زمن بلا خيول وأطفال وسط الزحام
جمال العلوي
أكتب من وجع القلب،أكتب من قهر السنين، أكتب من خيبات قالوا لي أنها لا تصلح لهذا الزمان .أكتب وعيني على بحر بيروت الهادر، وعيني على دجلة القابض على الجمر وسط حرارة الطوفان وعلى حلب وقلعتها التي لا تزال عصية على العدوان .
أكتب ويدي ترتجف ،هلعا من مفردات لا ترحم يريدون لها أن تغتسل في وضح النهار ،أكتب عن أم مزقوا جديلتها في غزة وفي مخيم الامعري وفي الانبار وتكريت وعين الحلوة وما زالت مثل الطود ،على شاطئ المتوسط تحلم بالشراع .
أكتب عن نخلة تشرب من شط العرب ،عن ضفيرة كانت ولا تزال أجمل نساء الحي ،رغم أن صهيل الخيول ،أصبح عادة تكتحل بها عيوننا في المدن التي تحلم وتغفو وتنام ،ولا تصحوا الا على صوت البنادق والرصاص كأنها غابة من موت وانتظار يقود حتما الى انتظار .
أكتب عن «حرب تلد أخرى» رسموا خارطتها في جنح الظلام وقالوا فيها معسول الكلام وثبت بالوجه الشرعي أنها حرب انهارت كل دعائمها وسقطت بيادقها ،على أبواب الموصل ،وبشرنا اليمين فيها بالورد والرياحين وعصر بلا «نبوخذ نصر» أو صلاح الدين أو صدام .
أكتب عن قهوة أمي ،عن مرسيل خليفة والميادين وساحة رياض الصلح والشيخ الجليل ،حين يحتدم الخصام ،أكتب عن زمن قالوا لنا فيه حلو الكلام ،عن مدن لا تغفو ولا تنام ولا يضيع فيها الفطام وتتعطر بمسك الختام ،لكنها اليوم تنام بلا نهر ولا دجلة ولا فرات ولا تعرف من النور سوى رائحة الشمعدان .
أكتب عن وجع القلب حين تمر عليه صور القادمين والراحلين وسط الزحام، عن أطفال لم تنتظر أمهاتهم قبلة الوداع، وأطفال جلسوا في زوايا الظلمات يبحثون عن هدية عيد الام لكنها لم تصل وضاعت بين الحطام ،وعن أطفال يبحثون عن أم غادرتهم بلا رجعة ونسيت في لحظة الغضب أن لها أكباد لم يبلغوا بعد سن الفطام، ترى هل بقي في القلب متسع للخصام ..! أكتب وفي الفم ماء ، وفي القلب أغنية تزهو للقادمين والخائفين والضائعين وسط الزحام والركام ..وتبحث عن غد ليس له جرس أو فنجان ...!
الرئيسية 
البوابة 
