يحظى تنظيم الفواصل الزمنية بين ولادة الأطفال بأهمية قصوى وحاسمة بالنسبة لصحة الأمهات والأطفال معا. فالالتزام بالسقف الزمني الأدنى بين الولادات (3 سنوات) بالاضافة إلى دور هذه المباعدة بين الولادات في ضمان حياة الأطفال وصحتهم، يمنح الأمم كذلك الفرصة الكافية لتأمين واستعاضة ما استهلكته من ذخائر بدنها خلال فترتي الحمل والرضاعة.
على هذا يعتبر الفاصل الزمني بين ولادة الأطفال، الإبقاء على حياة الطفل، رعاية صحة الأم، الرضاعة من حليب الأم أمورا تتمم بعضها ولابد من البدء في اعتماد اسلوب لمنع الحمل في فترة الأرضاع إلى جانب رضاعة الأم لطفلها كمتمم فاعل في منع الحمل.
إن الاستناد إلى انقطاع الطمث (الضهى) الناشئ عن الرضاعة كطريقة لمنع الحمل من الأساليب الفاعلة جدا بالنسبة للمرضعات حيث يقيهن تلقائيا من الحمل خلال الستة أشهر الأولى بعد الولادة.
ولاعتماد (90%) من النساء في العالم بأسره على حليبهن لرضاعة أبنائهن يتوجب اطلاعهن على كيفية تأثير الرضاعة في عملية الإباضة وموعد اعتماد أي أسلوب آخر لمنع الحمل في فترة الرضاعة وتزويدهن بأحدث المعلومات وبيانات التحقيقات والأبحاث الجارية.
كيف تحول الرضاعة دون الحمل؟
يتبلور لدى النساء في فترة الرضاعة نوع من العقم الفيزيولوجي المؤقت. ينشأ هذا العقم عن توقف النشاط الهرموني في عملية الإباضة. أشارت تحقيقات كثيرة أجريت خلال سنوات الأخيرة، خاصة منذ عام1998، إن المرضعات فيما لو:
1- لم يمض أكثر من ستة أشهر على ولادتهن،
2- لم يشهدن استئناف الدورة الشهرية بعد الولادة،
3- يعتمدن تماما على حليبهن ويقتصرن عليه في رضاعة أطفالهن الرضع، يتمتع أكثر من 98% منهن بوقاية تلقائية إزاء الحمل. وقد بلغت هذه النسبة بحسب دراسة شملت (423) امرأة في تشيلي (99,5%).
فيزيولوجية انقطاع الطمث الرضاعي:
تستثار بمض الثدي من قبل الرضيع إيعازات حسية إلى الهايبوتالاموس (تحت المهاد) وتتسبب في هبوط افراز الهرمون المحرر للهرمون التناسلي Gn-RH)) مما يقلل بدوره من إفراز هرموني "FSH" و"LH" ويؤدي استطرادا إلى توقف عملية الإباضة.
نستوحي مما ذكرنا أن أهم مؤشر يرتكز إليه يؤخذ بالحساب في منع الحمل اثناء فترة الرضاعة (من بين المؤشرات الثلاثة المذكورة: انقطاع الطمث، عدم بلوغ الطفل الستة أشهر من عمره والاقتصار على حليب الأم في تغذية الطفل) هو استئناف الطمث الذي يعتبر أهم مؤشر دال على استعادة قابلية الإخصاب (لا تمثل القطرات الدموية خلال 56 يوما بعد الولادة من علامات الطمث) ومع هذا فبتكرر دفعات الرضاعة على مر النهار والليل وبفواصل زمنية لا تزيد عن (4) ساعات في النهار و (6) ساعات في الليل ينخفض احتمال الإخصاب بشكل ملحوظ حتى مع استئناف الطمث.
وثاني مؤشر بالغ التأثير في هذا السياق هو الاقتصار على حليب الأم في تغذية الطفل وتكرر دفعات الرضاعة. فعدم تكرر الدفعات أو الإفادة المنتظمة من المتممات الغذائية يزيدان من خطر استئناف الطمث ومن احتمال استئناف عملية الاباضة.
أما المؤشر الأقل أهمية من بين المؤشرات المذكورة فإنه عدم بلوغ الطفل سن الستة أشهر لأن احتمال استئناف الإباضة قبل بدء الطمث ثانية يزداد على مر الأشهر التالية بعد الولادة أي أن خطر الإباضة في الشهر الرابع بعد الولادة هو أكبر منه في الشهر الثالث بعد الولادة.
إذا، لا يتبلور هذا الاحتمال بشكل مفاجئ في الشهر السادس، ولكننا نؤكد عليه لأنه ينهي مرحلة الاقتصار على حليب الأم في تغذية الطفل حيث تستأنف فيه مرحلة الإفادة من الأغذية المساعدة.
على هذا بامكان الأمهات المرضعات وبالالتزام بالمؤشرات الثلاثة المذكورة أن يتوثقن بمعدل (98-99%) من صيانتهن إزاء الحمل واستغنائهن عن اللجوء لأية طريقة أخرى لمنع الحمل.
ولكن يتحتم عليهن اعتماد أية طريقة أخرى لمنع الحمل فيها لو استؤنف الطمث أو لم يقتصر على الحليب في تغذية الطفل، وإن كان سنه دون الشهر السادس من عمر.