الحروب في التاريخ على اختلاف دوافعها كانت تضع اوزارها ولا تدوم، وقد أحصى المؤرخ ويل ديورانت الآلاف من تلك الحروب، لكن حربا واحدة بدأت منذ الكهف وستدوم الى الأبد، هي حرب العقل على الخرافة، والتنوير على الظلام، انها حرب لها اسلحة مغايرة وميادين وساحات مختلفة وتتجاوز ثنائية النصر والهزيمة بالمعنى العسكري المباشر، لكن هناك من القرائن التاريخية والعمرانية ما يجزم بأن دعاة التنوير وعقلنة العالم لم يكونوا ذات حرب من غنائم الجهلة وبقاء العجائب سواء كانت سبعا او ألفا على قيد الحياة كشواهد على حضارات تعاقبت على هذا الكوكب دليل على ان الظلام لم يهزم النور، وان هناك على الدوام وفي كل الأزمنة من يدافعون عن هذه المنجزات ويحرسونها ولولاهم لما بقيت حتى الأطلال، هذا بالرغم من ان التنوير لم تتح له الفرصة الكاملة على الأقل منذ النهضة التي اجهضت في القرن التاسع عشر، لأنه بدأ كما يقول د. رفعت السعيد من ثقب ابرة، وكانت المصدات التي تعوق حركته بالغة القسوة، لكن ما اتاحه القرن الحادي والعشرون من معرفة ووعي وتواصل بشري هو بخلاف ما كان الحال عليه في القرن التاسع عشر والانسان لا يبدأ في كل مرة من الصفر بل تتراكم في ذاكرته التجارب بكل ما فيها من اخفاقات ويؤدي هذا التراكم الى اختصار الوقت والطاقة، لأن ما تم تجريبه ولم يصل الى نتيجة، يمكن تجنّبه اللهم الا في تلك الحالات التي تستبد فيها الأمية بشعب ما وبالتالي تحرمه من قراءة تاريخه فيتورط بتكرار الاخطاء ذاتها !
ان اطول حروب التاريخ لم يكن المنجنيق او السيف او الدبابة والصاروخ من اسلحتها، فأسلحتها ليست قاتلة، انها قلم وورق ورسم وعزف، ورغم تحول بعض المكتبات الكبرى في التاريخ الى رماد الا ان قيامتها كانت محتمة، وقد مرّ بها زمن استخدمت فيه لتسخين الحمامات او صناعة اعقاب لأحذية جنود من الغزاة .
ولو احتكمنا الى ما انتهى اليه العالم وكما هو الان بمتاحفه ومعابده ودور العلم فيه وما تبقى من شواهد واطلال على الحضارات فإن الجزم بهزيمة الظلام وفقه التجهيل ليس مجرد نبوءة بل هو استنتاج منطقي !