدفعون قواته ويضربون


السيوف والصولجانات وأرغم القوات الأخرى على التقهقر....
شخصيات صنعت لها تاريخ 010xblst8

وقد وصفهم أحد المؤرخين عن تلك المعركة بقوله: والله لقد كنت أسمع زعقات الترك كالرعد القاصف ونظرت إلى لمعان سيوفهم وبريقها كالبرق الخاطف فلله درهم لقد أحيوا في ذلك اليوم الإسلام من جديد بكل أسد من الترك قلبه من حديد، فلم تكن إلا ساعة وإذا بالأفرنج قد ولوا عل أعقابهم منهزمين وأسود الترك لأكتاف خنازير الأفرنج ملتزمين.


ولم يقو الملك على القتال ، وتم تطويق الجيش بأكمله، وحلت به هزيمة منكرة، ووقع كل أفراده تقريباً بين قتلى وجرحى وأسرى، حيث سيق مكبلاً إلى المنصورة، وسُجن في دار فخر الدين إبراهيم بن لقمان وعُهد إلى الطواش


صبيح بحراسته وخُصّص من يقوم بخدمته، وكانت معظم الحرب في فارسكور، فبلغت عدَّة القتلى عشر’ آلاف في قول المقل وثلاثين ألفاً في قول المكثر وأسر


من الفرنج عشرات الألوف بما فيهم صناعهم وسوقتهم، وغنم المسلمون من الخيل والبغال والأموال ما لا يحصى كثرة وأبلت الطائفة المملوكية البحرية


لا سيما بيبرس البندقداري فقد أبلي في هذه المعركة بلاءاً حسناً برز بيبرس عندما قاد جيش المماليك في المنصورة ضد الصليبيين فقد شن الفرنجة هجوماً مباغتاً على الجيش المصري مما تسبب بمقتل قائد الجيش فخر الدين بن


الشيخ وارتبك الجيش وكادت أن تكون كسرة إلا أن خطة معركة أو مصيدة المنصورة التي رتبها بيبرس، القائد الجديد للمماليك الصالحية أو البحرية وبموافقة شجرة الدر التي كانت الحاكمة الفعلية لمصر قي تلك الفترة بعد موت


زوجها سلطان مصر الصالح أيوب. فقاد الهجوم المعاكس في تلك المعركة ضد الفرنج، وتسبب بنكبتهم الكبرى في المنصورة. التي تم فيها أسر الملك الفرنسي لويس التاسع وحبسه في دار ابن لقمان.

شخصيات صنعت لها تاريخ 010lbkzh8


وتضمنت انتصارات المماليك على الصليبيين أنهم استطاعوا الاستيلاء على ثمانين سفينة من سفن الصليبيين بعد أن قاموا بسحب بضعة سفن من سفن


المسلمين إلى اليابسة وأنزلوها ثانية إلى الماء على بعد فرسخ من شمال معسكرهم فاستحالت عودة الفرنج الذين ذهبوا إلى دمياط لجلب المؤنة،وتم قتل جميع بحارة الثمانين سفينة كما استولوا على اثنين وثلاثين مركباً مما أضعفهم وطلبوا الصلح.


لويس التاسع في الأسر وشروط الصلح


لم يهتم المسلمون كثيراً، بعد إنتصارهم، بأمر دمياط، ونظروا إلى أبعد من ذلك ففكَّروا باسترداد ما بأيدي الصليبيين في بلاد الشام، فاستغلوا وجود الملك الفرنسي في الأسر لتحقيق هذه الغاية، لكن لويس التاسع أجاب بأن هذه
شخصيات صنعت لها تاريخ Ebnlokman
دار بن لقمان التي أُسر فيها لويس التاسع


البلاد ليست في أملاكه، بل تخص الملك كونراد ابن الإمبراطور فريدريك الثاني، وعبثاً حاول تورانشاه إرغامه على الاعتراف وأصرَّ لويس التاسع على
رأيه، وقال: أنه أسيرهم، ولهم أن يفعلوا به ما يشاؤون، فبادر تورنشاه إلى إغفال هذا الموضوع لكنه قرَّر غزو بلاد الشام، وغالى في شروط الصلح، إذ كان لزاماً على الملك الفرنسي أن:


ـ يفتدى نفسه بأن يؤدي مليون بيزنتة وهذا مبلغ كبير.
ـ يُطلق سراح عدد كبير من الأسرى المسلمين.
ـ يسلم دمياط إلى المسلمين.
ـ يستمر الصلح مدة عشر سنوات.


وافق الملك الفرنسي على هذه الشروط، وأقسم الطرفان على احترامها، وانتظر لويس لبعض الوقت حيث كانت زوجته تعاني آلام الوضع، وأرسل بعض رجاله إلى دمياط لتسليمها للمسلمين، ودخلت القوات المدينة في السابع


من مايو بعدما ظلت في أيدي قوات لويس ما يقرب من عام، ودفع لويس نصف الفدية حسبما اتفق عليه وأطلق سراح الصليبيين من البر الشرقي إلى جيزة دمياط، ثم تابعهم باقي الصليبيين.

شخصيات صنعت لها تاريخ 010agsev8

لويس التاسع جاثي ويقدم الفدية
وفي يوم الأحد الربع من صفر عام 648هـ الموافق الثامن من مايو عام 1250م أقلعت سفن الفرنج واتخذت طريقها إلى عكا حاملة فلول الحملة بعد أن أنهكتها الهزائم وحلت بها الكوارث.


من أسباب هزيمة الصليبيين في الحملة الصليبية السابعة


ساهمت مجموعة من الأسباب في هزيمة الحملة الصليبية السابعة والتي من أهمها:
أ ـ التطوير العسكري في الجيش الأيوبي.
ب ـ وحدة الصف الإسلامي.
جـ ـ هيبة القيادة الإسلامية.
ح ـ نزول العلماء والفقهاء أرض الجهاد.
خ ـ جهل الفرنجة بجغرافية البلاد الإسلامية.
د ـ خطأ كبير في تقدير العامل الزمني.
ذ ـ العصيان وعدم الطاعة عند الصليبيين.
ر ـ إنحلال الحملة السابعة خلقياً.
ز ـ فتور الروح الدينية عند الصليبيين.
س ـ التهور وقصور النظر.


نتائج الحملة الصليبية السابعة


لقد ترتب على هزيمة لويس التاسع عام 1250م/648هـ مجموعة من النتاج من أهمها:
إرتفاع شأن ومكانة المماليك: فقد تبين بوضوح الدور البارز الذي قام به المماليك في معركة فارسكور وكيف أن جهادهم أعداء الإسلام كلل بالنجاح، وفي حقيقة الأمر، أن ذلك الدور كان له أثره في ارتفاع شأنهم


وبذلك سيصبح لهم السند التاريخي في الوصول إلى العرش، وليس غريباً أن العام الذي شهد الانتصار على الغزاة وهو عام 1250م/648هـ هو ذاته


الذي شهد نهاية تورانشاه لتنتهي الدولة الأيوبية، ويتم إفساح الطريق لدولة المماليك الأفذاذ لتدافع عن الإسلام، بقوة وعزم
ونشاط وحيوية جهادية رائعة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 12:38 am

أبو القاسم عباس بن فرناس بن فرداس مخترع وفيلسوف وشاعر أندلسي من قرطبة. عاش في عصر الخليفة الأموي الحكم بن هشاموعبدالرحمن الناصر لدين اللهومحمد بن عبد الرحمن الأوسط في القرن التاسع للميلاد. كان له اهتمامات في الرياضياتوالفلكوالكيمياءوالفيزياء. اشتهر أكثر ما اشتهر بمحاولته الطيران إذ يعده العرب والمسلمين أول طيار في التاريخ. توفي في حدود عام 888 م.
تبحره في الشعر و معرفته في الفلك مكنتا له من ان يدخل الى مجلس عبدالرحمن الناصر لدين الله المعروف بالثاني. ولكنه استمر في التردد على مجلس خليفته في الحكم محمد بن عبد الرحمن الأوسط (852-886), لكثرة اختراعاته, و التي ذكر بعضها المؤرخون. اخترع ابن فرناس ساعة مائية سماها ، الميقاتا. وهو اول من وضع تقنيات التعامل مع الكريستال; صنع عدة ادوات لمراقبة النجوم.

طيران ابن فرناس في متحف ابن بطوطة باسبانيا

ومن الواضح حسب المصادر أن عباس بن فرناس قام بتجربته في الطيران بعد أبحاث وتجارب عدة وقد قام بشرح تلك الأبحاث أمام جمع من الناس دعاهم ليريهم مغامرته القائمة على الأسس العلمية، ويقول أحد المؤرخين «فاحتال في تطيير جثمانه، وكسا نفسه الريش على الحرير، فتهيأ له أن استطار في الجو ، فحلق فيه حتى وقع على مسافة بعيدة».

يعتبره المسلمون كما ورد او انسان يحاول الطيران ، 1000 قبل كليمون ادار. في ليبيا تم صنع طابع بريد يصور محاولته الطيران ، في العراق تم وضع تمثال له على طريق مطار بغداد الدولي, و سمي مطار اخر شمال بغداد باسمه مطار ابن فرناس.
تكريما له سمي جزء من القمر باسمه و يعرف بابن
فرناس لونر كورتر.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 12:40 am

..........ز


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الخميس 17 يوليو 2014, 11:04 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 12:44 am

شخصيات صنعت لها تاريخ 180px-Helen_Keller

هيلين كِلر

عمياء ,, صماء ,, عميدة الأدب الإنجليزي ..!





هيلين كـِلر (بالإنجليزية: Helen Adams Keller)، ( مواليد 27 يونيو 1880 - 1 يونيو 1968). أديبة

ومحاضرة وناشطة أمريكية، وهي تعتبر إحدى رموز الإرادة الإنسانية، حيث إنها كانت فاقدة السمع

والبصر، واستطاعت أن تتغلب على إعاقتها وتم تلقيبها بمعجزة الإنسانية لما قاومته من إعاقتها حيث أن مقاومة تلك الظروف كانت بمثابة معجزة.


شخصيات صنعت لها تاريخ Helenkellerage7

السيرة الذاتية

أعجوبة المعاقين في كل العصور

ولدت هيلين كيلر في مدينة ’’ تسكمبيا ’’ من أعمال ولاية ألاباما بالولايات المتحدة الأمريكية عام

1880 م ، وهي ابنة الكابتن آرثر كلير وكايت ادامز كيلير .

وتعود اصول العائلة إلى المانيا.


لم تولد هيلين عمياء وصماء لكن بعد بلوغها تسعة عشر شهرًا أُصيبت بمرض شخصه الاطباء أنه

التهاب السحايا والحمى القرمزية أفقدها السمع والبصر، في ذلك لوقت كانت تتواصل مع الاخرين

من خلال مارثا واشنطن ابنة طباخة العائلة التي بدأت معها لغة الاشارة , وعند بلوغها السابعة أصبح لديها 60 إشارة تتواصل بها مع عائلتها.

في سنة 1886 ألهمت والدتها بقصة لورا بردجمام التى كانت أيضا عمياء وصماء واستطاعت الحصول على شهادة في اللغة الانجليزية .

فذهبت إلى مدينة بالتيمور لمقابلة طبيب مختص بحثا عن نصيحة، فأرسلها إلى ألكسندر غراهام

بل الذي كان يعمل آنذاك مع الاطفال الصم فنصح والديها بالتوجه إلى معهد بركينس لفاقدي البصر

حيث تعلمت لورا بردجهام .وهناك تم اختيار المعلمة آن سوليفان التى كانت في العشرين من

عمرها لتكون معلمة هيلين وموجهتها ولتبدأ معها علاقة استمرت 49 سنة.


حصلت آن على إذن وتفويض من العائلة لنقل هيلين الي بيت صغير في حديقة المنزل بعيدا عن

العائلة،لتعلّم الفتاة المدللة بطريقة جديدة فبدأت التواصل معها عن طريق كتابة الحروف في كفها

وتعليمها الاحساس بالاشياء عن طريق الكف. فكان سكب الماء على يدها يدل عن الماء وهكذا

بدأت التعلم ومعرفة الاشياء الأخرى الموجودة حولها ومن بينها لعبتها الثمينة.

في سنة 1890 عرفت هيلين بقصة الفتاة النرويجية راغنهيلد كاتا التى كانت هي أيضا صماء وبكماء

لكنها تعلمت الكلام. فكانت القصة مصدر إلهام لها فطلبت من معلمتها تعليمها الكلام وشرعت آن

بذلك مستعينة بمنهج تادوما عن طريق لمس شفاه الاخرين وحناجرهم عند الحديث وطباعة الحرف

على كفها. لاحقا تعلمت هيلين طريقة برايل للقراءة فاستطاعت القراءة من خلالها ليس فقط باللغة الانجليزية ولكن ايضا بالالمانية واللاتينية والفرنسية واليونانية.

بعد مرور عام تعلمت هيلين تسعمائة كلمة، واستطاعت كذلك دراسة الجغرافيا بواسطة خرائط صنعت على أرض الحديقة كما درست علم النبات.

وفي سن العاشرة تعلمت هيلين قراءة الأبجدية الخاصة بالمكفوفين وأصبح بإمكانها الاتصال بالآخرين عن طريقها.

ثم في مرحلة ثانية أخذت سوليفان تلميذتها إلى معلمة قديرة تدعى (سارة فولر) تعمل رئيسة

لمعهد (هوارس مان) للصم في بوسطن وبدأت المعلمة الجديدة مهمة تعليمها الكلام، بوضعها يديها

على فمها أثناء حديثها لتحس بدقة طريقة تأليف الكلمات باللسان والشفتين.

وانقضت فترة طويلة قبل أن يصبح باستطاعة أحد أن يفهم الأصوات التي كانت هيلين تصدرها.


شخصيات صنعت لها تاريخ 250px-HK-gradpic

لم يكن الصوت مفهوماً للجميع في البداية، فبدأت هيلين صراعها من أجل تحسين النطق واللفظ،

وأخذت تجهد نفسها بإعادة الكلمات والجمل طوال ساعات مستخدمة أصابعها لالتقاط اهتزازات حنجرة المدرسة وحركة لسانها وشفتيها وتعابير وجهها أثناء الحديث.

وتحسن لفظها وازداد وضوحاً عاماً بعد عام في ما يعد من أعظم الانجازات الفردية في تاريخ تريبة وتأهيل المعوقين.

ولقد أتقنت هيلين الكتابة وكان خطها جميلاً مرتباً.

ثم التحقت هيلين بمعهد كامبردج للفتيات، وكانت الآنسة سوليفان ترافقها وتجلس بقربها في

الصف لتنقل لها المحاضرات التي كانت تلقى وأمكنها أن تتخرج من الجامعة عام 1904م حاصلة على بكالوريوس علوم في سن الرابعة والعشرين.

ذاعت شهرة هيلين كيلر فراحت تنهال عليها الطلبات لالقاء المحاضرات وكتابة المقالات في الصحف والمجلات.

بعد تخرجها من الجامعة عزمت هيلين على تكريس كل جهودها للعمل من أجل المكفوفين،

وشاركت في التعليم وكتابة الكتب ومحاولة مساعدة هؤلاء المعاقين قدر الإمكان.

وفي أوقات فراغها كانت هيلين تخيط وتطرز وتقرأ كثيراً، وأمكنها أن تتعلم السباحة والغوص وقيادة العربة ذات الحصانين.

ثم دخلت في كلية (رادكليف) لدراسة العلوم العليا فدرست النحو وآداب اللغة الانجليزية، كما درست اللغة الألمانية والفرنسية واللاتينية واليونانية.

ثم قفزت قفزة هائلة بحصولها على شهادة الدكتوراة في العلوم والدكتوراة في الفلسفة

شخصيات صنعت لها تاريخ 250px-Helenkellerannesullivan1898
كتاباتها


ألفت هيلين كتاب ( أضواء في ظلامي)وكتاب (قصة حياتي في 23 فصلا و132صفحة في 1902) ، وكانت وفاتها عام 1968م عن ثمانية وثمانين عاماً.

واحدة من عباراتها الشهيرة:

"عندما يُغلق باب السعاده ، يُفتح آخر ، ولكن في كثير من الاحيان ننظر طويلا إلى الأبواب المغلقه بحيث لا نرى
الأبواب التي فُتحت لنا"


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 12:47 am

ابن جبير.. الجغرافي الفاضل

عالم جغرافي شهير، تنقَّل بين الكثير من الأقطار الإسلامية، واصفًا لها وصفًا دقيقًا، وكانت لرحلاته عظيم الأثر في كل من جاء بعده، وأراد أن يسلك نفس هذا الدرب.

نسبه ومولده ودراسته

شخصيات صنعت لها تاريخ 6635_image002

هو محمد بن أحمد بن جبير الكناني البلنسي، وُلد في العاشر من شهر ربيع الأول 540هـ/ 1145م في بلنسية، وينحدر من أسرة عربية عريقة، سكنت الأندلس عام 123هـ/ 740م قادمة من المشرق مع القائد المشهور بلج بن بشر بن عياض القشيري، وكان اسم جبير من الأسماء المحببة إلى أسرته، فقد حمله الكثيرون مِنْ قبله.

وقد أتم ابن جبير دراسته في شاطبة حيث كان يعمل والده موظَّفًا فيها، وقد شغف أول ما شغف بعلوم الدين فسمعها من أبيه، وأخذ القرآن عن أبي الحسن بن أبي العيش، ولكن ميوله برزت في العلوم الدنيوية أيضًا؛ إذ يَسَّرَتْ له مواهبُه الشعرية -من ناحية أخرى- نجاحًا في الأوساط الرسمية؛ مما جعله يحتلُّ منصب كاتبٍ لدى حاكم غرناطة أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن من الموحِّدين، ولم يلبث أن كسب الشهرة كاتبًا وشاعرًا، تُروى له عدة قصائد متفرقة، فضلاً عن ديوان شعر، كما ترك رسائل نثرية لها شهرتها في الأدب[1].
ومن شعره:
تَأَنَّ فِي الأَمْرِ لا تَكُنْ عَجِلاً *** فَمَنْ تَأَنَّى أَصَابَهُ أَوْ كَادَ أَن[2]

ومن نظمه:
فَكَمْ رَجَاهُ فَنَـالَ بُغْيَتَـهُ *** عَبْدٌ مُسِيءٌ لِنَفْسِـهِ كَادَا
وَمَنْ تَطُلْ صُحْبَةُ الزَّمَانِ لَهُ *** يَلْقَ خُطُوبًا بِـهِ وَأَنْكَادَا[3]

أخلاقه وثناء العلماء عليه

لقد كان ابن جبير كريم الخلق، ويتمتع بعاطفة دينية قوية، فكان يختم كل كلامه بالدعاء إلى الله تعالى والتوكُّل عليه جلَّ جلاله، كما دفعه تديُّنه إلى الدعاء للمدن التي مرَّ بها؛ فكان يدعو الله أن يحرس تلك المدن، وأن يُحَرِّرَ المحتلَّ منها؛ فقال: يحرسها الله، وعمرها الله، وحماها الله، وأعادها الله[4].

لقد نال ابن جبير الكثير من الثناء من علماء المسلمين؛ فها هو ذا المقري يقول عنه: "وسمع من أبيه بشاطبة، ومن أبي عبد الله الأصيلي، وأبي الحسن بن أبي العيش، وأخذ عنه القراءات، وعني بالأدب فبلغ الغاية فيه، وتقدَّم في صناعة القريض والكتابة"[5].

وقال عنه لسان الدين بن الخطيب: "كان أديبًا بارعًا، شاعرًا مجيدًا، سنيًّا فاضلاً، نزيه الهمة، سري النفس، كريم الأخلاق، أنيق الطريقة في الخط، كتب بسبتة عن أبي سعيد عثمان بن عبد المؤمن، وبغرناطة عن غيره من ذوي قرابته، وله فيهم أمداح كثيرة. ثم نزع عن ذلك، وتوجه إلى المشرق، وجرت بينه وبين طائفة من أدباء عصره مخاطبات ظهرت فيها براعته وإجادته. ونظمه فائق، ونثره بديع، وكلامه المرسل سهل حسن، وأغراضه جليلة، ومحاسنه ضخمة، وذكره شهير، ورحلته نسيجة وحدها[6]، طارت كل مطار، رحمه الله"[7].

رحلات ابن جبير

تبدأ قصته مع الرحلات عندما استدعاه أمير غرناطة يومًا؛ ليؤلف كتابًا وهو في مجلس شرابه، وحَدَثَ أن دفع إليه الأمير كأسًا، فأظهر ابن جبير الانقباض، وقال: يا سيدي، ما شربتها قَطُّ. فقال: والله لتشربنَّ منها سبعًا. فلمَّا رأى العزيمة شرب سبع كئوس، فملأ له السيد الكأس من دنانير سبع مرات، وصبَّ ذلك في حجره، فحمله إلى منزله وأضمر أن يجعل كفَّارة شربه الحجَّ[8]، فباع بعض عقاراته، وأضاف ثمنه إلى عطية الأمير، وما هي إلا أيام حتى استأذن من الأمير في الحجِّ، ولكي لا يحول دون سفره، أبلغه أنه أقسم قسمًا لا رجعة فيه أن يحجَّ في تلك السنة، فأذن له[9].

رحلته الأولى

ترك ابن جبير غرناطة عام 578هـ، وقصد مكة حاجًّا، فذهب إلى سبتة، ومنها إلى سردينيا، حيث رأى أسرى المسلمين يباعون في سوق العبيد؛ فأحس بالألم، وأدرك أن ما أصاب هؤلاء البؤساء إنما هو نتيجة تفكك العالم الإسلامي يومئذ؛ ولذلك اتجه إلى تسجيل كل مشاهداته ليقف عليها المسلمون، وليعلموا إلى أي مدى يجب أن تَتَّحِدَ كلمتهم، وأن يُصلحوا أحوالهم؛ حتى يستطيعوا مواجهة الأخطار التي تواجههم[10].

ثم وصلت سفينته إلى الإسكندرية، ودخل المدينة ولما رأى منارة الإسكندرية الشاهقة الارتفاع جذبت انتباهه، كما وقف طويلاً عند بعض آثارها، وبعد ثمانية أيام غادر الإسكندرية إلى القاهرة، ثم غادرها إلى صعيد مصر، فوصل بلدة قوص، التي مرَّ فيها بالصحراء الشرقية إلى البحر الأحمر؛ ليستقل سفينة من ميناء عيذاب، وهو المرفأ المعهود للحجاج على البحر الأحمر، ليصل إلى جدَّة، وأخذ قافلة إلى مكة، حيث أقام هناك حوالي نصف عام، ثم زار المدينة.

ويصف ابن جبير المشاهد التي شاهدها أثناء رحلته، مثل منارة الإسكندرية قائلاً: "ومن أعظم ما شاهدناه من عجائبها المنار الذي قد وضعه الله عز و جل -على يَدَيْ من سُخِّر لذلك- آية للمتوسمين، وهداية للمسافرين، لولاه ما اهتدوا في البحر إلى برِّ الإسكندرية، يظهر على أَزْيَد من سبعين ميلاً، ومبناه في غاية العتاقة والوثاقة طولاً وعرضًا، يزاحم الجوَّ سموًّا وارتفاعًا، يقصر عنه الوصف، وينحسر دونه الطرف، الخبر عنه يضيق، والمشاهدة له تتسع"[11].

وكان مما شاهده ابن جبير أثناء رحلته مستشفى المجانين بمدينة القاهرة، فيتحدث عنه قائلاً: "ومما شاهدناه أيضًا من مفاخر هذا السلطان[12] المارستان الذي بمدينة القاهرة، وهو قصر من القصور الرائقة حسنًا واتساعًا، أبرزه لهذه الفضيلة تأجُّرًا واحتسابًا (أي طلبًا للأجر والثواب)، وعيَّن قيِّمًا من أهل المعرفة وضع لديه خزائن العقاقير، ومكَّنه من استعمال الأشربة وإقامتها على اختلاف أنواعها، ووُضِعَتْ في مقاصير[13] ذلك القصر أسِرَّة يتخذها المرضى بكرة وعشية، فيقابلون من الأغذية والأشربة بما يليق بهم.
وبإزاء هذا الموضع موضع مقتطع للنساء المرضى، ولهن أيضًا من يكفلهن، ويتصل بالموضعين المذكورين موضع آخر متسع الفناء، فيه مقاصير عليها شبابيك الحديد، اتخذت محابس للمجانين، ولهم أيضًا من يتفقد في كل يوم أحوالهم، ويقابلها بما يصلح لها"[14].

وتوجَّه ابن جبير إلى الكوفة، وتوقف في بغداد وسامراء، فالموصل فحلب، ومنها انحدر إلى دمشق، التي أمضى بها بضعة أشهر قبل أن يغادر الأراضي الإسلامية؛ لأن سواحل الشام كانت آنذاك في أيدي الصليبيين.

وقد تعرَّف ابن جبير على المشرق وهو لا يزال ينعم بالازدهار في عهد صلاح الدين، فدوَّن مشاهداته بأسلوب بارع، ومن ميناء عكا ركب ابن جبير سفينة إلى صقلية، وبعد رحلة شاقة استطاع أن يتعرَّف على الجزيرة، فصوَّر الحضارة الزاهرة التي وجدها في صقلية في عهد غليوم الصالح النورماندي، مؤكِّدًا أنها لا تزال إسلامية في المحلِّ الأول، ثم عاد إلى غرناطة بطريق قرطاجنة عام 581هـ/ 1185م بعد غياب دام أكثر من عامين[15].

ويتحدث ابن جبير عن صقلية قائلاً: "وطول هذه الجزيرة... سبعة أيام، وعرضها مسيرة خمسة أيام، وبها جبل البركان المذكور، وهو يأتزر[16] بالسُّحب لإفراط سموِّه، ويُعَمُّ بالثلج شتاءً وصيفًا دائمًا، وخصب هذه الجزيرة أكثر من أن يُوصف، وكفى بأنها ابنة الأندلس في سعة العمارة، وكثرة الخصب والرفاهة، مشحونة بالأرزاق على اختلافها، مملوءة بأنواع الفواكه وأصنافها"[17].

رحلته الثانية

لقد قام ابن جبير برحلته الثانية في عام 585هـ/ 1189م عندما بلغه نبأ فتح بيت المقدس على يد صلاح الدين الأيوبي 583هـ/ 1187م، الذي تعلَّقت به آنذاك أنظار المسلمين كبطل يعرف كيف يحقق الانتصارات، واستمرَّت هذه الرحلة سنتين[18].

رحلته الثالثة

بدأت هذه الرحلة من سبتة عام 601هـ/ 1204م، وكان قد بلغ الثالثة والسبعين من عمره، وقد أحزنه وفاة زوجته، ونظم فيها ديوانه: (نتيجة وَجْدِ الجوانح في تأبين القرين الصالح)، ولم يرجع ابن جبير بعد رحلته الثالثة إلى مسقط رأسه، بل أمضى أكثر من عشرة أعوام متنقلاً بين مكة وبيت المقدس والإسكندرية، مشتغلاً بالتدريس والأدب، إلى أن لقي ربه عام 614هـ/ 1217م بالإسكندرية[19].

مميزات رحلاته واهتمام المستشرقين

وأهم ما يُمَيِّز رحلاته تلك أنها مكتوبة بشكل مذكرات يومية، مع كل مشهد وكل بلدة مرَّ بها ابن جبير باليوم والشهر، ولم يكتب ابن جبير رحلته في شكل كتاب بل كانت أوراقًا منفصلة، جمعها أحد تلاميذه، ونشرها في كتاب باسم: (تذكرة بالأخبار عن اتفاقات الأسفار)، ثم أُطلق عليه في العصر الحديث (رحلة ابن جبير)[20].

ولذا صار كتاب (رحلة ابن جبير) من أهم المصادر الرئيسية للباحثين في كلٍّ من التاريخ والجغرافية والأدب، ويذكر آنخل جنثالث بالنثيا في كتابه (تاريخ الأندلس) أن رحلة ابن جبير أشبه ما تكون بمذكرات شخصية ويوميات سفر صيغت بأسلوب بارع وبكلام سهل بسيط الأحاسيس، فكانت رحلته ذات صفة أدبية، مع العناية بالرسم والوصف، والاهتمام بالمعاهد الثقافية وبالمدارس الدينية، ودراسة الأوضاع والعلاقات الاجتماعية، وهذا كله ينمُّ عن موهبة أدبية أصيلة، وكل هذا يُضفي على الرحلة صفة التنوُّع والشمول[21].

كما استفاد من رحلة ابن جبير كبار المفكرين في الحضارة العربية والإسلامية؛ أمثال: العبدري، والبلوي، والمقريزي، والمقري، وابن بطوطة، وغيرهم؛ فابن بطوطة الذي يُعتبر أستاذ الرحلات الجغرافية نقل جميع المعلومات الخاصة في كل من حلب ودمشق وبغداد من كتاب (رحلة ابن جبير)، ووضعها في مؤلفاته الخاصة في هذا المجال. والجدير ذكره أن أي باحث يرغب أن يكتب عن الجزيرة العربية، أو جزيرة صقلية، أو الأندلس لا بُدَّ له أن يرجع لكتاب (رحلة ابن جبير)[22].

ولقد اهتمَّ المستشرقون بكتاب ابن جبير، فترجموا القسم المختص منه بصقلية إلى الفرنسية وطبع عام 1846م، ثم حققه ونشره وليم رايت في ليدن عام 1852م، ثم راجع المحقق نفسه ما طبعه واشترك في تصحيحه جماعة من كبار المستشرقين؛ هم: دوزي، وروبرتسون سميث، ودي غويه، وأعادوا نشرها عام 1907م. وحقق أماري القسم الخاص بصقلية من الرحلة، ونشره مع ترجمة فرنسية في المجلة الآسيوية، واعتمد على الرحلة كرولا في بحثه عن صقلية في العهد النورماندي. ثم تَوَّج الإيطاليون عنايتهم البالغة برحلة ابن جبير بأن عمد كلستينو شيابرلي إلى ترجمة النص كله، ونشره في روما سنة 1906م[23].

شهادة علماء الغرب

لقد نال ابن جبير إعجاب وتقدير علماء الغرب، فها هو ذا المستشرق الروسي كراتشكوفسكي يتحدث عن رحلته قائلاً: "تُعتبر رحلة ابن جبير من الناحية الفنية ذروة ما بلغه نمط الرحلة في الأدب العربي... فإن أسلوبه يمتاز بالكثير من الحيوية وسهولة التعبير؛ مثال ذلك ما وصفه لجمارك الإسكندرية، أو لكارثة السفينة على سواحل صقلية، أمَّا عرضه العام فيستهدف الصنعة والأناقة، وهو كثيرًا ما يلجأ إلى السجع، الذي يعالجه بالكثير من المهارة دون أن يبالغ فيه، أو يضطر القارئ إلى تكلف الجهد في تفهمه. كما يشحن كتابته بالاقتباسات الأدبية والإشارات اللطيفة؛ مما يتطلَّب درجة معينة من المعرفة والاطّلاع، حتى يضحى مفهومًا للقارئ. وبعدُ، فهذا مصنف رفيع الأسلوب يختم بجدارة حلقة الجغرافيين الأندلسيين لهذا العصر"[24].

وفاة ابن جبير

توفِّي ابن جبير بالإسكندرية عام 614هـ/ 1217م بعد أن جاوز الاثنين والسبعين من عمره، وبعد أن طاف الكثير من بلدان العالم الإسلامي.

لقد كان ابن جبير من أشهر جغرافيي المسلمين، ومن أعظم مَنْ قام برحلات في بلاد المسلمين؛ لذا اعتمد الكثير على كتبه، سواء كان من المسلمين أو من غير المسلمين.


راغب السرجاني
***
[1] د/ عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص409.
[2] الفاسي: ذيل التقييد في رواة السنن والأسانيد 1/41، 42.
[3] الذهبي: سير أعلام النبلاء 22/46، 47.
[4] رحلة ابن جبير ص6.
[5] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 2/382.
[6] نَسِيج وحدِها: يعني أنه ليس لها شبيه، ونسيج وحده: لا ثاني له. ابن منظور: لسان العرب، مادة وحد 3/446، والمعجم الوسيط ص917.
[7] لسان الدين ابن الخطيب: الإحاطة في أخبار غرناطة 2/231.
[8] المقري: نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب 2/385.
[9] د/ عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص409.
[10] د/ محمد الصادق عفيفي: تطور الفكر العلمي عند المسلمين ص287.
[11] رحلة ابن جبير ص14، 15.
[12] يقصد السلطان صلاح الدين الأيوبي رحمه الله.
[13] المقاصير: النواحي والجوانب، مفردها مقصورة ومَقْصَرة. ابن منظور: لسان العرب، مادة قصر 5/95، والمعجم الوسيط ص739.
[14] رحلة ابن جبير ص26.
[15] د/ عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص410.
[16] ائتزر به الشيءُ: أَحاطَ. ابن منظور: لسان العرب، مادة أزر 4/16، والمعجم الوسيط ص15.
[17] رحلة ابن جبير ص296، 297.
[18] د/ عبد الرحمن حميدة: أعلام الجغرافيين العرب ص410.
[19] المصدر السابق، الصفحة نفسها.
[20] شوقي ضيف: الرحلات ص71.
[21] عبد الله الدفاع: رواد علم الجغرافيا ص172.
[22] المصدر السابق ص174، 175.
[23] د/ رحاب خضر عكاوي: موسوعة عباقرة الإسلام 2/166.
[24] كراتشكوفسكي: تاريخ الأدب الجغرافي العربي، نقله إلى العربية صلاح الدين عث
مان هاشم 1/301.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 11:28 pm

شخصيات صنعت لها تاريخ 03csiye22

أسد الصحراء .. عمر المختار

ينتسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة, ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية.

تربى يتيما ..حيث وافت المنية والده مختار بن عمر وهو في طريقه إلى مكة المكرمة بصحبة زوجته عائشة.

تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور, ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسى قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، ولكنه لم يكمل تعليمه كما تمنى.
ظهرت عليه علامات النجابة ورزانة العقل،، فاستحوذ على اهتمام ورعاية أستاذه السيد المهدي السنوسى مما زاده رفعة وسمو، فتناولته الألسن بالثناء بين العلماء ومشايخ القبائل وأعيان المدن حتى قال فيه السيد المهدي واصفاً إياه “لوكان عندنا عشرة مثل عمر المختار لاكتفينا بهم”.
فقد وهبه الله تعالى ملكات منها جشاشة صوته البدوي وعذوبة لسانه واختياره للألفاظ المؤثرة في فن المخاطبة وجاذبية ساحرة لدرجة السيطرة على مستمعيه وشد انتباههم،

شارك عمر المختار في الجهاد بين صفوف المجاهدين في الحرب الليبية الفرنسية في المناطق الجنوبية (السودان الغربي) وحول واداي. وقد استقر المختار فترة من الزمن في قرو مناضلاً ومقاتلاً, ثم عين شيخاً لزاوية (عين كلك) ليقضي فترة من حياته معلماً ومبشراً بالإسلام في تلك الأصقاع النائية.

وبعد وفاة السيد محمد المهدي السنوسي عام 1902م تم استدعاؤه حيث عين شيخاً لزاوية القصور.


معلم يتحول إلى محارب :

عاش عمر المختار حرب التحرير والجهاد منذ بدايتها يوماً بيوم, فعندما أعلنت إيطاليا الحرب على تركيا في 29 سبتمبر 1911م, وبدأت البارجات الحربية بصب قذائفها على مدن الساحل الليبي, درنة وطرابلس ثم طبرق وبنغازي والخمس, كان عمر المختار في تلك الأثناء مقيما في جالو بعد عودته من الكفرة حيث قابل السيد أحمد الشريف, وعندما علم بالغزو الإيطالي سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس دور بنينه وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة إلى أن وصل السيد أحمد الشريف قادماً من الكفرة. وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي, أذكر منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم,
ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913, وعشرات المعارك الأخرى.

وحينما عين أميليو حاكماً عسكريا لبرقة, رأى أن يعمل على ثلاث محاور
الأول : قطع الإمدادات القادمة من مصر والتصدي للمجاهدين في منطقة مرمريكا
الثاني : قتال المجاهدين في العرقوب وسلنطه والمخيلي..
والثالث :قتال المجاهدين في مسوس واجدابيا.
لكن القائد الإيطالي وجد نار المجاهدين في انتظاره في معارك أم شخنب وشليظيمة والزويتينة في فبراير 1914م, ولتتواصل حركة الجهاد بعد ذلك حتى وصلت إلى مرحلة جديدة بقدوم الحرب العالمية الأولى.


بعد الانقلاب الفاشي في إيطالي في أكتوبر 1922, وبعد الانتصار الذي تحقق في تلك الحرب إلى الجانب الذي انضمت إليه إيطاليا. تغيرت الأوضاع داخل ليبيا واشتدت الضغوط على السيد محمد إدريس السنوسي, واضطر إلى ترك البلاد عاهداً بالأعمال العسكرية والسياسية إلى عمر المختار في الوقت الذي قام أخاه الرضا مقامه في الإشراف على الشئون الدينية.

بعد أن تأكد للمختار النوايا الإيطالية في العدوان قصد مصر عام 1923م للتشاور مع السيد إدريس فيما يتعلق بأمر البلاد, وبعد عودته نظم أدوار المجاهدين, فجعل حسين الجويفي على دور البراعصة ويوسف بورحيل المسماري على دور العبيدات والفضيل بوعمر على دور الحاسة, وتولى هو القيادة العامة.

بعد الغزو الإيطالي على مدينة اجدابيا مقر القيادة الليبية, أصبحت كل المواثيق والمعاهدات لاغية, وانسحب المجاهدون من المدينة وأخذت إيطاليا تزحف بجيوشها من مناطق عدة نحو الجبل الأخضر, وفي تلك الأثناء تسابقت جموع المجاهدين إلى تشكيل الأدوار والإنضواء تحت قيادة عمر المختار, كما بادر الأهالي إلى إمداد المجاهدين بالمؤن والعتاد والسلاح, وعندما ضاق الإيطاليون ذرعا من الهزيمة على يد المجاهدين, أرادوا أن يمنعوا عنهم طريق الإمداد فسعوا إلى احتلال الجغبوب ووجهت إليها حملة كبيرة في 8 فبراير 1926م, وقد شكل سقوطها أعباء ومتاعب جديدة للمجاهدين وعلى رأسهم عمر المختار, ولكن الرجل حمل العبء كاملاً بعزم العظماء وتصميم الأبطال.

ولاحظ الإيطاليون أن الموقف يملي عليهم الاستيلاء على منطقة فزان لقطع الإمدادات على المجاهدين, فخرجت حملة في يناير 1928م, ولم تحقق غرضها في احتلال فزان بعد أن دفعت الثمن غاليا. ورخم حصار المجاهدين وانقطاعهم عن مراكز تموينهم, إلا أن الأحداث لم تنل منهم وتثبط من عزمهم, والدليل على ذلك معركة يوم 22 أبريل التي استمرت يومين كاملين, انتصر فيها المجاهدون وغنموا عتادا كثيرا.


مفاوضات السلام في سيدي ارحومة :

وتوالت الانتصارات, الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة,
فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية, حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م, ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين.

تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده,وطلب مفاوضة عمر المختار, تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م,
واستجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. فذهب كبيرهم للقاء عمر المختار ورفاقه القادة في 19 يونيو1929م في سيدي ارحومه. ورأس الوفد الإيطالي بادوليونفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هوالتفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله..
وعندما وجد المختار أن تلك المفاوضات تطلب منه اما مغادرة البلاد إلى الحجاز اومصر أو البقاء في برقة و انهاء الجهاد ..والإستسلام مقابل الأموال والإغراءات, رفض كل تلك العروض, وكبطل شريف ومجاهد عظيم عمد إلى الاختيار الثالث وهو مواصلة الجهاد حتى النصر أو الشهادة.

تبين للمختار غدر الإيطاليين وخداعهم, ففي 20 أكتوبر 1929م وجه نداء إلى أبناء وطنه طالبهم فيه بالحرص واليقظة أمام ألاعيب الغزاة.
وصحت توقعات عمر المختار, ففي 16 يناير 1930م ألقت الطائرات بقذائفها على المجاهدين.

السفاح يتدخل :

دفعت مواقف المختار ومنجزاته إيطاليا إلى دراسة الموقف من جديد وتوصلت إلى تعيين غرسياني وهو أكثر جنرالات الجيش وحشية ودموية.. ليقوم بتنفيذ خطة إفناء وإبادة لم يسبق لها مثيل في التاريخ في وحشيتها وفظاعتها وعنفها وقد تمثلت في عدة إجراءات ذكرها غرسياني في كتابه “برقة المهدأة


قفل الحدود الليبية المصرية بالأسلاك الشائكة لمنع وصول المؤن والذخائر.
إنشاء المحكمة الطارئة في أبريل 1930م.

فتح أبواب السجون في كل مدينة وقرية ونصب المشانق في كل جهة.
تخصيص مواقع العقيلة والبريقة من صحراء غرب برقة البيضاء والمقرون وسلوق من أواسط برقة الحمراء لتكون مواقع الإعتقال والنفي والتشريد.
العمل على حصار المجاهدين في الجبل الأخضر واحتلال الكفرة.

إنتهت عمليات الإيطاليين في فزان باحتلال مرزق وغات في شهري يناير وفبراير 1930م ثم عمدوا إلى الإشباك مع المجاهدين في معارك فاصلة, وفي 26 أغسطس 1930م ألقت الطائرات الإيطالية حوالي نصف طن من القنابل على الجوف والتاج, وفي نوفمبر اتفق بادوليو وغرسياني على خط الحملة من اجدابيا إلى جالو إلى بئر زيغن إلى الجوف, وفي 28 يناير 1931م سقطت الكفرة في أيدي الغزاة, وكان لسقوط الكفرة آثار كبيرة على حركة الجهاد والمقاومة.


الأسد أسيرا :

في معركة السانية في شهر أكتوبر عام 1930م سقطت من الشيخ عمر المختار نظارته، وعندما وجدها أحد جنود الطليان وأوصلها لقيادته، فرائها غراتسياني فقال: “الآن أصبحت لدينا النظارة، وسيتبعها الرأس يوماً ما”.

وفي 11 سبتمبر من عام 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقين في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدوفأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً. فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه، فسرعان ماحاصره العدو من كل الجهات وتعرفوا على شخصيته، فنقل على الفور إلي مرسى سوسه ومن ثم وضع على طراد الذي نقله رأسا إلي بنغازي حيث أودع السجن الكبير بمنطقة سيدي اخريبيش. ولم يستطع الطليان نقل الشيخ براً لخوفهم من تعرض المجاهدين لهم في محاولة لتخليص قائدهم.
كان لاعتقاله في صفوف العدو، صدىً كبيراً، حتى أن غراسياني لم يصدّق ذلك في بادىء الأمر،وكان غراتسياني في روما حينها كئيباً حزيناً منهار الأعصاب في طريقه إلي باريس للاستجمام والراحة تهرباً من الساحة بعد فشله في القضاء على المجاهدين في برقة، حيث بدأت الأقلام اللاذعة في إيطاليا تنال منه والانتقادات المرة تأتيه من رفاقه مشككة في مقدرته على إدارة الصراع. وإذا بالقدر يلعب دوره ويتلقى برقية مستعجلة من نغازي مفادها إن عدوه اللدود عمر المختار وراء القضبان. فأصيب غراتسياني بحالة هستيرية كاد لا يصدق الخبر. فتارة يجلس على مقعده وتارة يقوم، وأخرى يخرج متمشياً على قدميه محدثاً نفسه بصوت عال، ويشير بيديه ويقول: “صحيح قبضوا على عمر المختار ؟ ويرد على نفسه لا، لا اعتقد.” ولم يسترح باله فقرر إلغاء أجازته واستقل طائرة خاصة وهبط ببنغازي في نفس اليوم وطلب إحضار عمر المختار إلي مكتبه لكي يراه بأم عينيه.

وصل غرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر , وأعلن عن انعقاد “المحكمة الخاصة” يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار, يذكر غرسياني في كتابه (برقة المهدأة وعندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية. يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وكان وجهه مضغوطا لأنه كان مغطيا رأسه (بالجرد) ويجر نفسه بصعوبة نظراً لتعبه أثناء السفر بالبحر, وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر, ها هو واقف أمام مكتبي نسأله ويجيب بصوت هادئ وواضح.”

غراتسياني: لماذا حاربت بشدة متواصلة الحكومة لفاشستية ؟
أجاب الشيخ: من أجل ديني ووطني.
غراتسياني:ما الذي كان في اعتقادك الوصول إليه ؟
فأجاب الشيخ: لا شئ إلا طردكم … لأنكم مغتصبون، أما الحرب فهي فرض علينا وما النصر إلا من عند الله.
غراتسياني: لما لك من نفوذ وجاه، في كم يوم يمكنك إن تأمر الثوار بأن يخضعوا لحكمنا ويسلموا أسلحتهم ؟.
فأجاب الشيخ: لا يمكنني أن أعمل أي شئ … وبدون جدوى نحن الثوار سبق أن أقسمنا أن نموت كلنا الواحد بعد الأخر، ولا نسلم أو نلقي السلاح…

ويستطرد غرسياني حديثه “وعندما وقف ليتهيأ للإنصراف كان جبينه وضاء كأن هالة من نور تحيط به فارتعش قلبي من جلالة الموقف أنا الذي خاض معارك الحروب العالمية والصحراوية ولقبت بأسد الصحراء. ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد, فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء, وعند وقوفه حاول أن يمد يده لمصافحتي ولكنه لم يتمكن لأن يديه كانت مكبلة بالحديد.”




مهزلة المحاكمة :

عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م،

وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت،
وعندما ترجم له الحكم، قال الشيخ “إن الحكم إلا لله … لا حكمكم المزيف … إنا لله وإنا أليه لراجعون”.

- وهنا نقلا حرفيا لمحضر المحاكمة كما ورد في الوثائق الإيطالية :

إنه في سنة ألف وتسعمائة وواحدة وثلاثين ؛ السنة التاسعة ، وفي اليوم الخامس عشر من شهر سبتمبر ، ببنغازي ، وفي تمام الساعة 17 بقصر “الليتوريو” بعد إعداده كقاعة لجلسات المحكمة الخاصة بالدفاع عن أمن الدولة ، والمؤلفة من السادة :

- المقدم الكواليير اوبيرتو فانتيري مارينوني ، رئيسا بالوكالة ، نيابة عن الرئيس الأصيل الغائب لعذر مشروع .
- المحامي د. فرانشيسكو رومانو (قاضي مقرر) .
- الرائد الكاواليير قوناريو ديليتلو (مستشار ، أصيل ) .
- رائد “الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير جوفاني منزوني ، مستشار أصيل) .
- رائد “الميليشيا التطوعية للأمن الوطني (الكواليير ميكيلي مندوليا ، مستشار أصيل) ، والرئيس بالنيابة عن الرئيس الأصيل ، الغائب بعذر مشروع .
- بمساعدة الملازم بسلاح المشاة ، ايدواردو ديه كريستوفانو (كاتب الجلسة العسكري بالنيابة) .

للنظر في القضية المرفوعة ضد : عمر المتخار ، بن عائشة بنت محارب ، البالغ من العمر 73 سنة ، والمولود بدفنة ، قبيلة منفة ، عائلة بريدان ، بيت فرحات ؛ حالته الاجتماعية : متزوج وله أولاد ، يعرف القراءة والكتابة ، وليست له سوابق جنائية ، في حالة اعتقال منذ 12 سبتمبر 1931.

المتهم بالجرائم المنصوص عليها وعلى عقوباتها في المواد 284-285-286-575-576 (3) ، والمادة 26 ، البنود : 2 – 4 – 6 – 10 ، وذلك أنه قام ، منذ عام 1911م وحتى القبض عليه في جنوب سلنطة في 11سبتمبر 1931، بإثارة العصيان وقيادته ضد سلطات الدولة الإيطالية ، داخل أراضي المستعمرة ، وباشتراكه في نصب الكمائن للوحدات المعزولة من قواتنا المسلحة وفي معارك عديدة وأعمال الإغارة للسلب والنهب واللصوصية مع ارتكاب جرائم قتل بدافع نزعته إلى القسوة والتوحش ، وأعمال البطش والتنكيل ، بقصد إحداث الدمار وسفك الدماء لفصل المستعمرة عن الوطن الأم .

بعد ذلك سمح للجمهور بدخول قاعة الجلسات ، بينما جلس المتهم في المكان المخصص للمتهمين ، تحت حراسة عسكرية ، وهو طليق اليدين وغير مكبل بأغلال من أي نوع .
كما حضر وكيل النيابة العامة السينور “كواليير” أوفيتشالي جوسيبي بيديندو ، كمدعي عسكري ، والمكلف بالدفاع عن المتهم ، المحامي ، النقيب في سلاح المدفعية ، روبيرتو لونتانو .

يعلن الرئيس افتتاح الجلسة . فيحضر أيضا المترجم السيد نصري هرمس الذي يطلب إليه الرئيس الادلاء ببيانات هويته فيجيب :

- نصري هرمس ، ابن المتوفى ميشيل ، وعمري 53 سنة ، ولدت في ديار بكر ببلاد ما بين النهرين (العراق) رئيس مكتب الترجمة لدى حكومة برقة .

يكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة ، بعد تحذيره حسبما هو مقرر ، فيؤديها بصوت عال وبالصيغة التالية : (( أقسم بأنني سأنقل الأسئلة إلى الشخص المقرر استجوابه بواسطتي بأمانة وصدق ، وبأن أنقل الردود بأمانة )) .

فيوجه الرئيس ، عن طريق الترجمان ، أسئلة للمتهم حول هويته ، فيدلي بها بما يتفق مع ما تقدم ، ومن ثم ينبه عليه بالانصات إلى ما سيسمع . وعند هذه النقطة ، يثبت في المحضر طلب وكيل النيابة بإعفاء المترجم نصري من المهمة بسبب وعكة ألمت به والاستعاضة عنه بالكواليير لومبروزو ابن آرونه وماريا قاندوس ، المولود بتونس في 27 – 2 – 1891م ، ومهنته صناعي .

فيكلفه الرئيس بأداء اليمين المقررة ، بعد تحذيره نظاميا ؛

يتلو كاتب الجلسة صحيفة الاتهام ، فيتولى الترجمان ترجمتها للمتهم ، ويسرد بعدها قائمة المستندات والوثائق المتصلة بالدعوى ،

وبعد سردها يكلف الرئيس الترجمان بترجمتها ، حيث إن المتهم غير ملم باللغة الإيطالية ، ومن ثم يبدأ استجوابه حول الأفعال المنسوبة إليه ؛ فيرد عليها ، ويتولى الترجمان ترجمة ردود المتهم عليها .

ويثبت بالمحضر أن المتهم يرد بانتظام عن كل اتهام حسب ما جاء في محضر استجوابه المكتوب ، معترفا بأنه زعيم المقاومة في برقة وبهذه الصفة فهو الفاعل والمحرض لجميع الجرائم التي اقترفت في أراضي المستعمرة خلال العقد الأخير من الزمن ، أي الفترة التي ظل خلالها الرئيس الفعلي للمقاومة .

وردا عن سؤال ، يجيب :
منذ عشر سنوات ، تقريبا ، وأنا رئيس المحافظية . ويثبت هنا أن المتهم ظل يرد عن كل سؤال محدد حول تهمة بعينها ، بقوله : (( لا فائدة من سؤالي عن وقائع منفردة ، وما أرتكب ضد إيطاليا والإيطاليين ، منذ عشر سنوات وحتى الآن ، كان بإرادتي وإذني ، عندما لم أشترك أنا نفسي في تلك الأفعال ذاتها )) .

وردا عن سؤال ، يجيب : (( كانت الغارات تنفذ أيضا بأمري وبعضها قمت بها أنا نفسي )) .

يعطي الرئيس الكلمة لوكيل النيابة : بعد أن تناول الكلمة ، أوجز مطلبه في أن تتكرم المحكمة ، بعد تأكيد إدانة المتهم بالجرائم المنسوبة إليه ، بإصدار حكم الإعدام عليه وما يترتب عليه من عواقب .

وينهي الدفاع ، بدوره مرافعته بطلب الرأفة بالمتهم . وبعدما أعطى المتهم الكلمة كآخر المتحدثين ، يعلن الرئيس قفل باب المناقشة ، وتنسحب هيئة المحكمة إلى حجرة المداولة لتحديد الحكم .

عادت المحكمة بعد قليل إلى قاعة الجلسات ؛ لينطق الرئيس بصوت عال بالحكم بالإدانة ، بحضور جميع الأطراف المعنية . فيقوم الترجمان بترجمة منطوق الحكم .




أثبت تحريريا كل ما تقدم بهذا المحضر الذي وقع عليه : كاتب المحكمة العسكري .

الإمضاء : ادواردو ديه كريستوفانو ، الرئيس (المقدم الكاواليير أوميركو مانزولي) .

كاتب المحكمة العسكرية ، الإمضاء : ادواردوديه كريستوفاني (Edoardo De Cristofano) .

الرئيس : (المقدم الكاواليير أوميركو مانزوني)
الإمضاء : أومبيرتو مانزوني (Umberto Marinoni) .
- صورة طبق الأصل -
كاتب المحكمة
العسكرية بالنيابة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 11:29 pm

شجرة الــــدر

أول ملكة في الإسلام




نسبها:

شجرة الدر ، جارية من جواري الملك الصالح ، اشتراها الملك نجم الدين. اختلف المؤرخون في تحديد جنسيتها ، فمنهم من قال إنها تركية ومنهم قال إنها جركسية ،أو رومانية. ولكن لم تكن شجرة الدر كباقي الجاريات ، بل تميزت بالذكاء الحاد ، والفطنة ، والجمال كما أنها نالت الإعجاب بفتنتها وفنها ، إذ كانت متعلمة ، تجيد القراءة ، والخط ، والغناء.1

زواجها:

أعجب بها الملك نجم الدين واشتراها ، ولقبها بشجرة الدر. أنفرد بها ، وحظيت عنده بمنزلة رفيعة ، بحيث أصبح لها الحق في أن تكون المالكة الوحيدة لقلبه وعقله ، وصاحبة الرأي ثم أصبحت الشريكة الشرعية ، وأم ولده.2 أرسل الأمير نجم الدين بأمرٍ من والده ، إلى حصن كيفا، لولاية وحكم هذا الحصن(وهو حصن من حصون المشارق يقع على حدود تركستان). ثم وردت إليه أنباء من القاهرة ، تقول بان أباه الملك الكامل قد عين أخاه الصغير أبا بكر(الملك العادل) ولياً للعهد بدلاً منه، وكانت أمه اقرب إلى قلب الملك من أم الأمير نجم الدين. غضب الأمير نجم الدين من تصرف الملك ؛ لأن أخاه كان طائشاً ، ولأن الدولة كانت في خطر من كل الجوانب ، ويتربص بها الأعداء من الصليبين والمغول. أقسم الأمير نجم الدين أن الخلافة لن تكون لغيره بعد أبيه. وبدأ بالمقاومة ، لأنه أرشد من أخيه ، وأحق منه في الخلافة.3

وفي هذه الأثناء كانت شجرة الدر نعم الزوجة ، حيث قامت بتشجيع وتأييد زوجها ، فساعدته في الوصول إلى حقه المغتصب. وفي هذه الفترة أنجبت له ولداً أسماه خليل. توجه الأمير نجم الدين إلى القاهرة ، ومعه زوجته شجرة الدر ، وأبنهما ، وبطانته المؤلفة من عشرات الجنود فقط ، وبعض المماليك ، وعلى رأسهم ( بيبرس ، وأيبك ، وقلاوون ، وآق طاي). وبينما هم في طريقهم انقض عليهم جيش الملك الناصر داوود ، وهم ابن عم نجم الدين والي إمارة الكرك والشوبك ، وما يليهما من أرض الأردن. وأسرهم في قلعة الكرك عام (63)هـــ ، ثم أرسل إلى الملك العادل يخبره بما حدث ويطلب منه ثمن جلوسه على عرش الشام. استمر سجنهم سبعة أشهر ، كان الملك الناصر خلالها يساوم الملك العادل في القاهرة على الأمير نجم الدين ، أما زوجته شجرة الدر فقد وفرت له كل أسباب الراحة ، وبثت التفاؤل في نفسه ، خلال مدة الأسر.

محاربة الصليبيين وولاية الملك:

قامت بوضع خطة مع زوجها ، وذلك باتفاق زوجها مع خصمهِ الملك الناصر ، على أن يطلق سراح نجم الدين ليستولي على عرش مصر ومن ثم ، يقدم له عرش الشام ونصف الخراج. ثم سار الملك الصالح زوجها إلى القاهرة وهزم أخاه العادل نجم الدين ، وأسره في قلعة صلاح الدين. وهكذا بلغت شجرة الدر مرادها ، حيث قاسمت زوجها المجد والسلطة.4

كانتشجرة الدر قادرة على تسيير الجيوش للحرب ، وذلك عندما تعرضت مصر لحملة الصليبين. يقال أن الملك لويس التاسع شن الحملة ، ليوفي بنذره ، حيث نذر بأنه إذا شفي من مرضه ، فسوف يشن حملة على مصر. فجهز جيشاً وأبحر من مرسيليا عام 1249. وفي هذه الأثناء كان الملك الصالح مريضاً ، إلا إنه استعد للأمر، واتخذ من المنصورة مركزاً للقيادة العامة ، وولاها للأمير فخر الدين نزولاً عند رغبة شجرة الدر ، التي أثبتت على أنها قادرة على مواجهة الصعاب ، وأقسمت لزوجها على أن الصليبين سيقتلون في حملتهم. وبعد وصول الغزاة إلى مصر عام 1249. ظهرت حكمة وذكاء شجرة الدر، حيث أخفت نبأ وفاة الملك ، لعدة أسباب أهمها الخوف من حدوث البلبلة في الدولة ، وبخاصة صفوف الجيش ، وحتى تتغلب على العدو ، وكذلك حتى لا ينصرف اهتمام أمراء بني أيوب والمماليك إلى تولي العرش ، وساعدها على ذلك الأمير فخر الدين.5 واستمر الحال في القصر الملكي ، كالسابق. ولكن عندما لاحظت شجرة الدر ،أن خبر وفاة زوجها أوشك أن ينكشف وأن العدو أيضاً على وشك الانهزام. قامت باستدعاء ، ابن زوجها تورانشاه وأمرت رجال الدولة والجيش أن يحلفوا له يمين الولاء ، وأن يدعى لها على المنابر في المساجد؛ وذلك لتبقى السلطة في يدها ، وتعرف أمور الدولة كما تشاء. وذلك إن دل فيدل على ذكائها ودهائها.6

وقبل وصول تورانشاه ، قامت شجرة الدر بوضع خطة حربية مع القوات ، وأمراء المماليك وظلت تشرف على تنفيذها ، ومراقبة سير المعركة في المنصورة عن قرب. وبلغ من حماسها أنها كانت تعاون الأهالي مع الجنود ، في صد هجمات الأعداء والرد عليهم. حتى انتصر المسلمون عام 1250. لم يدم حكم تورانشاه أكثر من شهرين ، وذلك لفساده وطغيانه

وقام بأبعاد رجال الدولة الأكفاء ، وأخذ يهدد زوجة أبيه شجرة الدر ، ويطلب ما تبقى من ثروة أبيه ولم يكتف بذلك بل قامباستفزاز مماليك البحرية ، حتى لقي مصرعه على يد بيبرس. وافق الكل في مصر على تولي شجرة الدر العرش ، بعد مصرع تورانشاه.7

كان عهد شجرة الدر زاهياً وزاهراً ، أظهرت خلاله قدرتها وجدارتها في الحكم. وتنعم الفقراء بحسناتها ، إذ كانت ملكة عاقلة لبيبة ، على علم تام بنفسية الشعب ومتطلباتهم. لم تكن حكومتها استبدادية ، لا تشرع في عمل من الأعمال حتى تعقد مجلس المشاورة ، ولا تصدر قراراً إلا بعد أخذ رأي وزرائها ومستشاريها. وقامت بنشر راية السلام أيضاً ، فأمن الناس خلال فترة حكمها. في عصرها نبغ العديد من الأدباء والشعراء المصريين مثل ، بهاء الدين زهير ، وجمال

الدين بن مطروح ،وفخر الدين بن الشيخ. وفي عهدها أيضاً قامت بعمل جيد ، وهو تسيير المحمل كل عام من مصر إلى الحجاز في موسم الحج ، ولم تزل عادة تسيير المحمل المصري متبعة إلى اليوم ، فهو يذهب كل عام إلى بيت الله الحرام حاملاً كسوة الكعبة ، والمؤن والأموال لأهل البيت ، مصحوباً بفرقة كبيرة من الجيش لحماية الحجاج.

عرفت شجرة الدر بعدة ألقاب خلال حكمها مثل الملكة عصمة الدين ، والملكة أم خليل ، وأخيراً الملكة شجرة الدر أم خليل المستعصمية، نسبة إلى الخليفة المستعصم ، وذلك خوفاً منأن لا يعترف بها الخليفة العباسي ، الذي كان يجلس على عرش العباسيين في بغداد آنذاك. ودعي لها على المنابر ، كدعاء الخطباء كل جمعة في المساجد. كما أصبحت الأحكام تصدر باسمها ، ونقش أسمها على الدراهم والدنانير.

ولم يرق للعباسيين أن تتولى امرأة عرش مصر. مما أدىإلى نشوب الكثير من الخلافات بين الأمراء والزعماء في مصر والشام ولذلك اتخذت من الأمير عز الدين أيبك مقدماً للعساكر ، ثم تزوجته ، وبفعلتها هذه أمنت كلام الناس واعتراض العباسيين لها. وقبل أن يعقد عليها اشترطت على أن يطلق زوجته ويتخلى عن ولده المنصور علي ، حتى لا ينتقل العرش إلى أبنه، وأطلق عليه اسم الملك المعز.8

نهايتهاووفاتها:

مرت الأيام إلى أن أصبح زمام الأمور داخل مصر وخارجها ، في يد زوجها الملك المعز. وبلغها أن زوجها يريد خطبة ابنة الملك بدر الدين لؤلؤ ، صاحب الموصل. فساءت العلاقات بين شجرة الدر وبين الرجل الذيوثقت به ، وجعلته ملكاً. وكادت تفقد عقلها من شدة الحقد والغيرة. وعلمت أيضاً انه ينوي ، إنزالها من قصر القلعة إلى دار الوزارة في القاهرة ، وذلك ليتفادى الجدل والخصام معها ، وحتى يتم تهيئة القلعة ، لاستقبال العروس الضرة. غضبت شجرة الدر غضباً شديداً ، لما فيهمن جرح لمشاعرها وكبريائها. وخاصة بعد تأكدها من عزيمته في التخلص منها. فكان لابد من التخلص منه. فدعته ذات يوم واستقبلته بصدرٍ رحب وبشاشة ، وكأن شيئاً لم يحدث بينهما ، حتى شعر بالطمأنينة ودخل الحمام ، وأنقض عليه خمسة من غلمانها الأقوياء ، وضربوه إلى أن مات. ثم أذيع بأن الملك المعز توفي فجأة ، ولكن لم يصدق الناس هذا النبأ.

حاولت شجرة الدر أن يجلس أحد الأمراء المماليك على العرش لكي تحتمي بهِ ، إلا أن محاولاتها بائت بالفشل ، والتجأت إلى البرج الأحمر في القلعة عام 1257. ولكنها لم تنجُ بفعلتها ، حيث تم القبض عليها من قبل الأمراء المناصرين لزوجها القتيل ، وفرض عليها السجن المنفرد ، ولاقت فيه ألواناً مختلفة من العذاب والهوان. ومن ثم تدخلت ضرتها أم علي وهي زوجة الملك المعز الأولى، وحرضت ابنها علي على قتلها انتقاماً لأبيه. وهناك مراجع أخرى تقول بأنه ، تم قتلها على يد الجواري اللاتي واصلن ضربها بالقباقيب إلى أن فارقت الحياة.9
وهكذا عاشت شجرة الدر ، مكرمه وجليلة ، ذات نفوذٍ وقوة ، ولكنها ماتت ميتةٍ ذليلة ومهينه. إن سيرة شجرة الدر ، مازالت تروى ، وهناك العديد من النساء من تتمنى أن تقوم بشخصية شجرة الدر ، وذلك لقوة نفوذها ، وذكائها ودهائها ، وقدرتها العجيبة في الحكم. وقد خلد التاريخ ذكراها ، وذكر الخدمات التي قدمتها للمسلمين ومصر. إلا أن غيرتها على كبريائها وكرامتها ، كانت السبب الذي دفعها لارتكاب تلك الجريمة ، التي أسقطتها من قمة ال
شهرة وقضت عليها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 11:31 pm

الحسن بن الهيثم
ولد في مدينة البصرة في العراق
لقب بـــــ بطليموس الثاني



عالم موسوعي عربي مسلم قدم اسهامات كبيرة فيـــــ:
الرياضيات والبصريات والفيزياء وعلم التشريح وعلم الفلك والهندسة والطب وطب العيون والفلسفة وعلم النفس والإدراك البصري والعلوم بصفة عامة بتجاربه التي أجراها مستخدمًا المنهج العلمي.
وله العديد من المؤلفات والمكتشفات العلمية التي أكدها العلم الحديث..
صحح ابن الهيثم بعض المفاهيم السائدة في ذلك الوقت اعتمادًا على نظريات أرسطو وبطليموس وإقليدس
فأثبت ابن الهيثم حقيقة
أن الضوء يأتي من الأجسام إلى العين وليس العكس كما كان يعتقد في تلك الفترة
وإليه ينسب مبادئ اختراع الكاميرا
وهو أول من شرّح العين تشريحًا كاملاً ووضح وظائف أعضائها
وهو أول من درس التأثيرات والعوامل النفسية للإبصار
كما أورد كتابه المناظر معادلة من الدرجة الرابعة حول انعكاس الضوء على المرايا الكروية ما زالت تعرف باسم "مسألة ابن الهيثم".



ومن مؤلفات ابن الهيثم و أشهر أعماله :
المناظر (او علم الضوء ) -صورة الكسوف
اختلاف منظر القمر -رؤية الكواكب
التنبيه على ما فى الرصد من الغلط
تربيع الدائرة -اصول المساحة
اعمدة المثلثات -المرايا المحرقة بالقطوع
المرايا المحرقة بالدوائر - كيفيات الاظلال
رسالة فى الشفق - شرح اصول اقليدس فى الهندسة والعدد
الجامع فى اصول الحساب - تحليل المسائل الهندسية
تحليل المسائل العددية

ولابن الهيثم اكثر من 80 كتابا ورسالة عرض فيها لسير الكواكب والقمر والاجرام السماوية وابعادها





قيل:إن علم البصريات وصل إلى ذروة من التقدم بفضل ابن الهيثم.
قال عنه ابن أبي أصيبع: ( كان ابن الهيثم: فاضل النفس قوي الذكاء متفننا في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه، وكان دائم الاشتغال كثير التصنيف، وافر الزهد محباً للخير، ولقد لخص كثيرا من كتب جالينوس في الطب .. وكان حسن الخط جيد المعرفة بالعربية ) .
وقال عنه ابن القفطي: ( إنه صاحب التصانيف والتآليف في الهندسة وكان عالما بهذا الشأن متقنا له متفننا فيه، قيما بغوامضه ومعانيه، ومشاركا في علوم الأوائل، أخذ عنه الناس واستفادوا ) .
وقال عنه مصطفى نظيف بك: ( إن ابن الهيثم رائد علم الضوء في القرن الحادي عشر للميلاد كما أن نيوتن رائد علم الميكانيكا ) .
وقال فيه سارطون: إن ابن الهيثم أعظم عالم ظهر عند العرب في علم الطبيعة، بل أعظم علماء الطبيعة في القرون الوسطى، ومن علماء البصريات القلائل في العالم كله .
وقال عنه الأستاذ جون دبزوندبرناك – رئيس قسم الفيزياء بكلية بيركبك بجامعة لندن: ( ويعتبر كتاب المناظر لابن الهيثم هو أول دراسة علمية جادة في موضوع الضوء، وابن الهيثم وغيره من علماء العرب، هم أول من فهم موضوع انعكاس الضوء بالمفهوم الجديد، وبمرور الضوء خلال الأجسام المشفة، الأمر الذي كان له الفضل في إرساء قواعد علم البصريات ) .



كان ابن الهيثم رحمه الله عالماً ورعاً لا يبتغي بعلمه سوى وجه الله تعالى، والوصول إلى الحق، ويدل على هذا رفضه للمال والجاه واكتفاؤه بما يسد حاجته هكذا نحسبه ولانزكيه
و أما م سيرته العظيمة لا نقول سوى
اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علمتنا و زدنا علماً

ولد محمد بن الحسن بن الهيثم، عام 354هـ 965م في
البصرة، توفي في القاهرة سنة 1039 م .

قدم إلى الشام وعاش
فيها وعني بتحصيل العلم، والاطلاع على ماوصل إليه من
سبقه من الفلاسفة والعلماء، في وقت كان قد تم فيه نقل آثار
اليونان في الفلسفة والعلوم المختلفة، كما تم نقل آثار الهند
وفارس، في علوم العدد والفلك، وكانت جميع هذه العلوم قد
وجدت بين العرب مكاناً رحباً فشرحوها، وعلقوا عليها،
وصححوا أخطاءها، وأضافوا إليها الشيء الكثير من
ابتكاراتهم



كان ابن الهيثم يعيش في عصر يملؤه ضجيج العلم، فانكب في
صبر وجلد يغرف من جميع ذلك فدرس إقليدس، وأبولونيوس،
وأرشميدس، وبطليموس، والمجسطي، ودرس في المنطق
والطبيعة وما وراءها، في كتب أرسطو، وشارك في دراسة
الطب،
{ وله دراسة مشاركة وإسهام وتخصص في دراسة العين
وتشريحها وغريزتها وتعمق في دراستها حتى كان رائدها}

وهو رياضي ومهندس وطبيب وحكيم وعارف بالعربية،
ومشارك في علوم كثيرة منها العلوم الطبيعية والرياضية
والهندسية، وكان دائماً يقول:" وإني مامُدَّت لي الحياة، باذل
جهدي، ومستفرغ قوتي في مثل ذلك، متوخياً منه أموراً ثلاثة:
أحدها إفادة من يطلب الحق ويؤثره، في حياتي وبعد مماتي،
والآخر، أني جعلت ذلك ارتياضاً لي بهذه الأمور، في إثبات
مايتصوره ويتقنه فكري من تلك العلوم، والثالث أني صّيرته
ذخيرة وعدة لزمان الشيخوخة وأوان الهرم"·

وكان ابن الهيثم عالماً متقناً لعلوم كثيرة فهو صاحب "
التصانيف والتآليف في علم الهندسة"، وكان عالماً في هذا
الشأن، متقناً له، متفنناً فيه، قيماً بغوامضه ومعانيه، مشاركاً
في علوم الأوائل، أخذ عنه الناس واستفادوا منه .

ويقول ابن
أبي أصيبعة صاحب طبقات الأطباء " إن ابن الهيثم كان
متفنناً في العلوم، لم يماثله أحد من أهل زمانه في العلم
الرياض
ي، ولا يقرب منه".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 14 فبراير 2013, 11:42 pm

زرياب


زرياب هو أبو الحسن علي بن نافع مولى المهدي الخليفة العباسي. زرياب ولقبه هو اسم طير أسود اللون عذب الصوت من الموصل وله اسهامات بارزة في الموسيقى العربية والشرقية.


شخصيات صنعت لها تاريخ Ed3033cda7


نشأته


ولد زرياب في الموصل ونشأ في بغداد وكان تلميذا لإسحق الموصلي بصورة سرية إلى أن أتقن فن الغناء عليه ففي ذات يوم طلب الخليفة هارون الرشيد من إسحق الموصلي أن يأتي معه بمغن جديد يجيد الغناء، فأحضر إسحق زرياب فاستأذن من الخليفة بأن يغني فأذن له:


يا أيها الملك الميمون طائره هارون راح إليك الناس وابتكروا


إلى أن أكمل نوبته فطار الرشيد فرحا وتعجب منه كثيرا وطلب من أستاذه إسحق أن يعتز به، إلا أن إسحاق داخله الحسد والحقد فهدد زرياب وخيره بالخروج من بغداد أو أن يغتاله، فرجح زرياب الخروج من بغداد فخرج وتوجه إلى الأندلس وكان الخليفة هناك آنذاك عبد الرحمن الثاني، فكتب زرياب إلى الخليفة يستأذنه بالدخول إلى بلاده فرد عليه حسنا ورحب به، وبعد أن دخل بلاط الخليفة وأصبح من حاشيته غنى بحضرته وما أن سمعه الخليفة حتى شغف به وقربه إليه وأصبح نديمه ومن أقرب الناس إليه. وعندما اشتهر زرياب في الأندلس وتمركز بها وقد لقب زرياب بالقرطبي إذ بدأ نشاطه في مدينة قرطبة فأسس دار المدنيات للغناء وللموسيقى يضم أبناءه الثمانية وابنتيه إضافة إلى عدد آخر من المغنين وتعتبر هذه أول مدرسة أسست لتعليم علم الموسيقى والغناء وأساليبها وقواعدها.

شخصيات صنعت لها تاريخ Ziryeb

أعماله وتأثيره


كان الموسيقار والمطرب زرياب يقوم بدور كريستيان ديور.. فهو الذي نقل أجمل ما في بغداد إلى قرطبة ومنها إلى الأندلس. وهو وحده الذي نقل أحسن الأقمشة وأزهى الألوان من بيوت الخلفاء إلى بيوت النبلاء. وهو الذي أتى معه من بغداد بمعجون الأسنان ومزيلات العرق والعطور والعجائن العطرية كالصابون العطري.


وكتب تاريخ الأندلس تعطي من صفحاتها مساحات كبيرة للرجل الأسطورة زرياب وتنسب إليه أنه ارتقى بالذوق العام في الأندلس.. دون الرجال والنساء.. ووصفوه بأنه الرجل الشيك في كلامه وطعامه. وأنه كان يلفت الأنظار إلى طريقته في الكلام والجلوس إلى المائدة أيضا. وكيف يأكل على مهل ويمضغ ويتحدث ويشرب بأناقة. وكان يكره مثل هذه الكلمات: يحب الشراب.. ويلتهم الطعام.. ويحشر اللحم والأرز في جانب من الفم.. وكان يضع على مائدته الكثير من المناديل، هذه لليدين وهذا للشفتين وهذا للجبهة وهذا للعنق.. وهو أول من لفت أنظار النساء إلى أن مناديل المرأة يجب أن تكون مختلفة اللون والحجم وأن تكون معطرة أيضا.


يعتبر زرياب هو السبب في اختراع الموشح لأنه عمم طريقة الغناء على أصول النوبة، وكانت هذه الطريقة هي السبب في اختراع الموشح.وقد أدخل زرياب على فن الغناء والموسيقى في الأندلس تحسينات كثيرة وأهم هذه التحسينات:


1.جعل أوتار العود خمسة مع العلم أنها كانت أربعة أوتار.


2.أدخل على الموسيقى مقامات كثيرة لم تكن معروفة قبله.


3.جعل مضراب العود من ريش النسر بدلا من الخشب.


4.افتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر، كما أنه أول من وضع قواعد لتعليم الغناء للمبتدئين وأهمها


هي:


يتعلم المبتدئ ميزان الشعر ويقرأ الأشعار على نقر الدف ليتعلم الميزان الغنائي.


يعطى اللحن للمبتدئ ساذجا خاليا من كل زخرفة.


يتعلم المبتدئ الزخرفة والتغني في الألحان مع الضروب بعد تعلمه الميزان والضرب واللحن. وقد وضع


أسسا وقواعد لفحص المبتدئين قبل قبولهم


وهي أن يجلس المبتدئ في مكان عال ثم يوعز إليه بأن يصبح بجواب صوته ثم ينزل تدريجيا إلى


قراره، وبهذه الطريقة كان يعرف مدى صوته وحلاوته.


وقد نقل زرياب من بغداد إلى الأندلس طريقتين في الغناء والموسيقى هما:


طريقة الغناء على أصول النوبة


طريقة تطبيق الإيقاع الغنائي مع الإيقاع الشعري


زرياب يزيد في العود وترا


زاد زرياب بالأندلس في أوتار عوده وتراً خامساً اختراعاً منه، إذ لم يزل العودُ بأربعة أوتار على الصنعة القديمة، فزاد عليها وتراً آخر متوسطاً، فاكتسب به عوده ألطَفَ معنى وأكمل فائدة. وهو الذي اخترع بالأندلس مضراب العود من قوادم النسر، بدلاً من مرهف الخشب. وأبدع زرياب في تنسيق الألحان، حتى توهّم أن الجن هي التي تعلّمه؛ ولا عجب فقد ورث هذا الشعور من أستاذه إسحاق الموصلي الذي ورثه عن أبيه إبراهيم الموصلي وعن عمه أبو لمامه.


طريقته في تخريج المغنّين


كان زرياب إذا أراد أن يعلّم تلميذاً أمره بالقعود على وسادة مدوّرة، فإن كان ليّن الصوت أمره أن يشد على بطنه عمامة؛ لأن ذلك يقوي الصوت، فلا يجد متسعاً في الجوف عند الخروج من الفم. فإن كان لا يقدر على أن يفتح فاه، أو كانت عادته أن يضمّ أسنانه عند النطق، أمره بأن يدخل في فيه قطعة خشب عرضها ثلاثة أصابع، يُبيتها في فمه ليالي حتى ينفرج فكاه. وإلى زرياب يرجع الفضل في تعليم الجواري الغناء في عصره والعزف على العود، ومن هؤلاء غِزلان وهُنَيدة، ومنهن منفعة التي اشتهرت بفرط جمالها، وقد أعجب بها (عبد الرحمن)، فأهداها زرياب إليه، فحظيت عنده.


وصفوة القول أن زرياب لم ينقل إلى المجتمع الأندلسي فنون الموسيقى وضروب الغناء فقط، وإنما نقل إليه أوجه الحياة الحضارية التي كان المشارقة ينعمون بها، فكان بذلك من أهم عوامل التواصل بين مشرق العالم الإسلامي ومغربه في ذلك العصر.


وفاته


توفي في قرطبة سنة 230 ه
ـ الموافق 845 م




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: عمر الخيام..البحث عن المعرفة   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالجمعة 22 فبراير 2013, 9:00 am

شخصيات صنعت لها تاريخ 874e2369299fb5622fbedbbb7687694c62a61f93


عمر الخيام..البحث عن المعرفة وريادة الفكر الحر

- عُرِف عمر الخيام ( 1038م- 1123م) على أنه من أشهر شعراء العهد العربي الإسلامي لكنه كان أيضاً ضليعاً في علم الرياضيات وقد طلب منه (ملك شاه) وضع رزنامة عرفت (برزنامة جالالي) (Jalali Calendar) ولا تزال تستعمل في إيران. وكان يعتبر نفسه تلميذ ابن سينا. لقد ترك الخيام بعد وفاته (12) أطروحة في مجال الفلسفة والعلوم أهمها (أطروحة الجبر) وتعتبر من أهم ما كتب في الرياضيات في القرون الوسطى. كما كتب في الهندسة والفيزياء. وذكر المؤرخون بأنه برز خلال التاريخ العربي كشخصية ذات تفكير يتصف بالحكمة وكان « يسمى الحكيم « = ذو العقل الراجح. ولقد أُتهم بأنه شخص شكوكي. لكنه كان في الواقع روحانياً لدرجة كبيرة وكان يؤمن بفلسفة العالِم والفيلسوف اليوناني (فيثاغورس 582ق.م – 500ق.م) وكذلك (Orthodox) أرثوذوكسي بمعنى الراشد. كما أن عمر الخيام اعترف بانتمائه للفكر الصوفي الزاهد، كذلك الفكر الشيعي. ولقد حاول في شعره أن يكون معبراً وناقداً ضد النفاق الديني والتجذير مع الحقيقة. كتب الخيام في رسالته المشهورة بحثاً غيبياً وضع فيه تقسيماً لفئات المفكرين الذين يبحثون عن المعرفة ولكنه لم يتحدث عن فرق الإسلام الرئيسية ولا عن المذاهب الفرعية التابعة للأئمة (الشافعية، الحنبلية، المالكية والحنفية) أوالمنشقة (الخوارج) أوفرق المغالاة التي انشقت عن الإسلام والمنبثقة عن الشيعة وهي (الإسماعيلية، الدروزأوالموحدون، العلوية أوالنصيرية، والباييه أوالبهائية). وفي هذا برهن عمر الخيام أنه مرجع هام له تفكير راجح من حيث التسلسل الفكري، وأنه اشتهر في التاريخ الإسلامي كشخصية اتسمت بالحكمة ورجاحة العقل. أما التصنيف الذي وضعه لفئات المفكرين فكان في أربع طبقات؛ (1) اللاهوتيون (The Theologians) ومفرده لاهوتي: وهو الذي يكون مولعاً بالجدل والأمر الخلافي ولكنه مقتنعاً بالدلائل وأن العلم من عند ربه هو شيء كافٍ. (2) الفلاسفة (The Philosophers): الذين يبنون معلوماتهم على الإلهام اليوناني القديم حيث يشجع الفيلسوف حواراً عاقلاً ومنطقياً ويبحث عن معرفة قواعد المنطق، والفلاسفة لا يكتفون بمجرد الحوار ولكنهم لا يبقون أمناء لقواعد المنطق بل يصابون باليأس والتقاعس. (3) الإسلاميون(Islamists) وهم فريق من الشيعة على الغالب وفئات أخرى ربما تتفق معهم في أشياء كثيرة مثل المعتزلة (الذين يعتقدون بقدرة الإنسان على اختيار فعله وكذلك فإن مصيره في يده). كذلك الزيديه نسبة للإمام زيد بن محمد بن علي بن أبي طالب ومعظمهم في اليمن ومن أئمتهم محمد الهادي. ويعتقدون بأن المعرفة لا تعدو كونها أخذ المعلومات من شخص ذي معرفة وموثوق به. لأن الاستنتاج حول معرفة الخلق، وجوهره وصفاته المميزة ونعوته، أشياء تبدو صعبة للفهم المؤكد وأن هناك استنتاجات من خصوم المفهوم المسلمي(Muslimic) مصحوباً بمبادرات ذكية تؤدي لفقدان المفهوم للوحي، وبالتالي يقبلون بهذه الفلسفة. ويكتفون بالقول: الأفضل أن نبحث عن الحقيقة من كلمات تصدر عن شخص صادق. (4) الصوفية (Sufis): الصوفي هو الشخص الزاهد الذي لا يتقصى المعرفة بالتأمل أو التفكير المنطقي وهو غير حُدسي يبحث عن المعرفة بتطهير ونقاء النفس وكذلك تطهير التصرفات والنزعات النفسية، حتى يصل إلى النقاء الجسدي والنفسي.
ويقول عمر الخيام في خلاصته « إن أية جهالة تصيب الإنسان تكون مسببة عن التلوث وعدم الطهارة لطبيعة الإنسان. أما إذا رفع الحجاب والستار وأزيلت الشاشة والنظارات عن العين، فإن حقيقة الأشياء تبدو كما هي ظاهرة وجلية أمامنا. « ولكي نتواصل مع العقلاء والأشخاص الذين على صواب والمحبين لله تعالى، فإن البديهة والحدس يقوداننا، ولكن ليست الأفكارالاستطرادية وغير الحدسية


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 17 يوليو 2014, 11:04 am

الملك فيصل رحمه الله وهو يحكي لنا بعض من احداث حياته المهمه
وماذا فعل للأسلام والمسلمين 
وخاصة القضيه الفلسطينيه والكثير عنه رحمه الله


مولده و نسبه


الملك فيصل بن عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ملك المملكة العربية السعودية للفترة 1384 هـ الموافق 2 نوفمبر 1964 و حتى 1395 هـ الموافق 25 مارس 1975، و هو الإبن الثالث في سلسلة أبناء الملك عبد العزيز آل سعود الذكور ، و أمه هي طرفه بنت عبد الله بن عبد اللطيف آل الشيخ من ذرية الشيخ محمد بن عبد الوهاب ، و قد ولد في مدينة الرياض شهر صفر من عام 1324 هـ ، الموافق لشهر إبريل 1906 .


حياته السياسية


أدخله والده الملك عبد العزيز في السياسة في سن مبكر ، و أخذ يرسله إلى زيارات لبريطانيا و فرنسا في نهاية الحرب العالمية الأولى و كان بعمر 13 سنة ، وقاد وفد المملكة إلى مؤتمر لندن بعام 1939 بخصوص القضية الفلسطينية المعروفة بمؤتمر المائدة المستديرة ، كرئيس وفد المملكة مثله في توقيع أ. إن . تشارتر أيضا في سان فرانسيسكو في عام 1945 .

كانت سياسته تقوم على أساس عدد من الثوابت و هي حماية واستقلال وهوية البلد ، و الاحتفاظ بميثاق جامعة الدول العربية و بنشاط الدفاع عن التضامن الإسلامي ، وطالب بمؤسسة تشمل العالم المسلم وزار عدة بلاد مسلمة لشرح الفكرة و قد نجح في إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي التي تضم الآن أكثر من 50 دولة إسلامية ، كما أنه إستطاع من قطع علاقات أكثر من 42 دولة مع إسرائيل .


الاقتصاد في عهده


كرس انتباهه الأقصى للشركات الصناعية و الزراعية و المالية و الاقتصادية ، تتضمن المشاريع الزراعية الري و شبكة الصرف توجه و مشروع الرمال في الأحساء في منطقة المملكة الشرقية ، بالإضافة إلى مشروع سد أبها في الجنوب ، و مشروع أفوريستيشن ، و مشروع موارد الحيوان و بنك التأمين الزراعي .

كما لا ينسى التاريخ له أنه استطاع إنتشال المملكة اقتصادياً و إدارياً بعد إعلان إفلاس الخزينة الحكومية ، وهو من وضع الخطط الخمسية للبلاد و وضع نظام المناطق الإدارية ، و هو من جلب الشركات الإستشارية الخارجية لدعم مؤسسات الدولة الخدمية ، و هو أيضاً من رفع اسم المملكة عالميا و جعل لها نفوذاً و هيبة و احترام على المستوى العربي و الإسلامي و العالمي .

و في فترة عهده زادت المساحة الزراعية بشكل ملحوظ و البحث عن مصادر الماء كان مشجعاً ، كما أنه كجزء من بحث الدولة عن المعادن أنشأت الشركة العامة للبترول و المعادن


لقاءات الملك فيصل


في لقاء رتبه الرئيس الفرنسي شارل ديجول معه ، في محاولة منه لتخفيف عداء الملك لإسرائيل ، قال ديجول : عليكم أن تقبلوا بالأمر الواقع , فإسرائيل لم تعد مزعومة ، كما يقول بعض العرب ، بل هي دوله قائمه في المجتمع الدولي ، و على الفور كان رد الفيصل : إذا كنت تطلب منا يا فخامة الرئيس , أن نرضخ للأمر الواقع , فلماذا لم ترضخ فرنسا لاحتلال ألمانيا ، لماذا شكلت حكومة المنفى , و كافحت حتى استعدت وطنك ؟
و بعدها كان ديجول دائما ً يردد " الفضل لفيصل , الذي أفهمني حقيقة قضية فلسطين " .

ويقول وزير الخارجية الأمريكي السابق في مذكراته أنه عندما التقى الملك فيصل في جدّه , عام 1973 م , في محاوله لإثنائه عن وقف ضخ البترول , رآه متجهما ً , فأراد أن يستفتح الحديث معه بمداعبه ,فقال : إن طائرتي تقف هامدة في المطار , بسبب نفاد الوقود , فهل تأمرون جلالتكم بتموينها , و إني مستعد للدفع بالأسعار الحرة ؟

يقول كيسنجر : لم يبتسم الملك , بل رفع رأسه نحوي , و قال : و أنا رجل طاعن في السن ، و أمنيتي أن أصلي ركعتين في المسجد الأقصى قبل أن أموت , فهل تساعدني على تحقيق هذه الأمنية ؟؟ .

يخاطب رئيس الولايات المتحدة : حضرة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ، هل ترى هذه الأشجار ؟ ، لقد عاش آبائي و أجدادي مئات السنين على ثمارها ، و نحن مستعدون أن نعود للخيام و نعيش مثلهم، و نستغني عن البترول ، إذا استمر الأقوياء و أنتم في طليعتهم في مساعدة عدونا علينا ، إن قال هذه العبارة مواطن عربي ، فهو مجنون ، أما أن يقولها حاكم عربي لأغنى دولة بترولية ، فإنه يجب أن يموت ، و قد قالها الملك فيصل قبل أشهر معدودة من اغتياله بتدبير أمريكي يهودي .


قبل مقتل الملك فيصل ببضعة أيام .. كان وزير خارجية أمريكا الأسبق هنري كيسنجر في زيارة للمملكة ، وقبل وصول الوزير الأمريكي ، أمر الملك فيصل بإقامة مخيم في الصحراء لاستقباله ، وأمر بوضع مجموعة من الغنم و زرع نخلة بالقرب من المخيم ، لكي يبين للوزير الأمريكي و للعالم أن السعودية ليست في حاجة إلى الموارد المالية العائدة من تصدير النفط و أنها قادرة على وقف تصدير النفط أو حرق آبارها إن لزم الأمر .

ويخاطب كسينجر وزير الخارجية الأمريكي و يقول :العيد القادم سنصلي في القدس. و يرد على الدول الغربية التي تهدد باستخدام القوة للسيطرة على منابع النفط ، قال يوما : ماذا يخيفنا ؟ هل نخشى الموت ؟ و هل هناك موت أفضل و أكرم من أن يموت الإنسان مجاهدًا في سبيل الله ؟ أسأل الله سبحانه أن يكتب لي الموت شهيدًا في سبيل الله .
بيان صادر عن الديوان الملكي السعودي حول وقف تصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية
المصدر : الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1973م ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت

انطلاقاً من البيان الذي صدر عن الديوان الملكي بتاريخ 22 رمضان 1393هـ ، و التي قررت فيه حكومة صاحب الجلالة تخفيض إنتاجها من البترول بنسبة 10 بالمائة فوراً، و متابعتها لتطور الموقف ، ونظراً لازدياد الدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل ، فإن المملكة العربية السعودية قررت إيقاف تصدير البترول للولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذها هذا الموقف .

يقول الرئيس أنور السادات : أن الملك فيصل هو بطل معركة العبور , وسيحتل الصفحات الأولى من تاريخ جهاد العرب , وتحويلهم من الجمود إلى الحركة , ومن الانتظار إلى الهجوم , وهو صاحب الفضل الأول في معركة الزيت , فهو الذي تقدم الصفوف وأصر على استعمال هذا السلاح الخطير ، والعالم ( ونحن ) مندهشون لجسارته , وفتح خزائن بلاده للدول المحاربة , تأخذ منها ما تشاء لمعركة العبور و الكرامة , بل لقد أصدر أوامره لثلاثة من أكبر بنوك العالم أن من حق مصر أن تسحب ما تشاء وبلا حدود من أموال المعركة .


من توصياته قبل وفاته رحمه الله


مما يذكر له مواقفه المشرفة من القضية الفلسطينية وحبه وتعلقه بالقدس ، ذكر ياسر عرفات أن الملك فيصل استدعاه ذات مرة ، وكانوا في إحدى الدول العربية ، على ما أعتقد كانت المغرب وقال له :

هل أنت متجه إلى مصر ؟ قال له : لماذا ؟
فقال : إذا التقيت بالسادات فقل له القدس القدس القدس
يقول عرفات : ولم أكن انوي الذهاب إلى مصر ، ولكنني توجهت إليها
و أوصلت الرسالة إلى الرئيس السادات ، وتوفي بعدها الملك فيصل بيوم .


قصة مقتل الملك فيصل رحمه الله


اغتيال أعظم زعيم عربي في تلك الفترة ...
اغتيال الملك فيصل بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية - رحمه الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته.
استمرت فترة حكمه قريباً من أحد عشر عاماً . اكتسبت شخصيته شهرة عالمية يشار إليها بالبنان وكان مسموع الصوت في المحافل التي يحضرها، خاصة على المستوى العربي، وكان صاحب شخصية قيادية قوية، فرض احترامه على الجميع حتى الدول العظمى كانت تحسب له ألف حساب، كان صاحب موقف ثابت وواضح حيال القضية الفلسطينية وعرف عنه دفاعه المستميت عن الاراضي العربية المغتصبة وغيرته على الاسلام. ماذا قالوا عن الفيصل ؟!
بلغت مهابة الملك فيصل في العالم حداً جعل صحافة الغرب تقول عنه :
(( إن القوة التي يتمتع بها الملك فيصل، تجعله يستطيع بحركة واحدة من قبضة يده، أن يشل الصناعة الأوربية والأمريكية، وليس هذا فقط، بل إنه يمكنه خلال دقائق أن يحطم التوازن النقدي الأوروبي ويصيب الفرنك والمارك والجنية بضربات لا قبل لها باحتمالها. كل هذا يمكن أن يفعله هذا الرجل النحيل، الجالس في تواضع على سجادة مفروشة فوق الرمل))


اغتيال الملك فيصل


في صباح يوم الثلاثاء 13 ربيع الأول 1395هـ الموافق 25 مارس 1975م، كان الملك فيصل يستقبل زواره بمقر رئاسة الوزراء بالرياض، وكان في غرفة الانتظار وزير النفط الكويتي الكاظمي، ومعه وزير البترول السعودي أحمد زكي يماني. ووصل في هذه الأثناء الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز ( اخو الأمير خالد بن مساعد والشاعر عبدالرحمن بن مساعد ) ، ابن شقيق الملك فيصل، طالبا الدخول للسلام على عمه. وعندما هم الوزيرين بالدخول على الملك فيصل دخل معهما ابن أخيه الامير فيصل بن مساعد. وعندما هم الملك فيصل بالوقوف له لاستقباله، كعادته مع الداخلين عليه للسلام، أخرج الأمير مسدساً كان يخفيه في ثيابه، وأطلق منه ثلاث رصاصات، أصابت الملك في مقتل في رأسه. ونقل الملك فيصل على وجه السرعه إلى المستشفى المركزي بالرياض، ولكنه توفي من ساعته، رحمه الله رحمة واسعة.
أما القاتل فقد قبض عليه ، وأودع السجن. وبعد التحقيق معه نفذ فيه حكم القصاص قتلاً بالسيف في مدينة الرياض، بعد اثنين وثمانين يوماً في يوم الاربعاء 9 جمادى الآخرة 1395هـ الموافق 18 يونيه 1975م
يقول أحد المعاصرين لهذه القصة : (كنت بالقرب من رئاسة الوزراء .. في صباح يوم الثلاثاء وكان هنالك ازدحام شديد .. فاقتربت قليلٍ واذا بي اشاهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز (وزير الدفاع الحالي) (بدون شماغ) 
في وسط الزحام يحتضن الملك فيصل ويهم باركابه
السيارة لنق
له الى المستشفى) 
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالخميس 21 يناير 2016, 8:58 am

المستنصر بالله والشدة المستنصرية

المستنصر بالله هو الخليفة الخامس من خلفاء الدولة العبيدية الفاطمية في مصر والثامن منذ نشاتها بالمغرب، وأشهر أحداث عصره الشدة المستنصرية أو ما يعرف في كتب المؤرخين بـ "الشدة العظمى"، وهي مصطلح يطلق على المجاعة والخراب الذى حل بمصر لمدة سبع سنوات عجاف (457هـ - 464هـ / 1065م - 1071م).
الخليفة المستنصر بالله العبيدي
هو المستنصر بالله أبو تميم معد بن الظاهر لإعزاز دين الله بن الحاكم بن العزيز بن المعز لدين الله العبيدي الفاطمي، تولى الخلافة العبيدية الفاطمية خلفًا لوالده وهو ابن سبع سنين في النصف من شعبان سنة 427هـ / 1036م، وأقام بها ستين سنة إلى 487هـ / 1094م.
وقد بلغت الخلافة العبيدية الفاطمية في عهد من القوة والاتساع والازدهار ما لم يبلغه أحد قبله، حيث امتد سلطان الخلافة ليشمل بلاد الشام وفلسطين والحجاز وصقلية وشمال إفريقيا، وتردد اسمه على المنابر في هذه البلاد، وخُطب له في بغداد لمدة عام وذلك في سنة (450هـ / 1058م).
ودام ذلك حتى تغلبت أمه على الدولة، فكانت تصطنع الوزراء وتوليهم، ومن استوحشت منه أوعزت بقتله فيقتل، مما أثار الفتن وعمت الفوضى والاضطرابات، ومنه حل الخراب على الدولة كلها إلى أن سقطت بنفو الوزراء وضياع هيبة الخليفة. وقد كان سب الصحابة فاشيا في أياما لمستنصر، والسنة غريبة مكتومة، حتى إنهم منعوا الحافظ أبا إسحاق الحبال من رواية الحديث، وهددوه فامتنع.
قال ابن خلكان رحمه الله: "جرى على أيامه ما لم يجر على أيام أحد من أهل بيته ممن تقدمه ولا تأخره"، منها: حادثة البساسيري الذي قطع الخطبة للخليفة القائم بأمر الله وخطب للمستنصر ببغداد سنة 450هـ، ومنها أنه أقام في الأمر ستين سنة، وهذا أمر لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من خلفاء الإسلام، ومنها أنه حدث في أيام خلافته في مصر الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام، وهو ما يعرف بالشدة المستنصرية أو الشدة العظمى.
أحداث خلافة المستنصر
شهد أواخر عهد المستنصر (427هـ - 487هـ) عدة اضطرابات عظيمة في البلاد، منها:
1- أن الجند السودانيون يثيرون الاضطرابات في الوجه القبلي.
2- ونحوًا من أربعين ألف فارس من قبيلة لواتة والأعراب، تحت زعامة ناصر الدولة الحسين بن حمدان التغلبي (المتمرد على الخلافة العبيدية الفاطمية)، يغيرون على الوجه البحري وينهبون بلاده ويحطمون الجسور والقنوات، مما ترتب عليه انقطاع المئونة عن القاهرة والفسطاط.
3- وفى سنة 462هـ بعث ناصر الدولة إلى ألب أرسلان سلطان السلاجقة بالعراق رسولًا من قبله يسأله أن يرسل إليه عسكرًا ليقيم الدعوة العباسية بمصر على أن تؤول إليه السيادة على مصر، فرحب أرسلان بذلك، ولكنه انشغل بمحاربة الروم عن مصر.
4- وفى سنة 464هـ قطع ابن حمدان اسم المستنصر من الخطبة في الوجه البحري، وبعث إلى الخليفة القائم العباسي ببغداد يلتمس الخلع، ثم قدم إلى الفسطاط وتولي الحكم في القاهرة، وأطلق للخليفة مائة دينار كل شهر وخشي الأتراك على أنفسهم من جراء استبداد ناصر الدولة بالأمور في القاهرة، فدبروا لقتله فقتل وتتبعوا كل أفراد أسرته بمصر وتخلصوا منهم.
5- ثم تسلطت الأتراك،واستبدوا بالأمور دون المستنصر سنة 466هـ.
الشدة المستنصرية
شاءت الأقدار أن لا تقتصر معاناة البلاد على اختلال الإدارة والفوضى السياسية، فجاء نقصان منسوب مياه النيل ليضيف إلى البلاد أزمة عاتية. وتكرر هذا النقصان ليصيب البلاد بكارثة كبرى ومجاعة داهية امتدت لسبع سنوات متصلة (457هـ - 464هـ / 1065م - 1071م) [*]، وسببها ضعف الخلافة واختلال أحوال المملكة واستيلاء الأمراء على الدولة، واتصال الفتن بين العربان وقصور النيل، فزادات الغلاء وأعقبه الوباء، حتى تعطلت الأرض عن الزراعة، شمل الخوف وخيفت السبل برًا وبحرًا.
وقد تخلل تلك المجاعة أعمال السلب والنهب وعمت الفوضى، واشتدت تلك المجاعة حتى لم يجد فيها الناس شيئا يأكلوه فأكلوا الميتة والبغال والحمير، وبيع رغيف الخبز الواحد بخمسين دينارًا.
وذكر ابن إياس من العجائب التي لا يصدقها عقل زمن تلك المجاعة، ومنها: أن الناس أكلوا الكلاب والقطط، وكان ثمن الكلب الواحد خمسة دنانير والقط ثلاثة، وقيل كان الكلب يدخل البيت فيأكل الطفل الصغير وأبواه ينظران إليه فلا يستطيعان النهوض لدفعه عن ولدهما من شدة الجوع والضعف، ثم اشتد الأمر حتى صار الرجل يأخذ ابن جاره ويذبحه ويأكله ولا ينكر ذلك عليه أحد من الناس، وصار الناس في الطرقات إذا قوى القوى على الضعيف يذبحه ويأكله.
وذكر كذلك أن طائفة من الناس جلسوا فوق أسقف البيوت وصنعوا الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح، فإذا صار عندهم ذبحوه في الحال وأكلوه بعظامه.
ويروي إياس أن وزير البلاد لم يكن يمتلك سوى بغل واحد يركبه، فعهد بالبغل إلى غلام ليحرسه، إلا أن الغلام من شدة جوعه كان ضعيفًا فلم يستطع أن يواجه اللصوص الذين سرقوا البغل، وعندما علم الوزير بسرقة بغله غضب غضبا شديدا، وتمكن من القبض على اللصوص، وقام بشنقهم على شجرة، وعندما استيقظ الصباح وجد عظام اللصوص فقط؛ لأن الناس من شدة جوعهم أكلوا لحومهم.
وقيل: إنه كان بمصر حارة تعرف بحارة الطبق، وهي معروفة بمدينة الفسطاط، كان فيها عشرون دارا، كل دار تساوي ألف دينار، فأبيعت كلها بطبق خبز، كل دار برغيف، فسميت من يومئذ بحارة الطبق.
وذكر ابن الأثير أنه اشتد الغلاء، حتى حكي أن امرأة أكلت رغيفا بألف دينار، وباعت عروضا تساوي ألف دينار بثلاث مائة دينار، فاشترت بها شوالًا من القمح، فانتهبه الناس، فنهبت هي منه، فحصل لها ما خبز رغيفًا.
وذكر سبط ابن الجوزي في مرآة الزمان أن امرأة خرجت ومعها قدر ربع جوهر من اللؤلؤ، فقالت من يأخذ مني هذا الجوهر ويعطيني عوضه قمحًا؟! فلم تجد من يأخذه منها. فقالت: إذا لم تنفعني وقت الضائقة فلا حاجة لي بك، وألقته على الأرض وانصرفت. فالعجب ان ظل اللؤلؤ مرميًا على الأرض ثلاثة أيام ولميوجد من يلتقطه!!
ويروي المقريزي أن سيدة غنية من نساء القاهرة ألمها صياح أطفالها الصغار وهم يبكون من الجوع فلجأت إلى شكمجية حليها وأخذت تقلب ما فيها من مجوهرات ومصوغات ثم تتحسر لأنها تمتلك ثروة طائلة ولا تستطيع شراء رغيف واحد. فاختارت عقداً ثميناً من اللؤلؤ تزيد قيمته على ألف دينار، وخرجت تطوف أسواق القاهرة والفسطاط فلا تجد من يشتريه.
وأخيرًا استطاعت أن تقنع أحد التجار بشرائه مقابل كيس من الدقيق, واستأجرت بعض الحمالين لنقل الكيس إلى بيتها، ولكن لم تكد تخطو بضع خطوات حتى هاجمته جحافل الجياع، فاغتصبوا الدقيق، وعندئذ لم تجد مفرًا من أن تزاحمهم حتى اختطفت لنفسها حفنة من الدقيق وحزنت لما حدث من الجماهير الجائعة، فعكفت على عجن حفنة الدقيق وصنعت منها أقراصاً صغيرة وخبزتها ثم أخفتها فى طيات ثوبها، وانطلقت إلى الشارع صائحة: الجوع الجوع. الخبز الخبز. وألتفت حولها الرجال والنساء والأطفال وسارت معهم إلى قصر الخليفة المستنصر، ووقفت على مصطبة ثم أخرجت قرصاً من طيات ثوبها ولوحت به وهي تصيح: "أيها الناس، فلتعلموا أن هذه القرصة كلفتني ألف دينار، فادعوا معي لمولاي المستنصر الذي أسعد الله الناس بأيامه، وأعاد عليهم بركات حسن نظره، حتى تقومت عليَّ هذه القرصة بألف دينار!!".
وقُبض على رجل كان يقتل النساء والصبيان ويبيع لحومهم ويدفن رءوسهم وأطرافهم، فقُتل. واشتد الغلاء والوباء حتى أن أهل البيت كانوا يموتون في ليلة واحدة، وكان يموت كل يوم على الأقل ألف نفس، ثم أرتفع العدد إلى عشرة آلاف وفي يوم مات ثماني عشرة ألفًا.
وحكى أن المستنصر أخرج جميع ما في الذخائر فباعها، ويقال إنه باع في هذا الغلاء ثمانين ألف قطعة من أنواع الجوهر المثمنة وخمسة وسبعين ألف قطعة من أنواع الديباج المذهب وعشرين ألف سيف وأحد عشر ألف دار، وافتقر الخليفة المستنصر حتى لم يبق له إلا سجادة تحته وقبقاب في رجله.
وكان المستنصر في هذه الشدة يركب وحده، وكل من معه من الخواص مترجلون ليس لهم دواب يركبونها، وكانوا إذا مشوا تساقطوا في الطرقات من الجوع، وكان المستنصر يستعير من ابن هبة صاحب ديوان الإنشاء بغلته ليركبها صاحب مظلته، وآخر الأمر توجهت أم المستنصر وبناته إلى بغداد من فرط الجوع، وذلك في سنة 462هـ، وتفرق أهل مصر في البلاد وتشتتوا.
وكان المستنصر يتحمل نفقات تكفين عشرين ألفًا على حسابه، حتى فنى ثلث أهل مصر، وقيل إنه مات مليون وستمائة ألف نفس، ونزل الجند لزراعة الأرض بعد أن هلك الفلاحون.
وقال ابن دحية في كتاب النبراس: "وخرّبت القطائع التى لأحمد بن طولون في الشدة العظمى زمن الخليفة المستنصر العبيدى أيام القحط والغلاء المفرط الذي كان بالديار المصرية، وهلك من كان فيها من السكان، وكانت نيفا على مائة ألف دار". وخربت كذلك مدينة الفسطاط حتى كانت خرابًا.
وكان من نتيجة هذه الأزمة العاتية أن أخذت دولة المستنصر بالله في التداعي والسقوط، وخرجت كثير من البلاد عن سلطانه، فقُتل البساسيري في العراق سنة (451هـ / 1059م). وعادت بغداد إلى الخلافة العباسية، وقُطعت الخطبة للمستنصر في مكة والمدينة . وخُطب للخليفة العباسي في سنة (462هـ / 1070م)، ودخل النورمان صقلية واستولوا عليها . فخرجت عن حكم العبيديين سنة (463هـ / 1071م) بعد أن ظلت جزءًا من أملاكهم منذ أن قامت دولتهم.
وتداعى حكم المستنصر في بلاد الشام، فاستقل قاضي صور بمدينته سنة (462هـ / 1070م) وخرجت طرابلس من سلطان الفاطميين، وتتابع ضياع المدن والقلاع من أيديهم، فاستقلت حلب وبيت المقدس والرملة عن سلطانهم في سنة (463هـ / 1071م) ثم تبعتهم دمشق في العام التالي.
بدر الدين الجمالي والخروج من الأزمة
لم يكن أمام الخليفة المستنصر بالله للخروج من هذه الأزمة العاتية سوى الاستعانة بقوة عسكرية قادرة على فرض النظام، وإعادة الهدوء والاستقرار إلى الدولة التي مزقتها الفتن وثورات الجند، وإنهاء حالة الفوضى التي عمت البلاد، فاتصل ببدر الجمالي واليه على عكا سنة 466هـ، وطلب منه القدوم لإصلاح حال البلاد، فأجابه إلى ذلك، واشترط عليه أن لا يأتي إلا ومعه رجاله، ومن يختاره من عسكر الشام (أرمن)، ليستعيض بهم عن الجند الأتراك والمغاربة والسودانيين الموجودين بمصر.
وبدر الجمالي كان مملوكًا أرمينيًا للأمير جمال الدولة بن عمار، ثم أخذ يترقي في المناصب لما أظهره من كفاية في الحروب التي قامت ببلاد الشام، حتى ولي إمارة دمشق من قبل المستنصر سنة 456هـ، وحارب الأتراك في تلك البلاد ثم تقلد نيابة عكا سنة 460هـ.
وما إن حل بدر الجمالي بمدينة القاهرة حتى تخلص من قادة الفتنة ودعاة الثورة، وبدأ في إعادة النظام إلى القاهرة وفرض الأمن والسكينة في ربوعها، وامتدت يده إلى بقية أقاليم مصر فأعاد إليها الهدوء والاستقرار، وضرب على يد العابثين والخارجين، وبسط نفوذ الخليفة في جميع أرجاء البلاد.
وفي الوقت نفسه عمل على تنظيم شئون الدولة وإنعاش اقتصادها، فشجع الفلاحين على الزراعة برفع جميع الأعباء المالية عنهم، وأصلح لهم الترع والجسور، وأدى انتظام النظام الزراعي إلى كثرة الحبوب، وتراجع الأسعار، وكان لاستتباب الأمن دور في تنشيط حركة التجارة في مصر، وتوافد التجار عليها من كل مكان.
واتجه بدر الجمالي إلى تعمير القاهرة وإصلاح ما تهدم منها، فأعاد بناء أسوار القاهرة وبنى بها ثلاثة أبواب تعد من أروع آثار العبيديين الفاطميين الباقية إلى الآن وهي: باب الفتوح وباب النصر وباب زويلة، وشيد مساجد كثيرة فبنى في القاهرة مسجده المعروف بمسجد الجيوش على قمة جبل المقطم، وبنى جامع العطارين بالإسكندرية.
واستطاع الجمالي أن يعيد نفوذ الخليفة على جميع بلاد الوجه القبلي حتى أسوان، وكذلك الوجه البحري، وبني جامع العطارين وأعاد الرخاء فزاد خراج مصر في سنة (457 –464) من 2.000.000 دينار إلى 3.100.000 دينار، وتوفي الجمالي سنة 487هـ وعهد لابنه الأفضل شاهنشاه.
ولم يكن للوزير بدر الجمالي أن يقوم بهذه الإصلاحات المالية والإدارية دون أن يكون مطلق اليد، مفوضا من الخليفة المستنصر، وقد استبد بدر الجمالي بالأمر دون الخليفة، وأصبحت الأمور كلها في قبضة الوزير القوي، الذي بدأ عصرا جديدا في تاريخ الدولة الفاطمية في مصر، تحكم فيه الوزراء أرباب السيوف.
وفاة المستنصر بالله
وظل المستنصر في عهد وزرائه كالمحجور عليه، وآلت به شدائد عظيمة، وفقد القوت فلم يقدر عليه، حتى كانت امرأة من الأشراف تتصدق عليه في كل يوم بقعب فيه فتيت، فلا يأكل سواه مرة في كل يوم، وظل كذلك إلى أن توفي في 18من ذي الحجة سنة 487هـ، ومع وفاة المستنصر بدأ العصر العبيدي (الفاطمي) الثاني حيث زادت سلطة الوزراء، وهو ما اصطلح عليه بعصر نفوذ الوزراء.
[*] يوجد اختلاف بين المؤرخين على تحددي سنة بداية الشدة المسنصرية، وإن كانوا يتفقون على أنها استمرت سبع سنوات، فابن إياس يذكر بدايتها سنة 451هـ، وابن أيبك يذكر أنه كانت سنة 448هـ، ويذكر السيوطي أنها كانت سينة 460هـ، وأما المقريزي فيحددها بسنة 457هـ ونهايتها سنة 464هـ، وربما كان سبب هذا الاختلاف تعدد الروايات وتوالي الأزمات الاقتصادية في هذه الفترة التي تطرق إليها المؤرخون.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالسبت 13 فبراير 2016, 12:24 pm

قراقوش عبقرية ظلمها التاريخ
حكم قراقوش
لم تُنسب تسميةٌ كنايةً عن الظلم في التاريخ العربي مثلما نسبت هذه العبارة إلى الأمير بهاء الدين قراقوش، وما زالت تجرى على ألسنة المصريين في حياتهم اليومية وعبر أجيال طويلة منذ قرابة الألف سنة.
وقليل هي تلك الدراسات العلمية التي اهتمَّت برفع الظلم عن هذا الرجل، وأحد كبار المهندسين والبنائين في تاريخ الإسلام.. والغريب أن كل هذا التراث المغلوط من السمعة السيئة؛ التي تدلُّ على البطش والاستبداد سببها كتاب وضعه أحد الموتورين من منافسي قراقوش وخصومه الحاقدين في عصره وهو ابن مماتي؛ الذي كتب عنه كتاب: (الفاشوش في معرفة أخبار قراقوش)، وملأه بالادعاءات الظالمة التي نسبها إلى الأمير قراقوش، وسرعان ما انتشرت على ألسنة العامة داخل وخارج مصر، ووصفه بالغفلة والحمق والبطش والاستبداد..
وما أبعد اتهامات الكتاب عن الحقيقة.. فما الحقيقة؟
قراقوش وتاريخ حافل
شخصيات صنعت لها تاريخ 1213

وُلد قراقوش بآسيا الصغرى، وهو رومي النسب، خصي، خدم أسد الدين شيركوه القائد العسكري في جيش عماد الدين آل زنكي؛ ثم في جيش خليفته نور الدين محمود؛ الذي قرَّب شيركوه وقدَّمه على بقية قواد الجيش... ودخل قراقوش مصر في جيش أسد الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين الأيوبي، في تلك الفترة التي شهدت انهيار الدولة الفاطمية ونذر قيام الدولة الأيوبية... واسم قراقوش بالكامل (بهاء الدين بن عبد الله الأسدي)؛ وسمي بالأسدي نسبة إلى أسد الدين شيركوه قائده، ومعنى (قراقوش) بالتركية النسر الأسود... كان قراقوش ضلعًا في مثلث ارتكزت عليه الدولة الأيوبية في مصر، الضلع الأول هو الفقيه عيسى المهكاري، والضلع الثاني هو القاضي الفاضل، والضلع الثالث هو القائد العسكري قراقوش..
وبينما صبغت الدولة الفاطمية بالصبغة المدنية، واهتمت بإنشاء الدواوين المتعدِّدة، فإن الدولة الأيوبية كانت دولة عسكرية الطابع؛ حيث واجهها خطر الغزو الأوربي متمثلاً في جيوش الفرنجة؛ لذا اهتمَّ صلاح الدين بالتجهيزات العسكرية من مدِّ الجسور، وبناء القلاع والحصون، وإنشاء الأسوار؛ وهي مجالات كان لقراقوش باع طويل فيها..
ولكي نفهم خطورة الدور الذي أدَّاه قراقوش فوق مسرح الأحداث يجب أن نتأمَّل المناخ الذي برز من خلاله..
عندما مات الخليفة الفاطمي العاضد كان صلاح الدين قد انتهى من قطع اسمه من الخطبة، وذكر اسم الخليفة العباسي بدلاً منه، وتولى صلاح الدين يوسف الأيوبي الحكم رسميًّا، وقد حوى القصر الفاطمي كنوزًا هائلة، خشي صلاح الدين عليها من نهب (المؤتمن) أحد أعدائه، فاختار صلاح الدين قراقوش متوليًا على القصر للحفاظ على خزائنه؛ فسهر على حماية الكنوز الهائلة.
المناخ الذي تفتحت فيه عبقرية قراقوش كان مناخًا مزدهرًا عسكريًّا وسياسيًّا، ويعود ذلك إلى انتصارات صلاح الدين الحربية الباهرة.
وهي الانتصارات التي رفعت راية الإسلام، وقهرت قوى الشرِّ والعدوان الصليبية، حتى وصفها الشاعر المصري الكبير ابن سناء الملك وقتها بقوله:
بِدَوْلَــــةِ التُّرْكِ عَـــزَّتْ مِلَّةُ الْعَــرَبِ *** وَبِابْــــــنِ أَيُّــــوبَ ذَلَّتْ شِيَعـــةُ الصُّلـب
وَفِي زَمَـــانِ ابْنِ أَيُّوبٍ غَدَتْ حَلَــبٌ *** مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَعَادَتْ مِصْرُ مِنْ حلبِ
وَلابْنِ أَيُّــوبٍ دَانَــــتْ كُـــلُّ مملكـــةٍ *** بالصَّفْـــح والصُّلـحِ أَو بالْحَرْبِ والحَرَبِ


وفي مثل هذا المناخ تألَّق نجم قراقوش، في ظلِّ قيادة صلاح الدين التاريخية... وفي رأينا أن قدرات قراقوش ومهاراته لم تكن تتفتح وتبرز إلا في مثل هذا المناخ، وهذه الدولة.
عبقرية هندسية:
يمكن تقسيم أعمال قراقوش العسكرية إلى ثلاث نواحٍ رئيسة:
1- إقامة قلعة الجبل (قلعة صلاح الدين) فوق المقطم؛ التي ظلَّت مقرًّا للحكم في القاهرة حتى عهد محمد على إلى أن استبدل بها الخديوي إسماعيل مقرًّا آخر للحكم... ولم تتم بناء قلعة الجبل في عهد صلاح الدين، وإنما أكمل بناءها الملك الكامل محمد ابن أخي صلاح الدين يوسف، وهو أول من سكن بها من بني أيوب.
كما أتبعها ببناء قلعة المقسي، وهي برج كبير بناه قراقوش على النيل، وبنى بالقرب منه أبراجًا أخرى، ولكن على طراز الأبراج الفرنجية لا الفاطمية؛ التي وجدها أصلح وأقوي وأكثر تقدُّمًا.
2- سور القاهرة: وبعد الانتهاء من بناء القلعتين، قام قراقوش ببناء سور كبير يحيط بالجيزة ناحية الصحراء الغربية من أحجار الأهرامات، ثم بني سورًا يحيط بالقاهرة، وبناه من حجارة الأهرامات الصغيرة والمقطم، وحفر فيه بئرًا وضم مسجدًا.. وكانت البئر من عجائب الأبنية؛ "يدور البقر من أعلاها، وينقل الماء من وسطها، وتدور أبقار أخرى وسطها، فينقل الماء من أسفلها، وجميع ذلك حجر منحوت، ليس فيه بناء، وقيل: إن أرض هذا البئر مسامتة لأرض بركة الفيل، وأن ماءها كان عذبًا في أول الأمر، ثم أراد قراقوش الزيادة في مائها، فوسعها، فخرجت منها عين مالحة غيَّرت حلاوتها".
وهذا السور هو السور الثالث الذي أحاط بالقاهرة بعد سور جوهر الصقلي مؤسس القاهرة، وسور بدر الدين الجمالي الأمير الفاطمي، وكان السوران من اللَّبِن وليس من الحجارة كما جاء سور قراقوش..
وينقل ابن إياس عن ابن الأثير أنه "لما دخلت سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة، شرع الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في بناء سور القاهرة بالحجر القص النحيت، وأبطل السور الذي كان بناه جوهر القائد، سنة إحدى وستين وثلاثمائة، وكان بناه بالطوب اللبن في دولة الفاطميين.. ثم جعل دوره ثلاثًا وثلاثين ألف ذراع بالعمل، وجعل في هذا السور أحد عشر بابًا، غير الأبواب الصغار، وكان القائم على بناء السور الأمير بهاء الدين قراقوش".
وقد شمل هذا السور عدة مراحل.. فأقام قراقوش قطعة من السور الغربي؛ وهي الممتدة من النهاية الغربية لسور بدر الجمالي البحري ومتجهة نحو الجنوب إلى باب القنطرة؛ الذي أنشأه صلاح الدين في السور الغربي المذكور تجاه باب القوس؛ الذي كان يعرف بباب الرماحين. ثم رأى أن يزيد في سور المدينة البحري ومده إلى الغرب وبيني سورها الغربي على النيل بدلاً من الخليج؛ وذلك لكي يدخل في السور القسم الذي استجدَّ خارج القاهرة في الجهة الغربية منها بين الخليج والنيل، ولكي يُنَفِّذ هذا المشروع أوقف بناء السور الغربي على الخليج بعد باب القنطرة، وفي سنة 569هـ شرع بهاء الدين قراقوش في مدِّ السور البحري من باب الشعرية إلى البحر بالمقسي، وأتمه فعلاً، وأراد أن يبني السور الغربي للقاهرة على النيل من باب البحر إلى فم الخليج ليوصل سور القاهرة بسور مصر القديمة؛ ولكن وفاة صلاح الدين حالت دون ذلك.
هذه هي أهم إنشاءات قراقوش الحربية والهندسية بمصر: قلعة الجبل، وقلعة المقسي، وسور القاهرة.
3- سور عكا: فقد استردَّ صلاح الدين عكا بعد بيت المقدس من أيدي الفرنجة، وتهدَّم سور المدينة من الحصار، وترك لقراقوش مهمة إعادة بناء السور المتهدم، ومضى ليحرِّر الحصون الأخرى من الفرنجة، وعكف قراقوش على عمله بجد وشغف وبعزيمة ومضاء، وهو يدرك أهمية هذا العمل في تحرير الأرض العربية من أيدي المغتصبين؛ ولكن الفرنجة في محاولة يائسة، قرروا لمَّ شتاتهم في المنطقة والقيام بعملية التفاف حول قوات المسلمين، وحاصروا عكا حتى يشتتوا تركيز صلاح الدين، واستمر الحصار عامين، وقراقوش يقود المقاومة والصمود داخل المدينة المحاصرة، حتى غلبهم الجوع والوباء وإمدادات الفرنجة التي أتت من البحر، لتقع عكا في أيديهم، ويقع من فيها أسرى وقتلى وجرحى، وأُسِرَ قراقوش نفسه حتى أُفرج عنه في الصلح في 11 شوال سنة 588هـ= (1192م)...
وبعد وفاة صلاح الدين، عمل قراقوش في خدمة العزيز، فكان يُنيبه على البلاد عند خروجه للقتال، كما كان يفعل أبوه صلاح الدين.. وقد أحبط مؤامرة العادل لخلع العزيز بالله بالاتفاق مع قائد أكبر قوات العزيز؛ وهو حسام الدين أبو الهيجاء السمين زعيم الأسدية الذي انسحب بقواته من الشام وكشف ظهر العزيز بالله؛ ولكن قراقوش أحبط محاولة الانقلاب على العزيز بالقاهرة، وأخمد عزم بقية القوات بالانضمام لحركة السمين؛ وسهل عودة العزيز إلى القاهرة.
وبعد وفاة العزيز تولَّى المنصور وسنه تسع سنوات، أصبح قراقوش وصيًّا على العرش، وعندما انقسم الصلاحية والأسدية، واستعانوا بالملك الأفضل عم المنصور، تنازل قراقوش له عن الوصاية.. ولكن مؤامرات العادل استمرت، وظلت أطماعه في الشام صوب عرش القاهرة سادرة، وعزم على الإغارة على القاهرة، فلما تبين الأفضل أطماع عمه العادل، جمع قواده وعرض عليهم الأمر، فقال له الأمير بهاء الدين قراقوش في تصميم: "لا تخف يا مولاي، فنحن جندك وجند أبيك من قبلك، مرني أحفظ لك قلعة الجبل، ثم مرني أحفر لك ما بقي من سور البلد، ثم مرني أتعمق الحفر، حتى أصل إلى الصخر، وأن أجعل التراب على حافة الحفر؛ فيبدو كأنه حائط آخر، ودعني أفعل ذلك فيما بين البحر وقلعة المقسي، وبذلك لا يبقى لمصر طريق إلا من بابها الذي يصعب أن يفتحه العدو".
ولكن العادل استولى على مصر، وفر الأفضل من وجهه إلى الشام، وخلع العادل المنصور ونصب نفسه واليًا، وخطب له...
وتواري قراقوش في الظل حتى توفي في مستهل رجب سنة 597هـ (1200م) بعد حياة حافلة بالعطاء والإخلاص...
مَنْ ظَلَمَ النسر الأسود؟
وعلى الرغم من هذا التاريخ الزاهي للأمير قراقوش، فقد قيض الله له أحد الأدباء الموتورين وهو ابن مماتي ليشوه هذا التاريخ المضيء... واسمه بالكامل الأسعد أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعيد مهذب بن مينا بن زكريا بن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي... وهو مسيحي الأصل من أسيوط، أسلم أبوه من قبل، وأتاح ذلك له أن يبرز في المجتمع القاهري وقتها، فتقرب من القاضي الأفضل، وترأس ديوان الجيش في عهد صلاح الدين وطوال حكم العزيز بالله؛ ولكنه فرَّ من البلاد في حكم العادل، ولابن مماتي مؤلفات كثيرة أغلبها في آداب السلوك.
فماذا تضمن هذا الكتاب..؟
يبدأ الكتاب بهذه الفقرة: "إنني لما رأيت عقل بهاء الدين قراقوش مخرمة فاشوش، قد أتلف الأمة، والله يكشف عنهم كل غمة، لا يقتدي بعالم، ولا يعرف المظلوم من الظالم، الشكية عنده لمن سبق، ولا يهتدي لمن صدق.
ولا يقدر أحد من عظم منزلته على أن يرد كلمته، ويشتط اشتياط الشيطان، ويحكم حكمًا ما أنزل الله به من سلطان، صنف هذا الكتاب لصلاح الدين، عسى أن يريح منه المسلمين"..
ثم اشتمل الكتاب على وقائع منسوبة لقراقوش لا تدل إلا على الحمق والبله والغباء والتسلط والقهر..
ونقدم بعض هذه القصص؛ التي تضمنها كتاب: "الفاشوش في أحكام قراقوش".
- حكي أنه طار له باز، فقال: اقفلوا باب النصر، وباب زويلة، فإن الباز لا يجد له موضعًا يطير منه.
- وحكي أن شخصًا شكا له مماطلة غريمه، فقال له المدين: يا مولانا، إني رجل فقير، وإذا حصلت شيئًا له، لا أجده، فإذا صرفته جاء وطالبني.
فقال قراقوش: احبسوا صاحب الحق، حتى يصير المديون إذا حصل شيئًا يجد له موضعًا معلومًا يدفع له فيه. فقال صاحب الحق: تركت أجري على الله. ومضي.
- وأتوه بغلام، وفي يده ديك، فقال: يا هذا؛ إن هذا الديك لو نقر عينك لكان يقلعها.. يا غلمان، خذوا منه دية عينه.
فحلف الغلام ألا يقعد في مدينة يكون حاكمها قراقوش أبدًا.
ويدفع المؤرخ الإسلامي الكبير ابن خلكان هذه التهم عن قراقوش، ويؤكد إنكار كتاب ابن مماتي لتشويهه، فيقول: "والناس ينسبون إليه أحكامًا عجيبة، في ولايته نيابة مصر عن صلاح الدين، حتى إن الأسعد بن مماتي له فيه كتاب لطيف؛ سماه: "الفاشوش في أحكام قراقوش"، وفيه أشياء يبعد وقوع مثلها منه، والظاهر أنها موضوعة؛ فإن صلاح الدين كان يعتمد في أحوال المملكة عليه، ولولا وثوقه بمعرفته وكفايته ما فوضها إليه.
والدفع الأساسي الذي ندفع به تلك التهم عن قراقوش هو صلاح الدين الأيوبي نفسه، فهل يثق صلاح الدين في رجل بهذه البشاعة لأكثر من عشرين سنة؟ وهل أخطأ العزيز بالله ثم الأفضل في الحكم عليه؟
وبافتراض صحة اتهامات ابن مماتي لقراقوش؛ فإن المدان الأول في هذه الحالة هو صلاح الدين الأيوبي؛ بل وأسد الدين شيركوه من قبله، اللذان تألق نجم بهاء الدين قراقوش في ظلهما....
أم أن ابن مماتي وجد في مضاء وحسم وجد قراقوش ما أغاظه وأطلق عقال حقده؟ ويُرجع د. عبد اللطيف حمزة تأخر ظهور كتاب الفاشوش إلى ما بعد وفاة صلاح الدين بقوله: "فالذي نرجحه في كتاب الفاشوش أنه لم يعمل عمله وقت ظهوره على عهد صلاح الدين، فلا أثَّر هذا الكتاب في نفس السلطان العظيم، ولا عول على هذا الحادث الأدبي رجل كالقاضي الفاضل، ولا رفع السلطان يد قراقوش عن العمل الذي كلفه إياه...
أما الزمن الذي أرجح أنه أفاد من كتاب الفاشوش فهو الزمن الذي تلا موت الملك العزيز ولد السلطان صلاح الدين؛ أعني في الفتنة التي حدثت على عرش العزيز وتولية ابنه المنصور، وكان المنصور صبيًّا، فاحتاج الأمر إلى أن يكون له أتابك، وكان العزيز نفسه قد أوصى بأن يكون قراقوش هو الأتابك، غير أن هذا الأمر لم يصادف هوى من نفوس كبار الجند؛ وإذ ذاك استدعوا الملك الأفضل، وكان ابن مماتي ممن اشتركوا في استدعائه يومئذٍ، والظاهر أنه هو الذي وصف قراقوش في مجلس من مجالس المؤامرة التي دُبِّرَتْ ضده بهذه العبارة؛ وهي قوله: "إنه مضطرب الرأي، ضيق العطن".
وهو وصف ذَكَرَتْهُ المراجع التاريخية الكبرى؛ وإن لم تنسبه إلى قائله.
ومعنى ذلك أن كتاب الفاشوش هو من وحي رجل كابن مماتي في ظرف من الظروف الخاصة، وأن السياسة أفادت منه كثيرًا فيما بعد".
إن هذا الظلم الذي لصق بشخصية كبيرة في التاريخ الإسلامي، وعقلية هندسية وعسكرية مشهودة، تحتاج للإنصاف والتصحيح.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالسبت 13 فبراير 2016, 12:27 pm

قراقوش .. المظلوم حيا وميتا !!
شخصيات صنعت لها تاريخ Shapeqar
تنتشر في مصر جملة دارجة على الألسنة تقول: "حكم قراقوش"، وتقال للشخص إذا كان صاحب سلطة ومَالَ إلى البغي والظلم، فتُقال للوزير والمدير وأحيانًا لرب الأسرة. وعلى جانب آخر صوَّرت بعض المصادر قراقوش كمثال للسذاجة والبله، وحكيت عنه حكايات تشير إلى شخص أحمق وغبي ويثير الضحك.. والبعض يتصور أن قراقوش شخصيَّة لا وجود لها، لكن الحقيقة غير ذلك؛ لأن شخص قراقوش كان مثالاً للعدل، ومثالاً للعطاء بلا حدود.. وكان واحدًا من ثلاثة بَنَى عليهم صلاح الدين الأيوبيأركان حكمه.
قال عنه ابن إياس في (بدائع الزهور): "كان قراقوش القائم بأمور الملك، يسوس الرعية في أيامه أحسن سياسة، وأحبته الرعية ودعوا له بطول البقاء".
وقال عنه ابن خلكان في (وفيات الأعيان): "كان حسن المقاصد، جميل النية، وكان له حقوق كثيرة على السلطان وعلى الإسلام والمسلمين".
أما ابن تغري بردي فقال عنه في (النجوم الزاهرة) عند ذكره صلاح الدين الأيوبي: "وكان وزيره بمصر الصاحب بهاء الدين قراقوش، صاحب الحارة المعروفة بسويقة الصاحب القديمة في الجامع الحاكمي، وكان رجلاً صالحًا غلب عليه الانقياد إلى الخير، وكان السلطان يعلم منه الفطنة والنباهة، وكان إذا سافر السلطان من مصر إلى الشام في زمان الربيع كما هي عادته كل سنة، يفوض إليه أمر البلاد، لكنه في سنة إحدى وستين وخمسمائة حكمها منفردًا من غير مشاركة؛ لوفاة ولي العهد المشارك له في ذلك، فلم يستقم له الحال، ووضعت عليه الحكايات المضحكة".
والسؤال الآن: من هو قراقوش؟
قراقوش في الأصل غلام مملوكي جيء به من أسواق النخاسة، وقد يكون من أصل تركي، وكان خصيًّا، وألحق بمماليكأسد الدين شيركوه وقتما كان يعمل هو وأخوه نجم الدين أيوب في خدمة السلطان عماد الدين زنكي بالشام، واستمر أسد الدين وأخوه نجم الدين في خدمة آل زنكي ومعهما قراقوش، الذي أسلم على يد سيِّده أسد الدين، وأصبح اسمه بهاء الدين عبد الله الأسدي، وأعتقه بعد ذلك، وصار مشهورًا بالأمير بهاء الدين قراقوش، وأصبح بعد ذلك من كبار أمراء أسد الدين شيركوه، وأيضًا من كبار قادة جيشه.
ولما أرسل نور الدين محمود قائده أسد الدين شيركوه بجيشه إلى مصر بناء على طلب آخر الملوك الفاطميين بها، وأتى إلى مصر بصحبة ابن أخيه صلاح الدين كان معهم قراقوش، بعد أن أصبح قائدًا عسكريًّا كبيرًا، وتداعت الأحداث بعد ذلك بموت نور الدين في دمشق، وموت الخليفة العاضد آخر الحكام الفاطميين في مصر، وظهور نجم الأيوبيين، وآلت مصر والشام لحكم صلاح الدين الأيوبي.
أركان حكم صلاح الدين الأيوبي
كان صلاح الدين الأيوبي يقيم أركان حكمه على ثلاثة أشخاص، وهم: الفقيه عيسى الهَكَّاري، والقاضي الفاضل، وقراقوش. وكان هؤلاء الثلاثة هم وراء تثبيت دعائم دولة صلاح الدين الجديدة، ومن بين الثلاثة برز قراقوش وتميَّز عن الجميع، فكان دوره كبيرًا في السيطرة على حالة الفوضى التي عمَّت في مصر بعد موت الخليفة العاضد ومحاولة بعض رجاله الدخول في صدام مع صلاح الدين لبقاء مصر تحت راية الفاطميين..
لكن قراقوش تمكن من السيطرة على الموقف، فقام بنقل أسرة العاضد من قصر الخلافة إلى منزل الأمير برجوان، صاحب الحارة التي تعرف باسمه حتى يومنا هذا بالقاهرة، وعزل النساء عن الرجال من أسرة العاضد، كما قام ببيع العبيد والجواري، وسيطر على ثروة القصر الفاطمي الذي كان به ثروة لم تتوفر لأي ملك من ملوك الدنيا قبل ذلك.
قراقوش في مصر
كانت ظروف المرحلة تفرض على صلاح الدين أن تتجه أغلب جهوده في إعداد الدولة لخوض الحرب ضد الصليبيينالذين كان يحتلون بيت المقدس وقتها، فتوسعت الدولة في بناء القلاع والحصون والمنشآت العسكرية من إقامة الجسور وتمهيد الطرق، وكلها مهام ضخمة لم يجد صلاح الدين خيرًا من قراقوش ليقوم بالإشراف عليها، وكان مشهورًا بصبره وجلده وعزيمته الفولاذية التي لا تلين، إضافةً إلى مواهبه الهندسية التي كشفت عنها أعماله.
كان أول عمل عظيم قام به قراقوش هو بناء "قلعة الجبل"، على جزء مرتفع من الأرض منفصل عن جبل المقطم بالقاهرة، وتشرف على القاهرة كلها، وكانت مقرًّا للنسر الإسلامي الذي اتخذه صلاح الدين شعارًا لدولته، وأصبحت من بعده مقرًّا للحكم في مصر حتى نقل الخديوي إسماعيل مقر الحكم إلى قصر عابدين بالقاهرة في ستينيات القرن التاسع عشر.
وبعد أن فرغ قراقوش من بناء قلعة الجبل، قام ببناء قلعة المقياس بجزيرة الروضة، ثم سور مجرى العيون الذي ينقل المياه من فم الخليج حتى القلعة، وهو عمل هندسي عظيم بكل المقاييس لما فيه من دقة وحرفية هندسية عالية، ثم شرع في بناء سور عظيم يحيط بالقاهرة والجيزة، لكنه مات قبل أن يتمه، وكان قد حشد له آلاف الأسرى من الصليبيين وغيرهم من عامَّة الشعب، الذين قاموا بتقطيع أحجاره من صحراء الهرم، ويعتبر هذا العمل الضخم هو أحد أسباب كراهية العامَّة لقراقوش، الذين أحسوا بمرارة السخرة خلال هذا العمل الضخم.
قراقوش في الشام
وإضافة إلى هذا الدور العظيم الذي قام به قراقوش في مصر، كان له دور مهم أيضًا قام به في الشام، وبالتحديد في عكا، فبعد انتصار صلاح الدين على الصليبيين ونجاحه في طردهم من بيت المقدس، واصل زحفه حتى استولى على واحد من أهم وأكبر حصونهم في الشام، وهو حصن عكا، بعد أن دفع فيه ثمنًا غاليًا من المال والشهداء، وكان الحصن قد تهدمت منه أجزاء كثيرة أثناء المعارك، ورأى صلاح الدين أن يترك عكا وحصنها أمانة في يد قراقوش، ويذهب هو ليواصل زحفه لامتلاك حصون الصليبيين الأخرى، قبل أن يفيقوا من هزيمتهم في عكا، ويتمكنوا من جمع شملهم الذي تفرق، وقبل أن يأتيهم المدد من ملوك أوربا..
بقي قراقوش حارسًا للمدينة مع حامية صغيرة، وواصل الليل بالنهار يبني ويرمم ما تهدَّم من سور المدينة وحصنها، وعكف على هذا العمل بهمةٍ لا تعرف الملل، وعزيمة لا تعرف الكلل.
حصار الصليبيين على عكا
لكنه ما كاد ينتهي من عمله هذا حتى واجه ما لم يكن في حسبانه؛ فالصليبيون الذين أجلاهم صلاح الدين عن القدس وهزمهم بعد ذلك في عكا، تجمعوا ولمُّوا شتاتهم الذي كان قد تفرق في حصن آخر من حصونهم التي كانت لهم على الساحل، وزحفوا على عكا من جديد وحاصروها، واستمر حصارهم لها عامين..
وكان وقتها صلاح الدين وجيشه مشغولاً بمحاربتهم في مكان آخر بالشام، وذاق قراقوش ومن معه مرارة الحصار داخل أسوار عكا، وتحملوا أقصى ما يمكن أن يتحملوه من جهد ونصب، ونفدت أثناء الحصار الأطعمة، ووجدوا صعوبة شديدة حتى في الحصول على الماء للشرب، وتفشت الأوبئة بين المحاصرين، حتى تمكن منهم الصليبيون، فاقتحموا أسوار عكا، وأسروا من فيها بما فيهم قراقوش، وبقي في الأسر حتى افتدى صلاح الدين كل الأسرى بعد ذلك.
وفاء قراقوش لصلاح الدين الأيوبي
ولما توفي صلاح الدين الأيوبي، ظلَّ قراقوش على وفائه مع ابنه العزيز، يحمي عرش مصر والشام، ثم كان وصيًّا على عرش المنصور، ومارس كل مهام السلطنة في بهذه الصفة، إلى أن أعفاه منها الملك العادل أخو السلطان صلاح الدين، وبعدها لزم بيته حتى توفاه الله عام 1201م.
المصدر: مجلة الباحثة.
قراقوش .. المفترى عليه
الشيخ علي الطنطاوي

حدثتكم من شهور حديثًا، صححت فيه خطأ شائعًا، وبرَّأت فيه متهمًا مظلومًا، حين رددت باطل المتنبي وبيَّنت حق المؤرخين في كافور الملك العادل الذي صغَّره المتنبي وهو عظيم، وسيف الدولة الذي جعله المتنبي أعدل الملوك، وكان على براعته في الحرب من ظلمة الحكام.

ولقد جئت أحدثكم اليوم عن رجلٍ راح ضحية الأدب المفتري، كما راح كافور ضحيَّة الشعر الظالم.. هو قراقوش.

وقراقوش المسكين الذي صار على ألسنة الناس في كل زمان وكل بلد المثل المضروب لكل حاكم فاسد الحكم، فكلما أراد الناس أن يصفوا حكمًا بالجور والفساد قالوا: هذا حكم قراقوش.

وهم يحرِّفون اسمه فوق تحريف تاريخه.. فيقولون: قراقاش بدل قراقوش، وقراقوش معناها بالتركية: النسر الأسود (قوش: نسر، قرا: أسود).

إن قراقوش له صورتان: صورة تاريخيَّة صادقة، وصورة روائيَّة صوَّرها عدوٌّ له من منافسيه.

والعجيب أن الصورة التاريخية الحقيقية طُمست ونُسيت، والصورة الخيالية بقيت وخُلِّدت، فلا يذكر قراقوش إلا ذكر الناس هذه الحكايات العجيبة، وهذه الأحكام الغريبة التي نسبت إليه، وافتريت عليه.

فمن هو قراقوش؟
هو أحد قواد بطل الإسلام صلاح الدين الأيوبي، كان من أخلص أعوانه وأقربهم إليه، وكان قائدًا مظفرًا، وكان جنديًّا أمينًا، وكان مهندسًا حربيًّا منقطع النظير.

وكان مثالاً كاملاً للرجل العسكري، إذا تلقى أمرًا أطاع بلا معارضة ولا نظر ولا تأخير، وإن أمر أمرًا لم يرض من جنوده بغير الطاعة الكاملة، بلا اعتراض ولا نظر ولا تأخير.

وكان أعجوبة في أمانته، لما أحس الفاطميون بقرب زوال ملكهم شرعوا يعبثون بنفائس القصر، ويحملون منها ما يخف حمله ويغلو ثمنه، وكان القصر مدينة صغيرة، كدَّس فيها الخلفاء الفاطميون[1] خلال قرون من التحف والكنوز والنفائس ما لا يحصيه العدُّ، ولو أن عشرة لصوص أخذوا منه ما تُخفِي الثياب، لخرج كلٌّ منهم بغنى الدهر ولم يحس به أحد.

فوكل صلاح الدين قراقوش بحفظ القصر، فنظر فإذا أمامه من عقود الجواهر والحلي النادرة والكئوس والثريات والبسط المنسوجة بخيوط الذهب ما لا مثيل له في الدنيا، هذا فضلاً عن العرش الفاطمي الذي كان من أرطال الذهب، ومن نوادر اليواقيت والجواهر، ومن الصنعة العجيبة ما لا يقوّم بثمن[2].

وكان في القصر فوق ذلك من ألوان الجمال في المئات والمئات من الجواري المنحدرات من كل أمم الأرض، ما يفتن العابد..

فلا فتنه الجمال، ولا أغواه المال، ووفَّى الأمانة حقها، ولم يأخذ لنفسه شيئًا، ولا ترك أحدًا يأخذ منها شيئًا.

وهو الذي أقام أعظم المنشآت الحربية التي تمت في عهد صلاح الدين، وإذا ذهبتم إلى مصر وزرتم القلعة المتربعة على المقطم المطلة على المدينة، فاعلموا أن هذه القلعة، بل هذه المدينة العسكرية، أثر من آثار قراقوش.

وإذا رأيتم سور القاهرة الذي بقي من آثاره إلى اليوم ما يدهش الناظر، فاعلموا أن الذي بَنَى السور وأقام فيه الجامع وحفر البئر العجيبة في القلعة هو قراقوش.

ولما وقع الخلاف بين ورثة صلاح الدين وكادت تقع بينهم الحرب، ما كفَّهم ولا أصلح بينهم إلا قراقوش.

ولما مات العزيز الأيوبي وأوصى بالملك لابنه المنصور وكان صبيًّا في التاسعة، جعل الوصي عليه والمدبر لأمره قراقوش، فكان الحاكم العادل، والأمير الحازم، أصلح البلاد، وأرضى العباد.

هذا قراقوش، فمن أين جاءت تلك الوصمة التي وُصم بها؟! ومن الذي شوَّه هذه الصورة السويَّة؟!

إنها جريمة الأدب يا سادة.

لقد أساء المتنبي إلى كافور، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي، وأساء ابن مماتي إلى قراقوش، فألبسه وجهًا غير وجهه الحقيقي.

ولم يعرف الناس من الاثنين إلا هذا الوجه المعار كوجوه الورق الذي يلبسها الصبيان أيام العيد.

وابن مماتي هذا كاتب بارع وأديب طويل اللسان، كان موظفًا في ديوان صلاح الدين، وكان الرؤساء يخشونه ويتحامونه، ويتملقونه بالود حينًا وبالعطاء حينًا. ولكن قراقوش وهو الرجل العسكري الذي لا يعرف الملق ولا المداراة لم يعبأ به، ولم يخش شره، ولم يدرِ أن سن القلم أقوى من سنان الرمح، وأن طعنة الرمح تجرح الجرح فيشفى، أو تقتل المجروح فيموت، أما طعنة القلم فتجرح جرحًا لا يشفى ولا يريح من ألمه الموت..

فألَّف ابن مماتي رسالة صغيرة سمَّاها "الفافوش في أحكام قراقوش"، ووضع هذه الحكايات ونسبها إليه.

وصدَّقها الناس، ونسوا التاريخ.

ومات قراقوش الحقيقي وبقي قراقوش الفافوش، كما مات كافور التاريخ وبقي كافور المتنبي، وكما نسي عنترة الواقع وبقي عنترة القصة.

هذا يا سادة سلطان الأدب، فيا أيها الأدباء اتقوا الله في هذا السلطان، ويا أيها الناس لا تنخدعوا بتزييف الأدباء.

المصدر: كتاب (رجال من التاريخ - الجزء الأول) للشيخ علي الطنطاوي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالأربعاء 21 يونيو 2017, 6:36 pm

لكواكبي.. المفكر الذي أّصّل وناضل ضد الاستبداد

شخصيات صنعت لها تاريخ Abd-alrhman-alkwakiby
عبد الرحمن الكواكبي


وكأنه ولد من أجل أن يؤدي مهمته في مقارعة الاستبداد ويرحل تاركا إرثا من العمل الدؤوب على الأرض وعلى صفحات كتابه الشهير "طبائع الاستبداد".
بعد نحو قرن على رحيله مسموما بسم الاستبداد، برز اسمه خاصة مع سنوات الربيع العربي وما تلاها، حيث وجد الشباب الثائر في كلماته ما يضع اليد على الجرح ويصيب الداء الذي خيم على بلادهم لعقود في مقتل.
الرجل الذي ينحدر من مدينة حلب التي صمدت كثيرا في وجه الاستبداد ولم تسقط بيده إلا بعد تشريد أهلها منها، توفي في مثل هذا اليوم 115 عاما بعد أن حفر اسمه في سجل الثائرين حتى اليوم.
ولد المفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي في مدينة حلب السورية وتوفيت والدته وهو صغير فعاش مع خالته في مدينة أنطاكية التركية وكان والده معلما في المدرسة الكواكبية ما ترك أثرا كبيرا في نشاته واطلاعه على الثقافات الأخرى خاصة مع إتقانه لـ 3 لغات مختلفة هي العربية والتركية والفارسية.
كانت الدولة العثمانية في تلك الفترة تسيطر على بلاد الشام ولكنها بذات الوقت كانت تمر بأسوا مراحلها وكانت تدعى رجل أوروبا المريض نظرا لحالة الهزال التي اعترتها ما جعل الكواكبي الشاب الذي لم يتم الرابعة والعشرين من عمره يتصدى للفساد الذي تعانيه الدولة ويكتب في نقدها على صفحات جريدة الفرات ومنها بدأت السلطات في ملاحقته.
اضطر الكواكبي للهجرة من حلب إلى مصر بفعل الملاحقات السياسية له وهناك واصل عمله الفكري والسياسي في تاليف المطبوعات التي تحث على تحرير الفكر والانسان، فألف فيها العديد من المؤلفات بقي أبرزها كتابه الشهير "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد".
توفي  الكواكبي في القاهرة عام 1902 فجأة وقيل إنه مات مسموما بحادثة اغتيال مدبرة من قبل السلطات التركية وبقيت كلماته تؤثر في الأجيال حتى بعد 100 عام على رحيله.
وصفه المفكر المصري محمد عمارة بقوله إنه كان قوميا عربيا لكنه لا يعزل عروبته وقوميته عن دائرة الجامعة الإسلامية، وكان مصلحا إسلاميا يعمل لتجديد الإسلام كي تتجدد به دنيا المسلمين، لكنه يشدد على تميز الأمة العربية في إطار المحيط الإسلامي الكبير.
من كلماته الشهيرة في وصف العلاقة بين المستبد ومن يحكم قوله :  "يود أن تكون رعيته كالغنم درا وطاعة، وكالكلاب تذللا وتملقا، وعلى الرعية أن تكون كالخيل إن خُدمت خَدمت، وإن ضُربت شرست".
رحل الكواكبي وهو يخط أقذع الأوصاف بحق الاستبداد حيث قال: "الاستبداد أشد وطأة من الوباء، أكثر هولاً من الحريق، أعظم تخريباً من السيل، أذل للنفس من السؤال".








مقتطفات من كتاب طبائع الاستبداد و مصارع الاستعباد للكاتب عبد الرحمن الكواكبي
-----------------------
الاستبداد كلمة مستبعدة ومنفية من دوائر المعارف، ومحظّر تداولها بين الناس، وممارسه يحرص على أن يبقيه مصدراً يحيط به الغموض من كل جانب حتى لايتسنّى للناس تحقيق مقولة (اعرف عدوّك أوّلاً)، وبالتالي، حتى لايتمكّنوا من التغلّب عليه.
-------
إنّنا نعاني من أزمة تطوّر حضاري ، ولا بدّ لنا ـ للخروج من هذه الأزمة ـ من أن نبدأ أوّلاً بوضع المعايير الصحيحة لمفاهيمنا ، بعد أن نتفحص إمكاناتنا من خلال معرفة ما نحن مؤهلون له حقّاً ، حتى لا نُحدث خلخلة بين ما نريد وما  نفعل .
-------
والمشكلة التي تؤرّق قاريء التراث أرقاً مزدوجاً ، أنّه سيجد فيه كثيراً من الإجابات عن تساؤلاته ، أو أنّه سيهتدي ـ من خلاله ـ إلى كثير من الحلول لمشكلات عصره . وذلك لأنّ المجتمع العربي لم يتغيّر تغيّراً جذريّاً عمّا تركه روّاد النهضة العربيّة ، فما زالت أكثر سلبيّاته قائمة ولم نلحظ فيه من تغيّر سوى استعماله لتقنيات لم ينتجها هو ، ولم يتمكّن من استيعابها بعد .
--------
يقول المادي: الدّاء: القوة، والدّواء: المقاومة.
 ويقول السّياسي: الدّاء: استعباد البرية، والدّواء: استرداد الحرّيّة.
ويقول الحكيم: الدّاء: القدرة على الاعتساف، والدّواء: الاقتدار على الاستنصاف.
ويقول الحقوقي: الدّاء: تغلّب السّلطة على الشّريعة، والدّواء: تغليب الشّريعة على السّلطة.
ويقول الرّبّاني: الدّاء: مشاركة الله في الجبروت، والدّواء: توحيد الله حقّاً.
وهذه أقوال أهل النظر، و أمّا أهل العزائم:
فيقول الأبيُّ: الدّاء: مدُّ الرّقاب للسلاسل، والدّواء: الشّموخ عن الذّل.
ويقول المتين: الدّاء: وجود الرّؤساء بلا زمام، والدّواء: ربطهم بالقيود الثّقال.
ويقول الحرّ: الدّاء: التّعالي على النّاس باطلاً، والدّواء: تذليل المتكبّرين.
ويقول المفادي: الدّاء: حبُّ الحياة، والدّواء: حبُّ الموت.      
---------
الاستبدادُ لغةً هو: غرور المرء برأيه، والأنفة عن قبول النّصيحة، أو الاستقلال في الرّأي وفي الحقوق المشتركة.
----------
الاستبداد في اصطلاح السّياسيين هو: تَصَرُّف فرد أو جمع في حقوق قوم بالمشيئة وبلا خوف تبعة
-----------
أنّ الاستبداد صفة للحكومة المطلقة العنان فعلاً أو حكماً، التي تتصرّف في شؤون الرّعية كما تشاء بلا خشية حساب ولا عقاب محقَّقَين. وتفسير ذلك هو كون الحكومة إمّا هي غير مُكلّفة بتطبيق تصرُّفها على شّريعة، أو على أمثلة تقليدية، أو على إرادة الأمّة، وهذه حالة الحكومات المُطلقة. أو هي مقيّدة بنوع من ذلك، ولكنّها تملك بنفوذها إبطال قوّة القيد بما تهوى، وهذه حالة أكثر الحكومات التي تُسمّي نفسها بالمقيّدة أو بالجمهورية.
------------
إنَّ الحكومة من أيّ نوع كانت لا تخرج عن وصف الاستبداد؛ ما لم تكن تحت المراقبة الشَّديدة والاحتساب الّذي لا تسامح فيه
------------
الجندية فتُفسد أخلاق الأمّة؛ حيثُ تُعلِّمها الشّراسة والطّاعة العمياء والاتِّكال، وتُميت النّشاط وفكرة الاستقلال، وتُكلِّف الأمّة الإنفاق الذي لا يطاق؛ وكُلُّ ذلك منصرف لتأييد الاستبداد المشؤوم: استبداد الحكومات القائدة لتلك القوَّة من جهة، واستبداد الأمم بعضها على بعض من جهة أخرى
-------------
«المستبدّ: يودُّ أنْ تكون رعيته كالغنم درّاً وطاعةً، وكالكلاب تذلُّلاً وتملُّقاً، وعلى الرَّعية أنْ تكون كالخيل إنْ خُدِمَت خَدمتْ، وإنْ ضُرِبت شَرست، وعليها أن تكون كالصقور لا تُلاعب ولا يُستأثر عليها بالصّيد كلِّه، خلافاً للكلاب التي لا فرق عندها أَطُعِمت أو حُرِمت حتَّى من العظام. نعم؛ على الرّعية أن تعرف مقامها: هل خُلِقت خادمة لحاكمها، تطيعه إنْ عدل أو جار، وخُلق هو ليحكمها كيف شاء بعدل أو اعتساف؟ أم هي جاءت به ليخدمها لا يستخدمها؟.. والرَّعية العاقلة تقيَّد وحش الاستبداد بزمام تستميت دون بقائه في يدها؛ لتأمن من بطشه، فإن شمخ هزَّت به الزّمام وإنْ صال ربطتْه».
-------------
من أقبح أنواع الاستبداد استبداد الجهل على العلم، واستبداد النّفس على العقل، ويُسمّى استبداد المرء على نفسه
-------------
الاستبداد السّياسي مُتَوَلِّد من الاستبداد الدِّيني
-------------
إنَّه ما من مستبدٍّ سياسيّ إلى الآن إلا ويتَّخذ له صفة قدسيّة يشارك بها الله، أو تعطيه مقامَ ذي علاقة مع الله. ولا أقلَّ من أنْ يتَّخذ بطانة من خَدَمَةِ الدِّين يعينونه على ظلم النَّاس باسم الله، وأقلُّ ما يعينون به الاستبداد، تفريق الأمم إلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً، فتتهاتر قوَّة الأمّة ويذهب ريحها، فيخلو الجوّ للاستبداد ليبيض ويُفرِّخ، وهذه سياسة الإنكليز في المستعمرات، لا يُؤيِّدها شيء مثل انقسام الأهالي على أنفسهم، وإفنائهم بأسهم بينهم بسبب اختلافهم في الأديان والمذاهب
--------------
انفتح على الأمّة باب التلوّم على النفس فضلاً عن محاسبة الحكام المنوط بهم قيام العدل والنِّظام. وهذا الإهمال للمراقبة، هو إهمال الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد أوسع لأمراء الإسلام مجال الاستبداد وتجاوزَ الحدود
--------------
إنّ البِدَع التي شوَّشت الإيمان وشوَّهت الأديان تكاد كُلُّها تتسلسل بعضها من بعض، وتتولّد جميعها من غرض واحد هو المراد، ألا وهو الاستعباد.
---------------
لا يخفى على المستبدّ، مهما كان غبياً، أنْ لا استعباد ولا اعتساف إلا مادامت الرّعية حمقاء تخبط في ظلامة جهل وتيه عماء
---------------
لا يخاف المستبدُّ من العلوم الدينية المتعلِّقة بالمعاد، المختصة ما بين الإنسان وربه، لاعتقاده أنّها لا ترفع غباوةً ولا تزيل غشاوة، إنما يتلهّى بها المتهوِّسون للعلم، حتى إذا ضاع فيها عمرهم، وامتلأتها أدمغتهم، وأخذ منهم الغرور، فصاروا لا يرون علماً غير علمهم، فحينئذٍ يأمن المستبدُّ منهم كما يُؤمن شرُّ السّكران إذا خمر. على أنّه إذا نبغ منهم البعض ونالوا حرمة بين العوام لا يعدم المستبدّ وسيلة لاستخدامها في تأييد أمره ومجاراة هواه في مقابلة أنّه يضحك عليهم بشيء من التعظيم، ويسدُّ أفواههم بلقيماتٍ من مائدة الاستبداد؛ وكذلك لا يخاف من العلوم الصناعية محضاً؛ لأنّ أهلها يكونون مسالمين صغار النّفوس، صغار الهمم، يشتريها المستبدُّ بقليل من المال والإعزاز، ولا يخاف من الماديين، لأنّ أكثرهم مبتلون بإيثار النّفس، ولا من الرياضيين؛ لأنّ غالبهم قصار النظر.
---------------
ترتعد فرائص المستبدُّ من علوم الحياة مثل الحكمة النظرية، والفلسفة العقلية، وحقوق الأمم وطبائع الاجتماع، والسياسة المدنية، والتاريخ المفصّل، والخطابة الأدبية، ونحو ذلك من العلوم التي تُكبر النفوس، وتوسّع العقول، وتعرّف الإنسان ما هي حقوقه وكم هو مغبون فيها، وكيف الطلب، وكيف النّوال، وكيف الحفظ.
---------------
بين الاستبداد والعلم حرباً دائمةً وطراداً مستمراً: يسعى العلماء في تنوير العقول، ويجتهد المستبدُّ في إطفاء نورها، والطرفان يتجاذبان العوام. ومن هم العوام؟ هم أولئك الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، كما أنَّهم هم الذين متى علموا قالوا، ومتى قالوا فعلوا.
---------------
العوام هم قوة المستبدُّ وقُوْتُهُ. بهم عليهم يصول ويطول؛ يأسرهم فيتهللون لشوكته؛ ويغصب أموالهم فيحمدونه على إبقائه حياتهم؛ ويهينهم فيثنون على رفعته؛ ويغري بعضهم على بعض فيفتخرون بسياسته؛ وإذا أسرف في أموالهم يقولون كريماً؛ وإذا قتل منهم لم يمثِّل يعتبرونه رحيماً؛ ويسوقهم إلى خطر الموت، فيطيعونه حذر التوبيخ؛ وإن نقم عليه منهم بعض الأباة قاتلهم كأنهم بُغاة.
----------------
كلما زاد المستبدُّ ظلماً واعتسافاً زاد خوفه من رعيّته وحتّى من حاشيته، وحتى ومن هواجسه وخيالاته
--------------
ما انتشر نور العلم في أمةٍ قطّ إلا وتكسَّرت فيها قيود الأسر، وساء مصير المستبدّين من رؤساء سياسة أو رؤساء دين.
--------------
المستبدُّ يجرِّب أحياناً في المناصب والمراتب بعض العقلاء الأذكياء أيضاً اغتراراً منه بأنّه يقوى على تليين طينتهم وتشكيلهم بالشّكل الذي يريد، فيكونوا له أعواناً خبثاء ينفعونه بدهائهم، ثمَّ هو بعد التجربة إذا خاب ويئس من إفسادهم يتبادر إبعادهم أو ينكّل بهم
--------------
المستبدّ يذلل الأصلاء بكلِّ وسيلة حتى يجعلهم مترامين بين رجليه كي يتَّخذهم لجاماً لتذليل الرعية، ويستعمل عين هذه السياسة مع العلماء ورؤساء الأديان الذين متى شمَّ من أحدهم رائحة الغرور بعقله أو علمه ينكل به أو يستبدله بالأحمق
--------------
الحكومة المستبدّة تكون طبعاً مستبدّة في كل فروعها من المستبدّ الأعظم إلى الشرطي، إلى الفرّاش، إلى كنائس الشوارع، ولا يكون كلُّ صنفٍ إلا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، إنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدوهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أيٍّ كان ولو بشراً أم خنازير، آبائهم أم أعدائهم، وبهذا يأمنهم المستبدُّ ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه
-------------
المستبدّ وهو من لا يجهل أنَّ الناس أعداؤه لظلمه، لا يأمن على بابه إلا من يثق به أنَّه أظلم منه للناس
--------------
لا يغترُّ العقلاء بما يتشدَّق به الوزراء والقوّاد من الإنكار على الاستبداد والتفلسف بالإصلاح وإن تلهَّفوا وإن تأففوا، ولا ينخدعون لمظاهر غيرتهم وإن ناحوا وإن بكوا، ولا يثقون بهم ولا بوجدانهم مهما صلّوا وسبّحوا، لأنَّ ذلك كلّه ينافي سيرهم وسيرتهم، ولا دليل على أنّهم أصبحوا يخالفون ما شبّوا وشابوا عليه، هم أقرب أن لا يقصدوا بتلك المظاهر غير إقلاق المستبدِّ وتهديد سلطته ليشاركهم في استدرار دماء الرّعية؛ أي أموالها. نعم، كيف يجوز تصديق الوزير والعامل الكبير الذي قد ألف عمراً كبيراً لذّة البذخ وعزّة الجبروت في أنَّه يرضى بالدخول تحت حكم الأمّة، ويخاطر بعرض سيفه عليها فتحلّه أو تكسره تحت أرجلها
--------------
البدوية تشارك الرجل مناصفةً في الأعمال والثمرات، فتعيش كما يعيش، والحضرية تسلب الرّجل لأجل معيشتها وزينتها اثنين من ثلاث. وتُعينه في أعمال البيت. والمدنية تسلب ثلاثة من أربعة، وتودُّ أن لا تخرج من الفراش، وهكذا تترقَّى بنات العواصم في أسر الرِّجال. وما أصدق بالمدنية الحاضرة في أوروبا؛ أن تسمّى المدنية النسائية، لأنَّ الرِّجال فيها صاروا أنعاماً للنِّساء.
--------------
لا يطلب الفقير معاونة الغني، إنما يرجوه أن لا يظلمه، ولا يلتمس منه الرّحمة، إنما يلتمس العدالة، لا يؤمِّل منه الإنصاف، إنما يسأله أن لا يُميته في ميدان مزاحمة الحياة.
--------------
كلُّ إنسانٍ فقير بالطبع ينقصه مثل ما يملك، فمن يملك عشرة يرى نفسه محتاجاً لعشرة أخرى، ومن يملك ألفاً يرى نفسه محتاجاً لألفٍ أخرى
-------------
الاستبداد يسلب الرّاحة الفكرية، فيضني الأجسام فوق ضناها بالشقاء، فتمرض العقول، ويختلُّ الشعور على درجات متفاوتة في الناس. والعوام الذين هم قليلو المادة في الأصل قد يصل مرضهم العقلي إلى درجة قريبة من عدم التمييز بين الخير والشر، في كلِّ ما ليس من ضروريات حياتهم الحيوانية. ويصل تسفُّل إدراكهم إلى أنَّ مجرّد آثار الأبَّهة والعظمة التي يرونها على المستبدّ وأعوانه تبهر أبصارهم، ومجرّد سماع ألفاظ التفخيم في وصفه وحكايات قوته وصولته يزيغ أفكارهم، فيرون ويفكرون أنَّ الدواء في الداء، فينصاعون بين يدي الاستبداد انصياع الغنم بين أيدي الذئاب؛ حيث هي تجري على قدميها جاهدةً إلى مقرِّ حتفها.
--------------
لا تكون الأخلاق أخلاقاً ما لم تكن ملكة مُطردة على قانون فطري تقتضيه أولاً وظيفة الإنسان نحو نفسه؛ وثانياً وظيفته نحو عائلته؛ وثالثاً وظيفته نحو قومه؛ ورابعاً وظيفته نحو الإنسانية؛ وهذا القانون هو ما يسمّى عند الناس بالناموس.
--------------
أقلُّ ما يؤثّره الاستبداد في أخلاق الناس، أنَّه يرغم حتى الأخيار منهم على إلفة الرّياء والنفاق ولبئس السيّئتان، وإنه يعين الأشرار على إجراء غيّ نفوسهم آمنين من كلِّ تبعة ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، لأنَّ أكثر أعمال الأشرار تبقى مستورة، يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة الشهادة على ذي شرّ وعقبى ذكر الفاجر بما فيه
---------------
لمّا كان ضبطُ أخلاق الطبقات العليا من النّاس أهم الأمور، أطلقت الأمم الحرّة حرية الخطابة والتأليف والمطبوعات مستثنيةً القذف فقط، ورأت أن تحمل مضرَّة الفوضى في ذلك خير التحديد؛ لأنَّه لا مانع للحكّام أنْ يجعلوا الشّعرة من التقييد سلسلة من حديد، ويخنقون بها عدوّتهم الطبيعة، أي الحريّة
---------------
أهل الشرق فهم أدبيون، ويغلب عليهم ضعف القلب وسلطان الحبِّ، والإصغاء للوجدان، والميل للرّحمة ولو في غير موقعها، واللُّطف ولو مع الخصم. ويرون العزَّ في الفتوة والمروءة، والغنى في القناعة والفضيلة، والراحة في الأنس والسّكينة، واللذة في الكرم والتحبب، وهم يغضبون، ولكن؛ للدين فقط، ويغارون، ولكن؛ على العِرْض فقط.
---------------
بين الشرقيين والغربيين فروقٍ كثيرة، قد يفضل في الإفراديات الشرقي على الغربي، وفي الاجتماعيات يفضل الغربي على الشرقي مطلقاً. مثال ذلك: الغربيون يستحلفون أميرهم على الصداقة في خدمته لهم والتزام القانون. والسلطان الشرقي يستحلف الرعية على الانقياد والطاعة! الغربيون يَمنّون على ملوكهم بما يرتزقون من فضلاتهم، والأمراء الشرقيون يتكرَّمون على من شاؤوا بإجراء أموالهم عليهم صدقات! الغربي يعتبر نفسه مالكاً لجزءٍ مشاع من وطنه، والشرقيّ يعتبر نفسه وأولاده وما في يديه ملكاً لأميره! الغربي له على أميره حقوق، وليس عليه حقوق؛ والشرقي عليه لأميره حقوق وليس له حقوق! الغربيون يضعون قانوناً لأميرهم يسري عليه، والشرقيون يسيرون على قانون مشيئة أمرائهم! الغربيون قضاؤهم وقدرهم من الله؛ والشرقيون قضاؤهم وقدرهم ما يصدر من بين شفتي المستعبدين! الشرقي سريع التصديق، والغربي ينفي ولا يثبت حتى يرى ويلمس. الشرقي أكثر ما يغار على الفروج كأنَّ شرفه كلّه مستودَعٌ فيها، والغربي أكثر ما يغار على حريته واستقلاله! الشرقي حريصٌ على الدين والرياء فيه، والغربي حريصٌ على القوة والعزّ والمزيد فيهما! والخلاصة: أنَّ الشرقي ابن الماضي والخيال، والغربي ابن المستقبل والجد!
---------------
قد علَّمنا هذا الدهر الطويل –مع الأسف- أنَّ أكثر الناس لا يحفلون بالدين إلا إذا وافق أغراضهم، أو لهواً ورياءً، وعلمنا أنَّ الناس عبيد منافعهم وعبيد الزمان، وأنَّ العقل لا يفيد العزم عندهم، إنما العزم عندهم يتولّد من الضرورة أو يحصل بالسائق المجبر
---------------
التربية تربية الجسم وحده إلى سنتين، هي وظيفة الأم أو الحاضنة، ثمَّ تُضاف إليها تربية النفس إلى السابعة، وهي وظيفة الأبوين والعائلة معاً، ثمّ تُضاف إليها تربية العقل إلى البلوغ، وهي وظيفة المعلِّمين والمدارس، ثمَّ تأتي تربية القدوة بالأقربين والخلطاء إلى الزواج، وهي وظيفة الصُّدفة، ثمَّ تأتي تربية المقارنة، وهي وظيفة الزوجين إلى الموت أو الفراق
---------------
يعيش الإنسان في ظلِّ العدالة والحرية نشيطاً على العمل بياض نهاره، وعلى الفكر سواد ليله، إن طعم تلذَّذ، وإن تلهّى تروَّح وتريّض؛ لأنّه هكذا رأى أبويه وأقرباءه، وهكذا يرى قومه الذين يعيش بينهم. يراهم رجالاً ونساءً، أغنياء وفقراء، ملوكاً وصعاليك، كلُّهم دائبين على الأعمال، يفتخر منهم كاسب الدينار بكدِّه وجدّه، على مالك المليار إرثاً عن أبيه وجدِّه. نعم؛ يعيش العامل ناعم البال يسرُّه النجاح ولا تقبضه الخيبة، إنّما ينتقل من عملٍ إلى غيره، ومن فكرٍ إلى آخر، فيكون متلذذاً بآماله إنْ لم يسارعه السّعد في أعماله، وكيفما كان يبلغ العذر عن نفسه والناس بمجرد إيفائه وظيفة الحياة؛ أي العمل. ويكون فرحاً فخوراً نجح أو لم ينجح، لأنَّه بريء من عار العجز والبطالة.
---------------
الأسير المعذَّب المنتسب إلى دين يسلّي نفسه بالسعادة الأخروية، فيعدها بجنان ذات أفنان ونعيم مقيم أعدَّه له الرحمن، ويبعد عن فكره أنَّ الدنيا عنوان الآخرة، وأنَّ ربما كان خاسراً الصفقتين، بل ذلك هو الكائن غالباً
----------------
الاستبداد يُضطرُّ النّاس إلى استباحة الكذب والتحيُّل والخداع والنِّفاق والتذلل. وإلى مراغمة الحسِّ وإماتة النفس ونبذ الجدّ وترك العمل، إلى آخره. وينتج من ذلك أنَّ الاستبداد المشؤوم هو يتولى بطبعه تربية الناس على هذه الخصال الملعونة. بناءً عليه، يرى الآباء أنَّ تعبهم في تربية الأبناء التربية الأولى على غير ذلك لا بدَّ أنْ يذهب عبثاً تحت أرجل تربية الاستبداد، كما ذهبت قبلها تربية آبائهم لهم، أو تربية غيرهم لأبنائهم سدىً.
----------------
التربية المطلوبة هي التربية المرتَّبة على إعداد العقل للتمييز، ثمَّ على حسن التفهيم والإقناع، ثمَّ على تقوية الهمّة والعزيمة، ثمَّ على التمرين والتعويد، ثمَّ على حسن القدوة والمثال، ثمَّ على المواظبة والإتقان، ثمَّ على التوسّط والاعتدال، وأنْ تكون تربية العقل مصحوبةً بتربية الجسم، لأنهما متصاحبان صحة واعتلالاً، فإنه يقتضي تعويد الجسم على النظافة وعلى تحمّل المشاقّ، والمهارة في الحركات، والتوقيت في النوم والغذاء والعبادة، والترتيب في العمل وفي الرياضة والراحة. وأن تكون تلكما التربيتين مصحوبتين أيضاً بتربية النفس على معرفة خالقها ومراقبته والخوف منه
----------------
الأمّة هي مجموعة أفراد يجمعها نسب أو وطن أو لغة أو دين، كما أنَّ البناء مجموع أنقاض، فحسبما تكون الأنقاض جنساً وجمالاً وقوّةً يكون البناء، فإذا ترقَّت أو انحطَّت الأمة ترقَّت هيئتها الاجتماعية، حتى إنَّ حالة الفرد الواحد من الأمّة تؤثِّر في مجموع تلك الأمة
-----------------
يا قوم: وقاكم الله من الشر، أنتم بعيدون عن مفاخر الإبداع وشرف القدوة، مُبتلون بداء التقليد والتبعية في كلِّ فكرٍ وعمل، وبداء الحرص على كلِّ عتيق كأنَّكم خُلِقتم للماضي لا للحاضر: تشكون حاضركم وتسخطون عليه، ومن لي أن تدركوا أنَّ حاضركم نتيجة ماضيكم، ومع ذلك أراكم تقلِّدون أجدادكم في الوساوس والخرافات والأمور السافلات فقط، ولا تقلِّدونهم في محامدهم! أين الدين؟ أين التربية؟ أين الإحساس؟ أين الغيرة؟ أين الجسارة؟ أين الثبات؟ أين الرابطة؟ أين المنعة؟ أين الشهامة؟ أين النخوة؟ أين الفضيلة؟ أين المواساة؟ هل تسمعون؟ أم أنتم صُمٌّ لاهون؟
-----------------
"يا قومُ: هوَّن الله مصابكم، تشكون من الجهل ولا تنفقون على التعليم نصف ما تصرفون على التدخين، تشكون من الحكَّام، وهم اليوم منكم، فلا تسعون في إصلاحهم، تشكون فقد الرابطة، ولكم روابط من وجوهٍ لا تفكِّرون في إحكامها. تشكون الفقر ولا سبب له غير الكسل. هل ترجون الصَّلاح وأنتم يُخادع بعضكم بعضاً ولا تخدعون إلا أنفسكم؟. ترضون بأدنى المعيشة عجزاً تُسمّونه قناعة، وتهملون شؤونكم تهاوناً تُسمّونه توكُّلاً! تموِّهون على جهلكم الأسباب بقضاء الله وتدفعون عار المسببات بعطفها على القدر، ألا والله ما هذا شأن البشر!".
-----------------
"يا قومُ: وأعني بكم الناطقين بالضاد من غير المسلمين، أدعوكم إلى تناسي الإساءات والأحقاد، وما جناه الآباء والأجداد، فقد كفى ما فُعل ذلك على أيدي المثيرين، وأجلُّكم من أن لا تهتدوا لوسائل الاتِّحاد وأنتم المهتدون السابقون. فهذه أمم أوستريا وأمريكا قد هداها العلم لطرائق شتّى وأصول راسخة للاتِّحاد الوطني دون الديني، والوفاق الجنسي( ) دون المذهبي، والارتباط السياسي دون الإداري. فما بالنا نحن لا نفتكر في أن نتبع إحدى تلك الطرائق أو شبهها. فيقول عقلاؤنا لمثيري الشَّحناء من الأعاجم والأجانب: دعونا يا هؤلاء نحن ندبِّر شأننا، نتفاهم بالفصحاء، ونتراحم بالإخاء، ونتواسى في الضرّاء، ونتساوى في السَّراء.
دعونا ندبِّر حياتنا الدنيا، ونجعل الأديان تحكم في الأخرى فقط. دعونا نجتمع على كلماتٍ سواء، ألا وهي: فلتحي الأمة، فليحي الوطن، فلنحي طلقاء أعزّاء".
------------------
الغربي يعرف كيف يسوس، وكيف يتمتَّع، وكيف يأسر، وكيف يستأثر. فمتى رأى فيكم استعداداً واندفاعاً لمجاراته أو سبقه، ضغط على عقولكم لتبقوا وراءه شوطاً كبيراً كما يفعل الروس مع البولونيين، واليهود والتتار، وكذلك شأن كلِّ المستعمرين. الغربي مهما مكث في الشرق لا يخرج عن أنَّه تاجر مستمتع، فيأخذ فسائل الشرق ليغرسها في بلده التي لا يفتأ يفتخر برياضها ويحنُّ إلى أرباضها
------------------
أناشدكم يا ناشئة الأوطان، أن تعذروا هؤلاء الواهنة الخائرة قواهم إلا في ألسنتهم، المعطَّل عملهم إلا في التثبيط، الذين اجتمع فيهم داء الاستبداد والتواكل فجعلاهما آلة تُدار ولا تدير. وأسألكم عفوهم من العتاب والملام، لأنَّهم مرضى مبتلون، مثقلون بالقيود، ملجمون بالحديد، يقضون حياة خير ما فيها أنَّهم آباؤكم!".
------------------
يا قوم: وأريد بكم شباب اليوم؛ رجال الغد، شباب الفكر؛ رجال الجد، أُعيذكم من الخزي والخذلان بتفرقة الأديان، وأُعيذكم من الجهل، جهل أنَّ الدينونة لله، وهو سبحانه وليُّ السرائر والضمائر (ولو شاء ربُّك لجعل الناس أمّةً واحدة)
-------------------
كنّا أرقى من الغرب علماً، فنظاماً، فقوَّة، فكنَّا له أسياداً! ثمَّ جاء حينٌ من الدَّهر لحق بنا الغرب، فصارت مزاحمة الحياة بيننا سِجالاً: إنْ فُقْناه شجاعةً فاقنا عدداً، وإنْ فُقناه ثروةً فاقنا باجتماع كلمته. ثمَّ جاء الزّمن الأخير ترقّى فيه الغرب علماً، فنظاماً، فقوّةً. وانضمَّ إلى ذلك أولاً: قوة اجتماعه شعوباً كبيرةً. ثانياً: قوَّة البارود؛ حيث أبطل الشجاعة وجعل العبرة للعدد. ثالثاً: قوَّة كشفه أسرار الكيمياء والميكانيك. رابعاً: قوَّة الفحم الذي أهدته له الطبيعة. خامساً: قوَّة النشاط بكسره قيود الاستبداد. سادساً: قوَّة الأمن على عقد الشركات المالية الكبيرة. فاجتمعت هذه القوّات فيه وليس عند الشَّرق ما يقابلها غير الافتخار بالأسلاف، وذلك حجَّة عليه، والغرور بالدّين خلافاً للدّين، فالمسلمون يقابلون تلك القوات بما يُقال عند اليأس وهو: (حسْبُنا الله ونِعْمَ الوكيل)، ويخالفون أمر القرآن لهم بأن يُعِدّوا ما استطاعوا من قوَّة، لا ما استطاعوا من صلاةٍ وصوم
--------------------
ما هي الحكومة: هل هي سلطة امتلاك فرد لجمع، يتصرَّف في رقابهم، ويتمتَّع بأعمالهم ويفعل بإرادته ما يشاء؟ أم هي وكالة تُقام بإرادة الأمَّة لأجل إدارة شؤونها المشتركة العمومية؟.
-------------------
ما هي الحقوق العمومية: هل هي آحاد الملوك، ولكنها تُضاف للأمم مجازاً؟ أم بالعكس، هي حقوق جموع الأمم، وتُضاف للملوك مجازاً، ولهم عليها ولاية الأمانة والنّظارة على مثل الأراضي والمعادن، والأنهر والسواحل، والقلاع والمعابد، والأساطيل والمعدات، وولاية الحدود، والحراسة على مثل الأمن العام، والعدل والنظام، وحفظ وصيانة الدين والآداب، والقوانين والمعاهدات والاتِّجار، إلى غير ذلك مما يحقُّ لكلِّ فردٍ من الأمَّة أن يتمتع به وأنْ يطمئن عليه؟
--------------------
إنَّ الوسيلة الوحيدة الفعّالة لقطع دابر الاستبداد هي ترقّي الأمَّة في الإدراك والإحساس، وهذا لا يتأتى إلا بالتعليم والتحميس. ثمَّ إنَّ اقتناع الفكر العام وإذعانه إلى غير مألوفه، لا يتأتّى إلا في زمنٍ طويل
---------------------
الاستبداد لا ينبغي أن يُقاوَم بالعنف، كي لا تكون فتنة تحصد الناس حصداً. نعم؛ الاستبداد قد يبلغ من الشدَّة درجة تنفجر عندها الفتنة انفجاراً طبيعياً، فإذا كان في الأمَّة عقلاء يتباعدون عنها ابتداءً، حتى إذا سكنت ثورتها نوعاً وقضت وظيفتها في حصد المنافقين، حينئذٍ يستعملون الحكمة في توجيه الأفكار نحو تأسيس العدالة، وخير ما تؤسَّس يكون بإقامة حكومة لا عهد لرجالها بالاستبداد، ولا علاقة لهم بالفتنة.
---------------------
يجب قبل مقاومة الاستبداد، تهيئة ماذا يُستبدل به الاستبداد هو: إنَّ معرفة الغاية شرطٌ طبيعي للإقدام على كلِّ عمل، كما أنَّ معرفة الغاية لا تفيد شيئاً إذا جهل الطريق الموصل إليها، والمعرفة الإجمالية في هذا الباب لا تكفي مطلقاً، بل لا بدَّ من تعيين المطلب والخطة تعييناً واضحاً موافقاً لرأيِّ الكلِّ، أو الأكثرية التي هي فوق الثلاثة أرباع عدداً أو قوة بأس وإلا فلا يتمّ الأمر، حيث إذا كانت الغاية مبهمة نوعاً، يكون الإقدام ناقصاً نوعاً، وإذا كانت مجهولة بالكليّة عند قسم من الناس أو مخالفة لرأيهم، فهؤلاء ينضمّون إلى المستبدِّ، فتكون فتنةً شعواء، وإذا كانوا يبلغون مقدار الثلث فقط، تكون حينئذٍ الغلبة في جانب المستبدِّ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75802
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

شخصيات صنعت لها تاريخ Empty
مُساهمةموضوع: رد: شخصيات صنعت لها تاريخ   شخصيات صنعت لها تاريخ Emptyالأربعاء 21 يونيو 2017, 6:39 pm

عبد الرحمن الكواكبي (و. 1854 - ت. 1902) من رواد مفكري النهضة العربية. كتابه طبائع الإستبداد من العلامات الفارقة على تطور فكر القومية العربية.

هو عبد الرحمن أفندي ووالده الشيخ أحمد أفندي من آل الكواكبي ومن المدرسين في الجامع الأموي الكبير والمدرسة الكواكبية ، وآخر وظيفة كان فيها عضوية مجلس إدارة ولاية حلب. وبيتهم من بيوتات المجد والشرف (خاندان) المشهورة في الأستانة العلية و حلب . ولد السيد عبد الرحمن أفندي الكواكبي في 23 شوال سنة 1265 وتعلم القراءة والكتابة في المدارس الأهلية الابتدائية ، ثم استحضر له أستاذ مخصوص عَلَّمَه أصول اللسانين التركي والفارسي . وتلقى العلوم العربية والشرعية بمدرسة الكواكبية المنسوبة لأُسرته ، وأخذ الإجازات من علمائها ودَرَّس فيها . وهو يقرأ ويكتب بالعربية والتركية . وقد وقف على العلوم الرياضية والطبيعية وبعض الفنون الجديدة بالمطالعة والمراجعة . ومن تأليفه تحرير الجريدة الرسمية ( فرات ) بقسميها التركي والعربي في سنة 1292 إلى سنة 1297 . ومنه جريدة الشهباء التي أنشأها في حلب سنة 1293 وكان هو المحرر لها .

خدمته ووظائفه

دخل في وظائف الدولة رسميًّا في الثامنة والعشرين من عمره وفي سنة 1293. عُيِّنَ محررًا رسميًّا للجريدة الرسمية بقسميها ( كأنه كان في سنة 1292 يحررها بصفة غير رسمية للاختبار ) براتب قدره ثمانمائة قرش . وفي 5 ربيع الأول سنة1295 عُيِّن كاتبًا فخريًّا للجنة المعارف التي تأسست في ولاية حلب (يعنون بالفخري ما كان بدون راتب ) . وبعد ثلاث سنين اتسعت دائرة اللجنة وزيد فيها قسم النافعة ( الأشغال العمومية ) وعين عضوا فخريًّا فيها. وفي 2 جمادى الأولى تعين محررًا للمقاولات ( مسجل المحكمة ) وفي 16 ربيع الثاني سنة 1298 صار مأمورالإجراء ( رئيس قلم المحضرين ) في ولاية حلب. وفي 7 رمضان سنة 1298 عين عضوًا فخريًّا للجنة (قومسيون) النافعة. وفي 22 ذي القعدة سنة 1299 عين بأمر نظارة العدلية (الحقانية) في الآستانة عضوًا في محكمة التجارة بولاية حلب مع البقاء في وظيفته الأولى (محرر المقاولات) وفي سنة 1303 انفصل من هذه الأخيرة وفي 4 رجب سنة 1304 عاد إلى وظيفة مأمور الإجراء، وفي 23 رجب سنة 1310 عُيِّنَ رئيسًا للبلدية.
إلى هنا انتهت وظائف الترجمة الرسمية الأولى، وجاء في الثانية بعد ذكر ما تقدم أنه في 29 من ربيع الأول سنة 1312 عين رئيس كُتّاب المحكمة الشرعية في حلب (باشكاتب) بقرار من مجلس النواب في دار السعادة. وفي 28 ذي الحجة سنة 1312 عين ناظرًا ومفتشًا لمصلحة انحصار الدخان (الريجي) المشتركة مع نظارة المالية في ولاية حلب ومتصرفية الزور، وفي أثناء ذلك اتفق مع إدارة المصلحة وتعاقدا على أن يستلم من المصلحة جميع ما تقدمه من الدخان (التبغ) إلى الولاية المتصرفية بزيادة كثيرة عن القدر المعتاد وجميع ما يزرع فيهما منه، ويتولى بيعه، وتعهد في إزاء ذلك بمبلغ من المال يزيد عما كانت تبيع به المصلحة دخانها زيادة كبيرة.
وفي غضون ذلك استقال من رياسة كُتَّاب المحكمة الشرعية ثم في 9 ذي الحجة سنة 1314 أعيد إليها وعين رئيسًا للجنة البيع والفراغ (أي استبدال الأراضي الأميرية من أصحاب اليد بالمال) وفي 7 ربيع الأول عين رئيسًا أولاً لغرفة التجارة في حلب ورئيسًا لمجلس إدارة المصرف الزراعي، وفي 22 رجب عين قاضيًا شرعيًّا لراشيا التابعة لولاية سوريا.
كانت مدينة حلب في وضع أحسن وذلك بفضل رائد النهضة العربية والاجتماعية والوطنية، والمناضل الصنديد ضد العهد الحميدي الاستبدادي، ومثال العالم العامل والساعي وراء النهوض بالأمة واصلاحها وصلاحها عبد الرحمن الكواكبي (1849-1902) فآل الكواكبي أسرة حلبية مشهود لها بالفضل والعلم، ونبغ منهم جماعة كبيرة من علماء الشرع ورجال الادارة ومنهم عبد الرحمن. كان أبوه أحمد الكواكبي أحد مدرسي الجامع الأموي في دمشق. تلقى علومه الابتدائية في المدرسة الكواكبية احدى مآثر جدوده. أتقن العربية والتركية وبعض الفارسية. ووقف على العلوم الرياضية والطبيعية، وتبحر في تاريخ الأدب والثقافة والأدب التنويري. كان ميالا منذ حداثته الى العمل الثقافي والنشاط الاجتماعي. دخل في خدمة الحكومة باعتبار نفسه من مواليد 1849 (وهو في الأصل سنة 1854- ومن هنا الاختلاف في تحديد تاريخ ميلاده) فتقلب في عدة مناصب علمية وادارية وحقوقية، واشتغل في تحرير جريدة "الفرات" الرسمية. ولكنه عجز عن التعبير عن أفكاره الوطنية وآرائه الاصلاحية في الجريدة الرسمية، فتنازل عن العمل فيها ليؤسس جريدته "الشهبا".
صحيفة "الشهباء" (لقب مدينة حلب – المؤلف) ثاني جريدة في المدينة تأسست حسب الطرزي – في غرة آيار (مايو) 1877، ووفقا لمحمد دكروب سنة 1878. كان صاحب امتيازها هاشم العطار وطبعت في "المطبعة العزيزية. تواقت ظهورها مع الحرب الروسية التركية فكانت تنشر أخبارها مع سائر الحوادث الداخلية والخارجية بروح انتقادية، مما دعا كامل باشا والي حلب الى تعطيلها منذ العدد الثاني. وبعد وقت قصير عاودت الظهور، فاستلم ادارة تحريرها الكواكبي وميخائل أنطون صقال (1824-1885) الشاعر والفيلسوف الذائع الصيت في الأوساط المسيحية الحلبية. ولكن المحررين الجديدين بدوأ اكثر جرأة وإقداما من هاشم العطار في عين الوالي "المفطوم على عداوة الحرية" – كما يقول الكواكبي – فعلقها مرتين، وأمر بحجز المطبعة في التعطيل الثالث، وتوقفت الجريدة عن الصدور نهائيا بعد العدد الخامس عشر. ومن المعروف أن الكواكبي اشتكاه الى المحكمة الابتدائية التي برأت ساحة الجريدة، لكن كمال باشا لم يصدق طبعا على حكم البراءة.
وفي 25 تموز (يوليو) 1879 أنشأ الكواكبي بدلا من الشهباء صحيفة أسبوعية أطلق عليها اسم "الاعتدال" فكانت اسمها على مسمى، وكان نصفها مطبوعا باللغة العربية والآخر بالتركية تعميما لفوائدها بين سكان حلب الذين يغلب فيهم العنصر التركي على سواه. ومما جاء في المقالة الافتتاحية ما يلي: "على أن الاعتدال هي الشهباء من كل حيثية" وقد أخذت على عاتقها "نشر حسنات الاجراءات واعلان سيئات المأمورين وعرض احتياجات البلاد الى أولي الأمر، وكل ما يقتضيه تهذيب الأخلاق وتوسيع دائرة المعارف من أبحاث علمية وسياسية وغيرها".
والقليل الذي نعرفه عن جريدة "الاعتدال" يكفي لاعطاء صورة واضحة المعالم عن العهد الحميدي الجائر والأجواء الخانقة السائدة يومذاك. فقد تعرضت الجريدة لملاحقات ومضايقات الحكومة الدائمة، فانطفأ سراج حياتها. لأن صاحبها المشهور بحرية الضمير وحب الوطن "كان ينبه الحكومة الى مواضع الخلل بكتاباته الشائقة وارشاداته الصائبة" كما قال الطرزي.
وبعد حرماته من جريدة "الاعتدال"، تولى الكواكبي – بوصفه نقيبا للأشراف - رئاسة المحكمة الشرعية، وأصبح عضوا في محكمة التجارة لولاية حلب، فرئيسا لغرفة التجارة، ومديرا للبنك الزراعي. غير أن حبه للاصلاح وحرية القول حال دون استمراره في المناصب الحكومية الرفيعة، فاستقال عنها عام 1868. وانكب عبد الرحمن الكواكبي لجمع المادة اللازمة لنشر كتاب يعري فيه مظالم السلطات التركية، ويدافع فيه عن المظلومين والمستضعفين ضد الموظفين والولاة الأتراك. وفي العام ذاته سجن الكواكبي بتهمة ملفقة حول الاشتراك في محاولة اغتيال كامل باشا الوالي العثماني.
وانطلقت حملة جماهيرية لاطلاق سراحه، فأفرج عنه بعد أيام. وعزلت السلطات التركية الوالي كامل باشا، واضطر الوالي الجديد الى تعيين الكواكبي رئيسا لبلدية حلب. وتابع الكواكبي نضاله دفاعا عن الضعفاء من العرب والأتراك معا حتى سماه الحلبيون "أبا الضعفاء" . وفي أواخر التسعينيات اصطدم الكواكبي مجددا بالوالي التركي عارف باشا الذي اشتهر باستبداده وحبه للرشوة، والذي وجه اليه تهمة رئاسة جمعية سرية معادية للدولة والإسلام، فضلا عن الاتصال بدولة أجنبية. وسجن الكواكبي من جديد، وحوكم وحكم عليه بالاعدام. بيد أن محكمة الاستئناف في بيروت لم تأبه لخطورة شهادات الزور المتقدمة بقدر ما راعت قضية الجماهير الشعبية في حلب. ولذلك أصدرت حكما ببراءته. ولكن جواسيس السلطان كانوا على معرفة بالعلاقة الوثيقة بين الكواكبي من جهة وبين أبناء الجالية الايطالية في حلب أعضاء جمعية "ايطالية الفتاة" تلك العلاقة التي جعلت بعض الكتاب العرب يجزمون بأن الرائد العربي البارز كان عضوا في أحد محافل الكربوناري.
وبعد أن تابعت السلطات التركية التضييق عليه ، هاجر الكواكبي سرا من بيروت الى مصر سنة 1899 (أو على أبعد تقدير 1900)، ثم خرج منها سائحا فطاف جزيرة العرب وتحول الى الهند والصومال والحبشة وغيرها. وبعد عودته الى مصر عام 1902، فاجأته المنية، بعد أن كان جواسيس السلطان عبد الحميد قد دسوا له السم في فنجان القهوة. كما تؤكد المراجع العربية.
ان فرضية اغتيال عبد الرحمن الكواكبي في الثامنة والأربعين من عمره لم تولد من فراغ، فهذا ما تؤكده الحقائق التاريخية عن الاغتيالات المماثلة التي وقعت ابان العهد الحميدي (مثال اغتيال رزق الله حسون وغيره). هناك اعتبار بالغ الدلالة وهو عدم وجود أية مخطوطات للكواكبي في غرفته، الأمر الذي يدلل ولا شك على زيارة أناس غرباء لكن عملاء السلطان وجواسيسه الذين سطوا على كتاباته ومخلفاته (وهذا ما حدث ايضا مع أديب اسحاق كما أسلفنا). ولعل شخص الكواكبي كمناضل حر قولا وعملا خير برهان على صحة هذا الافتراض، اذ كان قد ألف كتبا كثيرة لم ينشر منها في حياته سوى "طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد" و"أم القرى" وهما دعوة جريئة الى الحرية والاصلاح. ولكن لأنهما قد نشرا في مطلع القرن العشرين ولهما علاقة مباشرة بالنهضة العربية القومية السياسية، ارتأينا تحليل الفكر الكواكبي الى كتابنا القادم.
ولكن، تبقى كلمة لابد منها وهي أن مدينة حلب بعد جرمانوس فرحات تبوأت مركزا لائقا بوصفها مسقط رأس عبد الرحمن الكواكبي أبرز رواد النهضة العربية المسلمين، والراية الاسلامية الأولى في حركة التنوير العربي، وبوصفها مسرحا لنشاطه فكان فيها قطبا عظيما من أقطاب الرأي ومن الأعلام البارزين في الشرقة عامة. بينما كانت حلب عينها غارقة في سبات من الجهل المطبق بعظمة الأعمال الجليلة التي قام بها ابنها البار وبالأفكار السامية التي أشاعها – كما يقول إيلي خدوري. وكمصداق لقولنا نشير الى أن حلب لم تشهد أي تحرك فكري – ثقافي يستحق الذكر – اللهم سوى "جمعية النشأة التهذيبية" التي تأسست سنة 1907، وظلت مستترة حتى اعلان الدستور وقيام انقلاب تركية الفتاة.

رتبه ووساماته

في 19 رجب سنة 1297 وجهت إليه نيابة دروس أدرنة العلمية. وفي 25 ربيع الثاني وجه إليه تدريس هذه الرتبة. وفي 22 ذي الحجة سنة 1312 وجهت إليه مولوية أزمير المجردة . وفي 28 من جمادى الثانية أعطي الوسام المجيدي من الدرجة الثالثة. إن من ينظر في هذه الترجمة الرسمية ولم يكن عارفًا بالمترجم ولا بسيره في هذه الوظائف العلمية الأدبية، الإدارية القلمية، الحقوقية التجارية، الزراعية المالية يقول: إن صاحبها من أوساط الناس لا من أفراد الرجال الذين يعدون من علماء الاجتماع وأركان العمران، ومهذبي الأمم كما وصف في فاتحة القول، ولكن من يعلم أنه في كل عمل منها آية بينة في إتقان العمل، وحكمة التصرف، يحار كيف يحسن رجل هذه الأعمل المتباينة. وإذا وقف بعد ذلك على بعض سيرته في العزيمة وقوة الإرادة وعلم ما كانت تسمو إليه نفسه، ويرمي إليه فكره، وقرأ بعض ما جادت به قريحته الوقادة، وفكرته النقادة، علم أنه من أفراد الزمان، وأدرك ماذا كان يرجى منه لو ساعد الزمان والمكان، وإننا نلم بشيء مما وقفنا عليه من سيرته في مدة صحبتنا له في هاتين السنتين اللتين أقامهما في مصر.

أدبه وأخلاقه

توفيت والدة الفقيد وهو في أول سن التمييز فعهد والده بتربيته إلى خالة له (من بيوتات أنطاكيا) من نوابغ النساء اللواتي قلما يعرف مثلهن الشرق، لا سيما في هذا الزمان، كانت تعرف بالعقل والكياسة والدهاء والأدب البارع فنشَّأته على أدب اللسان والنفس فكان من أخلاقه الراسخة الحلم والأناة والرفق والنزاهة والعزة والشجاعة والتواضع والشفقة وحب الضعفاء. وقد كنت ككل من عرفه معجبًا بأناته حتى كنت أقول : إنني أراه يتروّى في رد السلام ويتمكث في جواب من يحييه عدة ثوان ! ولا أكاد أعرف أخلاقًا أعصى على الانتقاد من أخلاقه ولقد كان لسان الحال يصفه بقول ابن دريد:
يعتصم الحلم بجنبي حُبْوتِي إذا رياح الطَّيْش طارت بالحبي
لا يطبيني طمع مدنّس إذا استمال طبع أو اطَّبي
والحلم خير ما اتخذت جُنَّة وأنفس الأبراد من بعد التقى {{{2}}}

علمه ومعارفه

نزيد على ما جاء في السيرة الرسمية أن الفقيد درس قوانين الدولة درسًا دقيقًا، وكان محيطًا بها يكاد يكون حافظًا لها وله انتقاد عليها يدل على دقة نظره في علم الحقوق والشرائع، ولهذا عينته الحكومة في لجنة امتحان المحامين. ولا أعلم أن برّز في فن أو علم مخصوص فاق فيه الأقران ولكنه تلقى ما تلقاه من كل فنُ يفْهَم، وعَقِل بحيث إذا أراد الاشتغال به عملاً أو تأليفًا أو تعليمًا يتسنى له أن ينفع نفعًا لا ينظر من الذين صرفوا فيه أعمارهم. ألا تراه كيف ألف كتابًا في طبائع الاستبداد لم يكتب مثله فيلسوف في الشرق ولا في الغرب فيما نعلم وكما سمعنا من كثيرين لهم اطلاع واسع في مؤلفات فلاسفة الغرب وكتابه. على أن الفقيد لم يتعلم شيئًا من علوم النفس والأخلاق والسياسة وطبائع الملل والفلسفة في مدرسة، وإنما عمدته في هذه العلوم ما طالعه فيها من المؤلفات والجرائد التركية والعربية. أرأيت عقلاً يتصرف هذا التصرف الذي يفوق فيه الحكماء والفلاسفة في علم لم يأخذه بالتلقي وهو أصعب العلوم البشرية وأعلاها. كيف يكون أثره لو تربى وتعلم في مدارس منتظمة كمدارس أوروبا الجامعة وكان عنده من مواد العلم ومعرفة الأمة والحكومة بقيمة صاحبه مثلما في أوروبا. وبالجملة إنك لم تكن تذاكره في شيء ولا علم إلا ويشاركك فيه على بصيرة.

عمله ووجهته

كانت وجهة الفقيد في كل عمل عمله أو حاوله هي المنفعة العامة فأول شيء ولاَّه وجهه هو إنشاء جريدة في بلاد لم تكن تعرف الجرائد الأهلية ولم تكن بضاعة الكتب رائجة فيها ولو كان في بلاده حرية للجرائد لكان في (الشهباء) الأثر المحمود ، ولكن البلاد التي تحكم بالاستبداد كالأرض الموبوءة لا تحيا فيها الجرائد، ولذلك لم تنجح جريدة من الجريدتين اللتين أنشأهما لأن نفسه الأبية لم تستطع إرضاء الحكام فيما يكتب . وهكذا كان شأنه في وظائفه: ولي رياسة البلدية فكان أول عمل عمله للبلدان أن وضع على طرق المدينة من خارجها سلاسل من الحديد تمنع الجمال التي كانت تسدّ الطرقات وتمنع المارين من التردد في حوائجهم وجعل لهذه الجمال التي تُحْمَل إلى البلد ومنه مكانًا أو أمكنة مخصوصة ، وكانت مصلحة (القبان) قد حصرت في واحد من الأغنياء يأخذها من البلدية بالالتزام ولا يتجاسر على الزيادة عليه أحد لتقربه من الرؤساء فلما علم أن الرئيس الجديد لا يصدّه التقرب إليه عن خدمة المصلحة عرض عليه أربعين ألف قرش أو أكثر يعطيه إياها رشوة كل عام في مقابلة سكوته عنه فلم يقبل الفقيد أن يأخذ لنفسه شيئًا ولكنه قبل أن يكون المبلغ إعانة لصندوق البلدية فعلم الوالي بهذه الزيادة في الصندوق وسعى في أن يكون له سهم منها فأبى عليه الفقيد ذلك فعزله. وهكذا كانت سيرته مع الحكام في كل وظائفه أو جلها: يتصدى للإصلاح فيصدونه عنه لأجل منفعة مالية أو لتقليل نفوذه فلا يتم له عمل.
وكان أول عمل عمله في إدارة مجلس البلدية هو قطع عرق الرشوة من العمال الذين يباشرون الأعمال والمصالح ويسمون الجاويشية ولكنه زاد في راتبهم؛ لعلمه بأن الذي يضطر أكثر العمال إلى الرشوة هو قلة الراتب. وكان من ظلم الوالي بعد عزل الفقيد من رياسة البلدية أن أرجع راتب الجاويشية كما كان وألزم صاحب الترجمة بدفع ما كان زاده لهم في مدته إلى صندوق البلدية كما ألزمه بدفع ما أنفق على سلاسل الحديد التي منع بها الجمال من طرق المدرسة؛ لأن الوالي أمر بإزالتها عقيب عزله ثم عاد فأمر بإعادتها بعد زمن قريب ولكنه لم يعد إلى الفقيد الغرامة التي ظلمه بها. ولما عين رئيسًا لكتاب المحكمة الشرعية كانت المحكمة في أسوإ الأحوال في الصورة والمعنى، فكان ينفق على إصلاحها من جيبه حتى إنه استحضر لها السجوف والأستار من بيته ومنع اختلاط النساء بالرجال إذ جعل لكلٍّ مكانًا ينتظر فيه دوره للتقاضي ورَتَّبَ الأوقات ونظَّم الدفاتر.
وكان صاحب عزيمة قوية لا يهاب حاكمًا ولا يخاف ظالمًا وعزيمته هي التي جنت عليه فقد كان نجح في عمله عندما عين مديرًا ومفتشًا لمصلحة حصر الدخان كما تقدم في السيرة الرسمية حتى وقع النزاع بنيه وبين عارف باشا والي حلب يومئذ فبطل العمل عمل الفقيد في ضبط هذه المصلحة ما عجزت عنه إدراتها العمومية والحكومة جميعًا حتى كانت تخسر في ولاية حلب دون سائر بلاد الدولة، وكان المشتغلون بتهريب الدخان البلدي وبيعه في حلب سبعمائة رجل فعين لهم رواتب ومنعهم من التهريب بحكمة عجيبة وسيأتي مجمل خبره في عداء الوالي عند الكلام على بعض الصعوبات التي لقيها في طريقه.
كانت مدة الاتفاق الأول مع مصلحة حصر الدخان ثلاث سنين فانفصل من إدارة العمل والتفتيش بعد سنتين بالسبب الذي ألمعنا إليه ، ولثقة الفقيد بنفسه واقتداره على العمل ذهب إلى الأستانة بعد عزل عارف باشا من ولاية حلب فعقد اتفاقًا آخر مع المصلحة والحكومة مدته عشر سنين وكان أراد أن يضم إلى ولاية حلب متصرفًا فعقد اتفاقًا آخر مع المصلحة والحكومة مدة عشر سنين وكان أراد أن يضم إلى ولاية حلب ومتصرفية الزور ولايتي بيروت وسورية فلم يرض له ذلك من استشاره من الأقربين فرجع عنه. وقد نجح أيضًا في المرة الثانية ولكن حدثت بعد أربع سنين الفتنة الأرمنية فنهب الأرمن الدخان من عدة بلاد وقتلوا موظفي المصلحة فكان الفقيد يخسر في الشهر بضعة عشر ألفًا من الليرات فتوسل بذلك إلى الآستانة بحل العقد وإبطال الاتفاق فتم له ذلك بعد عناء وخسارة عظيمة ولإخلاصه بحب المصلحة العامة كانت أكثر وظائفه فخرية أي بغير راتب كما عرف من الترجمة الرسمية ويزيد على هذا أنه كان يبذل شيئًا من ماله فوق ما أخذه من راتب بعض الوظائف لأجل ترقية العمل وإتقانه، وهذا خلق لم يعرفه الشرق في هذا العصر.

مشروعاته

طلب من الحكومة عدة امتيازات بأعمال عظيمة لم تكن تخطر لأهل بلاده على بال، منها إنشاء مرفأ في السويدية وطريق حديدي منها إلى حلب. ومنها جلب نهر الساجور إلى حلب لأن ماء المدينة قليل، ولو تم هذا العمل لأحييت به أرض واسعة فكانت جنات وحدائق. ومنها أن عينًا خوارة في سفح جبل بين أرمنان وأدلب قد أغرقت أمواهها تلك الأرض فجعلتها مستنقعات تضر الناس ، ولا يأوي إلى غاباتها إلا الخنزير البري فذهب الفقيد إليها واختبر حال الأرض والعين اختبارًا هندسيًّا زراعيًّا فعلم أنه يمكن جر مائها إلى أدلب القليلة الماء وتجفيف تلك المستنقعات فتصير نافعة وتحيا أرض أدلب ويحيا أهلها فطلب بذلك امتيازًا.
ومنها إنارة حلب وبيره جك ومرعش و أورفه بالكهربائية بواسطة شلال يحدثه من نهر العاصي في محل اسمه المضيق بالقرب من دركوش تابع لجسر الشغور وكان اختبر المكان اختبارًا هندسيًّا فعلم أن إحداث الشلال فيه ممكن. ومنها استخراج معدن نحاس من أرغنه التابعة لولاية حلب. وقد حال دون إعطاء بعض هذه الامتيازات ما يحول كل مصلحة عامة يطلبها الوطنيون كالرشوة ونحوها. وقد كان أعطى امتياز استخراج النحاس واشتغل به ثلاثة سنين ونيف وبعد ذلك أرادت حكومة الولاية إبطاله لأمر ما فأدخلت مع الفقيد في العمل بعض الأجانب وتوسلت بذلك إلى إبطاله.

خدمته للناس وللحكومة

كان اتخذ له مكانًا بين داره ودار الحكومة سماه المركز يأوي إليه وكلاء الدعاوي فكان يؤمه أصحاب الحاجات والقضايا يستشيرون صاحب الترجمة في حل عقد المشكلات، ويستضيئون برأيه في دياجير المهمات، وكان في الغالب يفضل بينهم بالتراضي ويغنيهم عن المحاكمة والتقاضي فإن احتيج في قضية إلى الحكومة يندب له من يراه أهلاً لها من الوكلاء المحامين، وإن كانت عظيمة الشأن أن يندب نفسه ويحاكم المبطل حتى يحق الحق لصاحبه. وقد كان قُصَّادُ ذلك المركز يكادون يزيدون على قصاد دار الحكومة، وكانت الحكومة نفسها تستشيره في الشئون الغامضة تعتمد على رأيه.

مقاومة الحكام له

ورث الفقيد عن سلفه السادة الأمراء علو الهمة وقوة العزيمة وعدم المبالاة بالأخطار فهو من سلالة السيد إبراهيم الصفوي الأردبيلي المهاجر إلى حلب وما حديث الصفوية في الإمارة بمجهول. بهذا كان رحمه الله تعالى لا يهاب الحكام ولا يداريهم مع أن حكومتهم في الحقيقة استبدادية. وهذا هو الذي أحبط أعماله في بلده وذهب بثروته. غَاضَبَ عارف باشا أحد ولاة حلب فأغرى بعض الناس بأن يكتب إلى الأستانة شاكيًا من سيئات الوالي شارحًا لهم فعلم الوالي بذلك فعمل مكيدة لحبس الفقيد وضبط أوراقه وزوَّر عليه ورقة سماها (لائحة تسليم ولاية حلب إلى دولة أجنبية) وطلب محاكمته عليها، وحكمُ القانون في هذه الجريمة الإعدامُ ولكنهم غلطوا في معاملته بالحبس وطلب الاستنطاق غلطًا قانونيًّا ما كان ليخفى على الفقيد فكتب إلى الأستانة كتابة مطولة يظهر فيها أن خروج حكومة الولاية عن حدود القانون هو من دلائل تحاملها عليه وتحريها ظلمه، وطلب أن يحاكم في ولاية أخرى فأجيب طلبه وحُوكم في بيروت فحكم ببراءته وما زال يتتبع الوالي حتى عزل بعد عودته إلى حلب وكان هو أول من بشره بالعزل بواسطة قاضي الولاية ثم إنه أخرجه من حلب بإهانة عظيمة؛ لأنه أوعز إلى أصناف الفقراء الذين كانوا يسمون الفقيد أباهم لنصرته إياهم فاجتمعوا عند داره بهيئات غريبة فترك أهله وخرج كالهارب وسافر إلى الأستانة وتبعه الفقيد ليحاكمه ولكنه لم يكد يصل إليها حتى مات قهرًا.
وكان الشيخ أبو الهدى أفندي الشهير من أعدائه ويقال أن السبب الأول في ذلك إباء الفقيد أن يصدق على نسب الشيخ أبي الهدى هذا، وإن الشيخ أبا الهدى صار نقيب أشراف حلب وكانت هذه النقابة من قبل في آل الكواكبي. ومن آداب الفقيد العالية أنه كان هنا يثني على صفات الشيخ أبي الهدى الحسنة كالمروءة والكرم والذكاء والثبات وقلما كان يخوض بانتقاده إلا مع الخواص الذين يعرفون الحقائق فكانت عداوتهما عداوة العقلاء.
خسر الفقيد بتلك المحاكمة ألوفاً من الجنيهات وخسر أضعافها بإدارة شركة انحصار الدخان للمرة الثانية أيضاً ؛ لأن الحكومة مكلفة بحفظ أماكن الشركة فلما حدثت فتنة الأرمن امتنع الوالي عن إرسال العساكر لمنع نهب الأرمن مال الشركة وخسر بعدم مداراة الحكام غير ذلك من المزارع والأرض منها مزرعة جفتلك جميل باشا الوالي التي اشتراها منه الفقيد فاعتدى عليها زعماء التركمان بإغراء خفي حتى أخذوها ومنها مزرعة جفتلك كانت مستنقعات تابعة للأراضي الأميرية فألف لها شركة وأخذها من الحكومة وجففها فأغرى المغرون بعض عشائر الأكراد بالتعدي على حصته فحاكمهم فحكم لهم عليه بالمساعدة الخفية، وفي أثر ذلك سافر مهاجرًا إلى مصر.

سياسته ورأيه في الإصلاح

لم يكن الفقيد في اشتغاله بخدمة بيته وبلده وحكومته غافلاً عن شؤون المسلمين العامة فقد كان يقرأ الجرائد التركية والمصرية حتى الممنوعة التي كانت تدخل إلى حلب كغيرها بوسائط خفية. ولما هاجر إلى مصر كان أول أثر له فيها طبع سجل جمعية أم القرى وكان يقول: إن لهذه الجمعية أصلاً، وأنه هو توسع في السجل ونقحه ست مرات آخره عند طبعه منذ سنتين ونيف أي عقيب قدومه إلى مصر. وقد قال لنا مرة: إن الإنسان يتجرأ أن يقول ويكتب في بلاد الحرية ما لا يتجرأ عليه في بلاد الاستبداد بل إن بلاد الحرية تولد في الذهن من الأفكار والآراء ما لا يتولد في غيرها. ومن يقرأ الكتاب يظن أن صاحبه صرف معظم عمره في البحث عن أحوال المسلمين وتاريخهم في عقائدهم وعلومهم وآدابهم وتقاليدهم وعاداتهم ومنه يعلم رأي الفقيد في الإصلاح وقد كنا معه على وفاق في أكثر مسائل الإصلاح حتى إن صاحب الدولة مختار باشا الغازي اتهمنا بتأليف الكتاب عندما اطلع عليه وربما نشير إلى المسائل التي خالفنا الفقيد فيها في هامش الكتاب عند طبعه وأهمها الفصل بين السلطتين الدينية والسياسية.
أما آراؤه السياسية فحسبنا منها كتاب طبائع الاستبداد الذي يكاد يكون معجزة للكتاب السياسيين . وقد زعموا أن معظم ما في هذا الكتاب مقتبس من كتاب لفليسوف إيطالي في الظلم . ومن كان له عقل يميز بين أحوال الإفرنج الاجتماعية وأحوالنا وذوقهم في العلم وذوقنا يعلم أن هذا الوضع وضع حكيم شرقي يقتبس علم الاجتماع والسياسة في حالة بلاده حتى كأنه يصورها تصويراً ، وإذا لاحظ مع ذلك أن هذا الكتاب كان مقالات مختصرة نشرت في المؤيد ثم مدها صاحبها مد الأديم العكاظي وزاد فيها فكانت كتابًا حافلاً يتجلى له علمه الأول بصورة أوضح وأجلى ، وإذا علم بعد هذا كله أنه نقحه بعد الطبع فحذف منه قليلاً وزاد فيه كثيراّ يعلم علم اليقين أن ينبوع علم هذا الرجل صدره وأنه كان يزداد في كل يوم فيضاناً وتفجيراً، نعم إن قال في مقدمته : إن بعضه مما درسه ، وبعضه مما اقتبسه، وإننا نعلم أنه لم يولد إنسان عالمًا ولكن فرقاً عظيماً بين من يحكي كلام كغيره كآلة الفوتغراف وبين من يُحَكِّم عقله في علوم الناس فيأخذ ما صح عنده وينبذ ما لا يصح . من كان له مثل هذا العقل الحاكم في كليات العلوم فهو الفيلسوف إن كان اجتهاده هذا في العلوم العقلية والكونية وهو الإمام إن كان اجتهاده في العلوم الدينية.

وجهته الأخيرة

وجه همته أخيرًا إلى التوسع في معرفة حال المسلمين ليسعى في الإصلاح على بصيرة فبعد اختباره التام لبلاد الدولة العلية تركها وعربها وأكرادها وأرمنها، ثم اختباره لمصر ومعرفة حال السودان منها ساح منذ سنتين في سواحل إفريقية الشرقية وسواحل آسيا الغربية، ثم أتم سياحته في العام الماضي فاختبر بلاد العرب التي كانت موضع أمله أتم الاختبار فإنه دخلها من سواحل المحيط الهندي وما زال يوغل فيها حتى دخل في بلاد سوريا واجتمع بالأمراء وشيوخ القبائل وعرف استعدادهم الحربي والأدبي وعرف حالة البلاد الزراعية وعرف كثيراً من معادتها حتى إنه استحضر نموذجًا منها. وقد انتهى في رحلته الأخيرة إلى كراجي من موانئ الهند وسخر الله له في عودته سفينة حربية إيطالية حملته بتوصية من وكيل إيطاليا السياسي في مسقط فطافت به سواحل بلاد العرب وسواحل إفريقيا الشرقية فتيسر له بذلك اختبار هذه البلاد اختبارًا سبق به الإفرنج ، وكان في نفسه رحلة أخرى يتم بها اختباره للمسلمين وهي الرحلة إلى بلاد الغرب ولكن حالت دونه المنية التي تحول دون كل الأماني والعزائم.

وفاته

توفي في القاهرة متأثرا بسم دس له في فنجان القهوة عام 1902حيث دفن فيها.
رثاه كبار رجال الفكر والشعر والادب في مصر ونفش على قبره بيتان لحافظ إبراهيم:
هنا رجل الدنيا هنا مهبط إلتقى هنا خير مظلوم هنا خير كاتب
قفوا وأقرأوا أم الكتب وسلموا عليه فهذا القبر قبر الكواكبي

مؤلفاته

شخصيات صنعت لها تاريخ Page1-300px-Tabae_alestebdada.pdf
طبائع الإستبداد، انقر على الصورة لتنزيل الكتاب.
ألف العديد من الكتب منها:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
شخصيات صنعت لها تاريخ
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: كتب وروابات مشاهير شخصيات صنعت لها .... :: شخصيات :: شخصيات صنعت لها تاريخ-
انتقل الى: