الطفل "المتسلّط" هو الذي يُخضع كل من حوله لمزاجه وطلباته، ويُمارس على أفراد أسرته ابتزازاً عاطفياً، خاصة الأبوين، وقد يكون التسلط مؤشراً على حالة مرضية نفسية تحتاج إلى تدخل سلوكي، وربما علاجي أحياناً.
ويرى العديد من اختصاصيي علم نفس الطفل والمراهقة أنَّ توتر الطفل واعتراضه على كل ما تطلبه والدته منه أمران عاديان بين السنتين والثلاث سنوات من عمره، ولكنهما يصبحان مقلقين عندما يستمران بطريقة يتعذر معها السيطرة على الموقف عندما يكون الطفل في سن الخامسة، فقبل سن الثالثة يُظهر الطفل استياءه عندما لا يحصل على ما يريد من خلال بعض الأفعال الغاضبة والصراخ، بيد أنَّ ردَّات فعله العنيفة تخف عند سن الرابعة ليحلّ مكانها التعبير عن الغضب بالكلام، ورغم ذلك فإنَّ الاختصاصيين يرون أنَّ الأطفال المتسلطين بحاجة إلى مزيد من الاهتمام من قِبل الوالدين، على أن تضع الأسرة هنا خطة بعيدة المدى تعتمد على متابعة الطفل متابعة لا تأتي عفواً ولا تتم اعتباطاً، ولكنها تتحقق من خلال خطة أسرية يشترك فيها الأب والأم وبقية أفراد الأسرة على امتداد الأيام.
الصراخ سبيل المتسلطين الصغار لتحقيق طلباتهمحاد المزاج
وبيَّنت "أم عبد الرحمن" أنَّها وقفت عاجزة هي وزوجها عن السيطرة على ابنهما البالغ من العمر (11) سنة، مضيفة أنَّه حاد المزاج ومتسلط وقوي الشخصية.
وقالت:"أصبحنا بمرور الأيام نتحاشى أن نغضبه أو نثير حفيظته، بل إنَّ جميع من في البيت أصبحوا رهن إشارته وطوع بنانه"، مشيرة إلى أنَّ ملاحظاته التي كان يبديها بين الحين والآخر كانت تبدو في محلها، فهو لا يقبل –مثلاً- أن تخرج شقيقاته إلى السوق وحدهن برفقة السائق بعد الساعة الثامنة مساءً، لافتة إلى أنَّه طلب من والده أن يُباشر هذه المهمة بنفسه أو يجعلهن يخرجن في النهار بدلاً عن ذلك.
وأشارت "البندري" إلى أنَّ طفلها كان في البداية لطيفاً ومطيعاً، بيد أنَّه تغيَّر كثيراً بعد ذلك وأصبح يتسلط على شقيقاته ويصدر لهن الأوامر لتنفيذ طلباته، مضيفة أنَّ شقيقه الذي يكبره في العمر مختلف عنه تماماً، لافتة إلى أنَّه بدأ يتجنبه خوفاً من انفعاله غير المُبرَّر أو تهديده له بإخباري أنَّه مهمل في مذاكرة دروسه ومهتم بممارسة الألعاب الإلكترونية بشكل مبالغ فيه، مبينة أنَّها كانت تتعجب وتضحك هي وأبيهما نتيجة سيطرة هذا الابن الذي ما إن بلغ السابعة من العمر إلاَّ وفرض سيطرته على أشقائه.
ابتزاز الأم عاطفياً أكثر من الأبأسلوب تربوي
وقالت "أم أحمد" :"لاحظت أنَّ ابني الذي لم يتجاوز الخامسة من العمر كان ذا شخصية عنيدة منذ أن كان في سن الثالثة، إذ بدا ذلك عبر رفضه ارتداء الملابس التي لا تعجبه، إلى جانب أنَّه لا يوافق على تنفيذ ما نطلبه أنا ووالده منه في ما يتعلَّق بالغذاء والملبس أو حتى اختيار القنوات التلفزيونية التي نرغب أن يشاهدها"، مضيفة أنَّها تعبت كثيراً في اختيار الأسلوب التربوي الذي يناسبه، ومع ذلك فهي تدعو الله –عزَّ وجل- أن يهديه ويصلحه.
شخصية عنيدة
وأوضحت "عفراء" أنَّها أم لثلاثة أولاد وبنت، مضيفة أنَّها تعاني هي وزوجها من تسلط ابنتهما البالغة من العمر(12) عاماً، مشيرة إلى أنَّها ذات شخصية عنيدة وصعبة المراس، مبينة أنَّ من بين المواقف المضحكة المبكية في آنٍ معاً أنَّها قالت لها ولوالدها ذات مرة :"إذا ضايقتموني أو عنفتموني سوف أتصل على هيئة حقوق الإنسان"؛ وذلك حينما عاتبها والدها بسبب إفراطها في استخدام هاتفها الذكي وإهمالها في مذاكرة دروسها.
وأضافت أنَّها كانت تختلق لها الأعذار أمام والدها وتُبرِّر تصرفاتها تلك على أساس أنَّها تصرفات طبيعية تترافق مع فترة المراهقة التي اقتربت من بلوغها، مبدية خشيتها على ابنتها في المستقبل بسبب شخصيتها القوية تلك، خاصة حينما تبلغ السن المناسبة للزواج وتذهب إلى بيت الزوجية، مشيرة إلى أنَّ شخصيتها المتسلطة والمزاجية أثرت بشكل سلبي على تحصيلها العلمي دراسياً؛ نتيجة أنَّها لا تذاكر إلاَّ على حسب مزاجها فقط.
تفعيل هوايات الطفل أفضل وأسرع طريقة للتخلص من السلوك السلبيمواقف صعبة
ولفتت "أم ناصر" إلى أنَّ ابنها ذو شخصية متسلطة ويصعب التعامل معه، مضيفة أنَّه لا يصغي لتوجيهاتها مثل باقي إخوانه وشقيقاته، موضحة أنَّ "شاربه" نما مع دخوله بدايات سن المراهقة في ال (14) عاماً من عمره ونما أيضاً تسلطه، مبينة أنَّه يرغب دائماً بالتفرُّد بإصدار الأوامر في المنزل، مشيرة إلى أنَّ ذلك أثَّر على طريقة أكله، إذ إنَّه لا يتشارك مع أفراد أسرته تناول الوجبات في المنزل، بل إنَّه لا يأكل إلاَّ من المطاعم.
وأضافت أنَّه كان يُبرِّر رغبته في تناول أكلات المطاعم بعدم إعجابه بطبخها، مشيرة إلى أنَّه يجعلها في مواقف صعبة ومحرجة حينما يدخل إلى المنزل حاملاً معه طعامه من الخارج، لافتة إلى أنَّها حاولت مراراً أن تتفاهم معه وتتودد إليه بكل حنان ولطف، بيد أنَّه كان يقابل ذلك بامتعاض وضيق شديدين، موضحة أنَّ والده هدده أكثر من مرَّة بعدم سداد فاتورة جواله، إلاَّ أنَّه كان يقول لها:"سوف أحصل على جوالك عندما تنامين أو حتى جوال زوجك -يقصد والده- واستخدمهما في إجراء اتصالاتي".
وأكدت على أنَّها ضاقت ذرعاً نتيجة تصرفات ابنها وطيشه، ومع ذلك فإنَّها تدعو الله هي ووالده أن يهديه ويرده إلى رشده، مضيفة أنَّهما يتسلحان بالحلم والصبر ويحاولان التعامل مع ابنهما بطريقة أبوية تتسم بالحكمة والهدوء، وقالت:"على الرغم من كل ما يبدر منه من تصرفات سلبية إلاَّ أنَّنا لم نمد أيدينا عليه، بيد أنَّنا أصبحنا عصبيين بدرجة كبيرة".
بطاقة أحوال
وبينت "أم عبداللطيف" أنَّ ابنها بات عصبي المزاج ومتسلِّطاً، مضيفة أنَّه أصبح يزعجها بطلباته التي لا تنتهي، كما أنَّه لا يقدر ظروف والده الموظف صاحب الدخل المحدود، موضحة أنَّه يريد أن يكون مثل أقرانه أبناء الأثرياء وميسوري الحال، مشيرة إلى أنَّه غالباً ما يتأخر في العودة إلى البيت ليلاً حينما يكون بصحبة أصدقائه من أبناء عمومته والجيران، وقالت :"حينما أعاتبه فإنَّه يصرخ في وجهي، معللاً تصرفاته بأنَّه ليس طفلاً وأنَّ لديه حالياً بطاقة أحوال، وبالتالي فإنَّه أصبح رجلاً، بل إنَّه قال لي ذات مرة أنتم بحاجة لمعرفة المزيد عن كيفية التعامل مع الشباب البالغين".
منزل جديد
وأشارت "أم صالح" إلى أنَّ الحديث يطول عن ابنها الذي بات شرساً ومستبداً ومتسلطاً على إخوانه وشقيقاته، مضيفة أنَّه يتذمر بشدة رغم أنَّها وباقي أفراد الأسرة يبذلون ما في وسعهم من أجل إسعاده وإدخال السرور عليه، لدرجة أنَّه أصبح كثير التذمر من الحي الذي يسكنون فيه، بل ويصفه بأنَّه حيّ بائس لا توجد فيه حديقة ولا ملعب لمن هم في سنه، لافتة إلى أنَّه بدأ يُردد على أسماعها بين الحين الآخر ما يشير إلى رغبته في أن يبني والده منزلاً جديداً في حيّ راق تتوفر فيه كافة الخدمات.
حالات مرضيَّة
وأوضحت "سلوى الفهد" -أخصائية نفسية- أنَّ الطفل المتسلط موجود في مختلف المجتمعات، ويُعاني منه العديد من الآباء والأمهات، مشيرة إلى أنَّ الأطفال المتسلطين بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، داعية إلى أن تضع الأسرة هنا خطة بعيدة المدى تعتمد على متابعة الطفل متابعة لا تأتي عفواً ولا تتم اعتباطاً، ولكنها تتحقق من خلال خطة أسرية يشترك فيها الأب والأم وبقية أفراد الأسرة على امتداد الأيام.
وشددت على أهمية أن يوضح للطفل المتسلط أن ما يرتكبه من أعمال هي تصرفات غير مقبولة ولا يستحبها المجتمع، حتى إن كانت هذه التصرفات تتم داخل البيت أو بالقرب من المجتمع المحيط بالطفل، مع مراعاة أن تنطلق المتابعة وعملية التوجيه في رحاب الحب والإرشاد المُبسَّط المُغلَّف بالتودُّد، وأن يوضح له أنَّه من العيب ومن غير المستحب أن يرفض توجيه والديه أو أي شخص أكبر منه له، وأنَّ عناده يجب أن يزول، وأن يكون مشاركاً مع إخوته وشقيقاته داخل الإطار الأسري، مع إشعاره بأنَّه جزء لا يتجزأ من الأسرة، مؤكدة على أنَّ بعض الحالات تُعد حالات مرضية تحتاج إلى مراجعة العيادة النفسية للحصول على الاستشارة النفسية المناسبة.