مناقشة رسالة ماجستير بعنوان
"التغير الثقافي والعنوسة"[1]
خطاب المناقشة:بسم الله الرحمن الرحيم، وصلاة وسلامًا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذه هي المرة الثالثة التي أتشرف فيها بمناقشة رسالة في قسم الاجتماع بكلية الآداب بجامعة بني سويف، وأشكر فيها الأخ والصديق الأستاذ الدكتور جلال مدبولي على استضافته لي، وأعبر فيها عن سروري لمشاركة الأخ الفاضل الأستاذ الدكتور طلعت لطفي في مناقشة رسالة معه للمرة الثانية.
بارك الله في زميلي الفاضلين، وأمَد في أعمارهما، وأسبغ عليهما الصحة والعافية.
ومن دواعي سعادتي أيضًا أن يكون الابن العزيز أحمد عبدالهادي هو صاحب الرسالة التي جئت لمناقشتها اليوم، فهو أحد طلاب الامتياز الذين أعتز بهم، وقد درست له منذ ثماني سنوات تقريبًا، وأشهد له إلى جانب الخلق والأدب الجم، بحب العلم والإصرار على تحصيله، وملازمة الأساتذة ومناقشتهم، وأشهد له بالجدية وألمحه في الأُفق باكورة باحث متميز - بإذن الله.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د أحمد إبراهيم خضرحيثيات المناقشة:هناك تسع ملاحظات على النحو التالي:أولاً: ملاحظات على عنوان الرسالة.
ثانيًا: ملاحظات عن الأخطاء العامة؛ مثل: الأخطاء اللغوية والمطبعية، وأخطاء استخدام الأرقام، والأخطاء الناتجة عن عدم استخدام علامات الترقيم، وأخطاء استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وغير ذلك من الأخطاء.
ثالثًا:ملاحظات حول مدى قوة وجدة وحداثة المادة العلمية.
رابعًا: ملاحظات حول مدى اتباع الباحث القواعد العلمية الصحيحة في عرض وتحليل الدراسات السابقة.
خامسًا: ملاحظات حول الإطار النظري والمفاهيم المستخدمة في الرسالة.
سادسًا: ملاحظات حول منهج البحث وتساؤلاته وأدواته.
سابعًا: ملاحظات حول توصيات البحث.
ثامنًا: ملاحظة حول التوثيق الصحيح للمادة المأخوذة من المراجع ومن المواقع الإلكترونية.
تاسعًا: ملاحظة حول تمشي عرض ملخص الرسالة مع الطريقة العلمية الصحيحة.أولاً: ملاحظات على عنوان الرسالة:
بتطبيق معايير التزام الباحث بشروط العنوان الجيد للرسالة، نجد أن عنوان الرسالة احتوى فعلاً على المتغير المستقل، وهو التغير الثقافي، والمتغير التابع وهو ظاهرة العنوسة، ولم يتجاوز خمس عشرة كلمة، ويمكن التعامل معه إحصائيًّا.
ولكن لنا وقفة أمام شرط هام ينص على أن يكون العنوان غير ممل وبعيد عن الإثارة غير المفيدة.
الواقع أن استخدام الباحث للفظ "العنوسة" هو استخدام مثير وغير مفيد؛ يقول الباحث في ص 23: "إن لفظ العانس بما يحمله من دلالات في مصر والمنطقة العربية، هو من أشد أنواع العنف المعنوي الذي يمارسه المجتمع ضد المرأة، فالعانس خصوصًا المصرية كائن له خصائص مميزة يسبغها عليها المجتمع منذ أن تلتصق بها هذه الصفة الراعبة، فالمجتمع ينظر إليها نظرة هي مزيج من الشفقة والخوف والسخرية، والشفقة على حالها البائس الذي جعل القطار يفوتها، والخوف منها، فهي في نظر المجتمع شخصية سيكوباتية مريضة ذات عين حاسدة، وقلب حاقد، ورغبة مدمرة في إيذاء الآخرين الذين حازوا على وسام الزواج، وانتصروا في معركة الاقتران الدائم، والحصول على زوج أو عريس".
كيف يحمل عنوان الرسالة كل هذه المدلولات السلبية المثيرة والغير مفيدة في الوقت الذي كان يمكن أن يستخدم الباحث في العنوان مصطلحًا بديلاً أكثر رقة؛ مثل: "تأخر سن الزواج"، وهو لفظ استخدمه الباحث في أكثر من موقع في الرسالة.
وأعتقد أن الباحث لو استخدم هذا اللفظ البديل، لوجد هذه القاعة ممتلئة،فهناك العديد من الفتيات اللاتي تواجهن هذه المشكلة، ويردن أن يعرفن ماذا يقول العلم في قضيتهن، وكيف وجد العلم حلولاً لها؟ وإلا فلا فائدة في علم ليس له ثمرة عملية يشعر بها الناس، ومن ثم يفقدون ثقتهم في علومنا؛ ولهذا أرى أن استخدام هذا اللفظ المقيت يحرج الكثيرين ويمنعهم من الحضور.
لكني من زاوية أخرى أثني على الباحث في أنه تخلص من مشكلة وقع فيها باحثون عديدون اضطروا بسببها إلى تغيير عناوين رسائلهم، وهذا أمر يحتاج إلى إجراءات إدارية وانتظار طويل، فالعنوان الفرعي: "دراسة ميدانية في مجتمع محلي"، أنقذ الباحث من مشكلة أنه إذا لم يكن قد تمكن من تطبيق دراسته الميدانية على المجتمع الذي حدده، يكون من السهل عليه تطبيقه في مجتمع محلي آخر دون الحاجة إلى تغيير العنوان، وقد أشار أحد الأساتذة إلى أنه من الأفضل ألا يحتوى العنوان الفرعي على تحديدات تقيد الباحث، فذكر أن باحثة أنهت دراستها النظرية وعندما حان الوقت لإجراء الدراسة التطبيقية، وجدت أن المؤسسة التي كانت ستجري عليها هذه الدراسة قد أغلقت فاضطرت لتغيير العنوان، وباحثة أخرى رفض مدير المؤسسة قيامها بالدراسة، بل وطردها من مكتبه، فاضطرت لتغيير العنوان أيضًا.
ثانيًا: ملاحظات حول الوقوع في الأخطاء العامة؛ مثل: الأخطاء اللغوية والمطبعية، وأخطاء استخدام الأرقام، والأخطاء الناتجة عن عدم استخدام علامات الترقيم، وأخطاء استخدام الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وغير ذلك من الأخطاء.
بتطبيق ذلك على الرسالة الحالية وبضرب مثال أو مثالين فقط اتضح الآتي:
1- هناك أخطاء نحوية عديدة من أمثلتها قول الباحث في ص (4): "حدد الباحث أهداف خاصة " وصحتها "أهدافًا خاصة"، وفي ص (29): "وهذا يخلق كثير من المشكلات الاجتماعية"، وصحتها "كثيرًا من المشكلات"، وفي ص(77):"وقد اكتملت المقابلات بالعشرون امرأة "، وصحتها "وقد اكتملت المقابلات مع عشرين امرأة"، والرسالة مليئة بمثل هذه الأخطاء وكان من المفروض أن يراجعها مدقق لغوي.
2- تحتوي الرسالة على خطأ شائع وهو "الاستخدام غير الصحيح للأرقام"؛ مثل: قول الباحث في ص (72) صمم الباحث استمارة استبيان احتوت على 38 سؤالاً)، وقوله في ص (74) (استخدم الباحث استمارة لجمع البيانات عن طريق المقابلة لعينة تتكون من (324) من الذكور غير المتزوجين الذين تجاوزوا ال 27 عامًا)، وقوله في ص (112) صمم الباحث استمارة مقابلة احتوت على عدد 45 سؤالاً)، وتم جمع البيانات من عينة تقدر بحوالي 100فتاة).
هذا استخدام غير صحيح للأرقام في الرسائل العلمية، والقاعدة الصحيحة لاستخدام الأرقام في الرسائل هي: (الرقم الذي لا يحتاج الطالب في التعبير عنه إلى أكثر من ثلاث كلمات، ينبغي أن يكتب هذه الأرقام بالحروف؛ مثل:اثنان وسبعون سؤالاً، أربعة وسبعون، خمسة وأربعون سؤالاً، تتكون العينة من ثلاثمائة وأربع وعشرين مفردة، وإذا احتاج الطالب إلى التعبير عن رقم بأكثر من ثلاث كلمات، فعليه أن يستخدم الأرقام مثل 1465).
وقد دفعتني هذه الأخطاء الشائعة إلى كتابة موضوعين؛ أحدهما: عن "علامات الترقيم"؛ مثل: الفصلة والأقواس والنقاط التي إذا لم تستخدم استخدامًا صحيحًا غيرت المعنى، والآخر عن: "الاستخدام الصحيح للأرقام" في رسائل الماجستير والدكتوراه نشرًا على صفحتي الخاصة باسمي في موقع "بوابتي تونس" تحت رقمي 204و205، وذلك ليستفيد منها الباحثون.
2- استخدام الآيات القرآنية والأحاديث في الرسائل الجامعية له قواعده التي لا بد من الالتزام بها، فهي ليست كلامًا عاديًّا، وإنما هي كلام له قداسته، وذلك على النحو التالي: "الآيات القرآنية تُثْبت من المصحف الشريف، وتُوضع بين قوسين مزهرين على النحو التالي: {...}، وتُضبط بالشكل، وتُرسم كما عليه في المصحف ويُذكر بعدها في المتن اسم السورة ورقم الآية محصورًا بين قوسين إذا كان عدد الآيات المستشهد بها كثيرًا، أما إذا كان عددها قليلاً، فتكتب في الهامش.
أما الأحاديث النبوية، فقاعدة توثيقها أنها تحصر بين قوسين عاديين ()، وتضبط بالشكل، وتُخَرَّج في الهامش من كتب الحديث المعتبرة الصحاح أولاً ثم السنن.
بتطبيق ذلك على رسالة الباحث نجده اتَّبع ذلك في الآية القرآنية التي وضعها في بداية الرسالة، والآيات التي استخدمها في ص (15)، لكنه أهملها في الآية المذكورة في ص (84)، و(88)، ولم يُخرج الأحاديث التي استعان بها.
والمشكلة في الاستعانة بالآيات القرآنية والأحاديث كما أوضحنا في مناقشاتنا السابقة، هي أن الباحثين يستخدمونها دون فَهم معناها بسبب ضَعف خلفيتهم في مسائل الدين، فيستخدمونها في غير مواضعها مع التسليم بفطرتهم السليمة، وحُسن نواياهم، وهم عادة يستخدمون الآيات القرآنية في الرسائل؛ إما للتبرك، أو كمجرد ديكور، وهذا في عرف العلماء سوء أدب مع الله - سبحانه وتعالى - ونبيه - صل الله عليه وسلم - فأرجو من الباحثين أن يعوا ذلك تمامًا.
3- استخدم الباحث في ص (173) مصطلح (رجال الدين)، وهذا مصطلح يتحفظ علماء الإسلام في استخدامه ويقولون في ذلك: "وإن كنا نتحفظ على هذا المصطلح لِما له من دلالة منحرفة في الملل الأخرى؛ حيث يكون رجال الدين في هذه الملل واسطة بين الله تعالى وبين عباده، فيتحكمون في شؤون الناس باسم السماء أو باسم الرب، حتى يبلغوا مرحلة النيابة عن الله سبحانه، ويعطون حق التحريم والتحليل، وهذا ما يعرف عندهم باسم "الإكليروس "، وهذا تنبيه للباحثين بأنه ليس هناك رجال دين في الإسلام، وإنما هناك علماء دين.
4- يؤخذ على الباحث استخدامه لبعض الكلمات غير العلمية والترجمة الركيكة لبعض الفقرات، في ص (120) يقول الباحث: "أن ظاهرة تأخر سن الزواج"، طفحتبقوة على سطح المجتمع المصري".
صحيح أن هذه الجملة منقولة عن مرجع لباحث آخر، لكن الباحث مسؤول عن كلمة يسطرها بيده في رسالته، وقوله في ص (114): (ومن المضحك أن هناك بعض الفتيات....إلخ.
وعن الترجمة الركيكة: في ص (68) وفي ص (76) هناك دراستان الأولى أُجريت في الولايات المتحدة عنوانها: "روابط أسرة المرأة العانسة"، والثانية بعنوان: "المال والزواج الثاني: تبسيط الأشياء والانفصال".
يقول الباحث في الدراسة الأولى: إن المرأة التي لم تتزوج فعلت هذا؛ لكي تتلاءم مع احتياجات الأسرة أكثر من الموضة"، ويقول الباحث في الدراسة الثانية: "هل لجوء العوانس إلى الزواج من زوج ثانٍ نتيجة اليأس من عدم الزواج".
وهذه الترجمة الركيكة تطرح سؤالاً كيف يمكن اعتبار المرأة التي تتزوج للمرة الثانية عانسًا، رغم أن شعار الفتيات اليوم: "أتزوج حتى لو طلقت في اليوم التالي، أو حتى أنجب طفلاً لأهرب من وصمة العنوسة".
وهذا تنبيه للباحثين الذين يقدمون نصوصًا إلى متخصصين في اللغة، أو يترجمون من شبكة الإنترنت بضرورة مراجعة هذه الترجمة وتصحيحها.
5- في ص (ب) يقول الباحث: أن رئيس مركز التعبئة والإحصاء أكد لصحيفة النور أن عدد السكان الذين لم يسبق لهم الزواج بلغ في سنة 2006 ما يعادل 6و3% من إجمالي السكان.هناك ملاحظتان على هذه النقطة، الأولى: أن ما يستقي من الصحف يحتاج إلى حذر شديد؛ لأنها تعتبر مصادر غير علمية.
الثانية: هي أن المعلومات الإحصائية تؤخذ من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء مباشرة، خاصة وأن الأمر لا يحتاج اليوم إلى الذهاب إلى الجهاز مباشرة بعد أن فتح الجهاز موقعًا له على شبكة الإنترنت موفرًا كافة الخدمات التي يحتاجها الباحثون منذ القرن الثامن عشر وحتى الآن.
ثالثًا: ملاحظات حول قوة وجدة وحداثة المادة العلمية مقاسًا بعدم مضي أكثر من عشر سنوات، واستناد الباحث إلى المصادر الأصلية الأولية؛ سواء بالعربية أو بالإنجليزية؛ مثل: دائرة معارف العلوم الاجتماعية، وقواميس علم الاجتماع، وكذلك استناده إلى ملخصات الرسائل العلمية التي تتناول موضوع دراسته والمكتوبة بالإنجليزية والمتوافرة بمكتبة الجامعة الأمريكية بالقاهرة منذ ما يقرب من نصف قرن، وهي تحت أسمsociological abstract، ومقاسًا كذلك بتضمن الدراسة للأبحاث المتعلقة بها في المؤتمرات العلمية والدوريات المحكمة علميًّا، والمعترف بها عالميًّا من عام 2012.
بتطبيق هذا المعيار على رسالة الباحث تبين الآتي:
1- رجع الباحث إلى ثمان وتسعين مرجعًا عربيًّا وأجنبيًّا، بلغت نسبة المراجع التي لم يمر على طبعها أكثر من عشر سنوات ما يقرب من 39%، وكانت نسبتها في المراجع العربية ما يقرب من 45%، وفي المراجع الأجنبية ما يقرب من 23%.، وتعتبر هذه النِّسَب معقولة جدًّا إذا ما قورنت بمثيلاتها في الرسائل الأخرى.
2- استعان الباحث فعلاً بموسوعة العلوم الاجتماعية عند تعريفه لمفهوم الزواج، والأصل أن يستند إليها عند تناوله لمختلف المفاهيم الأساسية في الرسالة.
3- استعان الباحث بدورية عربية واحدة وبحوالي خمس دوريات إنجليزية، لكنه لم يحقق الهدف المطلوب من استخدام الدوريات التي مهمتها الأصلية أنها توجه الباحث إلى أحدث الدراسات في موضوع بحثه بدءًا من عام 2012 فما دونها.
4- لا أثر مطلقًا لاستعانة الباحث بما يعرف بـ Sociological Abstract التي تتضمن رسائل الماجستير والدكتوراه التي تناولت موضوع دراسة الباحث.
5- استعان الباحث بموضوع نوقش في إحدى الندوات ولا أثر لاستعانته بمؤتمرات تتناول موضوع دراسته.
6- كنت أتمنى أن يرجع الباحث إلى أهم الهيئات التي تضم أكبر وأشمل وأحدث مصادر البحث؛ مثل: أكاديمية البحث العلمي والمركز القومي للبحوث الاجتماعية وغيرها، فلا شك أنها كانت ستفرق كثيرًا.
رابعًا: ملاحظات حول اتباع الباحث القواعد العلمية الصحيحة في عرض وتحليل الدراسات السابقة، وبمراجعة ما كتبه الباحث عن الدراسات السابقة، نجد أنه استعرض سبع عشرة دراسة أجريت في ثماني دول، ست منها عربية وواحدة في الولايات المتحدة، وأخرى في نيبال تبين الآتي:
عرض الباحث لأهداف مناهج هذه الدراسات فقط، وأجاد في ربط نتائج دراساته بالدراسات السابقة كما جاء في صفحات: 117و121و123و125و126وغيرها.
ويؤخذ على الباحث الآتي:
1- لم يظهر الباحث بوضوح كيف قادته الدراسات السابقة الباحث إلى النقطة التي بدأ منها دراسته، وكيف كانت النقطة المحورية في دراساته امتدادًا لنتائج الدراسات السابقة.
2- لم يظهر الباحث الأفكار والمفاهيم والمصطلحات التي زودته بها الدراسات السابقة في تكوين الإطار النظري والمنهجي بما فيها أدوات البحث كالاستمارة وغيرها.
3- لم يبين الباحث المصادر العلمية التي لفتت الدراسات السابقة الباحث إليها، ولم يكن يعرفها.
4- لم يبين الباحث كيف نبهته الدراسات السابقة إلى طبيعة المادة العلمية الموجودة؛ مثل: كون المادة العلمية متيسرة أو صعبة المنال، وكونها معقدة أو غير معقدة، والعقبات التي تعترض البحث.
5- رغم وجود تباين ثقافي بين مختلف مجموعات هذه الدول التي أُجريت فيها هذه الدراسات، فإن الباحث لم يُحلل نتائج هذه الدراسات في ضوء التباين الثقافي لمجموعات هذه الدول، وهذا في حد ذاته كان يشكل إضافة جديدة.
6- لوحظ أن الباحث في عرضه لأحد هذه الدراسات، خلط بين المتأخرات في سن الزواج وبين الأرامل وبين المتزوجات للمرة الثانية.
خامسًا: ملاحظات حول الإطار النظري والمفاهيم المستخدمة في الرسالة:1- النظريات:
أ- أكبر مشكلة وقع فيها الباحث في هذه الرسالة هو أنه عالج موضوع دراسته من زوايا يغلب عليها ويغطيها التحليل السوسيولوجي، في حين أن التحليل كان يلزم أن يكون سوسيوأنثروبولوجي، فموضوع الرسالة هو التغير الثقافي، ومن ثم كان يلزمه أيضًا أن تكون أحد نظريات التغير الثقافي هي النظرية الرائدة التي تقوده في دراسته، وليست النظريات الخمس التي استند إليها، وكان من المفروض أن تكون كل تساؤلات أو فروض الدراسة مشتقة من نظرية التغير الثقافي، وليس غيرها، ولا يعفي الباحث من هذه المشكلة أنه استعان بنظرية "باريتو" عن الرواسب الثقافية؛ لأنه اختار منها حقيقة جزئية فقط.
ب- استند الباحث إلى أربع نظريات هي: النظرية الاقتصادية لكارل ماركس، ونظرية النسق الاجتماعي لتالكوت بارسونز، ونظرية الرواسب الثقافية لفلفريدو باريتو، ونظرية التكامل والتكافؤ لروبين بنش، واختار من الاتجاهات الحديثة نظرية العولمة.
اشتق الباحث فروض نظرياته منها، فأخذ من نظرية "ماركس" فرضية العلاقة بين العامل الاقتصادي، وتأخر سن الزواج، واشتق من نظرية "بارسونز" فرضية العلاقة بين العادات والتقاليد، وتأخر سن الزواج، واشتق من نظرية "باريتو" العلاقة بين الرواسب الثقافية وتأخر سن الزواج، واشتق من نظرية "بنش" العلاقة بين مواصفات اختيار الزوجين وتأخر سن الزواج، واشتق من نظرية العولمة العلاقة بين تهميش العولمة للزواج والأسرة، وتأخر سن الزواج.
ج- ملاحظاتنا على الباحث أنه أخل ببعض القواعد الضرورية الخاصة باختيار النظريات:
هناك قاعدة تقول: "النظرية بناء شمولي فرضي استنتاجي، يتعارض مع المعرفة الجزئية"، وقد أخل الباحث بهذه القاعدة حينما انتقى عدة حقائق جزئية من مجموعة نظريات، فنحن نختبر صحة نظرية واحدة شاملة ولا نختبر صحة حقائق جزئية لعدة نظريات.
• هناك قاعدة ثانية تقول: "إن النظريات العلمية تتنافس فيما بينها بحسب ما تستند إليه من مرجعيات".
بتطبيق هذه القاعدة على رسالة الباحث، نرى أنه اختار نظريات متنافسة فيما بينها، وذات مرجعيات متضادة لا ينطبق عليها المبدأ الذي حدده "كارل بوبر"، وهو البساطة وجدة النظرية وقوة الربط بين الأشياء وتوحيدها، وكذا ما تحمله من مفاهيم جديدة، وهذا لا يتوافر في كل النظريات وإن توافر في بعض منها،وهذا يعني أنه حتى لو أمكن تفسير شواهد دراسة الباحث بأي من مرجعيات هذه النظريات، فإن هذا ليس مبررًا لأن يكون الإطار النظري مشتملاً على عدة نظريات.
• تقول القاعدة الثالثة: "إن الشاهد الواحد الذي لا يؤيد النظرية يبطل النظرية تمامًا، ويسقطها من الحساب".
من الملاحظ أن الباحث توصل إلى نتائج كلها تؤيد تساؤلاته ما عدا التساؤل الذي الخاص بالعلاقة بين خروج الفتاة للعمل وتأخر سن الزواج، ورغم أن الباحث لم يذكر بوضوح الإطار النظري والمرجعي لهذا التساؤل، لكننا سنستدل منه على أن هناك شاهدًا واحدًا توصل إليه الباحث لا يؤيد النظرية التي استند إليها الباحث، فيبطلها بالتالي ويسقطها من الحساب، أو هو دلالة على عدم صحة النظرية؛ لأنه يحتمل وجود نظرية أخرى تتفق شواهدها مع كل منطلقات النظرية.
وحتى لو أكد الباحث أنه لا مشكلة هناك في أن شواهده النظرية تؤيد كل تساؤلاته، فإنه يصطدم بالقاعدة التي تقول: "أيًّا كان عدد الشواهد المؤيدة للنظرية، فإنها قد لا تكفي لصحة القاعدة الكلية التي ينطلق منها الباحث، فنحن لا نرى من الغربان إلا السود منها، وهذا يجعلنا نتصور أن كل الغربان سود، فوجود غراب واحد أبيض يعني أن استدلالنا بأن كل الغربان سود استدلال زائف.
• تقول القاعدة الرابعة: "إنه من العبث أن يضع الباحث فرضًا ذهنيًّا وهو معزول مطلقًا عن النظر إلى الواقع والقرائن المتعلقة به، بشهادة السيرة التي عليها الناس".
بتطبيق ذلك على دراسة الباحث يتبين أن الاعتماد على الأطر النظرية الغربية التي لا تتسق مع ثقافة المجتمع، أوقع الباحث في خطأ كبير، وهو أنه وضع فروض دراسته معزولة تمامًا عن الواقع والقرائن المتعلقة به بشهادة السيرة التي عليها الناس في هذا المجتمع المسلم، فواقع مجتمعنا أنه مجتمع مسلم يؤمن بالغيب، ويؤمن بأن الزواج "نصيب"، وأن الأخذ بالأسباب فيه صحيح كطلب الأب من شاب صالح أن يتزوج ابنته، وأن تيسير أمور الزواج من تكاليف ومن مهر ومن شبكة، وغير ذلك من الأسباب التي يمكن من شأنها أن تعالج مشكلة تأخر الشباب والفتيات عن الزواج، لكن جميعه يقع في دائرة "قدر الله تعالى"، الذي لا يخضع للبحث التجريبي وإنما لا بد من الإيمان به.
2 - المفاهيم:
أ- استعرض الباحث بعض المفاهيم المرتبطة بدراسته؛ مثل: الزواج والثقافة، والتغير الثقافي، والعنوسة، لكنه لم يتبع الخطوات العلمية في تحليل المفاهيم فأهمل الآتي:
• تحديد المعنى المتفق عليه في تعريفات هذه المفاهيم.
• وضع التعريف المبدئي الذي تجمع عليه أغلب التعريفات.
• إخضاع هذه التعريفات للنقد.
• وضع تعريف خاص به يتبناه في ضوء هذا النقد.
كل ما التزم به الباحث فقط هو تبنيه مفاهيمَ إجرائية، وأغفل تمامًا تبني مفاهيم نظرية أو مجردة.
ب- لم يبين الباحث أن بعض المفاهيم التي عرضها لا تتفق أصلاً مع ثقافة المجتمع؛ مثل قوله: إن الزواج بوجه عام هو علاقة جنسية مقررة اجتماعيًّا بين شخصين أو أكثر، ينتميان إلى جنسين مختلفين، وقوله كذلك: إن الزواج هو مجموعة من العادات والتقاليد والمواقف والآراء والممنوعات القانونية، وبذلك يكون قد اعتبر زواج الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة زواجًا، فليست هناك في بعض المجتمعات الغربية ما يمنع ذلك قانونًا.
ج- عرض الباحث لمفهوم الزواج في الإسلام ضمن عرضه لمفهوم الزواج من الناحية الدينية؛ أي: في الديانات المختلفة، ثم عرضه من الناحية الاجتماعية والقانونية، ومن ثَمَّ لم يعقد هذه المقارنات التي تبرز أهمية المفهوم الإسلامي في الزواج، وتفوقه عن غيره في الثقافات والديانات الأخرى، لكن الباحث أدرك ذلك عند تبنيه للمفهوم الإجرائي للزواج.
سادسًا: ملاحظات حول تساؤلات البحث ومنهجه وأدواته:
هناك ما يمكن أن نعتبره مواطن خلل في التصور المنهجي للبحث:
1- التساؤلات:
من الملاحظ أن لدى الباحث تشوشًا في الحدود الفاصلة بين التساؤلات والفروض، قدم الباحث اثنا عشر تساؤلاً جميعها تبدأ بـ (هل)، وغالبيتها تتناول العلاقة بين متغيرات، فلم تظهر التساؤلات على أنها تساؤلات بحتة، ولا يبدو عليها أنها فروض بحتة، ولو حذفت كلمة (هل)، لكانت أقرب إلى الفروض، ويرى علماء المناهج أن التساؤلات تطرح أسئلة حول (من؟ ولماذا؟ ومتى؟ وأين؟ وكيف؟)، ويؤكد بعضهم عدم صحة التساؤل باستخدام أداة الاستفهام هل.
فعلى سبيل المثال يقول الباحث في تساؤلاته في ص (4):
هل هناك علاقة بين العادات والتقاليد الخاطئة وتأخر سن الزواج عند الفتيات؟
هل هناك علاقة بين خروج الفتاة للعمل وتأخر سن الزواج؟
الفرق بين التساؤلات والفروض أن التساؤلات هي أسئلة تحتاج إلى إجابة لوصف الواقع، تصاغ في شكل استفهامي، وتضم متغيرًا واحدًا فقط، ومعظم تساؤلات الباحث تضم متغيرين.
الفروض هي أجوبة افتراضية مبدئية مقترحة ومؤقتة، تحتاج إلى إثبات، وهي علاقة بين متغيرات، ويحاول الباحث اختبار مدى صحة وجود هذه العلاقة.
ولا شك أن هذا التشوش في ذهن الباحث بين التساؤلات والفروض ترك بصماته واضحة على منهج البحث، ويعتبر خلالا في التصور المنهجي البحث.
2- المنهج:
أ- نوع الدراسة الذي استخدمه الباحث هو الدراسة الوصفية، وقد استخدم فيها المنهج المقارن ومنهج دراسة الحالة، هناك اختلاف بين علماء المناهج حول كون هذه المناهج مستقلة عن المنهج الوصفي، أو هي تابعة له، والباحث لم يحدد موقفه، لكنه بنى تحليلاته على العلاقة بين متغيرات، فألزم القارئ أن يخمن ما هي العلاقة بين المناهج التي استخدمها الباحث؛ حتى يمكنه الحكم عليها؛ ولهذا نعتبر أن عدم التحديد خلل في التصور المنهجي للباحث، ترتب كما قلنا على التشوش في تصوره للعلاقة بين التساؤلات والفروض.
كانت نتيجة التخمين هو التصور بأن أقرب فهم للإطار الذي سار عليه الباحث في منهجه، هو المنهج السببي الارتباطي المقارن المتفرع من المنهج الوصفي؛ لأن الباحث استخدم كل هذه المناهج.
بتطبيق قواعد المنهج السببي الارتباطي على تحليلات الباحث، وجدنا أن هناك خللاً واضحًا، وهو أن الباحث كان مجرد مبوب أو مجدول للبيانات، وكانت الجداول التي عرضها هي مجرد جداول تَكرارية استخدم فيها معامل ارتباط كا 2 الذي مهمته حساب دلالة فروق التكرار أو البيانات العددية، التي يمكن تحويلها إلى تكرار مثل النسب والاحتمال.
ومن المعروف من الناحية المنهجية أن الجدول التكراري يوحي بوجود علاقة بين متغيرين فقط، لكنه لا يؤكد وجود ارتباط بينهما، ولا يزودنا بقياس له؛ لأنه يقتصر على وصف الأمور المحسوسة كما هي، والذي يؤكد ذلك هو اختبارات الارتباط أو اختبارات التباين، التي هي خطوة متقدمة عن خطوة وصف المحسوس، وتبحِر في عالم الاستنتاج، فتؤكد نوع من العلاقة بين متغيرين عن كون أحدهما سببًا في حدوث الآخر، وهناك أنواع متعددة من المعادلات لاختبارات الارتباط لم يستخدمها الباحث مطلقًا؛ مثل: المتوسطات الحسابية، والانحراف المعياري...إلخ.
إذا أخذنا مثلاً لذلك ما جاء في ص (136) عن العلاقة بين تدني المستوى الاجتماعي والاقتصادي للفتاة، وتأخر سن الزواج، نجد أن الباحث عرض لهذه العلاقة بمجرد تكرارات ونسب باستخدام معامل الارتباط (كا2)، أكد فيها صحة تساؤلاته، وربط بينها وبين الدراسات السابقة التي عرضها، وكان نتيجة ذلك أن الدراسة لم تبين اتجاه هذه العلاقة هل هي عكسية أم طردية، ولو أن الباحث استخدم معاملات ارتباط متقدمة، لأمكنه الاعتماد عليها بالتنبؤ بمستوى العلاقة بين متغيرات بحثه.
ب- كانت أمام الباحث فرصة ثمينة لم يستطع الاستفادة منها، هذه الفرصة هو أن يحول المنهج الوصفي الذي استخدمه إلى منهج وصفي معياريي أو تقويمي، وموضوع الدراسة من أقرب وأجمل وأحسن الموضوعات إلى البحث الوصفي المعياري أو التقويمي.
كان من الممكن أن يقدم الباحث إسهامًا جديدًا في هذه الدراسة إذا ما تناول موضوع تأخر سن الزواج في ضوء قيم ومعايير الإسلام، واقترح علينا خطوات وأساليب يمكن اتباعها للوصول إلى ما نستطيع أن نصل به إلى حل هذه المشكلة في ضوء هذه المعايير وهذه القيم.
القضية التي غرق فيها الباحث وغيره وأضاعوا سنوات من أعمارهم في بحثها، أوجز الله سبحانه وتعالى علاجها في قوله: ﴿ وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 33]، فالزواج رزق والرزق كما قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الرزق ليطلب العبد كما يطلبه أجله))، كما أنه فضل من الله تعالى لا دخل فيه للفقر أو الغنى؛ فالله تعالى يقول: ﴿ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ ﴾ [النور: 32]، وما عند الله لا يؤتى بمعصيته؛ مثل: اعتقاد الناس أن الفتاة حينما تظهر مفاتنها وتختلط مع الشباب دون النظر الى احتمال تطور العلاقة بينهما إلى حد خطير، هو السبيل إلى اصطياد العريس؛ قال - صل الله عليه وسلم - بإسناد صحيح: (ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار، إلا وقد نهيتكم عنه؛ فلا يستبطئن أحد منكم رزقه؛ فإن جبريل ألقى في روعي أن أحدًا منكم لن يخرج من الدنيا حتى يستكمل رزقه، فاتقوا الله أيها الناس وأجملوا في الطلب؛ فإن استبطأ أحد منكم رزقه، فلا يطلبه بمعصية الله؛ فإن الله لا ينال فضله بمعصيته)، ويقول تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ ﴾ [الأعراف: 96].
فهل فكرت الفتاة التي تأخرت في الزواج أن تنتظر حتى يأتى الثلث الأخير من الليل حين ينزل الله تعالى إلى السماء الدنيا، وهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، تستغفر الله عما أذنبت فيه، وتَعِده ألا تعود إلى هذا الذنب أبدًا، وتدعوه أن يرزقها بالزوج الصالح؛ كما جاء في الحديث الصحيح: (إذا كان ثلث الليل أو شطره ينزل الله إلى سماء الدنيا، فيقول هل من سائل فأعطيه، هل من داعي فأستجيب له، هل من تائب فأتوب عليه، هل من مستغفر فأغفر له حتى يطلع الفجر). ( انظر) (24).
الزواج تعبد لله أم إشباع رغبة وإنجاب ولد، انظر كذلك ((31، أزمة البحث عن عريس، [url=http://www.alukah.net/Social/0/27083/1/%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9 %D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%AD%D8%AB %D8%B9%D9%86 %D8%B9%D8%B1%D9%8A%D8%B3/]شبكة الألوكة[/url]).
ج- من إيجابيات استخدام الباحث للمنهج الوصفي بالصورة التي هي عليها أنه:
قدم لنا معلومات وحقائق عن واقع الظاهرة الحالية، وأوضح لنا العلاقات القائمة في الظاهرة نفسها وعن غيرها من الظواهر.
كان من الممكن أن يضيف الباحث إسهامًا آخر متميزًا، ويعتبر من أهم خصائص المنهج الوصفي لو أنه استفاد بما عنده من معلومات، لوضع تصور عن مستقبل الظاهرة نفسها، لكننا لا نلومه عليها؛ لأنه طالب ماجستير فقط.
هـ- بالنسبة لمنهج دراسة الحالة:
في ص (111-112) حصر الباحث مبررات استخدامه لمنهج دراسة الحالة في أن هذا المنهج يساعده في تقديم دراسة شاملة متكاملة ومتعمقة للحالة المطلوب بحثها، ويساعده في الوصول إلى تعميمات تمكنه من تفسير الظاهرة التي يدرسها.
الواقع الذي أمامنا أن الباحث استخدم منهج دراسة الحالة كمنهج مكمل للمنهج الوصفي والمنهج المقارن، واستخدام دراسة الحالة كمنهج مكمل لمنهج آخر؛ كما يقول علماء المناهج يتوقف على:
• مدى حاجة الباحث لاستيضاح جانب معين من جوانب بحثه أوتفسير نتائج معينة بصورة مستفيضة، ويحدث عادة عند الحاجة لتفسير بعض نتائج البيانات الكمية، فعلى الرغم من أهمية التحليل الكمي الإحصائي في البحوث العلمية، فإنها لا تكفي لشرح العوامل الديناميكية المؤثرة في الموقف، وهذا يقتضي استخدام منهج دراسة الحالة كمنهج مكمل لفهم الموقف بعمق وتفسير النتائج الإحصائية وتبريرها.
الباحث لم يوضح مطلقًا الجوانب التي لم يستطع استيضاحها والنتائج التي لم يستطع تفسيرها بصورة مستفيضة، والتي لم يغطها المنهج الوصفي والمنهج المقارن، فاستكملها بمنهج دراسة الحالة، كل ما فعله الباحث هو أنه صنفها طبقًا لمستويات السن ونمط الإقامة، والتعليم والمهنة، وحجم الأسرة، ودرجة الجمال، كما طوع الحالات لمجرد الإجابة على تساؤلاته، وبالتالي فقد استخدام منهج دراسة الحالة قيمته في هذه الدراسة طالما أنه لم يكشف هذه الجوانب.
• وفي صفحة (160) صنف الباحث الحالات التي درسها طبقًا لدرجة الجمال على ثلاثة مستويات أقل من المتوسط - جيد - فوق المتوسط.
يقول ابن القيم في وصف الجمال: "الجمال أمرٌ لا يُدرَك إلا بالوصف، وقد قِيل: إنه تناسُب الخِلْقَة واعتِدالها واستواؤها، ولكنْ قد يكون التناسُب في الخلقة دُون وجود حُسْنٍ هناك، وقيل أيضًا: الحُسْنُ في الوجه، والمَلاحة في العينين، وقيل كذلك: الحُسْنُ أمرٌ مُركَّب من أشياء: وضاءة وصباحة، وحُسن تشكيل وتخطيط، ودم يجري في البشرة، وقيل: الحسن معنى لا تنالُه العبارة، ولا يحيطُ به الوصف".
ويقول ابن القيم أيضًا: "إن الرجل الصالح المحسن ذو الأخلاق الحميدة من أحسن الناس خلقًا، وإن أسود غير جميل، وكانت بعض النساء تكثر صلاة الليل، فقيل لها في ذلك، فقالت: إن صلاة الليل تُحسن الوجه، وأنا أحب أن يَحْسُن وجهي". انظر "211 الجمال والغيرة، موقع بوابتي تونس).
السؤال على أي مقياس في علم الاجتماع، وعلى أي مفهوم نظري وإجرائي قمت بتحديد جمال هذه الفتيات.
و- بالنسبة للمنهج المقارن، استخدم الباحث المنهج المقارن بعلة أنه يدرس ظاهرة العنوسة في مجتمعين مختلفين بالريف والمدينة؛ كما جاء في ص (111)، ولنا هنا ملاحظة هامة.
يقول "دوركايم": "المقارنة من المناهج الهامة التي تساعد الباحث في الحصول على المعلومات والحقائق الموضوعية التي يمكن أن يعتمد عليها في تكوين الفرضيات والنظريات".
السؤال: أين الفرضيات أو النظريات التي توصل إليها الباحث بعد مقارنة أوضاع ظاهرة العنوسة في الريف والحضر؟
كل ما قام به الباحث هو أنه أن هناك علاقة أو لا توجد علاقة بين متغير كذا وظاهرة العنوسة، وأنها ترتفع أو تقل في الريف أو الحضر بنسبة كذا، وأن أسباب ذلك هو كذا، وأن الدراسة أكدت كذا وكذا، وكان المفروض أن يستخرج الباحث من المقارنة التي أجراها فروضًا أو منظورات جديدة يمكن أن يستفيد منها باحثون آخرون.
3- الأدوات:
استخدم الباحث ثلاث أدوات هي المقابلة والملاحظة والاستبيان:
أكانت علة استخدامه لأداة المقابلة هي أنها تساعده في شرح الأسئلة الغامضة للمبحوثين، وكانت علة استخدامه لأداة الملاحظة هو أنها تساعده على الربط بين كلام المبحوث والواقع المحيط به، والتعرف على العادات والتقاليد الاجتماعية الخاصة بأسر الفتيات المتأخرات عن الزواج وسلوكياتهن ومشاعرهن واتجاهاتهن وميولهن الخاصة، ص (112).
استخدام هذه الأدوات الثلاث من إيجابيات الباحث. وكن من المتوقع من الباحث أن يبرر استخدامه للأدوات الثلاث تبريرًا علميًّا، فيقول: "أن هذه الأدوات الثلاث تمثل وسائل اتصال بين الباحث والمبحوثين، اثنتان منها معنويتان هما المقابلة والملاحظة، والثالثة مادية وهي الاستبيان، فالباحث هنا جمع بين وسائل الاتصال المعنوية ممثلة في المقابلة والملاحظة، وبين وسيلة الاتصال المادية ممثلة في الاستبيان، فلا تكون المقابلة ولا الملاحظة علمية إلا بوجود استبيان أو ما ينوب عنه.
ب- يعرف "ويك" الملاحظة بأنها: "الاختيار والاستثارة والتسجيل وتفسير مجموعة من السلوكيات والأوضاع في ظروفها الطبيعية ".
هذا ما نعتقد أن الباحث قد قام به، لكن قيمة هذه الملاحظة من الناحية العلمية تتوقف على مدى استطاعته في تطوير الفرضيات والنظريات.
يقول علماء المناهج: أن الملاحظة تصبح علمية إذا ما توافرت لها الشروط التالية:
أن تخدم هدفًا واضح التحديد.
أن تكون مخططة بشكل مقنن.
أن يتم تسجيلها بطريقة منظمة.
أن يتم ربطها بمقترحات عامة بدلاً من تقديمها في هيئة انعكاسات لأشياء شيقة مثيرة للانتباه.
أن تخضع لاختبارات المصداقية والثقة.
فإذا راعى الباحث هذه الشروط كانت ملاحظته علمية، وإن لم يأخذ بها فهي غير علمية، كل هذه الشروط لم يذكر لنا عنها أي شيء.
ج- بالنسبة للاستبيان:
1- لم أجد في الرسالة ما يوضح أن الباحث قد قام باختبار كفاءة الاستبيان كأداة بحثية، فليس في الرسالة ما يؤكد أنه التزم بإجراء عمليات مراجعة مسودة الاستبيان قبل التطبيق أو قام بتجريب الاستبيان على عينة إحصائية للتأكد، فهم أفراد العينة للأداة والمصطلحات والكلمات التي تزيد الاستفسارات حولها، أو التأكد من سلامة الأداة، ومن ثم تطويرها وتغيير ما يلزم تغييره، ولا حتى عملية تجهيز الاستبيان للتطبيق الفعلي.
2- كما لم أجد في الرسالة ما يثبت أن الباحث قد قام بعملية التأكد من ثبات وصدق الاستبيان، لا بعرضه على أساتذة متخصصين، وحتى لو عرضه عليهم، فليست هناك معاملات إحصائية تخص ذلك، كما لم أجد أيضًا ما يثبت أن الباحث قد قام بعملية التجزئة النصفية، وهناك أربع طرق إحصائية للتأكد من ثبات الاستبيان، وسبع طرق إحصائية للتأكد من صدقه لم أر شيئًا منها في الرسالة.
سابعًا: ملاحظات حول توصيات البحث:
المعايير التي لم تتضمنها توصيات الباحث:
1- مناقشة النتائج التي توصل إليها في ضوء نتائج الدراسات السابقة والمسلمات الأخرى، أو الفرضيات التي لا تزال في حاجة إلى الاختبار، وذلك بعقد مقارنات بين نتائج البحث ونتائج الدراسات السابقة ككل وليست منفردة، (لم تتضمن النتائج هذا المعيار) .
2- أن ينبه الباحث بنفسه إلى بعض الأخطاء المنهجية التي ربما أثرت في نتائج بحثه، وأن يقدم فيها بعض التبرير للنتائج التي توصل إليها (لم تتضمن النتائج هذا المعيار).
3- إثبات الباحث لعلاقة الأخذ والعطاء المتبادلة بين فروض بحثه والنظريات التي استند إليها:
تستمد الفروض قوتها من النظرية أو المسلَّمات الأكثر قوة، ويتم تطوير النظرية أو اختبارها بواسطة الفروض، وتقوم الفروض بوظيفتين: أساسيتين هما:تنمية نظرية جديدة، أو اختبار نظرية موجودة للتأكد من مصداقيتها، وقد تكون سببًا في إلغاء نظرية أو تثبيتها أو تعديلها، والتعديل قد يكون بالإضافة أو بالتقليص لشموليتها، مع التسليم بأن ثبوت الفروض في الدراسة الواحدة لا يكفي لإنشاء نظرية؛ إذ لا بد من اختبار الفرضية مرات متعددة،(لم تتضمن النتائج هذا المعيار).
4- لم يقدم الباحث في توصياته المتعلقة بالجانب النظري مقترحات تدور حول الأبحاث المستقبلية التي قد تسهم في تنمية المعرفة في تطويرها في مجال البحث.
ولم يقدم للقارئ هذه المشكلات التي تكشفت له والتي تحتاج إلى دراسة أو متابعة أو استكمال.اكتفى الباحث بتقديم توصيات مرتبطة فقط بنتائج البحث التطبيقي، وهي توصيات معقولة وغير خيالية تحسب له، (لم تتضمن النتائج هذا المعيار).ثامنًا: ملاحظة حول التوثيق الصحيح للمادة المأخوذة من المراجع ومن المواقع الإلكترونية:توثيق الباحث للمراجع أغلبه صحيح، ولكن توثيقه للمادة المستخرجة من شبكة الإنترنت يحتاج إلى مراجعة، ويمكنه الرجوع إلى طرق التوثيق في صفحتي على موقع بوابتي تونس تحت رقم 206.
وننبه هنا إلى نقطة هامة وهي أن كثيرًا من الباحثين ينقلون المراجع المكتوبة بالإنجليزية في حاشية المراجع التي اعتمدوا عليها في دراستهم، ويضعونها في قائمة المراجع الخاصة بالرسالة؛ حتى يزيدوا من عدد المراجع المكتوبة بالإنجليزية.
بعض الباحثين يفعلون ذلك اعتقادًا منهم بأن هذا الأمر صحيح، والبعض الآخر يفعل ذلك عمدًا، والواقع هو أن هذه سرقة علمية يحاسبون عليها قانونًا، بالإضافة إلى أنها عمل لا أخلاقي، ونحن لا نتهم الباحثة بأنها قامت بذلك الفعل، ولكننا نلفت نظر الباحثين الموجودين في هذه القاعة إلى ضرورة الانتباه إلى هذه النقطة.
تاسعًا: ملاحظة حول تمشي عرض ملخص الرسالة مع الطريقة العلمية الصحيحة:من المفترض أن يتوفر في ملخص الرسالة النقاط الآتية:1- عرض مركز للعمليات والمراحل التي قام بها الباحث لإنجاز بحثه.
2- عرض موجز للنقاط الأساسية للبحث أو الدراسة.
3- عرض للمشاكل والعراقيل التي اعترضت الباحث وكيف تم التغلب عليها.
4- عرض مركز وموجز للنتائج والحقائق التي توصل إليها الباحث.
5- لا تزيد عدد كلماته عن 250 كلمة.
بمراجعة عرض ملخص رسالة الباحث نجده قد استوفى معظم متطلباته باستثناء عرض المشاكل والعراقيل التي واجهته، وكيف أمكنه التغلب عليها؛ كما كان الملخص طويلاً وأكثر من اللازم.
[1] عنوان الرسالة بالكامل هو "التغير الثقافي والعنوسة: دراسة ميدانية على مجتمع محلي بمدينة سويف"، الرسالة مقدمة من الباحث أحمد محمد عبدالهادي إلى قسم الاجتماع بكلية الآداب جامعة بني سويف، ونوقشت في يوم السبت 7/7/2012، وتكونت لجنة المناقشة من: الأستاذ الدكتور جلال مدبولي أستاذ علم الاجتماع بكلية مشرفًا ورئيسًا، والأستاذ الدكتور طلعت لطفي عضوًا أستاذ علم الاجتماع بالكلية، والدكتور أحمد إبراهيم خضر الأستاذ غير المتفرغ بكلية التربية جامعة الأزهر عضوًا.