هل يعــي الجنين ولادته؟!

د. سميح خوري - مستشار الأمراض النسائية والتوليد والعقم

من الأسئلة المحيرة فعلاً حول الجنين: الى أي مدى يحس ويشعر الجنين بما يدور حوله, وهل يعرف ما يدور خارج بطن أمه, وهل ذلك انعكاس أو رد فعل لفعل خارجي, أي هل يتجاوب مع المحيط الخارجي, هل يشعر ويحس وهل يتمتع بالذكاء؟.
المدهش ان الكثير من العلماء يتفقون على أن الوليد يحس ساعة ولادته, فهو يكون في آخر مراحل الحمل ممتلكاً لجهاز نفسي متكامل يجعله قادراً على وعي الفارق بين الحياة داخل الرحم وخارجه. وعندما يخرج من عالم الرحم فانه يتعرض لنوع من الصدمة التي تترك بصماتها على شخصيته.
فالعالم النفسي (فرويد) مثلاً, اعتقد بأن الولادة هي عبارة عن أولى تجارب القلق بالنسبة للطفل أو الانسان.. وقلق الطفل أثناء ولادته هو الأساس الذي يبني عليه مزاجه.
من الملاحظ ان الاطفال الذين تتم ولادتهم بعمليات قيصرية يكونون عادة هادئين وقليلي البكاء والتوتر مقارنة بالاطفال المولودين في وقتهم وبالطريقة الطبيعية, وربما بعملية عسيرة والعكس صحيح أيضاً. فالاطفال المولودون قبل أوانهم يكونون متوترين وقلقين وصعبي المراس, كثيري البكاء أيضاً, ومرد ذلك الى عدم اكتمال نموهم في رحم الام, مما جعل صدمة الولادة وقلقها يؤثران عليهم اكثر من تأثيرها على أولئك الاطفال المولودين في وقتهم الطبيعي.
بعض العلماء يؤمنون بأن درجة نمو الجهاز العصبي للجنين هي التي تحدد مدى وعيه بلحظة ولادته, وهو بالتالي يكون في حالة وعي معينة.. ويشارك فعلياً في عملية ولادته اذا كانت طبيعية.
يكون الطفل بعد الولادة نصف مستيقظ, وهناك دلائل كثيرة تشير الى أنه يتمتع باحساس جيد وهو داخل الرحم. فيلاحظ الاطباء انه عند ادخال ابرة في السائل الامنيوسي الذي يحيط بالجنين ويسبح فيه, وعندما تلمس هذه الابرة الطفل فانه يحاول الهروب الى الاتجاه الآخر كرد فعل عكسي.
كذلك يلاحظ ان الطفل بعد ولادته يصرخ اذا ما قام الطبيب خطأ بلي ذراعه أو رجله, مما يدفعنا لافتراض انه يشعر بالالم أيضاً قبل الوضع واثناء المخاض. وكذلك عند محاولة أخذ قطرة دم بوخزه ابره في ابهامه, فانه يجذب قدمه بقوة ويحمر وجهه ويبكي كدليل على احساسه بالالم. كذلك تتسارع دقات قلبه.
اذن فان عذاب عملية الولادة لا يقتصر على الام فحسب, بل ان الطفل شريك في هذا العذاب وصرخته الاولى الا تعبير عن العذاب الذي هو أول معاناة له في العالم الجديد.