[rtl]التوحش والاستنزاف[/rtl] [rtl]2/4/2015 10:52:00 PM[/rtl] انتهى فصل جديد من فصول الصراع في العالم العربي وكانت الفقرة الاخيرة منه مكتوبة بدماء اردنية هذه المرة، دماء معاذ الكساسبة الذي قتل بوحشية من قبل تنظيم الدولة ليحفر عميقا في وعي العرب والمسلمين صورة لفوضى آخذة في الاتساع والتمدد في ارجاء العالم العربي وحالة من الاستنزاف التي يهيمن عليها التوحش والعبثية.
لم يعد هناك مكان للقوانين والاعراف في العالم العربي وانفلتت الصراعات من عقالها بدون ضوابط اخلاقية يمكن التعويل عليها وانجرت المنطقة العربية الى حالة استنزاف يصعب وقفها، فوضى ورثناها عن حقبة اتسمت بالتدخل الخارجي لقوى كبرى تمكنت من الانسحاب لتترك العالم العربي يغرق فيها، امريكا التي خسرت ما يقارب الـ3 ترليونات دولار في حروبها في العالم العربي والاسلامي خلال السنوات العشر الاخيرة معنية الآن بإدارة الصراع وحالة الاستنزاف لا التورط فيها، وتؤكد الارقام هذه الحقيقة اذ خصصت الادارة الامريكية 8 مليارات دولار فقط تنفقها لادارة صراع يمتد من العراق الى سوريا فلبنان جنوبا نحو اليمن والصومال موازنة تسمح بإدارة حروب على نمط القرون الوسطى.
امريكا تتخفف من الاعباء فموازنتها للدفاع خفضت الى 619 مليار دولار واضعة على سلم اولولياتها منطقة الباسفيك وبناء قاذقفات القنابل المتطورة من طراز «اف 35» لمواجهة الصين بحسب ما ذكر وزير الدفاع الامريكي، بل ان الخارجية الامريكية التي تبلغ موازنتها الـ50 مليارا ستوجه جهودها الى تلك المنطقة حيث تقبع الصين والهند القوى الصاعدة الجديدة في العالم، يصعب تقديم حسابات دقيقة للكلف الحقيقية لحالة الاستنزاف، إذ لا زالت في عالم المجهول خصوصا ان خطوط التماس لم تعد واضحة وقواعد الاشتباك غير موجود والحدود المكانية والزمانية لهذا الاستنزاف غير معلومة، انخراط العرب في هذا الصراع وتوسيعه دون استراتيجية مستقلة سينقل الكلف كاملة الى العرب وسيجعل القوى الاقليمية صاحبة اليد الطولى في ادارة الاقليم وسيريح الولايات المتحدة من الحسابات المعقدة.
على العالم العربي ان يدرك أن بناء استراتيجية بعيدة المدى للخروج من الفوضى لن يتحقق من خلال التعويل على القوى الدولية والاقليمية بل من خلال بناء استراتيجي مستقلة تبنى على الموارد والامكانات المحلية اساسا، استراتيجية واعية لحقيقة التحولات الخطيرة في العالم العربي التي اسس لها خلال الـ30 عاما الماضية، فأرقام الموازنة الامريكية تتحدث عن نفسها والانسحاب من افغانستان سيحقق وفرا في موازنة الدفاع تعادل 30 مليارا سيعاد توجيهها لبرامج اجتماعية، وازمة الاتحاد الاوروبي وانشغالات القارة الاوروبية في اوكرنيا متجلية ولا يمكن توقع مسارها والتعويل على العالم الخارجي لن يحقق نفعا.
العالم العربي لن يتمكن من الخروج من ازمته ان اكتفى بالخطابة ورود الفعل الانية والمؤقتة، فالعالم العربي بحاجة الى اصلاح ومصالحة تعزل القوى التي تسعى لاثارة الفوضى وتعتاش منها، فالقوى الكبرى والاقليمية غير معنية بأن يخرج العالم العربي من مأزقه ولن تدفع الكلف المترتبة على ذلك وفي لحظة معينة قد تتخلى عن المنطقة لتنشغل في صراعاتها ولتحول العالم العربي الى مستنقع يسعى كل منها الى اغراق الاخر فيه فهي منطقة مغرية مليئة بالنفط وتتمتع بالموقع الجيوستراتيجي المناسب لإغراق اعتى القوى الكبرى.
حتى لا نتحول الى ساحة حرب واستنزاف على العرب ان يعيدوا النظر في استراتيجياتها وتحالفاتهم، كما ان اعليهم ان يتأملوا في الاسباب الحقيقية لحالة التدهور التي لا تعرف التوقف ليصلحوا شؤونهم الداخلية وبنيتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية بطريقة تسمح بوقف حالة التدهور لا تعميقها، فالأزمة القائمة في العالم العربي تحتاج الى نظرة استراتيجية لا الى ردود فعل انفعالية فقط تقودنا الى استنزاف وحلقة مفرغة لا تعرف التوقف.
(السبيل)