| د. ابتهال الخطيب | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: د. ابتهال الخطيب الجمعة 30 يناير 2015, 11:31 pm | |
| عضلات أخلاقية د. ابتهال الخطيب JANUARY 29, 2015
من المثير للاهتمام النظر في العلاقة بين التدين والأخلاق والتي تبدو أحياناً وكأنها علاقة عكسية في مجراها. من الملاحظ أن المجتمعات التي تركز على تدينها وتمعن في إعلانه يتراجع فيها مستوى التمسك بالأخلاق أو الانضباط الضمائري النابع من برمجة داخلية للعقل والتفكير. لا أعتقد أن لهذه الظاهرة علاقة مباشرة بنوعية الدين أو تعاليمه، ولكن على ما يبدو تنمو هذه الظاهرة في تربة من الشعور بأمان أبدي وأفضلية بشرية تجعل من التدين وسيلة تبرير للكثير من الأفعال اللاأخلاقية. فالإنسان المتدين، أياً كان دينه، ينغمس في شعور بوصوله للحق المطلق وباعتلائه منصة الأفضلية بين أنواع البشر، هذا بالاضافة إلى ضمانه الجنة الأبدية بعد الموت، أياً كانت أخطاؤه طالما هو استمسك «بدين الحق» كما يعتقده ويراه، كل ذلك يزوده بشعور بأمان يسمح له بإطلاق وحش رغباته. تلاحظ هذه الظاهرة بقوة في مجتمعات الأديان الحديثة بشكل أكبر، فأوروبا المسيحية، إبان القرون المظلمة والوسطى، انغمست في حياة لا أخلاقية وانتهاكات بشرية وظلم وقتل واستبداد ارتكازاً على حماية الكنيسة وغفرانها للذنوب، وأحياناً كثيرة غالبة انطلاقاً من تعاليمها. وكذا فعلت اليهودية في مجتمعاتها التي أعلت الفرد اليهودي وأعلنته «مختاراً» بين البشرية، فمهما كثرت أخطائه وعلا استبداده، ستأتيه المغفرة وسينال رحمة وثواباً أبدياً. لم يختلف تأثير الأسلمة كثيراً على مجتمعاتنا التي يعيش أفرادها تحت مفهوم «خير أمة» والتي مهما نال أفرادها من عقوبات فإن مصيرهم الجنة الأبدية طالماً هم على دين الإسلام. ترتخي العضلات الأخلاقية للأفراد بإهمالهم تحريكها وترييضها اعتماداً على تدين يعفيهم من التفكير والحكم على الأمور ويضعهم في دائرة أمان أبدية تضمن توفيق الخالق لهم دنيوياً وإثابته أخروياً طالما هم على هذا الدين، وكأن العضوية في حد ذاتها تصرف أخلاقي يكفي للحماية والإثابة. هذا الشعور بالحماية والاستعلاء يصنع حاجزاً بين الناس والتفكير والتدبر والشعور بالمسؤولية تجـــاه أفعالهم، دافعاً بهم للإساءة ثم تقصي التــوبـــة المضـــمونة أو أحياناً لإيجاد تبريرات ومخـــــارج لهذه التصرفات من خلال فتاوى مفصلة على مقـــاس الرغبة تضع ضمير الإنســان في الثلاجة وتمنحه هذا الشعور البارد بالأمن والراحة إبان ارتكاب الخطأ الأخلاقي الذي لا يحتمل تبريراً أو منطقاً. حضرتني هذه الأفكار في أكثر من موقف مؤخراً، آخرها كان وأنا أناقش إحدى الصديقات حول الانتخابات القادمة، حيث أعلنت الصديقة يأسها من أي اصلاح حقيقي في العالم العربي برمته، وبالتالي توجهها لتأييد وترشيح قريب لها هي غير مقتنعة بصلاحيته ولكنها مؤمنة بخدماته وفعاليته في تيسير أمورها الشخصية. سألتها: بعيداً عن أي كلام فلسفي حول المبادئ والأخلاق، ألا تخافين؟ قالت متفاجئة: مم؟ قلت من الله، ألا تؤمنين به وبجنته وناره، أليس هذا التصويت مخالفاً للأخلاق ويستوجب غضبه؟ وكأن الفكرة أتت من مكان بعيد غريب لم تجبه هي من قبل، قالت: الله أعلم بظروفنا وبمعاناتنا ويغفر لنا. حوار مشابه تم مع طالبة متدينة، تحرص على حجابها وفروضها، تناقش كثيراً وبإخلاص وقدرة رائعين في الفصل دفاعاً عن الدين بكل جوانبه، ولكن عندما تغيبت عن الدرس، أخبرتني أن والدها يستطيع استخراج عذر طبي لها من مستوصف المنطقة، سألتها: أليس هذا حرام يتناقض تدينك؟ نظرت في مبحلقة وكأن الفكرة لم تحضرها من قبل وساد صمت لم يكن من عادتها. فاصل غريب يرتفع عالياً بين ادعاء التدين وبين ممارسات الناس لحياتهم اليومية، ولربما هو هذا الإدعاء الذي يشكل هذه الحياة اليومية. فجأة تنفصل حياتهم عن كل المثاليات التي يبشرون بها، الصدق، الأمانة، التساوي بين البشر، وغيرها، حيث تجدها جميعاً تنتهك وبشكل يومي وطبيعي ورقراق وكأن هذا النفاق الحياتي جزء طبيعي ومتوقع لا يتجزأ من الحياة اليومية. لست أرمي هنا للمثاليات وللحديث عن المبادئ، ولكنني في الواقع أسائل نقطة منطقية تماماً وأنانية تماماً، فالإيمان بوجود إلهي وثواب وعقاب تحت مظلة أي دين كان، يستوجب خوفاً من الخطأ والإساءة، على الأقل تجنباً لعقوبة دنيوية أو لحرق أخروي، كما هو متوقع في الأديان الحديثة، إلا أننا نرى أن التدين يدفع بأصحابه، على عكس المنطق، إلى استمراء الخطأ والاستهانة بالإساءة بل أحياناً تبريرها، من خلال شعور بأمان مطلق وأفضلية خارقة بالإضافة إلى التوافر المستمر للتبريرات والفتاوى والمخارج الدينية التي تمكن الإنسان من أغراضه. إنها التركيبة البيولوجية والنفسية العجيبة للإنسان التي تمكنه من الالتفاف حول كل منطق واضح لتحقيق أغراضه واشباع أنانيته، وتلك تركيبة يتطلب إصلاحها ثورة فكرية أقرب للثورة الغربية في تقييمها للدين الذي أصبح في غير مأمن من منافسة المنطق والأخلاق الوضعية، لم تعد للدين السلطة المطلقة التي يمكنه من خلالها دحض المنطق ومعاندة المبدأ والتفكير السليم، أصبح لزاماً على الدين تبرير تعاليمه وتفسير مواقفه والرضوخ في أحايين كثيرة للمنطق وللعلم وللضمير الانساني. طريق طويل وشاق شقته أوروبا في ألف سنة، أما نحن، فلربما علينا أن نحسبها بالسنة الضوئية.
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في السبت 14 يوليو 2018, 2:23 pm عدل 1 مرات |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب السبت 14 يوليو 2018, 2:23 pm | |
| موقف الكويت المشرف والمستحق والذي يفترض أنه لا يستدعي مديحاً، الذي يفترض أنه الموقف السائد والطبيعي لكل الدول العربية بل ولكل دول العالم التي ترعى الحد الأدنى من حقوق الإنسان، هذا الموقف بمقدار ما أثلج منا الصدور، بمقدار ما أحرقها على سلبية بعض الدول، وبمقدار ما أرعبها بسبب سياسة الغاب التي لم تستطع آلاف السنوات من الحضارات الإنسانية المختلفة القضاء عليها. إن مشروع قرار حماية الفلسطينيين في الأراضي المحتلة لا يفترض فيه أن يكون مشروعاً يتطلب تصويتاً أو يحتمل نقاشاً، فما كان تشكّل الأمم المتحدة سوى من أجل هذا الغرض، من أجل حماية الدولة الصغيرة من الكبيرة، والضعيفة من القوية، من أجل مراقبة العلاقات الدولية وعدم السماح لمنطق القوة أن يحكم عالمنا الصغير. كيف يستمر إحتلال مسلح في القرن الواحد والعشرين وتحت مرأى المبادئ الإنسانية ومسمع مفاهيم إحترام الحقوق وحماية الإنسان؟ ما يحدث في فلسطين هو عار على البشرية كلها، وما حدث في الأمم المتحدة من رد لمشروع إنساني حقوقي بحت، مشروع غير سياسي، لا يهدف حتى لإنهاء إحتلال أو إعادة حق، مشروع «أضعف الإيمان» لحماية أصحاب أرض من أعمال عنف وإبادة وتطهير عرقي، ما حدث هذا هو عار على تاريخ الحضارات الإنسانية، على ما ندّعيه من تطور الفكر والمنطق، بل وحتى على ما نشهده من تطور بشري بيولوجي. كيف تقبل الضمائر؟ كيف يختفي الخجل؟ كيف تتفرس الوقاحة في وجوه الحضور بهذه الصورة وترفع يدها بأداة الفيتو لتحرم نساءً وأطفالاً وكبار سن وشباباً وشابات وأطباء ومسعفين الحماية من إطلاق النيران العشوائي، من التطهير العرقي الواضح والوقح والشرس الذي يحدث كل يوم على مرأى ومسمع من العالم بأكمله على أرض فلسطين المحتلة؟ أفتخر أنا اليوم بموقف الكويت، وأحزن على تفردها به. مشروع حماية الفلسطينيين كان يجب أن يقدم عالمياً، شرق أوسطياً على أقل تقدير، كان يجب أن يكون صرخة جمعية لا مشروعاً منفرداً يرده فيتو قميء. مشروع حماية الفلسطينيين هو خطوة للخلف في الواقع، كنا سابقاً نقول بمشروع إنهاء الإحتلال ومشروع العودة ومشروع الإنتصار، كنا نحلم بالدخول الآمن للقدس وبالتجول الحر في مزارع زيتونها. اليوم، هبط مؤشر تطلعاتنا، وأصبحت غاية الأماني هي حماية طفل من رصاص قناصة، وحتى هذه الأمنية الغريزية الطبيعية رُدت إلى نحورنا لتجاور خيباتنا الكثيرة، يا للعار على البشرية بأكملها. نحن نعيش أياماً سوداً، إستدار فيها الكثير من الظهور للقضية، نسيت الذاكرات ورقدت الضمائر في سبات عميق. كيف ومتى حدث هذا؟ وكيف تبدل الأيام والظروف والمصالح غريزتنا الإنسانية الدافعة بنا لحماية نوعنا الإنساني، للدفاع عن طفل تُصوّب الى رأسه فوهة مسدس، لرفض الإبادة التي نعلم كلنا، بالمنطق، بشواهد التاريخ، بتجاربنا الشخصية، أن سكوتنا عليها سيُلحقها بنا ويُلحقنا بمن سكتنا عن حقه ورضينا بظلمه؟ إن طغياناً يكبر بهذا الشكل، عته يستشري، وقاحة تتباهى، مصالح تتقيئ على كل ما هو إنساني وطبيعي وأخلاقي لا يمكن أن يكون نتاجها طيباً أو حتى محايداً لأي طرف من الأطراف. إذا ما لم يوقف العالم الوحش الصهيوني وحمايته الأمريكية القبيحة الوقحة، فإن الأذى الناتج لن ينتقي هذا دون ذاك والخراب الواقع لن يصوب على هذه المنطقة دون تلك، كل البشرية ستدفع الثمن، كل البشرية ستعاني وتتعذب، ومن لا يستطيع أن يرى ترابط المصائر البشرية وسريان نتائج العنف والإبادات على العالم بأكمله، من لا يتحرك ولا يحرك ساكناً لأنه بعيد، لأن أولاده ينامون آمنين في فراشهم كل ليلة، لأنهم يذهبون إلى مدارسهم من دون أن يعبروا حدوداً ويرصدوا قناصة ويسمعوا دوي الإنفجارات، لأن حركته حرة وأمنه مضمون وليله هادئ، لأن بيته له لا يقتحمه مغتصب ليطرده منه، من لا يتحرك ولا يحرك ساكناً لأنه يعتقد أن البعيد عن العين بعيد عن الواقع فهو كما المجرم إن لم يكن أشد فتنة وعدواناً. يا للعار. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 03 مايو 2019, 7:42 am | |
| كيف نحن هنا؟ د. ابتهال الخطيب
يقول ريتشارد دوكينز إن السؤال العلمي الحقيقي ليس «لماذا» ولكن «كيف»، فليست المعضلة في سبب وجود الجبال، كما يقول في سياق أمثلته، ولكن في كيفية وجودها، فالسؤال العلمي الأسمى لا بد له أن يتناول الكيفية وليس السبب، الميكانيكية لا الدافع، حيث ينحصر العلم وأهدافه في تلك الكيفية وهذه الميكانيكية التي بفهمها يمكن للبشرية التحكم في نتاجها ومعطياتها. وعليه، لا يسعى العلم للإجابة على سؤال البشرية المزمن حول سبب الوجود، لا يحاول مناقشة هدف تكونناعلى سطح الأرض ولا المعنى العميق لحيواتنا القصيرة المسكينة الغارقة في أوهامها عليها. في الواقع، وإلى هذه اللحظة، لا يعتقد العلم بوجود معنى لحيواتنا ولا هدف لزمنها القصير، ولا يعنيه المعنى ولا الهدف في شيء، فأجوبة كليهما لا تنتج شيئاً من احتياجات البشرية ولا تضيف شيئاً لرفاهيتها. لربما محاولة الإجابة على أسئلة كليهما هي، من وجهة نظر العلم، فلسفة مرفهة لمن لديه الوقت والجهد النفسي، لمن لا ينشغل بإيجاد حلول للكوارث البيئية والأمراض البشرية والمصاعب الحياتية والمقبل من احتمالات الفناء الكوني وغيرها من المصاعب الجمة التي تواجه البشرية وعلماءها كل يوم على أرض هذه الكرة الذرية في هذا الكون العدمي الممتد الشاسع البرودة واللامبالاة. لكن هل استطاع العلم بما يقدمه من برودة الأجوبة أن يريح النفوس البشرية من إلحاح أسئلة لا أجوبة عليها؟ هل تمكن من إقناع الوعي الإنساني بقبول أنه موجود لأنه موجود، وأن لا هدف أسمى لوجوده ولا معنى أعلى للزمن الذي يحياه على هذه الأرض؟ هل استطاع العلم بإجابته الصلفة المباشرة كأنها حديد محمى على جمر أن يسكت طنين هذا السؤال النكبة: لماذا نحن هنا على سطح هذه الأرض؟ العلم صنو العقلانية والمنطق، والوعي الإنساني صديق الفضول وأسير الأسئلة التي تدور حول سبب وجوده ومستقبل ما بعد فنائه، ومهما حاول العلم أن يسر للوعي أن يتوقف عن طرح أسئلة لا طائل منها ولا أجوبة عليها ولا راحة منبعثة مما يمكن أن تكون عليه أجوبتها، يبقى الوعي الإنساني يعذب نفسه بأسئلة كلها ذات أجوبة عدمية يحاول هو كفاحاً مريراً أن يغيرها إلى أجوبة تعزز بقاءه واستمراره الأبدي. يقول دوكينز ان مجرد كون الفكرة مريحة وتسعد المستمعين إليها، لا يعني ذلك بالضرورة أنها فكرة حقيقية واقعية. وعليه، فإن كل الأجوبة الفلسفية سواء الآتية من الثقافات المختلفة أو النابعة من المفاهيم الدينية القديمة والحديثة والتي تسعى للإجابة على لماذا نحن هنا وإلى أين نحن ذاهبون بإجابات مريحة ذاهبة لامتداد الروح حتى بعد فناء جسدها، هي كلها أجوبة مرغوبة مشتهاة، إلا أن العلم لا يمكنه أن يثني عليها في غياب الأدلة القاطعة حولها، هو في الواقع لا ينشغل بها، ليس فقط لصعوبة إثباتها أجوبتها ولكن للانعدام الحالي لفائدة هذه الأجوبة في الحياة. ولقد كان الفيلسوف الصيني العظيم كونفوشيوس يرفض تماماً مناقشة ما بعد الموت، مؤكداً أننا بعد لم نفهم هذه الحياة، فلمَ نناقش ما بعدها؟ العلم قاس وبارد رغم كل نتائجه الرحيمة على البشرية، العلم جمر حارق وهو يواجهنا بحقائق صلفة عن وجودنا وفنائنا وانعدام أهميتنا، العلم لا قلب له يرحم ضعفنا ويضعضع أرواحنا أمام فكرة فنائها، غارساً سكين أجوبته صدئة حمئة في قلوبنا دون أن تأخذه بنا رحمة ولا شفقة، العلم هو الحقيقة بكل برودها وجمرها، بكل ألمها ولامبالاتها، يسعى البعض منا لتعذيب النفس باكتشافات وأدلة رغم إدراكنا أن «أخو الجهالة في الشقاء ينعم»٭ . العلم العظيم الذي أطال حيواتنا وأنقذ بني جنسنا ونعم معيشتنا على الأرض وأطلق أعيننا ثم أجسادنا إلى الفضاء معني فقط بهذا السؤال: «كيف نحن هنا؟» واحتراماً لجلال العلم ورحمة بنفوسنا، لربما نتوقف عند هذا السؤال دون تعديه لعذابات الأسئلة الأخرى، هل نستطيع؟
٭ البيت لأبي الطيب المتنبي
لهوى النفوس سريرة لا تعلم
رقم القصيدة : 5675 نوع القصيدة : فصحى ملف صوتي: لا يوجد
لهَوَى النّفُوسِ سَرِيرَةٌ لا تُعْلَمُ عَرَضاً نَظَرْتُ وَخِلْتُ أني أسْلَمُ يا أُختَ مُعْتَنِقِ الفَوَارِسِ في الوَغى لأخوكِ ثَمّ أرَقُّ منكِ وَأرْحَمُ رَاعَتْكِ رَائِعَةُ البَياضِ بمَفْرِقي وَلَوَ انّهَا الأولى لَرَاعَ الأسْحَمُ لَوْ كانَ يُمكِنُني سفَرْتُ عن الصّبى فالشّيبُ مِنْ قَبلِ الأوَانِ تَلَثُّمُ وَلَقَدْ رَأيتُ الحادِثاتِ فَلا أرَى يَقَقاً يُمِيتُ وَلا سَوَاداً يَعصِمُ وَالهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحَافَةً وَيُشيبُ نَاصِيَةَ الصّبيّ وَيُهرِمُ ذو العَقلِ يَشقَى في النّعيمِ بعَقْلِهِ وَأخو الجَهالَةِ في الشّقاوَةِ يَنعَمُ وَالنّاسُ قَد نَبَذوا الحِفاظَ فمُطلَقٌ يَنسَى الذي يُولى وَعَافٍ يَنْدَمُ لا يَخْدَعَنّكَ مِنْ عَدُوٍّ دَمْعُهُ وَارْحَمْ شَبابَكَ من عَدُوٍّ تَرْحَمُ لا يَسلَمُ الشّرَفُ الرّفيعُ منَ الأذى حتى يُرَاقَ عَلى جَوَانِبِهِ الدّمُ يُؤذي القَليلُ مِنَ اللّئَامِ بطَبْعِهِ مَنْ لا يَقِلّ كَمَا يَقِلّ وَيَلْؤمُ وَالظّلمُ من شِيَمِ النّفوسِ فإن تجدْ ذا عِفّةٍ فَلِعِلّةٍ لا يَظْلِمُ وَمن البَليّةِ عَذْلُ مَن لا يَرْعَوي عَن جَهِلِهِ وَخِطابُ مَن لا يَفهَمُ وَجُفُونُهُ مَا تَسْتَقِرّ كَأنّهَا مَطْرُوفَةٌ أوْ فُتّ فيها حِصرِمُ وَإذا أشَارَ مُحَدّثاً فَكَأنّهُ قِرْدٌ يُقَهْقِهُ أوْ عَجوزٌ تَلْطِمُ يَقْلَى مُفَارَقَةَ الأكُفّ قَذالُهُ حتى يَكَادَ عَلى يَدٍ يَتَعَمّمُ وَتَراهُ أصغَرَ مَا تَرَاهُ نَاطِقاً، وَيكونُ أكذَبَ ما يكونُ وَيُقْسِمُ وَالذّلّ يُظْهِرُ في الذّليلِ مَوَدّةً وَأوَدُّ مِنْهُ لِمَنْ يَوَدّ الأرْقَمُ وَمِنَ العَداوَةِ ما يَنَالُكَ نَفْعُهُ وَمِنَ الصّداقَةِ ما يَضُرّ وَيُؤلِمُ أرْسَلْتَ تَسألُني المَديحَ سَفَاهَةً صَفْرَاءُ أضْيَقُ منكَ ماذا أزْعَمُ فلَشَدّ ما جاوَزْتَ قَدرَكَ صَاعِداً وَلَشَدّ ما قَرُبَتْ عَلَيكَ الأنجُمُ وَأرَغْتَ ما لأبي العَشَائِرِ خالِصاً إنّ الثّنَاءَ لِمَنْ يُزَارُ فيُنْعِمُ وَلمَنْ أقَمْتَ على الهَوَانِ بِبَابِهِ تَدْنُو فيُوجأُ أخْدَعاكَ وَتُنْهَمُ وَلمَنْ يُهِينُ المَالَ وَهْوَ مُكَرَّمٌ وَلمَنْ يَجُرّ الجَيشَ وَهْوَ عَرَمْرَمُ وَلمَنْ إذا التَقَتِ الكُماةُ بمَأزِقٍ فَنَصِيبُهُ مِنْهَا الكَميُّ المُعْلِمُ وَلَرُبّمَا أطَرَ القَنَاةَ بفَارِسٍ، وَثَنى فَقَوّمَهَا بِآخَرَ مِنْهُمُ وَالوَجْهُ أزْهَرُ وَالفُؤادُ مُشَيَّعٌ وَالرّمْحُ أسمَرُ وَالحُسامُ مُصَمِّمُ أفْعَالُ مَن تَلِدُ الكِرامُ كَريمَةٌ وَفَعَالُ مَنْ تَلِدُ الأعَاجِمُ أعجمُ |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 03 مايو 2019, 7:42 am | |
| في حديث مع إحدى الصديقات سألتها، في مشاغبة فلسفية، لماذا تودين الذهاب للجنّة؟ نظرت إليّ نظرة مستغربة وكأن السؤال لم يسبق أن خطر لها على بال. تلعثمت بعدها بكلمات عدة عن السعادة والرفاهية، عن الفواكة والحدائق الغنّاء، عن القصور والأنهار. قلت لها، لا يمكن أن تكون تلك هي كل القصة، فالحديقة ستملينها بعد فترة، والقصر لن يكون له طعم إذا ما لم يكن هناك عناء ما يشعرك بطعمه، إلا أنها أكدت أن المشاعر ستكون غير المشاعر، وأن الملل والحزن والقلق والغيرة لن تكون كلها من ضمن مكوناتنا النفسية البشرية عندئذ. سألتها، ما سيُعَرّف إنسانيتنا إذاً؟ إلا أن هذا السؤال لم يلق اهتماماً ولم يحظ بنصيب من النقاش، حيث إن موضوع الغيرة سرعان ما طغى وجذب بقية السيدات للحديث واللواتي اشتكين استتباب هذه الغيرة في القلوب تجاه الوعود الأخروية للرجال بحور العين والجوارِ الحسان. تطور الحديث إلى موقع النساء في الجنة ودرجة استمتاعهن بها إذا كن سيبعثن زوجات للأزواج الدنيويين أنفسهم، وإذا ما لم يكن لهن نصيب في المتع الجسدية الموعود بها الرجال، حيث وصل بنا الحوار إلى استنتاج أن الرغبة في الجنة هي في أساسها رغبة في تفادي النار وعذاباتها المهيبة. كل العمل والاجتهاد الدنيوي هو في النهاية يُقَدّم تفادياً لهذا الحرق والتعذيب الجسدي الذي لا يمكن تخيله وليس طمعاً في المتع الموصوفة التي ليس للنساء منها نصيب كنصيب الرجال. لربما هنا تكمن المعضلة الفلسفية، التي لا تنحصر في القراءة الإسلامية فقط وإنما تتصل في قراءات كل الأديان الإبراهيمية، والتي لاحظها علي بن أبي طالب، على سبيل المثال، حين كان يدعو الخالق ألا يجنبه النار خوفاً منها وألا يوصله الجنة طمعاً فيها، فالأسس الأخلاقية التي تبنى على التخويف تتحول إلى أسس مصلحية، مفادها تجنب ضرر والاستحواذ على فائدة، وتلك أسس في حد ذاتها تتنافى والمنطق الأخلاقي الذي يفترض أنه يقدم الاختيار على أساس فضله وفضيلته وإنسانية مداه، لا على أساس منفعته.
أغلبية البشر لا يزالون قادرين على تقديم بعض الاختيارات الأخلاقية حتى ولو اضطروا لفلسفة الثواب والعقاب الناتجين عنها.
وفي حين أن العديد من المفكرين الدينيين حاولوا فلسفة مفهومي الجنة والنار كمفهومين نفسيين أو تعبيريين، إلا أن ثقلهما كمكانين ماديين لاحقين لهذه الحياة، هو المحرك الرئيسي للكثير من التصرفات ليس الأخلاقية فقط منها ولكن غير الأخلاقية على قدم المساواة، فالانتحار في العمليات الإرهابية ذات المنطلقات الدينية، على سبيل المثال، هو اختيار مدفوع بتوق للجنة وملذاتها وبتفاد للنار وأهوالها. هذا الخوف وذاك التوق هما ما يحولان العلاقة بين الإنسان واختياراته إلى علاقة منفعية، وهي علاقة ستستشري في بقية جوانب حياة الإنسان، فتصبح اختياراته في العموم قائمة على منفعته لا على أخلاقية هذه الاختيارات. هنا لا بد من الإشارة إلى أن الأخلاق في بداياتها، كما يرى علماء الإنسان، قد تكونت على أساس المنفعة، لا تسرق حتى لا تُسرق، لا تقتل حتى لا تُقتل، إلا أن تطور الوعي الإنساني أخذ دوافع هذه الأخلاق إلى مرحلة أبعد من المنفعة والمحافظة على البقاء، وهي درجة يحتاج الخطاب والتفسير الدينيان إلى مراعاتها واللحاق بها. لكن الملحوظ هو أن أغلبية البشر لا يزالون قادرين على تقديم بعض الاختيارات الأخلاقية حتى ولو اضطروا لفلسفة الثواب والعقاب الناتجين عنها، ففي حين أن هناك مثلاً قراءة صريحة بقتل المرتد في الإسلام، إلا أن الكثير من ملتزمي الإيمان يرفضون هذه الفكرة بغريزتهم الطبيعية، متطلعين لقراءات أكثر حداثة وإنسانية في تواؤمها مع الزمن ومعطياته، فتجدهم يحاولون إيجاد المخارج لرفض هذه الفكرة ولتغيير مفهومها، وهو بالتحديد ما ينبغي أن يكون عليه التوجه الفكري في الأديان، وما يجب أن يكون عليه فعل المؤمنين المعاصرين في جميعها، وخصوصاً مع طواعية النصوص الدينية (المسيحية والإسلامية على وجه الخصوص) وقبولها بالقراءات التجديدية الناجعة التي يمكن لها أن تأخذ الفهم البشري لهذه المنظومات الدينية خطوات رائدة للأمام، المسيحية في ذلك مثالاً. ولربما يجب البدء أولاً من فكرة المنظومة العقابية التقليدية التي يجب أن تتحول إلى منظومة أخلاقية العمق لا تهديدية الفحوى، حيث لا يفترض أن يكون التهديد بنار أو الترغيب بجنة ومتعها هما الصانعان للمؤمن الجيد وللإنسان الجيد، وإنما يجب أن تكون هي المنظومة الأخلاقية المقنعة والتعليم الإنساني المبكر اللذين يمكن لهما أن يبنيا إنساناً أخلاقياً حقيقياً، يختار بوعي مبدأه مع مراعاة لمصلحته. هل سيتسبب ذلك في ذوبان الغراء القيمي الذي يقيم ظهر المنظومة الإنسانية؟ هل سيخرج الناس للشوارع نهباً وسرقة وقتلاً واستباحة فيما لو تغيرت فكرة التهديد بالنار؟ لربما يكون هذا موضوع مقال مقبل |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 03 مايو 2019, 7:43 am | |
| كوكب آخر كنت قد أنهيت مقالي السابق بسؤال حول مصير الأخلاق الإنسانية في حال اختفاء فكرة العقوبة الدينية أو على الأقل في حال تغيير طبيعتها؛ أن ماذا سيكون مصير المنظومة الأخلاقية البشرية إذا ما تم تغيير تفسير مفهوم عقوبة الحرق بالنار تواؤماً مع المنطلقات الإنسانية لمفهومي الثواب والعقاب وتصالحاً مع المنطلقات المنطقية لحقيقية الأخلاق الكامنة في حرية اختيارها لا القسر عليها تخويفاً وترهيباً؟ ماذا لو تم تبني التفسيرات الأكثر فلسفية والأقل حرفية لفكرة النار وعذاباتها لتحرير إرادة البشرية من الخوف، وبالتالي تشكيل منظومة أخلاقية قوية مبنية على حرية الإرادة والاختيار لا على الخوف والمحاولة المستمرة المرتعبة لتفادي الحرق؟ ترى هل سيجن جنون الناس وتنتشر الجريمة ويستفشي الشر وتتهدد المنظومة الأخلاقية في حال اختفاء القسر العقابي وتمكين حرية الاختيار؟ هل هناك حالياً مجموعات بشرية تحكمها منظومات أخلاقية متحررة من التهديد بعقوبة والتمكين بالخوف؟ تعد اليابان إحدى أكثر الدول مدنية وعلمانية في مجالها العام، وعلى الرغم من قوة منظومة العادات والتقاليد ذات البذور عميقة الغرس في الأيديولوجيات الدينية اليابانية المختلفة والقديمة قدم البشرية تقريباً، إلا أن اليابانيين نجحوا في تحييد الدين وتطويقه في المجال الخاص باعتباره ممارسة روحانية مرتفعة الخصوصية بين الإنسان والقوى العليا. وعلى الرغم من هذا الفصل التام بين المدني والديني، وبين السياسي والروحاني، وعلى الرغم من غياب الخطاب العقابي في المجال العام، حيث لا تهديد ولا وعيد بأي نوع من أنواع التعذيب المرعبة المختلفة، إلا أن الحياة اليابانية هي حياة عميقة الغرس الأخلاقي، يلتزم فيها الفرد إلتزاماً خلاباً مثيرأً للإعجاب بالمنظومة الأخلاقية العامة المتفق عليها والمقننة مدنياً. يأتي غياب التهديد العقابي في الأيديولوجيات اليابانية من الفكر الفلسفي للأديان القديمة المختلفة، بدءاً من الشنتو وربما ما قبلها من أديان مرتبطة تمام الارتباط بالطبيعة، ووصولاً إلى البوذية التي تعتمد جميعها على فكرة تحقيق هدف سام من الوجود الإنساني، تركيزاً على الكيفية التي يحيا بها الإنسان بشكل فاضل أخلاقي في هذه الحياة بعيداً عن فلسفة الحياة الأخروية.
لقد أصبحت المنظومة الأخلاقية جزءاً لا يتجزأ اليوم من السمعة اليابانية ومن تكوين مفهوم الشرف المجتمعي عندهم، فالشرف ليس مظهراً، والشرف ليس امرأة مكنونة عذراء، الشرف الياباني هو تصرف ومعاملة واحترام للوجود والاختلاف الإنسانيين.
وبمقارنة سريعة بين دولتين مختلفتي التوجه الديني، وهما اليابان والولايات المتحدة، نجد في وقت الكوارث أن أعلى نسبة من التخريب والتكسير والسرقات تحدث في الولايات المتحدة المرتفعة نسبة التدين، في حين أن أقلها يحدث، إن حدث أصلاً، في اليابان صارمة العلمانية، حيث نقل الإعلام العالمي أنه وبعد كارثة التسونامي الضخمة في اليابان والتي وقعت في 2011 وتركت الناس مشردين بعد تحطم منازلهم وضياع أملاكهم، شوهد هؤلاء اليابانيون يقفون في طوابير طويلة عند مراكز الإيواء والمساعدات الحكومية للتحصل على كيس خبز، في حين تنتشر في الشوارع وحول طوابيرهم الطويلة الأجهزة الإلكترونية وبعض الأشياء الثمينة التي تبعثرت وتناثرت من المحلات والبيوت إثر الهجوم التسونامي الكاسح. لم يفكر أحد في مد يده على شيء ليس له ملقى في الشارع، التزاماً من الجميع «بالكود» الأخلاقي العام بصرامة وإصرار، حيث لم يتم الإبلاغ عن حالة سرقة أو عنف واحدة إبان هذه الكارثة، ليثبت اليابانيون للعالم أن اليابان كوكب آخر منفصل بالفعل. لم يكن دافع اليابانيين دينياً، لم يكن ما منعهم هو خوف من عقوبة أو رغبة في مثوبة، كان الدافع أخلاقياً بحتاً، وكان المانع هو ضمير ووعي تدربا بصرامة على احترام الآخر وحقوقه وتقديس المنظومة الأخلاقية التي، كما يؤمن اليابانيون، تضمن بقاء الجميع واستمرارهم. لقد أصبحت المنظومة الأخلاقية جزءاً لا يتجزأ اليوم من السمعة اليابانية ومن تكوين مفهوم الشرف المجتمعي عندهم، فالشرف ليس مظهراً، والشرف ليس امرأة مكنونة عذراء، الشرف الياباني هو تصرف ومعاملة واحترام للوجود والاختلاف الإنسانيين. لا أدعي بكل تأكيد أن كل ياباني يسير على هذا الطريق، ولكنها المنظومة الأخلاقية اليابانية الصارمة التي تشكل ظاهرة غاية في التفرد لتشمل أكبر عدد من المواطنين اليابانيين، هي التي تبرر الحديث بهذا القدر من التعميم. لم يحتجِ اليابانيون إلى تهديد أو وعيد حتى يلتزموا بقواعدهم الأخلاقية، احتاجوا تدريباً وإقناعاً وغرساً ضمائرياً عميقاً وبرمجة صارمة عسيرة التفكيك، ليتحولوا إلى هكذا شعب صارم الأخلاق عصي على التصرف المبتذل، ملتزم مهما كلفهم الالتزام ومهما تبدت لهم من فوائد لكسر شفراتهم الأخلاقية. ما هو الفرق بيننا وبينهم؟ الفرق هو أن التهديد والوعيد والتخويف مؤقت الأثر، بمرور الزمن تقل حدة تأثيره، ليجد الناس طرقاً مختلفة للالتفاف عليه للتمكن من الاستمرار في حياتهم فكاكاً من قبضة الرعب من أنواع العذاب المختلفة الموعودين هم بها. من أوضح وأهم طرق الالتفاف هذه هي الفتاوى الغرائبية المختلفة التي يمكن من خلالها لرجال الدين «الرجال» المؤمنين أن يحققوا رغباتهم تحرراً من الخوف من العقوبة الأخروية، حيث ترتفع نسبة المخارج الشرعية الغريبة، خصوصاً للرجال، والتي تمكنهم من تحقيق أغراضهم، مهما بدا من عدم أخلاقياتها أحياناً، دون قلق. هذا الأسلوب يعزز فكرة أن «الغاية تبرر الوسيلة» ويغرس عميقاً التوجه الالتفافي الذي يبدو هو الوحيد القادر على مقاومة رعب المنظومة العقابية الأخروية، ليتحول العديد منا إلى مراوغين متحينين الفرص لتحقيق الأهداف مهما كانت غير أخلاقية، إلا أن البحث الفلسفي لمنظومة الفكر الديني يشير إلى إشكالية أخرى لربما تكون ذات عمق أكبر، ولربما تكون هي موضوع المقال المقبل. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 03 مايو 2019, 7:43 am | |
| طماطم
تحدثت في المقال السابق عن اليابان كنموذج أخلاقي مميز يؤكد عدم ارتباط الأخلاق مباشرة بالدين، حيث تعد اليابان أحد أقل المجتمعات دعماً لمظاهر التدين في الحيز العام في الزمن الحديث، وأكثرها انضباطاً أخلاقياً لحد وصفها بكوكب آخر منفصل عن هذه الكرة الأرضية وجنسها البشري. بلا شك، هناك تأثير عميق للأديان القديمة على الأيديولوجية اليابانية الحديثة، إلا أن المثير للانتباه هو أن هذه الأديان القديمة في معظمها كانت أدياناً فلسفية دنيوية تتعامل مع مفاهيم الحياة الدنيا ولا تتطرق كثيراً لا للطريق إلى ولا للمصير الذي سيكون بعد الموت. بعض المفكرين المعاصرين لا يكتفون بالقول بعدم وجود ارتباط مباشر بين استتباب الأخلاق في مجتمع ما وتديّنه، بل يوعزون إلى أن التدين، في أحيان وارتباطاً بحالات معينة، يمكن له أن يضعف المنظومة الأخلاقية ويبتعد بالمجتمع عموماً عن ممارساتها. يرى هؤلاء المفكرون أولاً أن وجود نظام ديني به مخارج تسهيلية أو تبريرية يضعف المنظومة الأخلاقية، فعلى سبيل المثال نظام الاعتراف المسيحي يعمد إلى تقليل الشعور بالذنب والمسؤولية، مخلياً تاريخ الإنسان من «آثامه» ومبيضاً صفحته، لينطلق مع أخطائه من جديد وليعود بها مرة أخرى إلى الكنيسة معترفاً ومخلياً طرفه منها ومن تبعاتها. في الإسلام، تقدم فكرة ولادة الإنسان من جديد بعد الحج نفس الشعور بإخلاء الطرف، إلا أن المنظومة الإسلامية أكثر تعقيداً وتشدداً في تحميل الإنسان مسؤولية أعماله، في اقتراب أكبر من الأيديولوجية اليهودية عنها من المسيحية. العامل الإسلامي الأكثر تأثيراً في موضوع التبرير والتسهيل قد يتمثل في منظومة الفتاوى التي نجدها تُفَصّل أحياناً تفصيلاً دقيقاً للتواؤم والحاجات التبريرية لدى البعض، خصوصاً فيما يخص الرغبات والنزوات الرجالية. كنت قد أثرت في مقال سابق كذلك مثال فتاوى السماح بالاستيلاء على أموال «الكفار» لمن يحيا من المسلمين في الغرب، مما نشر الفكرة المجحفة وغير العادلة بانعدام أمانة وخطورة التعامل مع المسلمين الذين يحيون في أوروبا وأمريكا، فالقليل يسيء للكثير، وقطعة طماطم فاسدة واحدة كفيلة بتلويث سمعة بقية الطماطم ونشر رائحة الفساد إلى أبعد الحدود. المنطلق الثاني لرأي المفكرين حول ارتباط التدين المجتمعي أحياناً بالبعد عن الالتزام الأخلاقي يكمن في الشعور العارم بالأمان الذي يحيط المتدين نفسه به (دون تعميم هنا أو في أي موقع آخر في المقال) حيث يتشكل هذا الشعور بالأمان من منطلقين، الأول يكمن في الثقة بالوصول للجنة مهما بلغت درجة الآثام والذنوب، فبعد تلقي العقوبة الجحيمية على هذه الآثام والذنوب وطالما توفر الإيمان بالله، سيكون مصير المؤمن الجنة ونعيمها. هذا الوعد يشكل وسادة يتكئ عليها المتدين قرير العين بوصوله للمثوبة ولو بعد حين مهما بلغت درجة الآثام، طالما أنه لم يشرك بالله. في المسيحية الرب يحبك ويحميك بذنوبك وآثامك، وفي الإسلام أنت للجنة ونعيمها طالما لم تشرك بالله أحداً. أما المنطلق الثاني فيتشكل في الشعور بالفوقية الذي يجتاح المؤمن وبالشعور الدائم بالثقة أنه طالما يتبع الأوامر الدينية ويستفيد من مخارجها الشرعية فليس عليه حرج. يتخذ المتدين من ممارساته التعبدية درعاً واقية ومصدراً للحماية، بل وللشعور بالفوقية: أنا أفضل لأنني على طريق الحق المطلق، وعليه أياً كانت ذنوبي سأجد الطريق للخلاص. هذه الأفضلية تقلل من التواضع النفسي والمعرفي وتدفع بالإنسان لثقة أعلى من المعدل الطبيعي المقبول مبررة له تعدياته وأخطاءه، ومطمئنة له أن لديه منظومة دينية له أن يتكئ عليها ويستخدم مبرراتها ويتطهر بتعبداتها، فلا خطأ لا يمكن تجاوزه ولا سقطة أخلاقية لا يمكن محوها إلا وتمحوه المنظومة الدينية، بل وتغلفه بغلاف فوقي يعليه عن بقية الناس درجة، مبررة أخطاءه، مهونة تأثيرها، ولربما يتجلى خير مثال على هذه النقطة في التاريخ الاستشكالي الأخلاقي للكنيسة الكاثوليكية وما برز خلال هذا التاريخ من معضلات أخلاقية عويصة. طبعاً، وكما ذكرت سابقاً، لا يمكن التعميم مطلقاً في حالات الحكم على الأخلاق الإنسانية، إلا أن هناك صوراً تتحول إلى ظواهر تبيح هذه التحليلات التي تحمل شبهة التعميم. لم يرتبط الفساد في معظم الأحيان بالمجتمعات الغارقة في المحافظة والتدين؟ لماذا تتشدد المنظومة الأخلاقية في المجتمعات المحيدة للدين والمعتمدة في جل أمورها على منظومة أخلاقية دنيوية؟ لربما لغياب الشعور بالأمان، والأثر الأقوى على المجتمعات غير المعتمدة على منظومة دينية في تسيير حياتها الدنيوية، ما يجعلها في قلق دائم على مصيرها، ويربطها برباط موثق من الأخلاق والمبادئ التي بلا وجودها القوي، تعلم هذه المجتمعات، ستنهار هذه المنظومة وسيتهدد كل أفرادها. ليس لهذه المجتمعات وسائد شرعية يتكئون عليها ولا مصطبات دينية فوقية يصعدون بها علواً على الآخرين. ليس لهذه المجتمعات سوى قواعدهم الأخلاقية الدنيوية التي تحكم علاقاتهم وتنظمها، والتي بها وحدها يتطور مجتمعهم وتستقر أموره. القلق من المسؤولية والعمل الدائم والشعور بالتواضع النفسي بل والأخلاقي وحتى الديني، كلها من أهم ما يحكم النفس البشرية ويبقيها في موقعها المستحق. ليس المقال بكل تأكيد دعوة للبعد عن المنظومة الدينية، فحتى أعتى المجتمعات علمانية لها قاعدة دينية واضحة، ولا هو لإثبات أي تناقض بين التدين والأخلاق، إنما يرمي هذا المقال للإشارة إلى أن استتباب الاثنين، التدين والأخلاق، يتطلب الاعتماد على المنظومة المدنية التي تحكمهما وتبقيهما متوازنين، تأكيداً على ضرورة تحييد الأول (الدين) في المجال العام ليتمكن الآخر (الأخلاق) من الازدهار دون مشاعر فوقية، وعودة للفكرة الأولى، دون خوف من عقوبة أو رغبة في مثوبة، بل من أجل المبدأ الخالص والخلق المستحق. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب السبت 12 أكتوبر 2019, 10:58 am | |
| مفارقات نفسية
د. ابتهال الخطيب في مقابلة أخيرة لي عبر تطبيق «بودكاست» صوتي ومصور عبر «يوتيوب»، تكلمت عن ضرورة وجود قراءات دينية جديدة، خصوصاً فيما يتعلق بالمسائل الحياتية الاجتماعية للمرأة، لا بد من رؤى دينية جديدة في مواضيع الطلاق والإرث والحضانة وغيرها تنظر إلى الجنسين بعين المساواة، على أنهما كائنان إنسانيان دون تفرقة على أساس الجنس. بالتأكيد، أثار هذا الرأي -كما فعل سابقاً وكثيراً عند طرحه- ردود فعل قوية وغضباً كبيراً، وهما مفهومان تماماً ومتوقعان ومقدران، إلا أن غير المفهوم، رغم أنه متوقع كذلك، هو كمية السب الذي يصل حد القذف تجاه أي رأي حول قراءة دينية خارجة عن المألوف. أسباب هذه المنهجية غير مجهولة، وأغلبها مبعث للتعاطف في الواقع لا الغضب، فالعنف الجسدي واللفظي لا يستدعيه سوى خوف عارم أكاد أستشعره في قلوب المتدينين المعارضين لهذا التوجه، هو عارض لخوفهم على عقيدتهم وصورة من صور حمايتهم لها، فالخوف أكبر دافع للعنف. كل هذا أعرفه وأتفهمه، إلا أن الغريب والمتناقض -مرة أخرى رغم فهمي للدوافع- هو أن ينتهج الإنسان منهجاً «غير أخلاقي» للدفاع عن «منظومته الأخلاقية»، أليس التناقض واضحاً؟ ألا تفلق المفارقة عين الشمس؟ من التعليقات الواردة المتكررة كذلك تعليق أنني لست ذات صفة «دينية علمية» للحديث عن الفحوى الديني، وهو تعليق يستحق التأمل بحق، فمنطق حكر قراءة النص الديني وتفسيره على «المختصين» الذين هم عادة «كهنوت» ذكوري (وإن كانوا أحياناً إناثاً بيولوجياً) هو أحد أقدم الحجج الشمولية الديكتاتورية التي يقبض من خلالها «الكهنة» على أعناق البشر ليسيروهم في الطريق الذي يختارون، ومع ذلك، لا تزال هذه الحجة الموغلة في القدم والتخلف مطروحة ومن الأفراد العاديين بحد ذاتهم، وكأنهم يسلبون من أنفسهم حق التفكر والتدبر والنظر في النظام الأخلاقي الذي «اختاروا» أن يعيشوا حياتهم وفقه. أحد المعلقين أرادني أن أبقى «شجاعة وجسورة» فإما «نقبل بكلام الله وحكمه. . . أم لا نقبل، ونسعى لتشريع مدني نرتضيه نحن ولا نلزم نفسنا لا بقرآن أو إنجيل أو غيرهما». هنا تظهر إشكاليتان: الأولى تتجلى في سؤال حول مصدر معرفة هذا الشخص الكريم بحكم الله؟ كيف قرر أن تفسيراً معيناً في حد ذاته هو حكم الله دون غيره؟ أما الإشكالية الثانية فتتجلى في التسطيح الساذج للفكرة. فأنا هنا لا أقول بالسعي لقراءات متجددة للنص الديني حتى يتم التشريع طبقاً لها، فالتشريع طبقاً لأي تفسير لنص ديني مهما بلغت درجة تطور هذا التفسير وعدالته يحمل الإشكالية ذاتها من حيث إعلاء كلمة دين ما على ما عداه من أديان ومذاهب أخرى بين فئات الشعب الواحد، وعليه ممارسة تمييز ديني خطير العواقب. إنما المقصود هنا أن يكون التشريع المدني العلماني البحت، الذي هو الحل الأوحد الذي توصل له البشر حالياً لمعالجة معضلة الصراع الديني والمذهبي، مصحوباً بثورة فكرية تسانده وتثبت قواعد حكمه، وذلك عن طريق إعادة قراءة النصوص الدينية لتجديد فهمها وتفسيرها بشكل أكثر تواؤماً مع المنظور السياسي الديمقراطي الحضاري الحالي. ليس الهدف من إعادة قراءة النصوص الدينية هو التشريع على أساسها إذن، إنما الهدف هو تحقيق ثورة فكرية تنهض بالمجتمع من جهة وتعزز النظام السياسي المدني المحايد من جهة أخرى. تعليق طريف وصل من أحد المغردين، لامني فيه على تعليقي على الشتائم قائلاً: «منو قال إن المتدين لا يخطي ولا يسب، إذاً لماذا وجد الاستغفار والتوبة، إحنا مو أنبياء ولا رسل بشر فقط نخطي ونصيب…»، وهو تعليق رغم طرافة تبرير الشتائم فيه (وركاكة صياغته) إلا أن فيه جانباً أخلاقياً استشكالياً مهماً جداً، ألا وهو جانب المخرج الديني للأخطاء المؤثرة، حيث ينتاب المؤمن شعور مستمر بالأمان؛ أن مهما أخطأ فإن هناك استغفاراً يمسح خطاياه، أو نظاماً معيناً «يصفر له عداد الحساب». إن هذا الشعور بالأمان في ارتكاب الخطأ يتأتى دوماً من شعور بالفوقية، فأنا أحق بارتكاب الخطأ أولاً لإنني دوماً على حق، والغاية تبرر الوسيلة مهما ساءت، وثانياً لأن لدي مخرجاً يمسح هذا الخطأ مهما كان مؤذياً أو خارجاً. مبهرة جداً هذه الفكرة التي تبرر ارتكاب كثير من الشنائع تحت مبرر الحفاظ على المنظومة الدينية وبحماية من «سيستم» فيها يمسح هذه الشنائع ويخلص الإنسان منها، فكرة مذهلة تبين كيف يستطيع الإنسان أن يكيف بأريحية المخارج التي تمكنه من ارتكاب أخطائه وتبريرها، بل واستحسانها إن استدعى الأمر. أما أحد أكثر التعليقات سذاجة فقد أتت سائلة، بعد التأكيد مرة أخرى على شجاعتي التي لا أعرف فائدة الإشارة المتكررة لها من قبل المغردين، عن مدى محبتي لصحابة معينين. تمعنت كثيراً في السؤال الذي طرح تساؤلاً حقيقياً في نفسي: لو أنني فعلياً في مكان السائل، أفكر من منطلقاته وأشعره بنفسيته، ترى.. ما كان يهمني من إجابة هذا السؤال؟ ما أهمية أن أحب أو لا أحب أفراداً معينين؟ كيف سيجعلني ذلك أكثر أو أقل إيماناً؟ وما أهمية إيماني من عدمه أصلاً للسائل الذي لا يعرفني، وربما لن يراني في يوم؟ إلا أن الجانب الأهم من السؤال هو أن صاحبه يعرف أن الرد العلني عليه لا يحتمل سوى إجابة واحده، فغيرها قد يوردني المهالك، فما فائدة طرح سؤال لا يملك الطرف الآخر حرية الرد الحقيقي والمستريح عليه؟ كيف سيكون للإجابة تأثير إذا لم تكن هناك بيئة تتيح ظهورها بصدق وأريحية؟ كيف سيحكم السائل على صدق أو كذب الإجابة أصلاً وهي لا تحتمل إلا وجهاً واحداً؟ أتفهم منطلقات كــــل هؤلاء المتواصلين، لكنني لا أزال، حقيقة، مبهورة بتوجهاتهم التي تشكل مادة جيدة للبحث النفسي العلمي: لماذا نحارب حروباً أخلاقية بشكل غير أخلاقي؟ كيف نتجرأ على تبرير لا أخلاقياتنا بدافع من إيماننا بأخلاقية الموضوع محل الدفاع؟ كيف نرضى بتحقيق انتصارات عن طريق إسكات وإحراج الآخرين وتعريضهم للخطر؟ غريبة العقلية المتدينة العربية، فهي أحد أواخر العقليات التي لا تزال تحمل السيف لنشر العقيدة في القرن الحادي والعشرين. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب السبت 18 يناير 2020, 6:15 pm | |
| حوار القرن الثامن عشر د. ابتهال الخطيب
تعليقاً على مناظرة لي حول العلمانية عمرها يقترب من السنتين، كتبت المغردة خولة تقول على «تويتر»، رابطة بين مناظرتي ومناظرة أخرى، إنها جميعاً تؤكد «ضعف وهشاشة العلمانية وموقفها التعيس في العالم على مر التاريخ»، وحين سألتها عن معنى الموقف التعيس للعلمانية على مر التاريخ، استشهدت بمقطع للدكتور المتناظر حول الموضوع (في المناظرة الأخرى وليس مناظرتي)، الذي يشير إلى هتلر وماوتسونغ وستالين، متسائلاً «هؤلاء علمانيين أم مطاوعة؟» مشيراً إلى جرائمهم التي ربطها لسبب ما بإلحادهم المزعوم، وهذا خطأ تاريخي شائع، وبالنظام العلماني، وهذا ربط للحابل بالنابل. كتبتُ أردُّ على المغردة، قائلة: «لا شيء مما قاله الدكتور، مع احترامي له، صحيح.. أولاً. ولا علاقة بين الفاشية والنازية والعلمانية أبداً.. ثانياً. تركيا علمانية ومسلمة، أمريكا علمانية ومسيحية بروتيستانتية، أسبانيا علمانية وكاثوليكية، أي علاقة يطرحها الدكتور؟». مع الاعتذار عن توصيف الدول بالتدين، فالأشخاص هم من يحملون التوصيف الديني لا الدول في الواقع. في ردها على سؤالي حول العلاقة بين العلمانية والفاشية، ردت خولة قائلة: «علاقة فصل الدين عن الدولة وعدم وجود رادع لممارسة الإجرام، بحكم أن العلمانية لا تأمر بالإجرام لكن لا تمنعه». الحقيقة جاء ردها على قدر ما هو غريب بقدر ما هو متردد في أذهان الناس الذين يعتقدون أن العلمانية هي نظام شامل يحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية ويشفي المريض ويفك السحر، وبقدر ما يسوق لنا التاريخ والحاضر المرئي الآن من أمثلة وإثباتات بأن العلماينة إنما هي جزئية بسيطة، حين يتم تطبيقها سياسياً، من السياسة المنظورة في الدولة، وهي جزئية متعلقة بحل مشكلة التمييز الديني، فقط لا غير، وأنها معنية بكيفية التقليل من أثر التطرف في الدول المدنية الحديثة، وعلى قدر ما تبقى قناعات معادي العلمانية بسبب من «غربيتها» راسخة بأن العلمانية تمثل حلاً شاملاً «فاشلاً»، حيث يسوق هؤلاء أمثلة لدول فاشية نازية شمولية متطرفة، رابطين أنظمتها العنيفة بالعلمانية، وحين تسأل ما العلاقة يكون الرد كما ورد على لسان الدكتور «وهل كانوا مطاوعة؟». أولاً وقبل كل شيء، لا بد من تصحيح المعلومات التاريخية؛ هتلر مثلاً لم يكن ملحداً، والإلحاد أصلاً لا علاقة له بالعلمانية، ومن المخجل في الواقع إعادة تعريف العلمانية مراراً وتكراراً في مقالات لا يليق تكرارها في القرن الحالي، حيث عفا الزمن أصلاً على الحديث والتناظر حول العلمانية كمفهوم بات قديماً وأصبح متجذراً عميقاً في الوجدان المدني، حتى ما عاد هناك من حاجة لتسميته أصلاً، دع عنك التناظر حوله. لكننا شعوب سمعية، نكرر ما نسمع ونتناقل كأنه لعنة لا تحل عنا مطلقاً. يعرّف هتلر نفسه في كتابه «قصة كفاحي» على أنه مسيحي، وهو وحزبه كانوا يروجون «للمسيحية الإيجابية» كما يشير إليها موقع ويكيبيديا. إلا أن انتماء هتلر هذا لا يعتبر اتهاماً للمسيحية، كما أن تطرف أسامة بن لادن لا يدين الإسلام، وكما أن الصهيونية لا ينبغي أن تسبغ على اليهودية. وعليه، فإن الادعاء كذباً أو جهلاً بإلحاد هتلر أولاً يضعف وجهة نظر المدعي، وهو ثانياً غير مطلوب مطلقاً. فسواء كان هتلر مسيحياً أو ملحداً، ما علاقة ذلك بالنظام العلماني، وأي ربط بين فكرة فصل التشريع الديني عن التشريع المدني، وبين نازية هتلر واعتقاده بتفوق الجنس الآري؟ اليوم تبرز الكثير من الدول ذات الطابع الاجتماعي الديني، مثل تركيا وأمريكا وإسبانيا والهند (إلى وقت قريب مع الأسف)، والتي تتبنى نظاماً سياسياً علمانياً، بمعنى أنها تفصل تشريعاتها القانونية عن ممارساتها الدينية الاجتماعية، فأي تنافر بين أن يكون الشعب متديناً وتكون قوانينه علمانية؟ وأي استفادة تتحقق من هذا التحوير المستمر في التاريخ من خلال ربط الدول الفاشية والشمولية بالعلمانية والادعاء بأن أبرز مجرمي الحرب في العالم علمانيون؟ ولو صدق هذا الادعاء، فما علاقة العلمانية بفاشيتهم وشموليتهم؟ لقد كان هتلر فناناً (رديء المستوى)، وكان ماو تسونغ شاعراً، وكذلك كان ستالين، فهل الفن والشعر نازيان وفاشيّا الصبغة؟ العلماينة ليست حلاً سحرياً، هي لا تقدم منظوراً اجتماعياً ولا حلولاً اقتصادية ولا آرء في التطوير التعليمي، هي لا تفلسف علاقات الدول الخارجية وطريقة تداولها لشؤونها الداخلية. العلمانية «يا دوب» تقول بأن يكون التشريع القانوني مدنياً بحتاً، وذلك حتى تقف الدولة على مسافة واحدة من الجميع، فلا يشعر مواطنوها بالتمييز، وكان الله غفوراً رحيماً. يمكن للدولة أن تكون علمانية وتمييزية كفرنسا، ويمكنها أن تكون علمانية وعنصرية كأمريكا.. يمكنها أن تكون علمانية وذات طابع ديني قوي كتركيا وإسبانيا وتونس.. يمكنها أن تكون علمانية وذات نظام حقوقي إنساني قوي كالدنمارك والسويد.. يمكنها أن تكون علمانية (وإن جزئياً) وفاشلة اقتصادياً كاليونان.. قد تكون علمانية متراجعة كالهند، أو علمانية شمولية، علمانية ديموقراطية، علمانية رأسمالية، علمانية ماركسية، علمانية اشتراكية، علمانية متدينة (أي لجموع سكانها صبغة وحياة اجتماعية دينية قوية، أمريكا مثالاً)، ما لا يمكنها أن تكونه هو علمانية دينية، أي قائمة على نظام سياسي وقانوني ديني، وغير ذلك. كل التوصيفات الأخرى ممكنة لسبب بسيط، وهو أنه لا علاقة للعلمانية ببقية التصنيفات السياسية والاجتماعية والسياسية والدينية والحربية والتعليمية والإسكانية والصحية والمرورية وغيرها، لها علاقة بجانب واحد فقط: فصل السياسة عن التشريع الديني. وهتلر لم يكن ملحداً.. والإلحاد لا علاقة له بالعلمانية.. إي والله. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 07 يناير 2022, 10:38 am | |
| قيمة البشرية وأخيراً تم قبول الطعن المقدم في المحكمة الدستورية الكويتية بالمادة 198 من قانون الجزاء، التي تجرم «التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور»، حيث ستقوم المحكمة بالفصل في دستورية هذه المادة في نهاية الشهر الجاري. ولقد اقترح هذه المادة أحد النواب الإسلاميين في الكويت في سنة 2007 وهو ذاته مقترح حزمة من القوانين الكارثية، التي تم تمريرها إبان العصر الذهبي للردة الحضارية والانطفاءة التقدمية واستحواذ الإسلام-السياسي على الشارع الكويتي. لنا أمل كبير في قضاة هيئة المحكمة الدستورية بالحكم بعدم دستورية هذا القانون الكارثي، الذي كلف العديد من الأشخاص الكثير جداً جسدياً ونفسياً، والذي عرضهم لمخاطر جمة واضطهادات عنيفة واعتداءات حقوقية وخيمة، تماماً كما جعلهم عرضة للتقلبات المفاهيمية لرجل الشرطة المنوط به تفسير نص القانون المائع هذا، الذي يفتح باب التفسير الشخصي على مصراعيه. وعوضاً عن مد يد العون النفسي والطبي (لمن يحتاجه من المتسهدفين بهذا القانون أو من العابرين جنسياً)، وتوعية المجتمع بالحالة الفسيولوجية للعبور الجنسي وحقيقتها وطبيعية انتشارها بين البشر والتي تبدأ بنوع من الاضطراب الهوياتي الذي يشير لحدوث صراع داخل الجسد والذهن بحد ذاتهما، بدلاً من تنوير المجتمع بعلمية الحالات هذه وبضرورة قبول أصحابها مجتمعياً كأفراد طبيعيين، تكالب حماة الأمة على أفراد الأمة تكالباً دبر بليل، ليُدَق المسمار الأخير في نعش حقوق وسلامة الأفراد بتواطؤ الحكومة التي مررت القانون دون صعوبات تذكر. ولا أدري مدى تأثير مقولة أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، على هؤلاء الذين ذاقوا الأمرين، الذين زج بهم في سجون الجنس المخالف لجنسهم تعريضاً لهم لامتهانات واعتداءات لا نود حتى تخيلها. لا بد من تلاحق الأمر سريعاً وتعديله فورياً لإنقاذ ما ومن يمكن إنقاذه، وهذا أملنا في حكم المحكمة الدستورية المرتقب. إلا أن الموضوع لا يقف عند هذا الحد مطلقاً؛ فما يعادل أهمية حكم المحكمة الدستورية هو التنوير ومن ثم التغيير المجتمعي المطلوب، ليسهم المجتمع في حماية، لا اضطهاد، هذه الفئة التي أتت للدنيا بصعوبة لم تخترها ولم تسهم فيها. أول المطلوب هو توعية الناس، ببساطة ومباشرة، وذلك بتقديم معلومة علمية لهم تبين الفروق العلمية والاجتماعية بين مصطلحات مثل الميول الجنسية، العبور الجندري، العبور الجنسي، المثلية، العبور المظهري وغيرها، مثال على ذلك المعلومة المقدمة في هذا التقرير المنشور من قِبل الهيومان رايتس ووتش https://www.hrw.org/ar/report/2012/01/16/256284. طبعاً طريق هذا التوضيح بحد ذاته طويل ووعر، فهذه ثورة معلوماتية وعلمية واجتماعية ومفاهيمية وإنسانية لمجموعة من البشر غائرين في مفاهيمهم، متمسكين بها لأقصى حد، حقهم مطلق، ومفاهيمهم متصلبة، وتصنيفاتهم «الجنسية» صارمة وقطعية حيث تبنى عليها كل تبعات حيواتهم ومسؤولياتها. بعد التوضيح والفهم، ستأتي الخطوة الأصعب، التي تتحقق في التعايش والقبول، وهذه لربما ستبدأ بالحالات الأكثر وضوحاً وقطعية، كالعبور الجنسي وصولاً إلى الحالات الأقل وضوحاً واستيعاباً في العقل العربي للتنوعات الجندرية البشرية. الموضوع صعب جداً على المجتمع البشري عموماً، الذي اعتمد الانقسام الذكوري الأنوثي على أنه لربما أهم تصنيف بشري وأكثرها تأثيراً على كل مناحي الحياة، بل هو ما يرسمها ويحددها من أول أيامها لآخرها، بل وإلى ما بعد ذلك. فكيف سيكون الحال إذن مع هذه المجموعة من المجتمع البشري المتصلبة في مكانها، غير القادرة على مجرد فتح الباب للدراسات الجندرية البيولوجية الحديثة، بل وبعض الدراسات الحضارية التراثية القديمة، التي تشير إلى تعدد التصنيفات الجنسانية والجندرية وحقيقية وجودها منذ فجر ظهور البشرية على سطح هذه الأرض؟ إن هذا التعدد الهوياتي موجود في الواقع بين كل الكائنات الحية بلا استثناء، وهي المعلومة التي يتمسك بعكسها الكارهون وبكامل الجهل والغضب، ليثبتوا خطيئة وضع بيولوجي طبيعي موجود في كل صور الحياة على سطح الأرض. حان الوقت لأن نتحدى أنفسنا ومفاهيمنا القديمة، و»نقص» بعض الحق من عقولنا. الموضوع يخص شريحة كبيرة من البشر تعاني أبشع أنواع الاضطهاد وبشكل مزمن ومستمر في حياتها كل يوم. المطلوب الآن الاطلاع، والمواجهة، ومحاولة فهم «الآخر» المختلف، الذي عزله المجتمع مع سبق إصرار وترصد، موقعاً عليه كل صنوف التعذيب والتهميش والقمع المجتمعي والقانوني. لا بد للبشرية، حتى تكون الجنس المتحضر الذي يجب أن تكونه على سطح هذه الأرض، من أن تنصف وتحمي بني جنسها بكل تنوعاتهم واختلافاتهم. في هذا الاستيعاب وفي تلك الحماية تكمن قيمة البشرية وتتجلى إمكانية استمرارها… ولو إلى حين. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: د. ابتهال الخطيب الجمعة 07 يناير 2022, 10:38 am | |
| قيمة البشرية وأخيراً تم قبول الطعن المقدم في المحكمة الدستورية الكويتية بالمادة 198 من قانون الجزاء، التي تجرم «التشبه بالجنس الآخر بأي صورة من الصور»، حيث ستقوم المحكمة بالفصل في دستورية هذه المادة في نهاية الشهر الجاري. ولقد اقترح هذه المادة أحد النواب الإسلاميين في الكويت في سنة 2007 وهو ذاته مقترح حزمة من القوانين الكارثية، التي تم تمريرها إبان العصر الذهبي للردة الحضارية والانطفاءة التقدمية واستحواذ الإسلام-السياسي على الشارع الكويتي. لنا أمل كبير في قضاة هيئة المحكمة الدستورية بالحكم بعدم دستورية هذا القانون الكارثي، الذي كلف العديد من الأشخاص الكثير جداً جسدياً ونفسياً، والذي عرضهم لمخاطر جمة واضطهادات عنيفة واعتداءات حقوقية وخيمة، تماماً كما جعلهم عرضة للتقلبات المفاهيمية لرجل الشرطة المنوط به تفسير نص القانون المائع هذا، الذي يفتح باب التفسير الشخصي على مصراعيه. وعوضاً عن مد يد العون النفسي والطبي (لمن يحتاجه من المتسهدفين بهذا القانون أو من العابرين جنسياً)، وتوعية المجتمع بالحالة الفسيولوجية للعبور الجنسي وحقيقتها وطبيعية انتشارها بين البشر والتي تبدأ بنوع من الاضطراب الهوياتي الذي يشير لحدوث صراع داخل الجسد والذهن بحد ذاتهما، بدلاً من تنوير المجتمع بعلمية الحالات هذه وبضرورة قبول أصحابها مجتمعياً كأفراد طبيعيين، تكالب حماة الأمة على أفراد الأمة تكالباً دبر بليل، ليُدَق المسمار الأخير في نعش حقوق وسلامة الأفراد بتواطؤ الحكومة التي مررت القانون دون صعوبات تذكر. ولا أدري مدى تأثير مقولة أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً، على هؤلاء الذين ذاقوا الأمرين، الذين زج بهم في سجون الجنس المخالف لجنسهم تعريضاً لهم لامتهانات واعتداءات لا نود حتى تخيلها. لا بد من تلاحق الأمر سريعاً وتعديله فورياً لإنقاذ ما ومن يمكن إنقاذه، وهذا أملنا في حكم المحكمة الدستورية المرتقب. إلا أن الموضوع لا يقف عند هذا الحد مطلقاً؛ فما يعادل أهمية حكم المحكمة الدستورية هو التنوير ومن ثم التغيير المجتمعي المطلوب، ليسهم المجتمع في حماية، لا اضطهاد، هذه الفئة التي أتت للدنيا بصعوبة لم تخترها ولم تسهم فيها. أول المطلوب هو توعية الناس، ببساطة ومباشرة، وذلك بتقديم معلومة علمية لهم تبين الفروق العلمية والاجتماعية بين مصطلحات مثل الميول الجنسية، العبور الجندري، العبور الجنسي، المثلية، العبور المظهري وغيرها، مثال على ذلك المعلومة المقدمة في هذا التقرير المنشور من قِبل الهيومان رايتس ووتش https://www.hrw.org/ar/report/2012/01/16/256284. طبعاً طريق هذا التوضيح بحد ذاته طويل ووعر، فهذه ثورة معلوماتية وعلمية واجتماعية ومفاهيمية وإنسانية لمجموعة من البشر غائرين في مفاهيمهم، متمسكين بها لأقصى حد، حقهم مطلق، ومفاهيمهم متصلبة، وتصنيفاتهم «الجنسية» صارمة وقطعية حيث تبنى عليها كل تبعات حيواتهم ومسؤولياتها. بعد التوضيح والفهم، ستأتي الخطوة الأصعب، التي تتحقق في التعايش والقبول، وهذه لربما ستبدأ بالحالات الأكثر وضوحاً وقطعية، كالعبور الجنسي وصولاً إلى الحالات الأقل وضوحاً واستيعاباً في العقل العربي للتنوعات الجندرية البشرية. الموضوع صعب جداً على المجتمع البشري عموماً، الذي اعتمد الانقسام الذكوري الأنوثي على أنه لربما أهم تصنيف بشري وأكثرها تأثيراً على كل مناحي الحياة، بل هو ما يرسمها ويحددها من أول أيامها لآخرها، بل وإلى ما بعد ذلك. فكيف سيكون الحال إذن مع هذه المجموعة من المجتمع البشري المتصلبة في مكانها، غير القادرة على مجرد فتح الباب للدراسات الجندرية البيولوجية الحديثة، بل وبعض الدراسات الحضارية التراثية القديمة، التي تشير إلى تعدد التصنيفات الجنسانية والجندرية وحقيقية وجودها منذ فجر ظهور البشرية على سطح هذه الأرض؟ إن هذا التعدد الهوياتي موجود في الواقع بين كل الكائنات الحية بلا استثناء، وهي المعلومة التي يتمسك بعكسها الكارهون وبكامل الجهل والغضب، ليثبتوا خطيئة وضع بيولوجي طبيعي موجود في كل صور الحياة على سطح الأرض. حان الوقت لأن نتحدى أنفسنا ومفاهيمنا القديمة، و»نقص» بعض الحق من عقولنا. الموضوع يخص شريحة كبيرة من البشر تعاني أبشع أنواع الاضطهاد وبشكل مزمن ومستمر في حياتها كل يوم. المطلوب الآن الاطلاع، والمواجهة، ومحاولة فهم «الآخر» المختلف، الذي عزله المجتمع مع سبق إصرار وترصد، موقعاً عليه كل صنوف التعذيب والتهميش والقمع المجتمعي والقانوني. لا بد للبشرية، حتى تكون الجنس المتحضر الذي يجب أن تكونه على سطح هذه الأرض، من أن تنصف وتحمي بني جنسها بكل تنوعاتهم واختلافاتهم. في هذا الاستيعاب وفي تلك الحماية تكمن قيمة البشرية وتتجلى إمكانية استمرارها… ولو إلى حين. |
|
| |
| د. ابتهال الخطيب | |
|