حقوق الانسان في الوثائق الانكليزية القديمة
وثائق حقوق الإنسان القديمة
تم تخصيص هذا الفصل لعرض مضامين أهم وثائق حقوق الإنسان القديمة ، الانكليزية والأمريكية والفرنسية .
ولاشك في إن أهم وثائق حقوق الإنسان الانكليزية القديمة هي : اتفاق ( ماجنا كارتا ) لعام 1215 و ملتمس الحقوق لعام 1628 .
بينما كانت أهم وثائق حقوق الإنسان الأمريكية القديمة هي : وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية لعام 1776 ، و وثيقة الحقوق لعام 1791 .
أما أهم وثائق حقوق الإنسان الفرنسية القديمة فهي : إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789 .
وعلى أساس ذلك ، فقد تم تقسيم هذا الفصل إلى ثلاثة مباحث ، وكما يأتي :
- المبحث الأول : الوثائق الإنكليزية
- المبحث الثاني : وثيقة استقلال الولايات المتحدة الأمريكية و وثيقة الحقوق
- المبحث الثالث : إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي لعام 1789
المبحث الأول
الوثائق الإنكليزية
إن من أهم وثائق حقوق الإنسان الانكليزية القديمة هي وثائق ( ماجنا كارتا ) لعام 1215 و ملتمس الحقوق لعام 1628 .
لذا سوف نقسم هذا المبحث إلى فرعين وكما يأتي :
الفرع الأول - اتفاق ( الماجنا كارتا ) لعام 1215 .
الفرع الثاني -ملتمس وإعلان الحقوق الانكليزي .
الفرع الأول
اتفاق ( الماجنا كارتا Magna Charta ) لعام 1215 ( 1 )
بعد اعتلاء الملك هنري الأول عرش إنكلترا عام 1100 أصدر ميثاق الحريات ، الذي نظم آلية التعامل بين الملك و رجال الكنيسة والنبلاء .
و في عام 1066 حكم بريطانيا ( النورمانديون ) الذين قدموا من شمالي فرنسا ، لأكثر من مائة عام ، احترموا فيها القوانين الإقطاعية و العدالة ، دون أن تكون هناك رقابة فاعلة على سلطة الملك.
ولكن لما تولى الملك جون العرش في عام 1199 أساء استخدام سلطته، فطالب الإقطاعيين بمزيد من الخدمات الحربية أكثر مما طالبهم الملوك الذين سبقوه، وباع الوظائف الملكية لأكبر المزايدين. وزاد من أعباء الضرائب دون الحصول على موافقة النبلاء الإقطاعيين، خلافا لما جرى به العرف الإقطاعي. وكانت المحاكم في عهد الملك جون تفصل في القضايا حسب رغبته وأوامره لا طبقًا للقانون. ومن خسر دعواه تعرض لدفع غرامة ضخمة .
وفي عام 1213 اجتمعت جماعة من النبلاء مع قيادات الكنيسة في ( سانت ألبانز ) ، بالقرب من لندن، ونادوا بالحد من سلطة الملك، وصاغوا قائمة الحقوق التي طالبوا أن يمنحهم إيّاها، ولكنّه رفض الاستجابة لمطالبهم مرتين. وعقب ذلك، حشد النبلاء جيشًا لإجبار الملك على تحقيق مطالبهم. ورأى جون أنّه لا يستطيع هزيمة الجيش المناوئ، فوافق على المطالب في 15 يونيو 1215. وبعد أربعة أيام، أصدر عددًا من المواد في صورة وثيقة ملكيّة مكتوبة بصياغة قانونية، وتمّ توزيع صور منها في سائر أرجاء المملكة .
وفي عام 1215 قام رئيس أساقفة كاتدرائية كانتر بيري ( ستيفين لانجتون ) بدور المصلح المحايد بين النبلاء والملك، لكنه من الناحية الفعلية كان يميل إلى النبلاء ، حيث قدم لهم المساعدة بصورة سرية في تنظيم طلباتهم .
وفي الخامس عشر من شهر يونيو-حزيران من عام 1215 ( * ) ، التقى النبلاء والملك في منطقة ( راني ميد )( ** ) ، حيث قدم النبلاء الذين حضروا اللقاء مدججين بالسلاح مطالباتهم ، التي وافق الملك جون عليها مضطرا .
وسمي هذا الاتفاق باسم ( ماجنا كارتا ) وهما كلمتان لاتينيتان ، معناهما في اللغة العربيّة العهد الأعظم . وكان الاتفاق يمثل إحدى المحاولات الهادفة إلى تحديد سلطة الملك وحقوق الشعب .
وهكذا صدرت وثائق ( الماكنا كارتا - العهد الأعظم ) عام 1215 ، وقد كان جزء منها قد استند على وثيقة ميثاق الحريات ، وقد قيدت تلك الوثائق سلطات الملك من جهة وقامت بحماية حقوق البارونات والنبلاء . وقد أثرت الماكنا كارتا في مختلف دساتير الدول ووثائق وإعلانات حقوق الإنسان اللاحقة .
لقد ضاعت النسخة الأصلية من الماجنا كارتا والتي تحمل ختم الملك جون منذ وقت طويل ، حيث لم يرغب الملك بالحفاظ على سجل يبرز إذلاله ، لكن النسخة التي حفظت في ساليبزبوري، كانت واحدة من أصل أربع نسخ تم توزيعها عام 1215 .
أصبحت الماجنا كارتا أداة ضغط مهمة بيد النبلاء ، لأنها أجازت لهم استخدام القوة ضد الملك جون في حالة تنصله من تنفيذ هذا الاتفاق الذي منح الأرستقراطية البريطانية كثيرًا من الحقوق، بينما لم ينل المواطن البريطاني العادي سوى قليل جدا من الحقوق .
وهكذا فأن وثيقة الماجنا كارتا لم تكفل الحريات الفرديّة لجميع أفراد الشعب ، لكنها في القرون اللاحقة، أضحت نموذجًا يحتذى بالنسبة لأولئك الذين طالبوا بإقامة حكومات ديمقراطية وكفالة الحقوق الأساسية لكل مواطن. أما في الوقت الذي صدرت فيه، فكانت أهميتها الكبرى في إخضاع الملك لحكم القانون، ومقاومة السلطة المطلقة .
ومن الجدير بالذكر أنه ، اشتملت ( الماجنا كارتا ) على ( 63 ) مادة ، تعهد الملك في معظمها بالالتزام بالقانون الإقطاعي. وكانت تهدف أساسًا لحماية مصالح النبلاء والمنتمين إلى الطبقة الإقطاعية. ومنحت بعض المواد الكنيسة حرية ممارسة سلطاتها دون تدخل من الملك. ولم تكن هناك غير مواد قليلة كفلت بعض الحقوق الناشئة للطبقة الوسطى في المدن ، ولم يذكر المواطنون العاديون وغيرهم من المزارعين في الوثيقة إلاً نادرًا رغم أنهم الأكثرية الغالبة من السكان.
وأضحت بعض مواد الوثيقة المطبقة على الطبقة الإقطاعية في عام 1215 ، مواد ذات أهمية وفائدة لكلّ أفراد الشعب فيما بعد. فلقد نصّت الوثيقة مثلاً، على أنه يجب على الملك أن يسعى للحصول على مشورة وموافقة النبلاء في كلّ المسائل المهمة في بريطانيا. ونصّت أيضًا على أنه لا يجوز زيادة أيّ ضرائب خاصة إلا بموافقة النبلاء. واستخدمت هذه المواد فيما بعد، لتأييد الحجة القائلة أنه لا يجوز إصدار قانون أو فرض ضريبة دون موافقة البرلمان الإنكليزي (الجهاز التشريعي الممثّل للشعب( .
وصارت بعض المواد الأخرى أساسًا للعدل في العصر الحديث ، فلقد نصّت إحداها على أنّه لا يقبض على رجل حر، أو يسجن، أو ينزع ملكه، أو يخرج من حماية القانون، أو ينفى، أو يؤذي بأي نوع من الإيذاء... إلا بناء على محاكمة قانونية أمام أقرانه ( أي المساوين له في المدينة ) أو بمقتضى قانون البلاد .
كما نصت الماكنا كارتا على أن : " تكون الكنيسة حرة من التدخلات الملكية بشؤونها ولا يعتدى على شيء من حقوقها وحرياتها. ونظمت حقوق الملك بتدقيق الغرامات والواجبات المالية للنبلاء عندما تسلم أراضيهم بعد وفاتهم إلى ورثتهم " .
و نصت على أن : لن يسلب أي رجل حر أملاكه ، أو يسجن على يد رجال آخرين مساوين له إلا إذا خضع لمحكمة عادلة ، أو لن تباع العدالة لأحد ولن تنكر على أحد، ولن تؤخر عن أحد ، ويجب ألا يطول حبس إنسان من غير محاكمة . وفي نص آخر تم التأكيد أيضا على عدم بيع العدالة أو حقاً من الحقوق لإنسان ما ولن يحرم منها إنساناً ما .
أما بالنسبة للتجار فقد نص الاتفاق على أن يتمتع جميع التجار بحق الدخول في إنجلترا والإقامة فيها والمرور بها براً أو بحراً سالمين مؤمنين للشراء والبيع... دون أن تفرض عليهم ضرائب غير عادلة .
وتضمنت الماجنا كارتا كثيرًا من المواد التي قُصد بها إلزام الملك بتنفيذ وعوده، ومن ثم شُكّل مجلس من النبلاء لضمان جديّة التنفيذ. فإن أخلَّ الملك بما التزم به ولم يأبه بإنذارات مجلس النبلاء، حشد المجلس جيشًا لإجباره على الانصياع لأحكام الوثيقة.
ولم تحسم الماجنا كارتا الصراع الذي دار بين الملك جون والنبلاء. ولم يقصد أي من الجانبين الالتزام بها التزامًا كاملاً. وما لبث أن نشبت الحرب بين الطرفين، ثم تُوفي الملك جون أثناءها في سنة 1216 , ولكن ملوك إنجلترا قد وافقوا في السنوات اللاحقة على شروط هذه الوثيقة. واعتُرف بها بمثابة جزءًا من القانون الأساسي لإنكلترا. وخلال القرن السادس عشر توارت الماجنا كارتا إلى حد كبير، بيد أنّ بعض أعضاء البرلمان بعثوا فيها الحياة من جديد خلال القرن السابع عشر الميلادي، وظلّ البرلمانيون يستخدمون موادها في مواجهة الحكم الاستبدادي لملوك آل ستيوارت، واعتبروا ما ورد بها يخولهم رقابةً دستوريةً على سلطة الملك. واحتجوا ببعض موادها لتدعيم حججهم بالأسانيد القانونية، مثل عدم جواز إصدار قانون أو فرض ضريبة إلا بموافقة البرلمان، واستندوا إليها في المطالبة أيضًا بضمانات للمحاكمة أمام هيئة محلّفين، والحماية ضد الحبس التعسفي، وغير ذلك من الحقوق.
4-تكون حرية الرأي والتعبير في البرلمان مكفولة ومُصانة