ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75477 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الحنين الى سراج الكاز ! الجمعة 13 فبراير 2015, 10:46 am | |
| [rtl]الحنين الى سراج الكاز ![/rtl] [rtl] عدسة: محمد القرالة[/rtl] [rtl]
وليد سليمان
ينساب ضوء السراج وحيدا بين كتل الظلام..! ..تذكر صاحبنا شفافية النور الآتي داخل ممرات ذاكرته . كانت رحلة مع «السراج الزيتي» ..مهارة فنية يدوية في تدوير بعض المستهلكات المنزلية يقوم بها الفنان « احمد جلوق « في محله بعمان ليملأ وقت فراغه – حيث لا بيع ولا شراء هذه الايام- لذلك فإنه يُحضر معه بعض القوارير الزجاجية المهملة ليقطع جزءها السفلي ويشذبها ببعض الأدوات من مبارد وأزاميل وزراديات وورق زجاج وأصماغ خاصة , ومن ثم يقوم بتركيب الأجزاء العلوية المعدنية ولمبة الإضاة الزجاجية الشفافة وفتلة الكاز التي يحضرها من السوق جاهزة . وفي حديثنا معه رجع بذكريات الشوق الجميل الى الماضي القديم, أيام كانت الكهرباء غير منتشرة بشكل كبير في بيوت ومنازل عمان الأليفة بالبساطة والمحبة .. وقال : عشنا قديماً في ليالي عمان وكان سراج الكاز رفيقنا في إنارة المنازل أثناء لمة الأسرة وسهرات الجيران والمعارف وأيام الدراسة وقراءة الكتب وسرد حكايات وقصص التراث الشعبي المشوقة ..إذ أنه أيام ذلك الزمن لم يكن هناك التلفزيون !!ولا الراديو إلا في القليل من البيوت او المقاهي في عمان . وكان استعمال الناس لسراج الكاز يتميز بحذر شديد !! فأي حركة غير هادئة عند حمل السراج أو الإصطدام به ربما يؤدي الى كسر لمبة السراج الزجاجية الشفافة ودلق الكاز على الارض او الطاولة الموضوع عليها او الجدار المعلق عليه السراج بالمسمار المعدني مثلاً . وهناك أيضاً الحرص الدائم عليه من خلال عملية تنظيف زجاجة الإضاءة من السناح – الشحبار- بقطعة من القماش الندي .. كذلك الإنتباه لعدم رفع فتيلة السراج كثيراً لئلا لا يؤدي ذلك لحرق الفتلة بسرعة وتوسيخ الزجاجة بسرعة ولكي لا ينبعث السناج بكثرة ويؤدي الى تعكير جو الغرفة بدخان السراج –ثاني أكسيد الكربون – مما يضر عملية تنفس الانسان . وفي هذه الايام مازالت بعض القرى البعيدة والأماكن البعيدة عن ايصال التيار الكهربائي إليها تستعمل هذا المصباح الكازي أو الفانوس , او المصباح الغازي . هذا ويُقبل الناس على شراء تلك الأسرجة في أوقات الحروب وايام الثلوج تحسباً من احتمال انقطاع التيار الكهربائي عن البيوت . ومن جهة أخرى فإن بعض الناس يحبون شراء واقتناء تلك الأسرجة الكازية كنوع من التحفة الشعبية– دون استعمالها – لعرضها في البيوت كمنظر تراثي جميل . وفي بحث فيه من تداعي المشاعر وذكريات الطفولة ومعلومات تاريخية واجتماعية هامة للكاتب المصري المعروف « محمد مستجاب « بعنوان – كراكيب البيت ولمبة الكاز – أشار قائلاً : « وفي ظلال ضوء لمبة الكاز ، لا يمكن أن أنسى عندما كانت أمي تضربني لعدم مذاكرتي دروسي، وكانت تصرخ فيّ وتقول: إن العباقرة كانوا يذاكرون دروسهم على «لمبة الجاز»، ثم تُعدد لي بعض الأسماء من العلماء والعباقرة الذين نبغوا لأنهم كانوا يذاكرون عليها، بينما أنا لدي لمبات كهربائية ومصابيح تضيء الغرفة ليل نهار، دون أن أحصل أو أصل إلى ذلك النبوغ أو التفوق. لذا ظلت «لمبة الجاز» تمثل لنا المصباح السحري، الذي ينام بداخله جنّي النبوغ والتفوق، وكنا ننتظر انقطاع الكهرباء حتى نشعلها ونوقظ الجني، فيخرج ويغرقنا في بركاته وننجح دون مجهود، فلم نكن ندرك وقتها أن لمبة الجاز مجرد رمز للمثابرة والاجتهاد مهما كانت الظروف صعبة، نظرا لأن الكثير من علمائنا خرجوا من الريف الذي لم يكن يعرف وقتها سوى لمبة الجاز. وبينما كان اشتعالها في البيت عندما ينقطع التيار الكهربائي يصيبني بالرجفة، لكننا كنا نمارس عليها الكثير من ألعاب خيال الظل، تلك الألعاب التي كانت تتسع وتمتد بطول الحائط، حيث نلتف حول لمبة الجاز، ونشكل بأيدينا شكلًا لحمامة طائرة أو وجه إنسان، وتتسع الخيالات وتكبر وترافقنا في النوم لتتحول إلى أشباح مشاغبة تلعب معنا في المنام، فلا تجعلها تهرب وتفر إلا بعودة النور. وقد ظلت «لمبة الجاز» تملأ قلبي بالخوف كلما شاهدتها، ليقيني أن بداخلها جنّياً أو عفريتاً صغيراً، يقبع بداخلها ويتراقص على أطراف لهيبها، هذا الجني الذي إذا أخرجته صار ماردًا جبارًا يلبي لي رغباتي وأحلامي وأمنياتي، وهو ما لم يحدث لي أبدًا، فقط يرافق العباقرة ويمدهم بالأفكار والأحلام، وكأنه يحتاج إلى رشوة كي يصبح خادمي، ولقد حاولت أكثر من مرة القبض عليه واستخلاصه لي وحدي. وكنت في غياب رقابة أمي أحاول أن أمسك زجاجة «لمبة الجاز» كي أخرجه وأعرف ما بداخلها، إلا أن سخونة الزجاجة كانت تلسع يدي، فتقع مني وتنكسر، ولا ينالني حينئذ إلا علقة ساخنة من أمي لكسرِها. جولكنني - ومع الأسف الشديد – لم أعثر على لمبة الجاز في أركان البيت ولا بين صفحات المعاجم، لكني وجدت التعريف التالي : السَّرَاجَ: يعني أوقده , والشيء حسنه وزيَّنه. والسَّراجُ: وهو المصباح الزاهر والجمع سُرُجٌ. والمِسْرَجَةُ: وهي ما يوضع فيها الفتيلة والدهن للإضاءة والجمع مَسَارِجُ. والقِنْديل: مصباح كالكوب في وسطه فتيل، يملأ بالماء والزيت ويشعل والجمع قناديل. والنَّبْراسُ: أي المصباح، والشعلة وهي الحرارة الساطعة، واللهب وشعلة الموقد هي أداة مستديرة مثقبة ينفذ إليها الغاز فيلتهب، وخِرَق تلف على رأس عصا ونحوها تغمس في الزيت ونحوه وتوقد للاستضاءة، لذا يقال كأنه شعلة نشاط أو شعلة ذكاء. والمَشْعَلُ: القنديل ونحوه والجمع مشاعل، والفَتِيلَةُ: ذُبالة السَّرَاج والجمع فتائل. جوالكلمة العربيَّة «قنديل» هي تعريب للكلمة الإنجليزيَّة candle وتعني أيضًا «شمعة»، أما الكلمة اليونانية «لمباس» فجاءت منها الكلمة العربية «لمبة»، وهي الكلمة الدارجة لكلمة «مصباح»، والقنديل هو الفتيل الذي يوقد باستخدام الزيت، ومن هذه الوجهة يمكن أن يُسمى القنديل «مصباحاً». وتضاء القناديل بكثرة في الكنائس أمام الأيقونات، وهي إشارة إلى أن نور المسيح فيهم، ولا يوضع القنديل أمام صورة السيد المسيح لأنه نور العالم، والزيت في قناديل الكنائس يشير إلى الروح القدس، والنور إشارة إلى ثمرة عمل الروح القدس في الإنسان، والزيت المستخدم في الكنيسة هو زيت الزيتون إشارة للحياة الأبدية، لأن شجر الزيتون دائم الخضرة أي لا يصاب بالموت والموت لا يدخل إليه، فهو يشير إلى الحياة الدائمة. وفي التنزيل العزيز في (سورة النور) «اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) 35. ولمبة الجاز تنقسم إلى قسمين، الجزء الأسفل وهو القاعدة والتي تمتلئ بالجاز أي الكيروسين أو الزيت ويخرج منها الفتيل، لكن إشعاعها لا يكون إلا بوضع الزجاجة عليها، والتي تكون مكتنزة من أسفل ثم رفيعة كلما ارتفعنا لأعلى، كما أنها تحتمل السخونة الشديدة، وزجاج لمبات الجاز هو الذي يجعلها تشع أملًا ونورًا وقادرة على تفتيت الظلام الدامس، واللمبة الجاز نوعان نمرة 10 ونمرة 7، وقد أطلق عليها لفظ «لمبة سهاري»، أي تظل ساهرة طوال الليل. ولأهمية لمبة الجاز في حياتنا، فقد وجدتها تتسلل إلى الكثير من أمثالنا، فقد كانوا يقولون «بيعوا من قوتكم وأسرجوا بيوتكم»، وذلك لأن تسريج البيوت مستحب، حتى ولو كان البيت لا يوجد به قوت وطعام، ولأن إضاءة البيت مستحبة وفيها كبت للشامت، فافعلوا ذلك ولو بالبيع من القوت. وعندما تحيط بالإنسان المصائب من كل جانب وأصبح كمن لا مفر له من الغرق أو الحرق، يقولون «زي عذاب الزيت في القنديل تحته ميه وفوقه نار»، ولأن لمبة الجاز خادمة بقدر كمية الجاز الذي بها، فقد قالوا «على قد زيته خايل له»، أي على قدر ما أعطي من الزيت العب له، والمقصود اللعب بخيال الظل لأنهم يوقدون به القطن بالزيت لإظهار الخيال، أي اخدمه على قدر ما يعطي من الأجر. وتختلف تفسيرات لمبة الجاز في الأحلام، فنجد أن المسرجة نَفَسْ ابن آدم وحياته، وفناء الدهن والفتيلة ذهاب حياته، وصفاؤهما صفاء عيشته، وكدرهما كدر عيشه، وانكسار المسرجة بحيث لا يثبت فيها الدهن علة في جسده، بحيث لا تقبل الدواء، والمسرجة قيم البيت، بينما نجد القنديل في المنام يدل على العلم والتوبة للعاصي والهداية للكافر، وربما كان القنديل معبرًا للرؤية أو دليلًا للقافلة، لأنهما مما يهتدى بهما في الظلمات، والقنديل ولد له بهاء ورفعة وذكرا وصيتا ومنفعة. وقيل: إن القناديل في المساجد هم العلماء الأغنياء وأصحاب الورع والقراءات، ومَن رأى قنديل المسجد قد انطفأ مات عالم المسجد، والقنديل امرأة والفتيلة أولاد، وتعبر القناديل بالنجوم، وكسر القناديل وانطفاؤها موت المريض، ولو أخذ إنسان من السماء نجومًا فإنه يأخذ من المسجد قناديل.
لكن الغرب ينظر للمصباح نظرة مختلفة، فمثلًا إذا نجحت الفتاة في فتن الشاب الذي تحبه، وجعلته ثابتًا في مكانه، بين ثلاثة مصابيح أشعلتها، لهذه الغاية، عامدة، فهي ستنجح في التزوّج به، كما أنه لا ينبغي إطفاء مصباح استخدم للسهر على امرأة ميتة، بل ينبغي تركه لينطفئ بنفسه، كما فعلت الفقيدة. ومع أن العالم الآن يستخدم الطاقة الكهربائية والنووية في الإضاءة، إلا أنني أعتقد أن القنديل وحفيدته لمبة الجاز هما السبب في وصول العالم إلى ما وصل له من تحضر وتقدم، ومع ذلك فإنني لم أجد عصر «لمبة الجاز» وسط العصور التي مرت بها الحياة الإنسانية، بدءًا من الشعلة التي تخرج من الكهف في يد الإنسان البدائي، إلى المصباح الكهربائي على مكتب العلماء والمفكرين في عصر الطاقة النووية. والبيت العربي الآن نادرًا أن تجد به لمبة جاز، نظرًا للتطور وامتلائه بالمصابيح الكهربائية بأنواعها المختلفة، كما أنه لا يحملها أحد ليلًا لأن الشوارع أصبحت مضاءة بأعمدة الإنارة.
ولكني أحلم بأن يخرج جني النبوغ من لمبة الجاز العربي، بصفته يجلس على بحر البترول في العالم، لكن ينقصه الفتيل القوي والزجاجة الصادقة كي ينير كمشكاة العالم حوله، وكي يفرد عبقريته على وجه البسيطة وعلى جميع الأمم كما كان في الماضي القريب، هذا الجني الذي تبحث عنه المعاهد والجامعات والعلوم والساسة كحل مضمون وأكيد لمشكلات التربية والتعليم والبحث العلمي في الوطن العربي.» فهل يخرج القنديل أو السراج أو النبراس أو لمبة الجاز من القمقم أو من بين أبواب المعاجم كي يفتح العقل والآفاق والبصيرة العربية؟.[/rtl] |
|