عيون ثاقبة توثق أصالة فلسطين
من إهداءات الكتب على مبنى دارة الفنون وفي الاطار املي جاسر
وليد سليمان
مفكرة وفنانة ومثقفة كبيرة وباحثة عن الحق والحرية لشعب مظلوم منذ سنوات طويلة.. إنها «»أملي جاسر».. ففي دارة الفنون بجبل اللويبدة بعمان خصصت لها الدارة عدة قاعات وأجنحة لتعرض وثائقها الفنية والتاريخية والحضرية والعمال الفنية التركيبية الأخرى... التي تخص الشعب الفلسطيني المنكوب بضياع أرضه وروحه وحياته , بسبب هذا الاحتلال الغريب والقاسي الاحتلال الإسرائيلي لأرض آبائنا وأجدادنا العرب.
لم تأتِ أملي جاسر بشيء من عندها!! إنما هي تسلط الأضواء على ما كان وما هو موجود.. تتحدث وتعرض وثائقها وأعمالها الفنية والتصورية الفوتوغرافية والفيلمية.. تلك المنسية.. والتي يعرفها البعض ولا يعرفها ربما الكثيرون وبالذات الأجانب مثلاً.. عن تلك القضية الوطنية والإنسانية قضية وطن وشعب عانى الهوائل والمصائب , بعد أن كان يعيش بسعادة على أرضه الخصبة والحضارية فلسطين.
وكانت أملي جاسر قد عرضت موجودات هذا المعرض الشامل أو بعضه في مدن أوروبية وأمريكية شمالية وجنوبية وبعض الدول العربية منذ العام 1994, ونالت العديد من الجوائز الأجنبية حول نشاطها النادر هذا بأسلوبه المتفرد ولموضوعه المتميز.
الاحتلال يسرق الكتب
وفي إحدى القاعات بدارة الفنون شاهدنا العشرات من صور فوتوغرافية لأغلفة وصفحات كتب عربية وانجليزية كانت تتمحور تلك الصور حول نهب وتدمير والاستحواذ على الكتب التي نهبتها السلطات الإسرائيلية من منازل ومكتبات المدارس والمؤسسات الفلسطينية في العام 1948 عام النكبة,وهي تقارب (30) ألف كتاب, أبقت إسرائيل منها حوالي (6) آلاف كتاب وفهرستها في المكتبة الوطنية اليهودية في القدس تحت رمز ((.A.P)) أي «ممتلكات مهجورة». حيث قامت أملي جاسر بتصوير العديد من هذه الكتب بواسطة هاتفها النقال على مدى عامين. ومنها مثلاً شاهدنا ما يلي:
- ختم على كتاب ظهرت فيه العبارة التالية: ((مدرسة بنين العجمي – يافا)).
- ومعلومة على كتاب وهي: ((هذا الكتاب قد أُعطي جائزة لمداومة الحضور في المدرسة لصاحبه حنا بولس عام 1903.
- كتاب وبداخله فراشة محنطة قديمة جداً.
- إهداء على كتاب جاء فيه: ((خدمة للعلم والأدب أقدم هذا الكتاب النفيس لمكتبة مدرسة الذكور الابتدائية – عكا 10 مارس 1924م.
- إهداء آخر: أقدم هذا الكتاب إلى المجاهد العظيم والزعيم الفلسطيني الكبير عطوفة أحمد حلمي باشا باعث النهضة الاقتصادية في فلسطين ومؤسس صندوق الأمة العربي. مع الولاء والتقدير والاحترام واعترافاً بالجميل لخدماته الوطنية في سبيل عروبة فلسطين - المخلص واصف كنعان 1927.
- وهناك كتب أخرى عربية تراثية وقواميس, وكتب حديثة – ي تلك الفترة- مثل مسرحية مصرع كليوباترا للشاعر أحمد شوقي, وليالي الجندول لعلي محمود طه, والعواصف لجبران خليل جبران, والآلهة لأحمد زكي أبو شادي, والدموع نظم مؤيد إبراهيم ايراني, وصور أخرى فوتوغرافية مثل صورة من كتاب لمحطة قطار حيفا.
اللد – أكبر مطار في العالم!
وفي قاعة أخرى حيث يتم تكرار عرض فيلم قصير وقديم عن مطار اللد الفلسطيني عرفنا المعلومات التالية: مطار اللد فيلم قصير تقع أحداثه في اللد ابتداءً من منتصف إلى نهاية الثلاثينات من القرن الماضي, حيث كان مطار اللد الذي بناه البريطانيون محطة توقف مهمة في طريق الإمبراطورية البريطانية عبر خطوط طيرانهم الوطني, وحتى العام 1939, كان أكبر مطار في العالم.
وتتمحور قصة هذا الفيلم حول طائرة «هانيبال» وهي واحدة من ثماني طائرات شكلت أسطول ((Hand Ley)) التي كانت أكبر طائرة ركاب في العالم آنذاك.
وفي العام 1940 اختفت هانيبال في ظروف غامضة, في مكان ما فوق خليج عُمان ويستوحي الفيلم قصته أيضاً من «إدموند تماري» موظف شركة نقليات يافا والذي تلقى مهمة أخذ باقة من الزهور إلى مطار اللد, وانتظار وصول (إميليا ايرهارت) والترحيب بها في فلسطين, ولم تصل إميليا أبداً!!!.
وفي 11 تموز 1948 استولت قوات الاحتلال الإسرائيلية على المطار وأسموه ((مطار اللد الدولي)) ليعاد تسميته في العام 1974 إلى مطار بن غوريون الدولي.
سرفيس بلا عنوان!
وفي قاعة أخرى شاهدنا وسمعنا هذا العرض المرئي والمسموع بشكل تمثيلي يشبه الواقع, حيث المكان هو باب العامود في القدس وذلك قبل العام 1948.
وكان موقع باب العامود في فترة ما المركز الرئيسي لشبكة مواصلات المركبات العمومية, وكان نقطة الوصول المباشرة لبيروت, عمان, بغداد, دمشق والكويت, بالإضافة إلى مراكز المدن الرئيسية في فلسطين مثل اللد والرملة ويافا ورام الله ونابلس وغزة.. وفي ذلك الزمن كان سائقو هذه المركبات العمومية يتجمعون في ساحة باب العامود لينقلوا الركاب عن طريق النداء بأصوات مرتفعة لأسماء المدن التي يقصدونها.
وبناء على هذا التاريخ القديم فقد قام هذا العمل المرئي والمسموع ((بلا عنوان – سرفيس)) بإعادة ذكرى ذلك الزمن الذي كانت فيه الحركة حرة تتدفق بلا عقبات!! حيث كان هناك تواصل وتبادل بين الناس. ويحاول هذا العمل ان يظهر طبيعة التفاعل في الحياة اليومية قديماً ما بين المناطق الجغرافية المدنية في فلسطين. والتي هي الآن في حالة تفسخ مستمر. وبمناداة أسماء المدن يتذكر سائقو السرفيسات والباصات تلك الأماكن.
عيد الميلاد و بيت لحم و أمريكا
ومن خلال طاولة عرض زجاجية شاهدنا بعض البطاقات التذكارية التي تباع بمناسبة عيد الميلاد المجيد عادةً.. فقد قامت الفنانة أملي جاسر بخطوة رائدة ومدهشة !! أرادت بها استعادة صورة بيت لحم من الانطباع التجاري , حيث صممت وطبعت تلك البطاقات في نيويورك وذهبت هناك إلى تلك المتاجر التي تعرض مثل هذه البطاقات, وأضافت بطاقاتها إلى البطاقات الأخرى المعروضة , بطريقة ذكية لاختراق دائرة التبادلات اليومية وتوزيع المعلومات التي تصل لجمهور واسع من المتسوقين غير المشككين.. وذلك بالتحايل على رسائل إيصال المعلومات المنظمة (الصحف والإذاعة والتلفاز) التي تخضع للتحكم والرقابة والتحويل.
فقد تم تصميم بطاقات عيد الميلاد هذه لرفع وعي متسوقي عيد الميلاد السياسي حتى يكتشفوا ما الذي يحصل فعلاً في بيت لحم والقدس والناصرة!! حيث تستند أعيادهم على المدن التي نشأ فيها دينهم!! ولطالما شعرت بسخرية ونفاق غناء الأمريكيين لأغانٍ (أثناء أناشيد الأعياد) عن تلك المدن!! في حين مولت وساندت دولارات ضرائبهم وحكوماتهم التخريب والمحو الإسرائيلي لبعض تلك المواقع وأهاليها – من بينهم إحدى أقدم المجتمعات المسيحية الفلسطينية في العالم-.
أرشيف متحف كوينز
تقول أملي جاسر في معلومة أخرى من خلال هذا المعرض:
((عاشت والدتي مع تسع نساء أُخريات في Queens في صيفي عامي 1964 و1965 للعمل كمرشدات في الجناح الأردني, وكانت كل النساء فلسطينيات من الضفة الغربية.
وفي العام 2002 قمت باصطحاب والدتي إلى المعرض هذا والذي لم تزره منذ إغلاقه عام 1965, وقد أخبرتني والدتي أنه خلال إقامة هذا المعرض قديماً اندلع جدال كبير حول هذا الجناح بسبب لوحة تضمنته!! واصطحبتنا إلى المكان الذي كان يتواجد عليه الجناح الأردني حيث يقف الآن عمود أثري من جرش والذي قام جلالة المرحوم الملك الحسين بالتبرع به إلى مدينة نيويورك. هذا وقد قالت جاسر:لقد قمت بالبحث في أرشيف متحف كوينز ووجدت صورة للجدارية التي رُسمت للجناح الأردني عن اللاجئين الفلسطينيين!! وقمت بتكبير الصورة بما فيه الكفاية لمعاينة وفك التوقيع ((مهنا الدرة)).. وطلبت من دارة الفنون أن تضعني على تواصل مع هذا الفنان التشكيلي المعروف الدرة, وهاتفته فعلاً من القاهرة. وقال لي إنه رسم الجدارية في الأردن ثم شحنها إلى نيويورك, وشرح أنه ترجم القصيدة التي كتبها ((صلاح ابو زيد)) وزير المالية الأردنية في ذلك الوقت من العربية.. ولا يعلم ماذا حل بالجدارية بعد المعرض العالمي!! كما أخبرني انه رسمها على خشب كان قد اشتراه من عبد الأحد قطان.
طوابع بريدية مستقبلية!!!
وبتكليف من مجلة: Cabinet لمطبوعاتها Book of Stamps أنتجت جاسر طوابع بريدية لـ ((دولة إسرائيل مستقبلية)) استناداً إلى طوابع أميركية صدرت تكريماً لشخصيات مهمة!!! إنه أداء ثقافي وإنجازات فنية لسكانهم الأصليين الذين يُسمون بـ (الهنود الحمر) عبر تصدير العلاقة بين القوة والإقصاء والتكريم, والإشارة إلى الاحتلال والاستعمار في يومنا هذا.
وتنسجم مجموعة جاسر حول الثقافة والتاريخ الفلسطينيين مع عدد من الطوابع الأميركية الموجودة فعلاً.
وفي المعرض شاهدنا مجموعة من تلك الطوابع الإسرائيلية المستقبلية الافتراضية وعليها رسومات وصور ملونة للأزياء الشعبية الفلسطينية من كوفية وعقال وملابس المرأة الفلسطينية وشخصيات سياسية وفكرية مثل ياسر عرفات, أبو جهاد, غسان كنفاني, ليلى خالد, إدوارد سعيد, حنظلة... إلخ.
وهذا المعرض سيظل مفتوحاً أمام الزوار حتى أواخر شهر نيسان 2015.
أسماء القرى التي دمرها الاحتلال الصهيوني
أغلفة كتب وصفحات من الكتب قبل عام1948
شركة الطيران الفلسطينية في الثلاثينات من القرن الماضي