منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 أزمة المشروع الوطني الفلسطيني

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني   أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Emptyالخميس 19 فبراير 2015, 7:27 am

[rtl]أزمة المشروع الوطني الفلسطيني[/rtl]
[rtl]د. فايز رشيد[/rtl]
FEBRUARY 18, 2015
أزمة المشروع الوطني الفلسطيني 18qpt480

آفاق مسدودة أمام التسوية، وجود سلطتين متنازعتين على من تمتلك مفتاح السجن الكبير لشعبنا، هدنة بين السلطتين والكيان، عمليات مقاومة محدودة، استيلاء صهيوني متدرج على الأرض الفلسطينية، استيطان يتزايد، غياب ملحوظ لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، انعدام وجود برنامج استراتيجي يشكل قاسما مشتركا بين جميع الفصائل، انقسام سياسي وجغرافي بين المناطق الفلسطينية المحتلة، وضع عربي رديء متجه بانحدار شديد إلى الهاوية، اعتبار محكمة مصرية لكتائب القسام «منظمة إرهابية»، علاقات متوترة بين سلطة غزة ومصر، أزمة مالية للسلطة في رام الله وللأخرى في غزة، حالة من الإحباط في الشارع الفلسطيني، حركة وطنية وقومية عربية تلهث من التعب.. أقصى ما تستطيع تقديمه، بيانات أكل الدهر عليها وشرب، أصبحت مملة إلى الحد الذي لا تشجعك فيه على إكمال قراءتها لأنك تبصم المضمون لكثرة ما تردده البيانات، مؤتمراتها ساحات للصراع بين الاتجاهات السياسية العربية، انتماء للجهة وللحزب قبل الانتماء للقضــية، جماهير عربية محبطة، قوى التغيير ضعيفة.
انعدام اتفاق القوى الوطنية والقومية واليسارية العربية على برنامج حد أدنى يوحد الجميع على المجابهة، ضغوطات أمريكية على النظام الرسمي العربي، وعلى السلطة الفلسطينية لصالح التسوية الإسرائيلية، إلهاء النفس بمكسب اعتراف هذه الدولة أو تلك بـ»الدولة العتيدة» التي يلزم إقامتها: ميزان قوى سياسي وعسكري مقاوم مع العدو، واعتبار ذلك (مع أهميته) انتصارا فلسطينيا مجلجلا.. مع أن المرددين والمروجين له يدركون في قرارة أنفسهم أن ذلك لا يعني شيئا على أرض الواقع. الكل يتجرد من الاعتراف بـ»أزمة المشروع الوطني» وانسداد آفاقه. القائد الفلسطيني الوحيد الذي تجرأ على ملامسة جوهر وكبد الحقيقة للوضع الفلسطيني هو د. جورج حبش، عندما طرح السؤال، لماذا هُزمنا؟ وحاول جاهدا طيلة حياته.. الإجابة عن هذا السؤال المحوري. 
أيضا من الضرورة التأكيد على التالي، الارتباط العضوي بين المشروع الوطني الفلسطيني ومثيله العربي فلا انفصال بينهما.. نعم هناك خصوصية فلسطينية لكن بالمقابل من الضرورة بمكان أن يشكل كل من المشروعين رافعة للآخر. عند التطرق للأسباب، من السهولة بمكان إلقاء التبعات على «نظرية المؤامرة»، هذا جزء من الصورة، ولكن الجانب الأبرز الآخر في الصورة، العوامل الذاتية، فمثلا أمام لوحة الوضع الفلسطيني والعربي السابقة.. فإن التساؤلات التالية تطرح مشروعيتها الكبيرة:
ألا نحتاج إلى هزّة (ولا نقل انتفاضة أو ثورة، مع وجوب ذلك) في الفصائل الفلسطينية وعموم اتجاهات القوى العربية؟ ألا تحتاج هذه القوى إلى مراجعة برامجها ومدى استجابتها ومجابهتها لتحديات الواقع؟ ألا تحتاج إلى صيغ عمل جديدة تستفيد من أخطاء الماضي على المستويين القطري والقومي؟ ألا تحتاج إلى برامج سياسية مستندة إلى التحليل النظري- الفكري للواقع ومستجداته اليومية التي لا تتوقف عند حد؟ ألا تحتاج إلى خطاب سياسي جديد؟ خاصة أن الوضع الشعبي الفلسطيني، والآخر العربي مهيّأ للفعل، بدليل أنه السبّاق إلى المجابهة، سواء بالنسبة لمقاومة العدو الصهيوني أو على الصعيد العربي.. خطواته تأتي قبل تنظيماته وأحزابه، ما أسهل توجيه التهمة للآخرين، وما أصعب الاعتراف بخطأ وتقصير الذات، هذه هي المعادلة.
أيضا ما زلنا نعاني في الساحة الفلسطينية من تحديد الفهم النسبي للثوابت الفلسطينية ضمن الإطار العام المشترك، فلا مانع لدى البعض من إجراء تعديلات على حدود 4 يونيو 1967، انعدام وجود المرجعية للنضال الفلسطيني في ظل تعطيل مؤسسات منظمة التحرير، وفي ظل عدم دخول بعض الفصائل الأساسية لمؤسسات المنظمة إلا بشروطها في مقابل شروط للفئة المهيمنة على مقدراتها.. مع أن المعادلة المطلوبة يتوجب أن تكون، كل طرف يناضل من أجل أدنى حدود الوحدة مع الآخر، تقتضي تنازله قليلا لا عن الثوابت وإنما عن نسبة (حصة) تمثيله، الانشداد في مرحلة التحرر الوطني يتوجب أن ينطلق من شعار السيطرة للبرنامج وليس للفئة، فالفئوية مثل فيروس نعاني منه منذ تشكيل «م.ت. ف».
ما زلنا نعاني من نتائج اتفاقيات أوسلو الكارثية، التي أعلن شارون وفاتها عند اجتياحه للضفة الغربية، والبعض من فصائلنا لا يزال يتصورها وجودا حيّا، وما يزال يتغنى بها. ما زلنا نعاني من ضيق أفق المعتقدين بالاستراتيجية التي تعتمد المفاوضات فقط، خيارا وحيدا للحصول على الحقوق الوطنية الفلسطينية، مع أن المفاوضات أثبتت فشلها. البعض لا يدرك ولا يريد أن يدرك هذا الأمر للأسف، ويتمسك به كنوع من إسقاط عجزه.. يستمر في غيّه وتصوراته الخيالية للواقع، ومراهنته على السراب.
إن أي كاتب أو مثقف عندما يقوم بتشخيص الوضع من وجهة نظره.. لا يملك ولن يملك حق ادّعاء امتلاكه للحل السحري لمعضلات الواقع، هذا الذي يظل مرهونا برغبة المقررين فيه والهيئات القادرة على تحويل القرارات إلى صيغ عمل فعلية. لذلك فالحلول مرهونة دوما بالرؤية الجماعية. المهم هي العوامل التالية: 
الاعتراف بالأزمة، التفاعل الديناميكي مع المستجدات اليومية والمرحلية، الميل في التحليل إلى استشراف المستقبل وليس تأكيد المواقف من الأحداث السابقة، التجديد في الصيغ وأساليب النضال الفعلي، معرفة العدو ومتغيراته السياسية، تناقض شارعه، حدود تسويته، عوامل قوته، ثغراته ومداخل ضعفه.. وفي النهاية الصيغ الجمعية على طريق النضال والتأثير الجماعي وانعكاساته على العدو، وقبل كل ذلك: استراتيجية النضال والحد الفاصل بين تخومه والحركة (التكتيك مثلما يحلو للبعض الترداد) السياسي.
تحت لواء جبهة التحرير الفيتنامية انضوت وناضلت 22 جماعة وحزبا فيتناميا (من الجماعات الكاثوليكية والبروتستانتية وصولا إلى الحزب الشيوعي)، بعد التحرير وفي مرحلة التحرر الوطني الديمقراطي، انفكّ التحالف وظهر التناقض الذي ظل ثانويا بين برامج الأحزاب، وظل الشعب الفيتنامي من خلال التصويت هو الحكم الأول والأخيرعلى هذا الحزب أو ذاك، هذا هو القانون. ندرك خصوصية الوضع والنضال الفلسطيني مقارنة مع كل التجارب الأخرى.. واستثنائية العدو الذي نجابه، لكن هذه الاستثنائية يتوجب أن تكون الدافع مضاعفا عشرات المرات لتعزيز صيغ النضال الجمعي والقواسم المشتركة، وليس لما هو عليه الآن.
نعم هناك أزمة مشروع وطني فلسطيني: أزمة بنيوية، أزمة برنامج، أزمة صيغ، أزمة خطاب سياسي، أزمة نهج، أزمة فعل.. وغيرها وقبل كل ذلك أزمة ثقة.

٭ كاتب فلسطيني
د. فايز رشيد
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني   أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Emptyالأربعاء 15 يوليو 2020, 4:18 am

أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية(1)


فهد سليمان
1- في توصيف الحالة وأسبابها

2- أزمة النظام السياسي الفلسطيني

3- القوى السياسية الفلسطينية في مدار الأزمة

4- «حل الدولتين».. إلى أين؟!

 (1) الورقة المقدمة إلى المؤتمر المنعقد في بيت المستقبل (بكفيا، لبنان) بين 9 إلى 10 حزيران (يونيو)2017، بدعوة من مركز القدس للدراسات السياسية (الأردن)، ومؤسسة بيت المستقبل (لبنان)، ومؤسسة كونراد أديناور (ألمانيا)، تحت عنوان: «مؤتمر «حل الدولتين» وما يتعداه: التصورات الموازية لمستقبل القضية الفلسطينية وإمكانات التسوية».

(1)

في توصيف الحالة وأسبابها

1 – أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية مركبة، فهي أزمة إستراتيجية العمل الوطني المعتمدة رسمياً، كما أنها أزمة النظام السياسي القائم، بالعلاقة التبادلية المرتدة بينهما.

الإستراتيجية المعتمدة من مركز القرار الرسمي الفلسطيني ما تزال تقوم على مسارين: المفاوضات الثنائية الفلسطينية – الإسرائيلية من جهة، وبناء مؤسسات«الدولة» من جهة أخرى؛ والمساران عالقان منذ سنوات، لا بل منذ ما يقارب العقدين من الزمن.

أما النظام السياسي، فقد إهتزت مكانته التمثيلية، وانحسرت فعاليته على مستوى هياكله الجامعة في منظمة التحرير بخاصة والسلطة الفلسطينية بشكل ملموس، كما وعلى مستوى مكوناته، بما هي فصائل وأحزاب وحركات سياسية، فضلاً عن مؤسسات الحركة الجماهيرية المنظمة من إتحادات ونقابات وغيرها..

2- المفاوضات الثنائية عالقة عملياً منذ إنهيارها في محادثات كمب ديفيد (تموز/يوليو 2000) في نهاية الولاية الثانية للرئيس كلينتون المتزامنة مع فترة رئاسة إيهود باراك للحكومة الإسرائيلية.

بعد محاولة فاشلة لإنقاذها في محادثات طابا (كانون الثاني/يناير 2001) إثر إندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية (أيلول/سبتمبر 2000)، توقفت المفاوضات تماماً إلى أن إستؤنفت تحت مظلة دولية إحتفالية (أي إفتتاحية ليس إلا)، في أنابوليس (تشرين الثاني/نوفمبر 2007) في السنة الأخيرة للولاية الثانية للرئيس بوش الإبن، وفي فترة رئاسة إيهود أولمرت للحكومة الإسرائيلية.

بيد أن هذه المفاوضات إنقطعت قبل أن تحقق نتيجة في مطلع كانون الأول(ديسمبر) 2008، قبيل عدوان «الرصاص المصبوب» الإسرائيلي على قطاع غزة. ومرة أخرى لم تتجدد المفاوضات إلا في أواخر العام 2009 في مطلع الولاية الأولى للرئيس أوباما، إبّان رئاسة بنيامين نتنياهو للحكومة الإسرائيلية، لتتوقف في العام 2014. ومازالت متوقفة حتى الآن.

3- إنهيار المفاوضات، وبالتالي فشل العملية السياسية، لا يعود وحسب إلى التعنت الإسرائيلي الرافض عملياً لأي مسار يقود إلى مقاربة الحقوق الوطنية لشعب فلسطين، بل يُنسب أيضاً إلى بنية العملية التفاوضية ذاتها التي تنطوي (بالقوة) على عوامل فشلها، فهي تفتقر إلى:

أ) الربط بين مرجعية قرارات الشرعية الدولية وهدف المفاوضات؛

ب) التحديد الواضح للإطار الزمني للمفاوضات؛

ج) مرجعية دولية متنفذة ونزيهة قادرة على ضبط العملية التفاوضية في الإطار والهدف المرسومين لها، حيث إختزلت هذه المرجعية بالدور الأميركي المتحيّز لإسرائيل؛

د) آليات تحول دون خلق وقائع جديدة تجحف بوضع وحقوق أحد طرفي المعادلة، وفي الحالة الموصوفة وقائع إستيطانية وتهويدية أفضت إلى مفاقمة الخلل في ميزان القوى لصالح الجانب الإسرائيلي وأجحفت بالموقع التفاوضي للجانب الفلسطيني، وأضعفته.

4– كما أن فشل العملية السياسية يعود إلى غياب إستراتيجية عمل وطني فلسطيني تسهم بدورها في تصحيح تراكمي للخلل في ميزان القوى، إن كان بتوفير عوامل التماسك الداخلي للحالة الفلسطينية، أو بالمثابرة على تحدي الضغوط التي تواجه مساعي تدويل القضية الوطنية...، ضمن أولوية تغذية روافد عمل وطني تصب في مجرى إستراتيجية صمود مديدة تجمع ما بين المقاومة الشعبية للإحتلال والإستيطان، ونضال الحركة الأسيرة، وتزخيم حركة اللاجئين بالتوازي مع تعاظم فعل وتأثير الحركة الجماهيرية في مناطق الـ 48، واستراتيجية دفاعية واقعية وذات مغزى في قطاع غزة.. وكل هذا في إطار السعي الجاد لفك الإرتباط بشكل متدرج عن إملاءات إتفاق أوسلو والإنعتاق من قيوده، وبالذات من جانبيه الأساس: الإرتهان الأمني والتبعية الإقتصادية.

5– في هذا الإطار يتضح كم هي غير منتجة تلك السياسة التي تراهن على إنجاز بناء مؤسسات الدولة العتيدة كعامل مؤثر في الصراع الدائر، بدليل أن الشهادات المتواترة من الأمم المتحدة إلى البنك الدولي.. على إمتلاك السلطة الفلسطينية لوزارات وإدارات بمستوى إدارة مرافق«دولة ناجحة» لم تفلح في إزالة العقبات (الإسرائيلية أساساً) التي تعترض طريق تقدم مشروع الدولة المستقلة.

مع الإشارة إلى هذا، لا يفوتنا التمييز الواجب بين الكفاءة الوظيفية لمؤسسات السلطة الفلسطينية، وبين مواصفات ومضمون إدارات الدولة المستقلة السيدة، وهي الإدارات التي لا يمكن أن ترتقي السلطة الفلسطينية لامتلاكها، طالما أنها لا تمارس سيادتها على الأرض والمياه والمعابر والحدود والدورة الإقتصادية..الخ

(2)

أزمة النظام السياسي الفلسطيني

1– يقوم النظام السياسي الفلسطيني على جسمين جامعين: منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والسلطة الفلسطينية، أي سلطة الحكم الإداري الذاتي على السكان في الضفة الغربية وقطاع غزة، التي أنتجها إتفاق أوسلو والتي إتخذ المجلس المركزي لمنظمة التحرير، نيابة عن المنظمة وباسمها، قراراً بتشكيلها في العام 1994، ما يعني – نظرياً – أن المنظمة هي المرجعية الأعلى للسلطة.

2- على عكس ما قد يوحي به هذا التعريف، فإن علاقة السلطة بالمنظمة لا تحكمها قاعدة الجزء بالكل، لسبب جلي ومعروف، وهو: أن م.ت.ف إثر إقامة السلطة الفلسطينية، قد تراجع دورها وانحسر بشكل متسارع بعد أن نُقلت مؤسساتها الرئيسية إلى ولاية السلطة الفلسطينية: فجيش التحرير الوطني تحوَّل إلى قوات الأمن الوطني؛ والأمن الموحد وسائر الأجهزة الأمنية تحوَّلت إلى جهازي المخابرات العامة والأمن الوقائي؛ والصندوق القومي إنتقل عملياً إلى وزارة المالية؛ وممثليات م.ت.ف في الخارج (أكثر من مئة ممثلية) إنتقلت إلى وزارة الخارجية؛... والأمر نفسه إنسحب على عديد المؤسسات الأخرى من إعلامية وبحثية وثقافية وإجتماعية..الخ.

3- في السياق المذكور، تجدر ملاحظة مايلي: إن هذه النقلة المؤسسية الواسعة لا تكمن مشكلتها – بالطبع -  في إنزياحها إلى الداخل الفلسطيني، بل في خروجها الكامل عن ولاية م.ت.ف وعن مسئولية هيئاتها القيادية، والأمثلة على ذلك –إضافة إلى ما ذكر– تترى، وآخرها المرسوم الرئاسي بإحالة مسئوليات دائرة الجاليات الفلسطينية المغتربة في الأمريكيتين وأستراليا وأوروبا، وهي إحدى الدوائر الرئيسية الممثلة والمرتبطة مباشرة باللجنة التنفيذية لـ م.ت.ف، إلى وزارة الخارجية في حكومة السلطة الفلسطينية، التي تضحى، والحال هكذا، وزارة الخارجية والمغتربين(!).

إن ما يفاقم كل هذا، واقع إضمحلال مؤسسات الحركة الجماهيرية من إتحادات شعبية ومهنية.. الخ، في الشتات الفلسطيني، التي كانت تلعب دوراً رئيسياً في تعبئة وتوحيد طاقات الشعب الفلسطيني من مختلف القطاعات في الشتات، في المعترك الوطني.

4- إلى ما سبق توضيحاً للمنحى التراجعي لموقع ودور م.ت.ف، نضيف غياب حركات الإسلام السياسي عنها، ما يؤدي إلى إهتزاز المكانة التمثيلية لمنظمة التحرير بحكم القاعدة الجماهيرية المعتبرة لهذه الحركات، فضلاً عن نفوذها السياسي الناجم – بشكل رئيسي– عن تقديماتها الإجتماعية ودورها في مقاومة الإحتلال.

وإذا كانت المكانة القانونية لمنظمة التحرير مازالت مصانة – وإن بصعوبة – على الرغم من مرور أكثر من عقدين على إلتئام آخر دورة للمجلس الوطني الفلسطيني، الذي هو بمثابة المؤتمر الوطني العام والأعلى للشعب الفلسطيني وعموم الحركة الوطنية، فإن بقاء الخلل في النصاب التمثيلي، لا بد وأن يؤدي – في حال إستمراره – إلى ثلم المكانة الشرعية لمنظمة التحرير، التي لا تكتمل نصاباً، إلا بالتقاء مركزها القانوني مع مركزها التمثيلي الشامل.

5- السلطة الفلسطينية بدورها تعاني من أزمة مركبة: فهي منقسمة على نفسها مؤسسياً وجغرافياً، وهي بيد حزبين حاكمين متصارعين ينفردان عملياً بها، ما يؤدي إلى تعميق سماتها البيروقراطية وممارساتها القمعية، ويقوى نزوعها إلى مصادرة الحريات العامة وميلها إلى قمع الحركة الجماهيرية، وصولاً إلى إستخدام أساليب القمع المباشر كلما تتطلب الأمر، وإن كنا نميّز – بالدرجة ليس إلا – بين ما تعتمده السلطة في غزة والسلطة في رام الله، حيث الأولى أكثر إسرافاً في إستخدام القبضة الحديد المجللة عقدياً في التعاطي بشكل عام مع الحراك المجتمعي، مطلبياً كان أم ديمقراطياً.

6- من عوامل الأزمة المركبة التي تعانيها السلطة الفلسطينية المغتربة عن الجمهور، أنها صُممت للعمل ككيان إداري – وظيفي تحت الإحتلال لفترة إنتقالية سقفها خمس سنوات (تنتهي في العام 1999)، هي الفترة الإنتقالية المنصوص عليها في إتفاقات أوسلو.

وعليه فليس من المستغرب أن يضيق هذا الإطار الوظيفي المصمم لفترة زمنية محدودة، ويعجز عن تلبية إحتياجات المجتمع (الإقتصادية، وغيرها) لفترة زمنية أطول تجاوزت العقدين، في ظرف تضافرت فيه عوامل عدة لمفاقمة أزمة النظام السياسي الفلسطيني، أهمها: هيمنة الريعية في الإقتصاد مصدراً للغنائمية والزبائنية في التوزيع خلف أسوار إحتلال ما إنفكت قبضتة تزداد بطشاً على خلفية تكالب الإستيطان في الضفة وإستشراء التهويد في القدس والخليل، وإحكام الحصار على القطاع مع تصعيد العدوان الإسرائيلي عليه 

(3)

القوى السياسية الفلسطينية في مدار الأزمة

1– إذا ما وضعنا جانباً التأثيرات بالغة السلبية لمجمل التطورات الدولية وفي الإقليم على الحالة الفلسطينية منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي وحتى يومنا، بدءاً من إنهيار المعسكر الإشتراكي وتفكك الإتحاد السوفياتي وتداعيات الإحتلال العراقي للكويت، مروراً بتفشي ظاهرة الإرهاب عالمياً بعد 11/9/2001، وحتى مسلسل الحراكات العربية مع نهاية العقد الأول من القرن الـ 21 التي إنحدر بعضها وتحلل إلى حروب أهلية، فإلى مواجهات وحروب إقليمية مازالت تتوالى فصولاً حتى يومنا، وتنذر بالمزيد..

إذا ما وضعنا كل هذا جانباً، مع إدراكنا لأهميته البالغة وتأثيره البنيوي السلبي الفائق على مسيرتنا الوطنية، وذلك من أجل وضع اليد على مسئوليتنا الخاصة كحركة وطنية عن أزمتها الراهنة، والأزمة التي يواجهها المشروع الوطني الفلسطيني عموماً، لا بد من تحديد مساهمة القوى السياسية الفلسطينية في تحمل مسئولية نشوء هذه الأزمة، بما هي أزمة مشروع وطني وأزمة نظام سياسي.

2- في سياق ما تقدم، ينبغي التوقف أمام مايلي:

أ) مسؤولية الحزبين الأكبر حجماً والأوسع نفوذاً: فتح وحماس، قبل وبعد تحولهما إلى حزبين حاكمين. وفي هذا الموضوع أفترض أن بعض الزملاء المشاركين في هذا المؤتمر سوف يتطرقون إليه، إن لم يكن من موقع الإنتماء السياسي، فبأقله من موقع صديق لكل من هذين الحزبين.

ب) مسؤولية اليسار الفلسطيني، وهو يسار تعددي سياسياً وتنظيمياً وربما فكرياً، كما هو معروف، ومع ذلك فبالإمكان إستخلاص خطوط رئيسية جامعة تكثف قسطه في إنتاج الأزمة الراهنة للحركة الوطنية.

ج) لكن قبل هذا وذاك، من المفيد تسليط الضوء، أو التذكير بنقطة البدء في الأزمة الراهنة وجذرها.

3- يعود جذر الأزمة الراهنة للحركة الوطنية الفلسطينية وللمشروع الوطني عموماً إلى العملية السياسية بشروطها المجحفة التي إفتتحتها إتفاقية أوسلو، فتحوَّلت إلى عملية مديدة متواصلة الحلقات تكاد تتجاوز ربع قرن من الزمن، وما تزال تعد بالمزيد. لقد قادت هذه العملية السياسية إلى إقامة وإدامة حكم إداري ذاتي للسكان مكشوف على مواصلة إستيطان الأرض بأفق الضم الكولونيالي، مع إلغاء حق العودة للاجئين، وإبقاء السيطرة الإسرائيلية الأمنية على الأراضي الفلسطينية، ومن ضمنها المعابر والحدود.

4- من هذه النقطة إنطلقت الأزمة الوطنية، التي فشل اليسار في إحتوائها منذ البداية، لأنه لم يتمكن من تعبئة القوى الذاتية والتحالفية اللازمة لتغيير شروط العملية السياسية الجارية إنطلاقاً من القاعدة المسلم بها: مخرجات المفاوضات تحددها – إلى حد بعيد – الشروط التي تنعقد على أساس منها، ومن بين هذه الشروط، لا بل أهمها قاطبة – وعلى سبيل المثال – وقف الإستيطان، وإعتماد عملية تفاوضية في مرحلة واحدة أسوة بسائر الدول العربية المشمولة بالمفاوضات، وليس على مرحلتين كما فرضت على الفلسطينيين..الخ.

قد يقال في هذا السياق، كيف إستطاعت حركة حماس أن تشق طريقها بقوة في ساحة العمل الوطني وتفرض علاقة ندية على حركة فتح وإن كانت صراعية، رغم فشل حركة حماس في منع عملية أوسلو؟ والإجابة في متناول اليد: حركة حماس التي إفتقدت إلى الحنكة السياسية في إدارة المعركة السياسية عندما أحجمت عن التقاطع مع سائر القوى السياسية التي كانت تلتقي على ضرورة التمسك بشروط معيّنة تقوم عليها العملية التفاوضية وتحصنها، عوّضت عن هذا بتفعيل عوامل القوة الذاتية الناجمة عن تضافر عناصر القوة التنظيمية (والنفوذ الجماهيري إستتباعاً) والمؤسسية والعسكرية بعمق تحالفي خارجي ممتد، الأمر الذي كانت تفتقد إليه قوى اليسار الفلسطيني.

5- بعد قيام السلطة الفلسطينية إنحكمت العلاقات الفلسطينية الداخلية إلى توازنات جديدة، فبعد أن كانت فتح هي الأولى بين متساوين في إطار منظمة التحرير، تحوّلت إلى حزب حاكم – وإن تحت الإحتلال – يحتكر المال والسلاح والتمثيل السياسي الرسمي، إلى جانب تحكمه بمرافق الخدمات والتوظيف، وإمساكه بمفتاح بعض تسهيلات الحياة اليومية الشاقة مع سلطات الإحتلال. والعدوى نفسها إنتقلت إلى حركة حماس بعد أن إستولت بالإنقلاب على مقاليد الأمور في قطاع غزة.

غير أن هذا المشهد يختلف على نحو ملحوظ عند ما تتسع زاويته لتشمل الحالة الفلسطينية بكل تجمعاتها، وبقدر ما يتم الإبتعاد عن مناطق الحكم الذاتي في الضفة والقطاع، حيث يحتل اليسار موقع الصدارة في مناطق الـ 48 (من خلال حزبي الجبهة والديمقراطية للسلام والمساواة، والتجمع الوطني الديمقراطي، وأحزاب وشخصيات وتجمعات أخرى)، واليسار هو القوة المنافسة بجدارة وسط التجمعات الفلسطينية في لبنان وسوريا، وهو القوة المتفوقة على حركة فتح في المغتربات الأوروبية والأمريكيتين.

ومن هذا نستخلص: تتحدد المهمة الرئيسية الأولى لليسار الفلسطيني ببناء الذات وتوطيد التحالفات والإنخراط الواسع في الحركة الجماهيرية، مسترشداً ببرنامج سياسي واقعي يضع خلف الظهر التجربة البائسة لاتفاقات أوسلو التي لم ولا يمكن أن تقود إلى إنجاز الحقوق الوطنية لشعب فلسطين■

(4)

«حل الدولتين».. إلى أين؟!

1– إقتحم هذا المصطلح ساحة العمل السياسي بقوة إثر خطاب الرئيس بوش الإبن في حزيران (يونيو) 2002، أي بعد ثلاثة شهور من إطلاق «مبادرة السلام العربية»، وكان من بين أهدافه قطع الطريق على هذه المبادرة. وإن إضطرت الإدارة الأميركية لاحقاً، التخلي عن مشروع «حل الدولتين» لصالح تضمينه في إطار أوسع هو خطة «خارطة الطريق» في نيسان (إبريل) 2003 من أجل التغطية على إحتلال العراق وتصفية مؤسسات الدولة ومرتكزاتها في هذا القطر العربي الواعد في المعادلة الإقليمية، فسرعان ما غسلت الإدارة الأميركية يديها من خطة «خارطة الطريق» لصالح ما أطلق عليه مجازاً «وعد بوش» في نيسان (إبريل) 2004 الذي إعترف بموجبه (في رسالة موجهة إلى أريئيل شارون رئيس الحكومة الإسرائيلية)، بضم الكتل الاستيطانية إلى دولة إسرائيل. وضمن هذه الأجواء عاد مصطلح «حل الدولتين» إلى دائرة التداول في إدارة الرئيس بوش وحتى نهاية ولاية الرئيس أوباما (كانون الثاني/ يناير 2017).

2- «حل الدولتين» مصطلح فضفاض يقع على مسافة حقيقية من البرنامج الوطني الفلسطيني بمرتكزاته الثلاثة: دولة مستقلة ذات سيادة على خط الخامس من حزيران (يونيو) 1967 بعاصمتها القدس + ضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين الذي يكفله القرار 194 + الإعتراف بأبناء الشعب الفلسطيني  في مناطق الـ 48 كأقلية قومية وعلى قاعدة المساواة في المواطنة.

وبالمقابل فإن «حل الدولتين» ينطوي مسبقاً، وقبل أن تصل العملية التفاوضية إلى خواتيمها، على ثلاثة تنازلات رئيسية: تغيير خطوط الـ 67 باتجاه هابط من خلال ما يسمى بتبادل الأراضي + القدس عاصمة لدولتين + شطب حق العودة إلى الديار والممتلكات.

3- بغض النظر عن الموقف من «حل الدولتين»، فمن المسلم به أن الحالة الفلسطينية غير قادرة على فرضه، والرباعية الدولية (في بيانها، تاريخ 1/7/2016) أدارت الظهر له، وإسرائيل (مجتمعاً وحكومة، لا بل دولة) – رغم كل التنازلات الفلسطينية التي ينطوي عليه هذا الحل – لا تقبل به، والإدارة الأميركية في عهد ترامب لا تأتي حتى على ذكره( ).

أما عناصر الحل المتداولة في مركز القرار في الإدارة الأميركية( )، فإنها تدور حول عدد من العناوين، تنطلق من فرضية أن التوصل إلى إتفاق سلام قائم على حل الدولتين أمر وهمي حالياً، فيضحى المطلوب هو تقديم تسهيلات للفلسطينيين على غرار فتح أجزاء في المنطقة ج (62% من مساحة الضفة) أمام النشاط الإقتصادي الفلسطيني، فيما تعتبره إسرائيل تقديم تنازلات للفلسطينيين من المفترض أن يقابلها الإقدام على خطوات عربية علنية ملموسة تبرر هذه التنازلات(!). وفي هذا الإطار يجري الكلام عن جذب دول عربية التي تجد مصالح إستراتيجية تجمعها بإسرائيل، بما في ذلك ما يتصل بالتحديات الأمنية في المنطقة..، وصولاً إلى عقد مؤتمر إقليمي بوظيفتي التطبيع والتعاون الأمني والإقتصادي.

4- بعيداً عن التكهن بما سوف تسفر عنه هذه السياسة من نتائج، فالواضح أن ما يسمى بمسار «حل الدولتين» بات مستبعداً في المدى القريب بأقله، كما أن «حل الدولة الواحدة» لا يملك أي دينامية خاصة به، على جاذبيته ووقعه الحسن ومخاطبته للوجدان الفلسطيني كونه يعيدنا إلى أصل الصراع، أي إلى نكبة الـ 48. وعليه، يبقى الخيار المجدي المطروح على الحالة الفلسطينية هو الذي ينطلق من الإنجازات الثمينة التي حققها النضال الوطني الفلسطيني من أجل إرتياد آفاق البرنامج الوطني بمرتكزاته الثلاثة السابق ذكرها. إن هذا يعني بالملموس مايلي:

أ) إطلاق وتجديد الحركة الشعبية المناهضة للإحتلال في كافة أماكن تواجد الشعب الفلسطيني على أرض الوطن وفي شتات أربع جهات الأرض، فالداخل يواجه، والخارج يساند في وحدة نضال وعمل.

ب) مواصلة دينامية تدويل قضيتنا الوطنية من خلال: 1- توسيع دائرة الاعتراف بدولة فلسطين وبسائر الحقوق الوطنية الفلسطينية؛ 2- توسيع عضوية دولة فلسطين في جميع المؤسسات والوكالات الدولية المتاحة بعد أن تم الإعتراف بالعضوية المراقبة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة (القرار 19/67)؛ 3- ملاحقة إسرائيل ومقاضاتها على إنتهاكاتها لإتفاقيات جنيف الخاصة بالبلدان والشعوب المحتلة أراضيها، وعلى إرتكابها جرائم حرب ..الخ، من خلال الإحتكام إلى مجلس حقوق الإنسان، محكمة الجنايات الدولية.. الخ؛ 4- توسيع حملة المقاطعة (BDS) لإسرائيل على أوسع نطاق.

ج) السعي الجاد لتجاوز الإنقسام المؤسسي القائم وإستعادة وحدة المؤسسة الأم (منظمة التحرير)، كما والسلطة الفلسطينية بجناحيها.

ه) تحشيد كل الطاقات المتاحة لتأمين متطلبات الصمود لشعبنا في الضفة والقطاع كما وفي مخيمات الشتات.

د) إجتراح صيغ تنسيقية مستقرة وثابتة إن أمكن، بين منظمة التحرير وما يمكن أن يقابلها على مستوى التمثيل الفلسطيني في مناطق الـ 48
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني   أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Emptyالأربعاء 15 يوليو 2020, 4:20 am

القضية الوطنية في زمن الإضطراب الإقليمي


فهد سليمان
أين موقع قضيتنا في زمن الإضطراب العربي والإقليمي؟

- يمر الوضع العربي والإقليمي في مرحلة من الإضطراب السياسي والأمني والإقتصادي والإجتماعي الشامل، بكل ما تحمله هذه المرحلة من تداعيات مختلفة سيكون لها تأثيراتها على مجمل الخارطة الجيوسياسية في المنطقة، وعلى ملفات الصراع المختلفة فيها، وفي مقدمها القضية الفلسطينية، الأمر الذي يتطلب تسليط الضوء على موقع هذه القضية في الحالة الإقليمية السائدة، لإعادة رسم الصورة، وتنقيتها من شوائب الغموض، وإستعادة زمام الأمور، لصالح سياسات وطنية، تصون مصالح الشعب الفلسطيني، وحقوقه الوطنية والقومية المشروعة، وتتعامل مع الوقائع اليومية، العربية والإقليمية، بإرادة سياسية متماسكة، وبرؤية إستراتيجية واضحة.

1- إستهداف الدولة الوطنية ومن خلالها الجغرافيا السياسية للمنطقة

- أولى علامات هذا الإضطراب أن الدولة الوطنية العربية باتت مستهدفة في كيانيتها، وأن الجغرافيا السياسية للمنطقة باتت مهددة، بل ومرشحة لتغييرات، ترسم حدودها ومضامينها في أكثر من عاصمة خارجية، الأمر الذي يعيدنا بالذاكرة إلى نهايات الحرب العالمية الأولى، في زمن إنهيار الإمبراطورية العثمانية، وتكالب العواصم الأوروبية الإستعمارية على تقسيم التركة، وتحويلها إلى مناطق نفوذ خاصة بكل منها، تحت مسمى أريد له أن يكون حضارياً هو "الإنتداب" بالإنطباع الذي يشيعه كمقدمة لـ "حق تقرير المصير" لشعوب المنطقة. وقد رسمت خرائط هذا التقسيم تفاهمات بريطانية ــــــ فرنسية (1916)، باتت تعرف باتفاقية "سايكس ــــ بيكو"، التي شملت لاحقاً "وعد بلفور" عند المصادقة عليها في مؤتمر سان ريمو (1920).

منطقتنا تعيش أجواء مشابهة لتلك التي سادت عشية إنتهاء الحرب العالمية الأولى، تتمثل في تلك الهجمة التي تتعرض لها الدولة الوطنية العربية، في مشاريع تفكيك الكيانات الوطنية، كما هو الحال في سوريا والعراق وليبيا واليمن باستهداف جيشها الوطني، ومؤسساتها، لا بل بنيانها الإجتماعي، وإغراقها في حروب محلية، تستنزف طاقاتها البشرية والإقتصادية، وتفتح على إحتمالات عدة، قد تقود إلى إعادة تقسيم بعض هذه الدول، أو إلى إعادة صياغة الأسس الإجتماعية التي تقوم عليها، باعتماد مفاهيم ومعايير مذهبية أو جهوية أو إثنية، على حساب معايير المواطنة والمساواة بين أبناء الوطن الواحد، ما يعمق أزماتها السياسية ويؤسس لحروب مديدة، داخلية، أهلية، تبقي الوضع العربي بصورة عامة في حالة إنشغال عن همومه القومية، وفي حالة من القصور السياسي، وبما يقود – تالياً - إلى إنهيار في النظام العربي الرسمي، لصالح تشكيلات أخرى أقل حصانة ومَنَعة، تبقي أبوابها مشرعة لكل أشكال التدخل الخارجي، على حساب إستقلال الدول وتقدمها والسيادة الوطنية لشعوبها.

- ومما لا شك فيه، أنه ما كان ممكناً الوصول إلى هذا الواقع بمشهده المعقد، لولا ضعف بنيان الدولة الوطنية العربية، وفشل النخب السياسية الحاكمة في إمتلاك مشروع بناء دولة المواطنة، والمساواة في المواطنة، دولة الدستور والقانون، دولة الحرية والعدالة الإجتماعية، والذهاب بدلاً من ذلك بعيداً في الفساد السياسي والمالي والإداري، وتغليب المذهبية والطائفية والجهوية على مباديء المواطنة والعقد الإجتماعي والتعددية السياسية، وإعتماد سياسات إقتصادية  لا تؤسس لإقتصاد وطني  يأخذ في الإعتبار مصالح أوسع القطاعات الإجتماعية، بل تقود إلى حرمان الأخيرة من حقوقها السياسية والإجتماعية، وتغييب الديمقراطية بقوانين إنتخابية ذات طبيعة إقصائية تخل بقواعد التمثيل المنصف.

غير أن الدعوة للإصلاح الديمقراطي والإجتماعي شيء، وتدمير الدولة الوطنية شيء آخر، فالأول هو دعوة لتطوير بنيان الدولة وتحصين المجتمع، أما الثاني فهو تدمير للكيان وتفتيت للمجتمع، وتمزيق للمنطقة؛ لذلك ومن موقع التمييز بين هذا وذاك (بين الإصلاح ومشاريع التدمير) ننحاز إلى الإصلاح الديمقراطي والإجتماعي، وندعو لصون الدولة الوطنية، أي صون وحدتها ووحدة جيوشها ومؤسساتها وشعوبها وسيادتها على أرضها وحدودها، ووقف الحروب فيها وعليها، لصالح عملية سياسية إجتماعية، تقوم على أسس ديمقراطية متكاملة، تضمن مستقبل شعوب المنطقة وإزدهارها وحفظها لثرواتها، ضد سياسات النهب الخارجي والداخلي، وتصون إستقلالها وسيادتها ضد سياسات القمع الداخلية والتدخلات الخارجية.

2- تحالف التوحش

- ما يعمق خطورة ما تعيشه منطقتنا العربية من حالة إضطراب سياسي وإجتماعي وأمني، ما أسفرت عنه الإنتخابات الأميركية الأخيرة عن ولادة إدارة ذات نزوع عدواني وجدت في حكومة أقصى اليمين الإسرائيلي برئاسة نتنياهو حليفاً جاهزاً للإنخراط معها في ما يمكن أن نسميه بـ "تحالف التوحش". فالسياسة الأميركية الجديدة([1])، بعد أن أزاحت عنها ستار الغموض، بدا واضحاً أنها تتسم بسمات ثلاث:

 الأولى أنها سياسة تدخلية، بشكل سافر في شؤون المنطقة، التي تعتبرها منطقة نفوذ لها، وتحاول أن تقدم إستراتيجية بديلة لاستراتيجية الرئيس السابق أوباما؛ ويتمثل ذلك بزيادة قواتها، إن في سوريا، في إطار التدخل الفظ في الشأن السوري الداخلي، أو في العراق، تحت ذريعة محاربة "تنظيم الدولة الإسلامية"، أو في اليمن بدعوى مطاردة عناصر القاعدة. إننا نرى في مثل هذه السياسة ما يؤسس لأشكال أخرى من التدخل، كفرض شروطها على بعض العواصم العربية، ما يعيدنا بالذاكرة إلى السياسات التدخلية لإدارة بوش الإبن والتي جرّت على منطقتنا ويلات وكوارث مازلنا نعاني تداعياتها.

وفي السياق نفسه تندرج جهود واشنطن لتحجيم دور روسيا الإتحادية المتعاظم (من خلال البوابة السورية) في الإقليم، والسعي لتقليص رقعة التقاطع الإستراتيجي الروسي – الإيراني، وبالتوازي مع هذا محاولة وضع حد للنفوذ الإيراني في المنطقة من خلال تشجيع بعض البلدان العربية – التي على الأرجح لا تحتاج إلى تحفيز – على فتح بوابة التطبيع والتعاون الأمني والإقتصادي مع إسرائيل.

 السمة الثانية أنها سياسة عدوانية، بدأت منذ اللحظات الأولى لدخول ترامب البيت الأبيض بدق طبول الحرب ضد كوريا الشمالية وضد الجمهورية الإسلامية في إيران، عبر فرض المزيد من العقوبات الإقتصادية على الأخيرة، والتحريض ضد الإتفاقية النووية، في تناغم مكشوف مع السياسة العدوانية لحكومة نتنياهو، والتهديد بإلغاء الإتفاقية، في عودة إلى السياسات التوتيرية الأميركية ـــــ الإسرائيلية، والتي من شأنها أن تدخل المنطقة في دهاليز خطيرة، وأن تضعها على حافة حرب لا يستفيد منها سوى إسرائيل والمجمع الصناعي ـــــ الحربي الأميركي. وفي هذا الإطار نلاحظ الدعوة المبكرة للرئيس الأميركي لاقتطاع مناطق كاملة من التراب السوري بمسمى "المناطق الآمنة" وبالحماية العسكرية الأميركية وغيرها من الدول، ما شجع تركيا على المطالبة بإحياء نفس المخطط باعتبارها الأصل في الدعوة إليه، الذي سرعان ما تلقفته إسرائيل من أجل المطالبة بما يماثلها، إنما بصيغة أقرب إلى صيغة محمية "الشريط الحدودي" التي شهدها لبنان على إمتداد أكثر من عقدين قبل التحرير.

 أما السمة الثالثة، فهي أنها سياسة أكثر تحيّزاً لإسرائيل من أيٍ من الإدارتين السابقتين (بوش الإبن وأوباما). لقد تبدّى ذلك في عديد المحطات ، كالإعلان عن مشروع نقل السفارة الأميركية إلى القدس المحتلة، بكل ما تعنيه هذه الخطوة من إعتراف بشرعية إحتلال إسرائيل للمدينة وشرعية ضمها عاصمة لها، وبكل ما يمكن أن تحدثه هذه الخطوات من تداعيات على المستوى الدولي، كممارسة الضغوط على بعض العواصم لتتخذ خطوة مماثلة. كما يتمثل الإنحياز الأميركي الفاقع لإسرائيل في تأييد واشنطن للإستيطان الصهيوني في القدس وأنحاء الضفة الفلسطينية، وإدانتها لقرار مجلس الأمن الرقم2334، والدعوة في السياق إلى "صفقة سلام" إقليمية، تقوم على تطبيع العلاقات العربية ـــ الإسرائيلية وإنهاء حالة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وتهميش الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولعل الشروط /المطالب التسعة التي قدمها المبعوث الخاص لترامب جيسون غرينبلات إلى السلطة الفلسطينية أثناء جولته في المنطقة (14/3)([2])، لاستئناف المفاوضات في إطار مؤتمر إقليمي، تشكل مثالاً ساطعاً لطبيعة السياسة الأميركية المنحازة للجانب الاسرائيلي.

- أما السياسة الإسرائيلية، في إطار"تحالف التوحش" مع الإدارة الأميركية الجديدة، فقد شهدت نقلات جديدة نحو المزيد من التطرف، وتعريض الحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية للمزيد من مخاطر التهميش والتبديد؛

 فهي سياسة لم تعد تكتفي بالتوسع الإستيطاني، بل تسعى إلى الضم التدريجي للمستوطنات وغيرها من المناطق المستهدفة. أما الجدل حول هذا الموضوع بين مختلف الأحزاب والكتل في الكنيست، فإنه لا يطول المبدأ، بل مدى الضم وتوقيته. وقد جاء قانون "تبييض المستوطنات" الذي أقره الكنيست، ليوفر لحكومة نتنياهو الذرائع "القانونية" تمهيداً لضم المستوطنات بشكل رسمي، عبر ما يسمى بـ "تطبيق القانون الإسرائيلي" عليها.

[في إطار ما سبق يندرج الضغط من أجل التسليم الفلسطيني بأن"الحدود الآمنة" شرقاً لدولة إسرائيل، تمتد على حدود المملكة الأردنية الهاشمية، ما يعني ضم أراضي واسعة لإسرائيل في المنطقة المسماة ج (62% من مساحة الضفة المحتلة). كذلك تبني حكومة نتنياهو مشروعاً إستراتيجياً لشق المزيد من الطرق الإلتفافية وبناء الجسور، وحفر الأنفاق، ومد خطوط السكة الحديدية في أنحاء الضفة، للربط المحكم بين "القدس الموحدة" والكتل الإستيطانية، و"الداخل الإسرائيلي"، ما يؤدي إلى المزيد من تفتيت مناطق السلطة، وتحويلها إلى معازل سكانية، على هامش الإقتصاد الإسرائيلي، وخاضعة لهيمنتها الأمنية، الأمر الذي يعني قطع الطريق على أي حل وطني فلسطيني، وإغلاق أفق التطور والتنمية الإقتصادية والإنسانية والسياسية أمام الفلسطينيين، وتعرضهم لمزيد من الإقصاء والتهميش في دورة الإنتاج المادي والتبادل الإجتماعي، أي – باختصار – تقويض مرتكزات حياتهم الطبيعية].

 كما هي سياسة إنتقلت إلى المزيد من التصعيد لتعطيل العملية السياسية، حتى في إطار إتفاقيات أوسلو بسقفها الهابط أصلاً، وفرض وقائع جديدة بمطالب سياسية تعجيزية. من بين خطوات التصعيد هذه إشتراط نتنياهو على السلطة الفلسطينية لإستئناف المفاوضات، إعترافها بإسرائيل "دولة قومية للشعب اليهودي"، بكل ما يعنيه هذا من تداعيات سياسية لاحقة، ليس أقلها ما يهدد الحقوق السياسية والمدنية لشعبنا في مناطق الـ 48 الذين يناضلون من أجل الإعتراف بهم كأقلية قومية على قاعدة المساواة القومية ومن أجل الحقوق المدنية في إطار المساواة الحقيقية في المواطنة؛ وما يهدد أيضاً حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى الديار والممتلكات الذي يكفله القرار 194.

[إن الحكومة الإسرائيلية تبرر مطالبتها م.ت.ف بصيغة إعتراف بها لم تطلبها من الدولتين (مصر والأردن) اللتين عقدت معهما معاهدة سلام (1979 و 1994)، لاعتبار أن الصراع معهما كان صراعاً بين دول كان بالإمكان تسويته من خلال تبادل الأراضي والإعتراف بالحدود الدولية(!)([3]). وبالمقابل فإن الصراع مع الفلسطينيين هو صراع على الهوية القومية (والمقصود هنا أن هويتهم القومية مستهدفة من الحركة الفلسطينية)، حيث ليس كافياً أن تعترف م.ت.ف بحق إسرائيل في الوجود (كما حصل في 9/9/1993 تمهيداً للتوقيع على إتفاق إعلان المبادئ – أوسلو – في 13/9/1993)، بل بحقها في الوجود كدولة قومية للشعب اليهودي على كامل التراب الوطني الفلسطيني، أي دولة يهودية لمواطنيها اليهود المقيمين فضلاً عن اليهود غير الإسرائيلين في أرجاء العالم. باختصار ما بات مطلوباً من الفلسطينيين هو شطب الذات والتخلي عن الأرض وتزوير التاريخ، أي "العلاقة التي لا إنفصام فيها بين الشعب (الفلسطيني) والأرض والتاريخ" كما ينص على ذلك إعلان الإستقلال].

 وهي سياسة باتت تدور حالياً حول الدعوة لمفاوضات في إطار إقليمي عربي، بديلاً للمفاوضات الفلسطينية ــــــ الإسرائيلية العبثية والهابطة أصلاً، والتي لم تعد بصفتها الثنائية ذات صلة وموضع إهتمام إسرائيلي، ما يقود إلى تطبيع العلاقات العربية ــــ الإسرائيلية، وتهميش المشروع والحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية، وإعادة صياغة النظام الاقليمي العربي، لصالح نظام شرق أوسطي بديل، تكون إسرائيل تحت مظلة واشنطن، هي محوره الأمني والاقتصادي■

(2)

السياسة الرسمية الفلسطينية

- مقابل هذا المشهد الأميركي ــــ الإسرائيلي بتداعياته الواسعة على المشروع الوطني الفلسطيني، لا بد من وقفة صريحة إزاء السياسة التي تتبعها القيادة الرسمية الفلسطينية ليس وحسب في إمتداد ما سبق، إنما بالتخصيص منذ أن توقفت العملية التفاوضية في نيسان (أبريل) 2014 وحتى الآن. ويمكن لنا أن نصف هذه السياسة بأنها تتسم هي الأخرى بثلاث سمات رئيسية:

 السمة الأولى أنها سياسة إنتظارية، تترقب على الدوام المبادرات الأميركية لاستئناف العملية السياسية، وتحجم بالمقابل عن رسم سياسات خاصة بها، خارج إطار المبادرات والتوصيفات الأميركية للعملية السياسية. وحتى مع توقف العملية السياسية تبقى القيادة الرسمية الفلسطينية في حالة ترقب وإنتظار لاستئناف جولة جديدة من المفاوضات، في الوقت الذي تتسارع فيه خطوات الجانب الإسرائيلي، لفرض الأمر الواقع ميدانياً، عبر عمليات التوسع والضم الإستيطاني، وإطلاق المبادرات والمشاريع السياسية التي تخدم أهدافه.

 وهي في الوقت نفسه، سياسة أحادية، تعتمد المفاوضات الثنائية مع الجانب الإسرائيلي بالرعاية الأميركية، خياراً سياسياً وحيداً لها، وحتى المكاسب الدبلوماسية التي تحققت وطنياً، كقبول فلسطين عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، أو كصدور قرار مجلس الأمن 2334 المناهض للإستيطان، أو ما كان قد صدر عن مجلس حقوق الإنسان من تقارير، وعن محكمة لاهاي الدولية بشأن "الجدار"؛ حتى هذا كله، بقي خارج التثمير السياسي في المواجهة الدبلوماسية مع الجانب الإسرائيلي، بما في ذلك تعطيل قرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة [وقف التنسيق الأمني، الشروع بخطوات عملية لمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي، إستئناف المقاومة الشعبية وتطويرها، تدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية]، والإحجام عن إحالة الشكاوى إلى محكمة الجنايات الدولية بشأن جرائم الحرب الإسرائيلية. إن مثل هذه السياسة تحرص دوماً على عدم خرق سقف السياسة الأميركية بشأن التسوية، والإلتزام بالحدود التي تعتقد أنها ضرورية لتبقى في إطار المعادلة الأميركية أو رؤية واشنطن للتسوية في المنطقة.

 سمة ثالثة تعمقت مؤخراً في سياسات السلطة التي باتت أكثر توجساً من الحركة الشعبية (وهذا ما ينطبق أيضاً على السلطة في غزة)، ومن تحركات الشارع حتى في المطالب الإجتماعية الحياتية، كما هي متوجسة من الإلتزام بتبعات صون الوحدة الوطنية وصون الإئتلاف الوطني. وعلى خلفية هذه السياسة بدأت تنزاح أكثر فأكثر نحو العداء للحراكات الشعبية، كما هو حالها مع تحركات المعلمين، والموظفين العموميين وغيرهم، ولعل القمع الوحشي الذي جوبهت به تحركات المحامين مؤخراً، والتظاهرة الشعبية إحتجاجاً على محاكمة الشهيد باسل الأعرج(!) ورفاقه، شكل بداية لظاهرة شديدة الخطورة تبين إلى أي حد باتت السلطة، تلجأ إلى القمع الأمني للجم تحركات الشارع الفلسطيني، إن في إحياء المناسبات الوطنية [ كما وقع مع تظاهرة للجبهة الديمقراطية في عيد تأسيسها الـ 47] أو في الإحتجاج على السياسات العدوانية للإحتلال الإسرائيلي. ولا شك في أن هذا الإنزياح يعكس في طياته إحساساً من أركان السلطة بمدى الهوة الواسعة التي تفصل بين سياستها العقيمة في الشأن الوطني العام، وبين مشاعر الناس وتطلعاتهم الوطنية الأصلية.

فضلاً عن ذلك، فإن السلطة في الوقت نفسه متوجسة من تبعات المشاركة السياسية في إطار المؤسسات والعلاقات الوطنية، منها على سبيل المثال إصرارها على إضعاف مؤسسات المنظمة وفي مقدمها دور اللجنة التنفيذية، وشلّ بعضها الآخر، كالمجلس المركزي وتعطيل إجتماعاته، وعندما يلتئم تعطيل قراراته المعبرة عن الإجماع الوطني، وتفردها بالقرارات والسياسات، بما في ذلك اللجوء إلى القرارات التعسفية والكيدية والموترة للعلاقات الوطنية، كما فعلت حين جمدت، بقرار تعسفي، حقوق الجبهتين الديمقراطية والشعبية في الصندوق القومي الفلسطيني، متوهمة أنها بذلك تضعف من قدراتهما على التمسك بسياساتهما الوطنية، والمعارضة للسياسات الرسمية.

- يمكن لنا، كخلاصة لوصف حالة السياسة الرسمية الفلسطينية إزاء التطورات الإقليمية والإسرائيلية والداخلية والعلاقات الوطنية، أنها تعاني من قصور في التفكير، ومن عجز في التدبير، ومن ضعف في الإرادة السياسية، ما يبقيها أسيرة قيود إتفاق أوسلو وبرنامجه، وقيود مصالحها الفئوية، مصالح الفئات العليا من البيروقراطية الفلسطينية المندمجة بالكومبرادور، التي تدير شؤون السلطة، وتمتلك زمام القرار السياسي على رأس المؤسسة. "إن هذه الحالة توفر شروط تطويع الموقف الفلسطيني الرسمي للعودة إلى طاولة المفاوضات بسقف سياسي منخفض وخاصة إذا ما واصل مركز القرار الرسمي في إدارة الظهر للتفاهمات الوطنية ودخل من جديد في متاهة مفاوضات الإطار الإقليمي، مفاوضات تنعقد مع إستمرار الإستيطان وبدون مرجعية سياسية وقانونية، مفاوضات مفتوحة على زمن قد يطول، تتخللها تسويات إنتقالية"([4]).

- إزاء هذا الواقع، لا بد من الإعتراف أننا في زمن الزرع، ولسنا في زمن الحصاد. إن أي تفكير معاكس لهذه المعادلة أو من خارجها، إنما يعكس حالة من الوهم السياسي ليس إلّا، فربع قرن من السياسة الفاشلة، أدت فيما أدت إليه إلى تبديد عديد المكاسب التي حققتها المسيرة الوطنية الفلسطينية تحت أقدام إتفاق أوسلو، وقاد الحالة الفلسطينية إلى مستويات شديدة الهبوط، وأفقد القضية الفلسطينية كثيراً من هيبتها وإهتمامها بعيون الحالة الشعبية العربية، وكبّل المؤسسة بسلسلة من القيود والإلتزامات. وبالتالي، فإن أي تفكير بالعودة إلى المفاوضات بالشروط الأميركية - الإسرائيلية، في ظل موازين القوى الحالية، وفي ظل سياسة التوحش التي تعتمدها الإدارتان الأميركية والإسرائيلية، على خلفية حالة الإضطراب التي تعيشها المنطقة، والإنشغال العربي عن القضية الفلسطينية، وإنحرافه نحو معادلات خاطئة تضع دولة إيران في مكان إسرائيل، كخطر مباشر على المصالح العربية.. في ظل هذا كله، معطوفاً على تفتتت الحالة الفلسطينية، يجعل من الذهاب إلى المفاوضات بالشروط إياها، مغامرة فاشلة على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية وتعريضها لمخاطر هي بغنى عنها. وبالتالي علينا أن نعيد التأكيد أننا في زمن الزرع، زمن النضال التراكمي في الميدان مترافقاً مع إعادة الإعتبار للبرنامج الوطني، باعتباره هو الحل في مواجهة سياسات البدائل الفاشلة، التي طرحت في إطار ربع قرن من العبث السياسي، والتي كان هدفها الرئيس التشويش وقطع الطريق على البرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج الإجماع الوطني، برنامج العودة وتقرير المصير والإستقلال الناجز■

(3)

في قضايا الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية

- منذ حوالي عشر سنوات والحالة الفلسطينية تعاني وضعاً إنقسامياً، طرفاه حركتا حماس وفتح في صراع مفتوح على السلطة ومغانمها، وإن كان كلا الطرفين يحاولان في بعض المرات تغليف هذا الصراع بمسحة سياسية تبرر مواقف كل منهما من الإتفاقات العديدة التي تم التوصل إليها، إن في حوارات شاملة، أو ثنائية، بهدف إنهاء هذا الإنقسام التدميري والعبثي، والعودة إلى رحاب الوحدة الداخلية.

1– السمة الأساس للإنقسام مؤسسية تقود إلى إزدواج السلطة جغرافياً

- بتقديرنا، إن الإنقسام، الذي خرج إلى العلانية يوم 17/6/2007 حين حسمت حماس الخلافات باللجوء إلى العمل العسكري الذي أدمى أوضاعنا الوطنية، هو إنقسام يطال الوحدة الداخلية للمؤسسة، ما يضعنا أمام سلطتين "حاكمتين"، واحدة في رام الله، وأخرى في قطاع غزة. وحتى عندما تشكلت حكومة الوفاق الوطني (2014)، والتي شاركت فيها حماس بوزيرين، بقي الإنقسام الإداري قائماً، حيث بقيت المؤسسات الرسمية في القطاع، خاضعة لسلطة حماس ونفوذها، خاصة بعد أن أدخلت الحركة الإسلامية على كل الوزارات والمؤسسات تغييرات وزرعت على رأسها وفي محطاتها الإدارية المختلفة، موظفيها ورجالها. وبالتالي بقيت حكومة رام الله عاجزة عن إدارة الشأن العام في القطاع. وقد تعمق الأمر مؤخراً، حين شكلت قيادة حماس المنتخبة حديثاً، "لجنة إدارية" للإشراف على المؤسسات الرسمية، لتشكل بذلك المرجعية المعلنة (حكومة خلفية) لوزارات السلطة في القطاع ومؤسساتها؛ وبالتالي فإن الحوارات، الوطنية الشاملة أو الثنائية، كما تؤكد محاضرها، إنصبت على وضع آليات إعادة توحيد المؤسسات وجمع شملها تحت إدارة رسمية واحدة، ولم تكن معنية بالدخول، كما تؤكد الوقائع، في الموضوعات السياسية.

في هذا السياق يمكن أن نُذكِّر أن المباحثات المطولة، التي دارت بين الرئيس محمود عباس، وبين إسماعيل هنية أول رئيس حكومتين (العاشرة والحادية عشرة) تشكلهما حركة حماس، والتي إمتدت أشهراً طويلة بعد التوقيع على وثيقة الوفاق الوطني في26/6/2006، إقتصرت على البحث في توزيع الوزارات والصلاحيات ورسم المرجعيات، ولم تتدخل في معالجة الشأن السياسي العام الذي، كما يبدو، وكما حرصت حماس أكثر من مرة على تأكيده، أنه لا يشكل عقبة في الوصول إلى إتفاق بينها وبين فتح، على تشكيل وتشكيلة الحكومات.

- الوجه الآخر للمشهد يؤكد أن الإنقسام لم يمس بآثاره المدمرة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، في مناطق إنتشاره المختلفة. فالشعب بقي موحداً خلف م.ت.ف ممثله الشرعي والوحيد، (رغم كل ما يمكن أن يسجل على مؤسسات المنظمة، من ترهل وغياب وتراجع في الدور). ومازال الشعب الفلسطيني موحداً خلف برنامجه الوطني، برنامج الخلاص من الإحتلال والإستيطان، ومازال يحتضن المقاومة بكل أشكالها، بعد أن أثبتت له التجارب المرة، فشل مشروع أوسلو في الوصول إلى تسوية تضمن له الحد الأدنى من حقوقه الوطنية. ومازال الشعب الفلسطيني يتخذ موقفاً مبدئياً ضد الإنقسام، المؤسسي الإداري، والسياسي، وضد كل أشكال الإقتتال، أياً كانت ذرائعه. وإذا كان البعض حاول في العام 2007 أن يروج للإقتتال الدموي بين أبناء الشعب الواحد، بذرائع مفبركة ثبت بطلانها، فإن تلك الدعوات سرعان ما تحطمت على صخرة وعي الشعب الفلسطيني وتمسكه بوحدته الوطنية، حتى أن الذين تقدموا الصفوف، في تلك الآونة، يقرعون طبول الفتنة الداخلية، وجدوا أنفسهم تحت ضغط الإرادة الشعبية الصلبة، وتحت ضغط إرادة الوحدة الوطنية للشعب الفلسطيني، مرغمين على تبني شعارات الوحدة الوطنية وشعارات إنهاء الإنقسام، وإستعادة الوحدة والمصالحة الداخلية.

2- موقف الجبهة الديمقراطية: وحدة الحقوق ووحدة التمثيل

- في هذا الميدان يحق للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أن تعتز، بأنها إمتازت على الدوام بتمسكها بالوحدة الوطنية والداخلية، بل أنها رفعت هذه القضية الإستراتيجية إلى مرتبة القداسة الوطنية. فالوحدة الوطنية، كما تراها الجبهة، وكما تؤكد عليها وثائقها البرنامجية ومواقفها السياسية اليومية، هي وحدة الشعب في أماكن تواجده كافة، بشرائحه الإجتماعية وإتجاهاته السياسية المختلفة، باعتبارها حاجة أساس وطنية، لا غنى عنها ولا بد منها في معركة الخلاص من الإحتلال والإستيطان، وتحقيق أهدافه الوطنية في العودة وتقرير المصير والإستقلال والسيادة. ووحدة الشعب تتمثل بشكل رئيسي في وحدة حقوقه الوطنية والقومية، فوحدة الحقوق هي التي تحد من تأثير ومفاعيل حالة الشتات التي يعيشها شعب فلسطين، وهي التي تعبيء طاقاته في النضال الوطني، وهي التي تصون شخصيته وهويته الوطنية، وتصون إنتماءه إلى قضيته، رغم تباين الظروف وتقلبها.

لذلك إتخذت الجبهة الديمقراطية على الدوام مواقف مبدئية وصلبة لا هوادة ولا تهاون فيها، في رفضها التنازل عن أي من مكونات البرنامج الوطني الفلسطيني، أو التنازل عن أي من الحقوق الوطنية والقومية، أو المقايضة بين حق وآخر، والتمسك بها كلها بإعتبارها وحدة واحدة، لأن أي تنازل أو مقايضة، من شأنه شق وحدة الصف الوطني من خلال شق وحدة الشعب خلف برنامجه الوطني.

- مما لا شك فيه، أن تجربة الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية مع مشروع أوسلو، كبديل للمشروع الوطني الفلسطيني، وكذلك تجربته مع المشاريع التي تناسلت من مشروع أوسلو، كخطة "خارطة الطريق"، و"الحل الإقتصادي"، وأشباح "حل الدولة الواحدة" (دولة الأبارتهايد)، إنما تشكل في مجموعها تجربة غنية، تؤكد أن وحدة الشعب من وحدة حقوقه الوطنية والقومية، وأن صون وحدة الشعب هي في صون وحدة حقوقه الوطنية والقومية، وأن البرنامج الوطني الفلسطيني، برنامج العودة وتقرير المصير والإستقلال الناجز والسيادة، هو الوحيد الذي صان هذه الوحدة، وأعاد صياغة الهوية والشخصية الوطنية لشعب فلسطين، بعد أن ألحقت بها النكبة الوطنية، والتشتت والتمزق الوطني والجغرافي، كوارث غير قليلة.

- إلى جانب وحدة الحقوق، كعامل أساس لضمان وحدة الشعب، تنتصب ضرورة صون وحدة التمثيل، بما هي تكريس للوحدة الكيانية الوطنية، التي بدونها يصعب الظفر بـ "حق تقرير المصير". وفي ظل حالة الشتات الجغرافي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، تبرز بصورة صارخة الحاجة إلى وحدة التمثيل كمعادل سياسي ومعنوي لا يمكن التقليل من أهميته، خاصة في ظل تعقد القضية الفلسطينية وتشابكها كقضية وطنية مع أبعادها كقضية قومية في إطار الصراع العربي - الإسرائيلي الأشمل. من هنا تلعب م.ت.ف كممثل شرعي ووحيد لشعب فلسطين، دوراً شديد المركزية في صون وحدة هذا الشعب وحقه في تقرير المصير. وهذا ما يفسر الخلفية الحقيقية لطبيعة المعارك التي خاضتها الجبهة الديمقراطية على مدى تاريخها، لتكريس الموقع التمثيلي للمنظمة، ولصون هذا الموقع، والكفاح لأجل إستعادة وحدة المنظمة حين تعرضت للتشقق في منتصف ثمانينيات القرن الماضي. وهذا ما يفسر، على سبيل المثال، دعوة الجبهة إلى كافة الأطراف الفلسطينية، للإنتماء إلى م.ت.ف، وتأكيدها في الوقت نفسه على ضرورة إصلاح أوضاع المنظمة وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، لتكون إطاراً لوحدة وطنية أكثر رسوخاً، تقوم على مبدأ الإئتلاف الوطني، والشراكة الوطنية، بديلاً لسياسة التفرد والإستفراد بالقرار■



...... يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني   أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Emptyالأربعاء 15 يوليو 2020, 4:22 am

....  تابع


القضية الوطنية في زمن الإضطراب الإقليمي



(4)

مبادرات سياسية لم تثمر وأهمية الوحدة في الميدان

- بعد أيام قليلة على الحسم العسكري في قطاع غزة وتكريس الإنقسام الداخلي، بادرت الجبهة الديمقراطية لتكون أول من طرح مبادرة وطنية لإنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية. ولا مبالغة في القول إن مبادرة الجبهة شكلت الأساس لسلسلة من المبادرات في الصف الوطني للغاية ذاتها، كما شكلت الأساس للتوافقات الوطنية التي توصلت إليها جولات الحوار الوطني في القاهرة للهدف ذاته.

ورغم الجهود المبذولة فلسطينياً وعربياً، على أكثر من صعيد، وفي عشرات الجولات، مازال الإنقسام على حاله، وقد أخذ يتعمق يوماً بعد يوم، لتكريس حالة سياسية ومؤسسية، على جانبي خط الإنقسام، تتعارض مصالحها مع العودة إلى المصالحة وإستعادة الوحدة الداخلية. ويجب الإعتراف أن الضغوط السياسية، إن على مستوى فصائل العمل الوطني، أو على المستوى الشعبي، التي تمارس على طرفي الإنقسام، مازالت أضعف من أن تعيدهما إلى صف الوحدة الداخلية، بكل ما يعنيه هذا الإنقسام من تشويه للنضال الوطني الفلسطيني، ومن أذى لمصالح شعب فلسطين، خاصة لسكان قطاع غزة، الذين يعيشون في حصار قاتل، وفي ظل أوضاع خدماتية وبيئية إقتصادية وإجتماعية شديدة الصعوبة والتعقيد. والكل يدرك أن لا حل لأزمات القطاع، بما فيه رفع الحصار، إلا في إنهاء الإنقسام وإستعادة الوحدة الداخلية، الأمر الذي يضع القوى الفلسطينية كافة أمام واجبها الوطني نحو شعبها، ويفترض، لا بل يملي مواصلة الجهود، والضغوط، خاصة الشعبية منها، لوضع حد لهذه الحالة الشاذة التي تعيشها أوضاع مؤسسات السلطة الفلسطينية، ووضع حد لحالة الإحتراب العبثي بين حركتي فتح وحماس.

- غير أن هذا الإستعصاء في إنهاء الإنقسام يجب، في الوقت نفسه، ألاّ يشكل مانعاً للوصول إلى حلول مؤقتة، يمكن أن تشكل، تمهيداً تراكمياً لإزالة العقبات الكبرى التي تحول دون الإنهاء الكامل للإنقسام. نرى في هذا السياق، وإنطلاقاً من تجارب شعبنا وحركتنا الوطنية الغنية، في النضال ضد الإحتلال والإستيطان، وفي معاركنا الإجتماعية، أن وحدة العمل في الميدان، أكانت موقعية أو عامة، حول قضايا إجتماعية أو وطنية..، من شأنها أن تشكل مدخلاً لحالة مؤقتة أو إنتقالية، كما من شأنها أن تقرب بين الأطراف المختلفة وأن تزيل بعض العوائق، وإن توفر فرصاً إضافية لخطوات لاحقة أكثر عمقاً وأبعد تأثيراً.

إن القضية الفلسطينية، بتعقيداتها المعروفة حافلة بالملفات التي تشكل أساساً لوحدة ميدانية فاعلة، بدءاً بالعمل على تبني إستراتيجية دفاعية لقطاع غزة، تحصن قدرته على الصمود وتعززها في مواجهة التهديدات والأعمال العدوانية الإسرائيلية، وصولاً إلى حل العديد من القضايا اليومية، الملحة والضرورية، والتي تتجاوز حدود الخلافات السياسية والإدارية، كالتوافق على إجراء إنتخابات محلية وبلدية في الضفة والقطاع، لما لهذه المؤسسات من دور في تنظيم صفوف المجتمع وتعزيز عناصر بناء مجتمع متماسك، أو التوافق على إنتخاب مجالس لطلبة الجامعات، والنقابات العمالية والمهنية وغيرها، بموجب نظام التمثيل النسبي الذي توافقت عليه القوى الفلسطينية في حوارات القاهرة..

إن مثل هذه الخطوات وغيرها، من شأنها أن تعزز الوعي الديمقراطي في الصف الوطني وفي صفوف الشعب، وأن تعزز من قدرته على تنظيم صفوفه، والتصدي لمشكلاته اليومية، ورفع كفاءته النضالية، ضد الإحتلال والإستيطان، وتعزيز قدرته، في السياق نفسه، في الضغط على طرفي الإنقسام، للإستجابة لضرورات المصالحة وإستعادة الوحدة الداخلية-

(5)

منظمة التحرير وصون وحدتها

- لا نحتاج إلى جهد كبير لنؤكد أهمية الوحدة الوطنية وضرورتها النضالية في تجربة شديدة التعقيد، كالتجربة الفلسطينية. فحالة الشتات الجغرافي التي يعيشها شعب فلسطين والحدود بجدرانها الشاهقة (مادياً، قانونياً، سياسياً) التي ترتفع فاصلة بين مختلف تجمعاته، والتي تعيشها قواه السياسية، ومؤسساته ومنظماته الشعبية وغيرها، وكذلك التباين في الظروف السياسية الذي يلعب دوراً في التأثير، إيجاباً أو سلباً على قضيته الوطنية؛ جميعها إلى جانب عوامل أخرى، تلعب دوراً مركزياً في ضرورة صون الوحدة الوطنية لهذا الشعب، لسد الثغرات، وتقصير المسافات، وتجاوز الحدود، بآليات نضالية توحيدية، وبهدف صون وحدة الشعب ووحدة قواه السياسية ووحدة مصالحه، وحقوقه الوطنية والقومية. ومما لا شك فيه أن م.ت.ف كمؤسسة، وككيان سياسي، تلعب دوراً شديدة المركزية في صون وحدة هذا الشعب، وصون حقوقه ومصالحه.

1- مكانة منظمة التحرير ومخاطر إهتزاز شرعيتها

- عندما نتكلم عن منظمة التحرير باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، فنحن نؤشر إلى مكانتها السياسية والقانونية المعترف بها على أوسع نطاق، وهي المكانة الناجمة عن تلاقي فاندماج مركزها القانوني بصفتها التمثيلية للشعب وحركته الوطنية، باعتبارهما (أي المركز والصفة) بعدان لنفس الموضوع، أي الكيانية الوطنية التي تجسد وتحمل على أكتافها مطلب "حق تقرير المصير" لشعب فلسطين.

من هنا حرصنا الدائم على الدفاع عن مكانة م.ت.ف مهما تشرذمت مكوناتها وترهلت مؤسساتها وتداعت علاقاتها الداخلية، مع الإحتفاظ بحقنا (الذي هو واجب في هذا السياق) في المطالبة والنضال من أجل منظمة التحرير الإئتلافية الديمقراطية ببرنامجها الوطني الجامع، من خلال الإصلاح الديمقراطي لهياكلها والتصويب السياسي لأدائها.

على هذه القاعدة، لا ننظر بعين الإرتياح إلى تلك الصياغات الفضفاضة التي تثلم مكانة م.ت.ف عندما تكتفي بتعريفها كـ "إطار وطني للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج يجب المحافظة عليه.."، وإن إستكملت بمطلب حق نتبناه بلا تردد: ".. مع ضرورة العمل على تطويرها وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية، تضمن مشاركة جميع مكونات وقوى الشعب الفلسطيني، وبما يحافظ على الحقوق الوطنية" (الفقرة 27 من الوثيقة السياسية الصادرة عن حركة حماس كما تم تداولها علناً في نيسان/ ابريل 2017).

إن تعريفاً من هذا القبيل ينال من المكانة القانونية والسياسية التمثيلية لمنظمة التحرير لا يخدم العمل الوطني ولا يقيل المنظمة من عثرتها، كما أنه لا يساهم في حل مشكلة حركة حماس العالقة ومعها عموم الحركة الوطنية،  في مسننات الإملاءات المتبادلة بين قطبي الإنقسام في الساحة، والتي لا خروج منها سوى بعقد "تسوية تاريخية" تقوم على إبداء حركة حماس إستعدادها الفعلي للتخلي عن سيطرتها المنفردة على قطاع غزة، مقابل تخلي حركة فتح الفعلي عن إنفرادها بمقاليد النظام السياسي الفلسطيني (سلطة ومنظمة). إن سعي حماس لنيل الإعتراف الرسمي والعملي بالمكانة التي تعود لها في الحالة الفلسطينية أمر مشروع تماماً، وهي – بالنتيجة – ستنال هذه المكانة مهما تعقدت وتعرجت مسارات الصراع مع فتح. من هنا تكمن كل المصلحة في تجنب صياغة تعريفات تعكس مواقف ستكون حماس مضطرة لإعادة النظر فيها، ما أن تحتل موقعها الطبيعي في منظمة التحرير.   

- إن مكانة منظمة التحرير تشكل معطى ثابتاً رغم الضعف الذي يعتري مؤسساتها، من هنا فإن عمق هذا الثبات وتماسكه رهن بالدور الذي تلعبه مؤسسات المنظمة في تمتين وحدة الشعب وتعميقها، من خلال برامجها السياسية والإجتماعية، ونشاطيتها الدبلوماسية وغيرها. إن المنظمة تستمد شرعيتها، على الدوام، من إعتراف شعب فلسطين ومكونات حركته الوطنية، بأنها الممثل الشرعي والوحيد لهذا الشعب. وبالتالي إن ما يجب تأكيده هنا أن صون هذا الإعتراف هو في الأساس عملية نضالية، في إطار رسم البرامج والخطط وآليات التنفيذ التي تضمن صون هذا الإعتراف وتعميقه.

من آليات الحفاظ على هذا الإعتراف وتعميقه هو صون الشق القانوني لهذا التمثيل، بما يؤكد شرعيته. ونقصد بالشق القانوني أن تقوم مؤسسات المنظمة على أسس ديمقراطية، أي بالإنتخاب الحر والنزيه والشفاف، وفق نظام التمثيل النسبي، بدءاً من المجلس الوطني الفلسطيني، الهيئة التشريعية العليا في المنظمة، مروراً بلجان المجلس ذات الإختصاص، ومن ضمنها اللجنة التنفيذية ومجلس إدارة الصندوق القومي الفلسطيني. وما ينطبق على المجلس الوطني يفترض أن ينطبق على الإتحادات الشعبية والمؤسسات النقابية، بما يكرس، عملياً، القول بأن كل فلسطيني هو عضو في م.ت.ف من خلال إنتمائه السياسي أو النقابي أو غيره. وبقدر ما تصان هذه العملية الديمقراطية وفق آليات إنتخابية دورية، على المستويات كافة، بالقدر ذاته يتعمق الموقع التمثيلي لمنظمة التحرير ومؤسساتها، ويأخذ هذا التمثيل بعده القانوني، غير القابل للتشكيك. وبالمقابل، بقدر ما يتم تعطيل هذه الآليات بقدر ما نفسح في المجال لدعوات التشكيك في صدقية هذا التمثيل وفعاليته، وصولاً إلى التشكيك في المنظمة كإطار جامع، سيما عندما تخرج السياسة الرسمية المعيقة عن خط التوافق والإئتلاف الوطني، وعن خط الشراكة الوطنية التي تتطلبها الظروف الإجتماعية والنضالية للشعب الفلسطيني في ظل تشتته الجغرافي والسياسي، فضلاً عن البرنامج الوطني المشترك.

2- تجربة تعددية غنية لا مكان فيها لما يسمى بـ"الحزب القائد"

- تتميز حركة التحرر الوطني الفلسطينية أنها تقوم على مبدأ التعددية والتكافؤ في العلاقات الداخلية، ولم تعرف، ولم تخض أصلاً ما يسمى بتجربة "الحزب القائد" أو "الحزب الرائد". فالتجربة الفلسطينية تختلف كثيراً عن تجربة جنوب إفريقيا حيث كان حزب المؤتمر هو الحزب القائد للحركة الوطنية الإفريقية الجنوبية؛ وعن الجزائر، حيث كانت جبهة التحرير الوطني الجزائرية هي الحزب القائد لعموم الحركة الوطنية الجزائرية وعموم الشعب الجزائري، وكذلك يمكن القول عن تجربتي فيتنام الشمالية، في نضالها للتحرر من الإستعمار الفرنسي، أو الجنوبية للتحرر من الإستعمار الأميركي وإسقاط أنظمة الفساد والتبعية.

حركة التحرر الوطني الفلسطينية حركة تعددية، بحكم تعدد فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وتعدد برامجها، وبحكم حالة الشتات الجغرافي الذي تعيشه الحالة الفلسطينية. وهذه التعددية وضعت لنفسها، عبر التجربة الطويلة آليات لإدارة علاقاتها البينية، وعلاقاتها مع الشارع الفلسطيني، بتلاوينه السياسية والإجتماعية، وتأثيرات الجغرافيا السياسية على ظروفه السياسة والمعيشية.

قامت هذه التجربة على مبدأ التكافؤ في العلاقات الداخلية، في إطار إئتلافي وطني، شكلت م.ت.ف ومؤسساتها الحاضنة لهذا الإطار الجبهوي؛ وبحيث بات من الطبيعي أن تتمثل في هذه المؤسسات، فصائل العمل الوطني كافة والإتحادات المهنية والشعبية، والمؤسسات المختصة، وكذلك الشخصيات الوطنية المستقلة، بما يوفر شكلاً معيّناً، يضمن صون هذه التعددية، ويضمن مبدأ التكافؤ في التمثيل على قاعدة تحترم – في الوقت نفسه - تباين النفوذ السياسي والإجتماعي إنطلاقاً من الحجوم والدور والفعالية. لقد غلبت على هذه التجربة لفترة طويلة آليات الكوتا، قبل أن تتقدم آلية الإنتخابات الديمقراطية التي لم تفرض نفسها بعد تماماً في حيّز التطبيق العملي، وإن إتسعت دائرة المقتنعين بمزاياها، فضلاً عن ضرورتها.

إن تثبيت هذا الخط في إجتراح الصيغ القيادية الجبهوية القائمة على التعددية والتكافؤ، وبصرف النظر عن أي من الآليتين تنتجها (مع تفضيلنا بالطبع لآلية الإنتخابات الديمقراطية بنظام التمثيل النسبي) هي التي تضمن شمولية التمثيل الوطني في مختلف الهيئات والمؤسسات، التي تُبنى عليها بالأساس شرعية منظمة التحرير، فضلاً عن تعزيزها لروح الشراكة الوطنية ولقاعدة الإئتلاف السياسي القائم على إحترام البرامج وقرارات الإجماع الوطني.

3- حماية الموقع المرجعي لمنظمة التحرير

- لعل واحدة من المحطات الرئيسية التي تشير إلى طرح الموقع المرجعي لمنظمة التحرير على بساط البحث، كما حصل مؤخراً، إنما تتمثل بانعقاد مؤتمر إسطنبول (25-26/2/2017) بتدبير من حركة حماس. حملت هذه الفعالية عنوان "المؤتمر الشعبي لفلسطيني الشتات"، ورفعت شعار "مشروعنا الوطني طريق عودتنا"، مستقطبة صفاً عريضاً من الكفاءات الفلسطينية لا يقل عن خمسة آلاف من أربع جهات الأرض، ومن مشارب سياسية مختلفة، من بينهم قطاعات محسوبة على فصائل م.ت.ف، وشخصيات تاريخية مؤسسة في المنظمة.

ويمكن القول إن هذا المؤتمر شكل وقفة إحتجاج وصرخة لمن لم يفقد بعد حاسة السمع على مدى تمادي القيادة السياسية الرسمية وفي إمتدادها م.ت.ف بمؤسساتها، في تجاهل الخارج الفلسطيني الذي بات يختزل عملياً بسفارات دولة فلسطين وبعثاتها الدبلوماسية وشبكة العلاقات السياسية الرسمية بغالبها.

- لا تطرح منظمة التحرير في واقعها الراهن، على الخارج الفلسطيني برنامجاً للعمل يعبيء طاقاته من موقع المشاركة الفعلية في المعركة الوطنية الكبرى الناشبة ضد الإحتلال بمختلف تجلياته، ومنها: موضوع الإستيطان، والجدار، والأسرى، والإنتهاك المتواصل لإتفاقية جنيف الرابعة، والإعتداءات الواسعة على القطاع، والقمع الدموي في الضفة، والإستعمار الإقتصادي والإستيطان وكيفية مواجهته بالمقاطعة الإقتصادية والسياسية والأكاديمية الخ.. وفي كل هذا، فإن القيادة الرسمية لمنظمة التحرير تركن إلى نشاطات تقوم على مبادرات فصائل من أنشطها في إطار م.ت.ف منظمات الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين المتواجدة بثقل في معظم بلدان المهاجر، ومنظمات حركة حماس من خارج إطار المنظمة التي تتمتع بفعالية عالية، وإن إفتقدت برنامجياً إلى محاور عمل ملموسة مشتقة من العناوين الرئيسية لبرنامج مواجهة الإحتلال، وركزت بالمقابل على جوانب العمل الدعوي والثقافي المتسق معه.

- صرخة الشتات لا تقتصر على ما سبق، بل تنطلق أيضاً من واقع تجاهل القيادة الرسمية لمنظمة التحرير لمحورية النضال في إطار حركة اللاجئين المتعاظمة إنتشاراً من أجل حق العودة إلى الديار، حيث لا يخفى على أحد مدى تراجع هذا الموضوع الرئيسي من برنامج العمل الوطني التحرري من جدول إهتمامات القيادة الرسمية في ضوء عملية أوسلو ونوعية الأداء السياسي الرسمي الفلسطيني في هذا المضمار.

وإذا كان الرئيس الراحل ياسر عرفات، قد بقي حتى اللحظة الأخيرة يداري هذه السياسة بتلاوين من تصريحاته المعروفة، وإذا كانت شخصيته التاريخية قد لعبت دوراً في الحفاظ على روابط المنظمة مع الشتات، فإن السياسة الرسمية التي إتبعت بعد رحيله أوضحت بما لا يدعو للشك، أن القيادة الرسمية لا تتردد في المناقصة على حق العودة إلى الديار والممتلكات. لقد عكست هذه السياسة نفسها تجاهلاً تاماً للحالة الشعبية الفلسطينية في الشتات. فلا دور لدوائر م.ت.ف، خاصة دائرة شؤون اللاجئين، وهناك تغييب مقصود لدور الإتحادات الشعبية والمهنية وإتحادات الجاليات، في ظل نزوع فاقع لدى بعض السفارات الفلسطينية للهيمنة عليها وفرض وصايتها عليها، وإبقاءها تحت سقف سياسي مرسوم مسبقاً لا يتجاوز في مواقفه السياسية التي تتبعها، بل وتفرضها، القيادة الرسمية في رام الله.

- مؤتمر إسطنبول لم يقف عند حدود الإنعقاد، أو إصدار بيان، بل أطلق عنواناً لنشاط ممأسس بمحاور عمل مستمدة من البرنامج الوطني. وفي ضوء إنخراطه الجدي في المهام المشتقة سيتحدد مآله، كما سيرسم الفارق بينه وبين أي فعالية مؤتمرية أخرى ينتهي دورها بإصدار بيانها الختامي، أو في أفضل الأحوال تتوظف أداتياً بتموضع دورها في إمتداد وتحت مظلة الجهة الحزبية التي بادرت إليها أو أمَّنتها لوجستياً، خاصة إذا ما راودها "طموح" لعب دور إحدى مرجعيات الحركة الفلسطينية في الشتات بالتوازي مع الدور المفترض لمؤسسات منظمة التحرير.

وفي كل الأحوال نأمل أن يشكل نجاح مؤتمر إسطنبول حافزاً للقيادة الرسمية في المنظمة، كي تسارع إلى التعاطي السياسي، المؤسسي، البرنامجي مع الخارج الفلسطيني، وبأفق وطني رحب يتسع لجميع مكوناته ويستوعب جميع طاقاته. وفي السياق من المفيد التذكير أن المرجعية الوطنية ليست مُطوَّبة على مدى الزمن لمن يحمل الكوشان، بل على من يفعل في الميدان■

(6)

أمام مفترق طرق

- تعيش الحالة الفلسطينية لحظات سياسية تاريخية فاصلة. فمشروع أوسلو كان قد وصل عملياً إلى نهايته الفاشلة بعد إنهيار مفاوضات كمب ديفيد (تموز/ يوليو 2000). وبالتالي ما نحن بصدده الآن هو حصيلة ربع قرن من المفاوضات العبثية التي كرَّست الإحتلال "شريكاً" مزعوماً في عملية سلام لا أفق لها، ولا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية والقومية، بقدر ما شكلت غطاء لعمليات إستيطان سطت على مساحات واسعة من الأرض الفلسطينية المحتلة ونجحت في تهويد أحياء عديدة من مدينة القدس. وتوالت العمليات التنازلية من قبل المفاوض الفلسطيني، بما فيها التفريط بعناصر القوة الذاتية والموضوعية، وتفويت العديد من الفرص، إلى جانب إتباع سياسة إقتصادية إجتماعية أدت إلى تدمير ما تبقى من الإقتصاد الوطني الفلسطيني وعمَّقت إلحاق المناطق المحتلة بالإقتصاد الإسرائيلي؛ كذلك كبّلت هذه المناطق بإلتزامات جائرة في إطار منظومة أمنية إسرائيلية تقوم على البطش والتنكيل والقتل بدم بارد، وفرض العقوبات الجماعية، والإعتقال العشوائي وزج الرجال والنساء والأطفال في السجون.

- الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية في ظل السياسة الإنحدارية لمشروع أوسلو، قادت – حسب القول الشائع - إلى مشهد سوريالي: "إحتلال بلا كلفة، وسلطة بلا سلطة، ورئاسة بلا ولاية"، وإلى تكريس الإحتلال أمراً واقعاً، وإلى قيام شريحة إجتماعية فلسطينية، باتت تتسم بدرجة معيّنة من الثبات والإستقرار والوعي لذاتها، شريحة ترى تحقيق مصالحها في عدم المساس بالتركيبة القائمة. وهذا ما يفسر إصرارها على التمسك بالمفاوضات، التي تحوّلت إلى مبدأ ناظم للحياة، خياراً وحيداً للوصول إلى تسوية مع الإحتلال لإدراكها أن البديل، المتمثل بالمقاومة الشعبية، وتنفيذ قرارات المجلس المركزي في دورته الأخيرة، بما ذلك وقف التنسيق الأمني، والشروع بخطوات المقاطعة المتدرجة للإقتصاد الإسرائيلي، وتدويل القضية والحقوق الوطنية الفلسطينية، من شأنه أن يمس مصالحها، وأن يضعف دورها القيادي، وأن يفتح الباب لصيغة قيادية جديدة ذات آليات مختلفة، ترسم لنفسها إطاراً جديداً للعلاقة مع الإحتلال من جهة، ومع الحالة الشعبية الفلسطينية من جهة أخرى.

- السياسة المعتمدة حالياً من شأنها أن تضعف وحدة الشعب الفلسطيني، وكما تضعف الإطار الإئتلافي لقواه السياسية، ولا بديل لهذه السياسة سوى بالعودة إلى البرنامج الوطني الفلسطيني، البرنامج الذي توافقت عليه فصائل م.ت.ف، وأعادت التأكيد عليه بالإجماع القوى الفلسطينية كلها بما فيها فعاليات المجتمع المدني، والشخصيات المستقلة، في وثيقة الوفاق الوطني في 26/6/2002. كذلك بلورت بعض عناوينه وخططه، قرارات المجلس المركزي في دورة آذار (مارس) 2015.

فالبرنامج الوطني هو الذي يصون الحقوق القومية والوطنية للشعب الفلسطيني، وهو الذي يضمن وحدة الشعب الفلسطيني ووحدة حقوقه، فوحدة الشعب من وحدة حقوقه، وصون وحدة الشعب يكون بصون وحدة حقوقه. والوحدة الوطنية الحقيقية هي التي تفتح الطريق أمام دحر الإحتلال، وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود 4 حزيران (يونيو) 67، وهو الطريق لضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948؛ البرنامج الوطني الجامع هو البرنامج الذي يعتمد الأساليب الكفاحية المتعددة في مقاومة المشروع الصهيوني في الميدان، وفي كافة الميادين الأخرى السياسية والإعلامية والدبلوماسية والثقافية والإقتصادية والأخلاقية وغيرها؛ وهو البرنامج الذي يستنزف  المشروع الصهيوني في جولات الصراع المتواصل حتى الظفر بالحل الناجز للقضية الوطنية الفلسطينية وإنهاء هذا المشروع. وهو أخيراً، وليس آخراً، الذي يعيد صياغة التحالفات الطبقية في الحالة الفلسطينية بما يعزز دور "الكتلة التاريخية" التي تضم قوى الشعب العامل، بما فيه بقايا البورجوازية الوطنية، تلك القوى ذات المصلحة الأكيدة في التحرر الوطني وبناء الدولة الوطنية، دولة المواطنين القائمة على المساواة والحرية والعدالة الإجتماعية، وإن تعزيز دور هذه الكتلة هو الذي يقود إلى الحد من تأثير الفئات البيروقراطية العليا المندمجة بالكومبرادور، أي تلك الشرائح الأنانية الضيّقة النازعة إلى الهيمنة على مقدّرات القضية الوطنية ومستقبلها، وبما يؤدي إلى إعادة القرار الوطني إلى مساره السليم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75881
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Empty
مُساهمةموضوع: رد: أزمة المشروع الوطني الفلسطيني   أزمة المشروع الوطني الفلسطيني Emptyالأربعاء 15 يوليو 2020, 4:23 am

مصير القضية الفلسطينية مرة اخرى بيد العرب ..جزء 1


احمد عيسى
بقلم الباحث في الشأن الفلسطيني

كانت منطقة الشرق الاوسط هي محطة الرئيس ترامب في رحلته الخارجية الاولى، ليكون بذلك الرئيس الامريكي الاول الذي يزور السعودية واسرائيل والمناطق الفلسطينية في رحلته الخارجية الاولى منذ قيام دولة اسرائيل في العام 1948.

وفيما زار الرئيس ثلاثة من دول المنطقة، الا ان العاصمة السعودية الرياض كانت مركز هذه الزيارة، اذ استضافت ثلاث قمم متتالية عقد اولها ما بين الرئيس الضيف والملك المضيف، وكانت الصفقات العسكرية والاقتصادية غير المسبوقة من حيث حجمها المالي واحدة من المخرجات التي جرى الكشف عنها، تلاها قمة امريكية خليجية شملت دول مجلس التعاون الخليجي جرى التأكيد فيها على مخرجات القمة الاولى.

وكان اخر هذه القمم وأهمها على الاطلاق، القمة العربية الاسلامية الامريكية التي ضمت زعماء وممثلين عن خمس وخمسون دولة عربية واسلامية، اذ يمكن القول انه قد جرى في هذه القمة الكشف عن ملامح الاستراتيجية الامريكية الجديدة للنظام الدولي الجديد الذي يسعى الرئيس الامريكي لترسيخ اسسه ومعالمه، والتي مثلت منطقة الشرق الاوسط نقطة البداية في مسيرة بنائه وتشييده، علاوة على كشفها واعلانها عن الرؤية العربية الاسلامية للنظام الاقليمي الشرق اوسطي الجديد. 

ولما كان استمرار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي هو مصدر اللااستقرار في المنطقة، ومعالجته بالتالي تمثل مصدر الامن والسلام والازدهار في المنطقة والعالم، ولما كانت كلا من نكبة العام 1948، ونكسة العام 1967، هي نتاج عجز العقل الاستراتيجي العربي على فهم واستيعاب ما يدور حوله وداخل بلاده، فضلا عن ضعف وتواضع قدراته الاقتصادية والسياسية والعسكرية امام قدرات ومقدرات اعدائه، الامور التي اسست بدورها للصراع واستمراره في المنطقة.

وتأسيا على ما تقدم وفي تزامن هذه الزيارة مع الذكرى المئوية الاولى لوعد بلفور المشؤوم الذي اسس بدوره لنكبة فلسطين في العام 1948، ونكسة العرب في العام 1967، فما هي اثار هذه "الزيارة" وما تمخض عنها على الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟ وما مدى مساهمتها في تقريب الفلسطينيين من دولتهم المستقلة؟

في محاولتها الاجابة على الاسئلة اعلاه، ستسعى هذه المقالة الى تحليل مضمون الوثائق الرسمية الصادرة عن هذه القمة والمتمثلة في خطاب الرئيس ترامب، وبيانها الختامي الذي حمل اسم "نداء الرياض"، لاستخلاص ما تضمنته هذه الوثائق من محددات لمعالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في ظل المقاربات التي تضمنتها هذه الوثائق لمستقبل الشرق الاوسط، ومن ثم محاولة استجلاء مدى استجابة هذه المحددات لمتطلبات طرفي الصراع الفلسطينيين والإسرائيليين، و/او تعارضها معها، تلك المتطلبات التي جرى الكشف عنها في المؤتمرات الصحفية المشتركة التي عقدت على التوالي ما بين الرئيس ترامب والرئيس عباس صباح يوم الثلاثاء الموافق 23/5/2017 في بيت لحم، وما بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في ظهيرة ذات اليوم.

وذلك من خلال ثلاثة اجزاء يتناول الجزء الاول محددات معالجة الصراع كما وردت في خطاب الرئيس ترامب، ويتناول الجزء الثاني محددات معالجة الصراع كما وردت في نداء الرياض، ويتناول الجزء الثالث متطلبات طرفي الصراع، الفلسطينيين الاسرائيليين كما وردت في المؤتمرات الصحفية بين كل من الرئيس ترامب والرئيس الفلسطيني، وكذلك ما بين الرئيس ترامب ورئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو يوم الثلاثاء الموافق 23/5/2017.

 

اولا: محددات معالجة الصراع المتضمنة في خطاب الرئيس ترامب

من حيث الشكل تكون الخطاب من (87) فقرة تضمنت (2630) كلمة وفق الترجمة العربية (غير الرسمية) للخطاب، اما النسخة الانجليزية فتكونت من (3640) كلمة، وقد احتاج الرئيس لإلقاء خطابه الى (20) دقيقة.

ومن حيث المضمون شكل الخطاب دعوة امريكية للمجتمعين للتعاقد على الشراكة، وتعرف مثل هذه الدعوات قانونيا، لا سيما في القانون الدولي بخطابات النوايا.

ويتوافق هذا التكييف تماما مع احد تعريفات خطاب النوايا، الذي عرفه البعض "بأنه مستند مكتوب يوجه من طرف، يرغب في التعاقد على امر معين الى الطرف الاخر، يعرب فيه عن رغبته تلك، ويطرح فيه الخطوط العريضة للعقد المستقبل المزمع ابرامه، ويدعوه الى التفاوض والدخول في محادثات حوله".

واستنادا الى التعريف اعلاه، وللتدليل على انه خطاب نوايا، فقد ورد لفظ حسن النية في الفقرة رقم (10) من الخطاب والتي كان نصها "اجتماعاتي مع الملك سلمان وولاة عهده قد ملأها الدفء وحسن النية والتعاون الهائل"، الامر الذي يفهم منه انه  يطبق هذه المبادئ على دعوته للتعاقد مع القادة المستمعين لخطابه.

ومن حيث الكتابة، فالخطاب كان مستندا مكتوبا موجها من الرئيس الامريكي بصفته ممثلا عن الشعب الامريكي كما ورد في الفقرة رقم (4) من نص الخطاب والتي كان نصها "انا هنا ممثلا عن الشعب الامريكي لأقدم رسالة صادقة وامل"،  وذلك من منطلق "الحرص على اقامة روابط اوثق (تعاقدات) للصداقة والامن والثقافة والتجارة"، كما ورد نصا في الفقرة رقم (Cool من الخطاب.

ومن حيث الاعراب عن الرغبة في التعاقد فقد تجلت بوضوح في الفقرة رقم (16) من الخطاب والتي كان نصها "نحن هنا لعرض الشراكة"، كما ويفيد هذا النص ان غاية هذا التعاقد هي الشراكة.

وفيما يتعلق بالشراكة، فيفيد التحليل الكمي لمضمون الخطاب ان مصطلح الشراكة قد تكرر في الخطاب (13) مرة، الامر الذي يعني ان الرئيس قد استخدمه مرة كل (130) ثانية في خطابه، للتأكيد على اهمية هذه الشراكة ومدى الحاجة اليها.

اما بخصوص الدعوة الى التفاوض والدخول في محادثات حول الخطوط العريضة للعقد المستقبل المزمع ابرامه فقد تجلت بوضوح في نص الفقرة رقم (13) من الخطاب اذ كان نصها "لقد بدأنا مناقشات بشأن تعزيز الشراكات، وتشكيل شراكات جديدة".

ومن حيث الخطوط العريضة للعقد المزمع ابرامه، فقد جرى الاشارة اليها ابتداء بشكل عام من خلال توضيح الرؤية الامريكية التي حكمت رغبتها في عرض الشراكة وهي هنا كما وردت في نص الفقرة رقم (6) والتي كان نصها " رؤيتنا هي رؤية تتمحور حول السلام والأمن والازدهار في هذه المنطقة، وفي العالم".

وفيما بدى من المقاربة اعلاه ان السلام في هذه المنطقة والعالم هو مقدمة للأمن والازدهار اقليميا وعالميا، الا ان تفصيل الخطوط العريضة اعلاه كما ورد في اكثر من فقرة من فقرات الخطاب، تظهر ان تحقيق الامن هو المقدمة الاجبارية لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة والعالم وليس العكس.

وقد قدم الرئيس مقاربته للأمن بمعنى القضاء على الارهاب والتطرف في المنطقة، كما ورد بوضوح في الفقرة رقم (7) التي كان نصها " وهدفنا هو تحالف الأمم التي تشترك في هدف القضاء على التطرف، وتزويد أطفالنا بمستقبل متفائل يحترم الله".

و للتأكيد على ذلك يفيد تحليل مضمون الخطاب كميا، ان مصطلح الارهاب وضرورة القضاء عليه كان المصطلح الاكثر تكراراً في الخطاب، اذ تكرر بواقع (40) مرة، أي ان الرئيس ردده في خطابه بواقع مرة كل نصف دقيقة.

واذا ما اخذ عدد تكرار المفردات الدالة على الارهاب مثل: العنف الذي تكرر استخدامه (5) مرات، والتطرف الذي تكرر استخدامه (6) مرات، والحرب التي تكرر استخدامها مرة واحدة، والشر الذي تكرر استخدامه (7) مرات، والكراهية التي تكرر استخدمها مرتين، والقتل وسفك الدماء الذي تكرر استخدامه (11) مرة، يصبح عدد استخدام مصطلح الارهاب والمفردات الدالة عليه ما مجموعه (77) مرة، أي ما نسبته  3% من مجموع عدد كلمات الخطاب في نسخته العربية، الامر الذي يعني ان الرئيس استخدم مصطلح الارهاب او احد المفردات الدالة عليه بواقع 3,85 مرة كل دقيقة خلال خطابه.

وقد حدد الرئيس في خطابه الاهداف الارهابية من الدول والتنظيمات التي يتوجب بدء العمل ضدها على النحو التالي: ايران، اذ تكرر ذكرها (11) مرة، داعش التي تكرر ذكرها (5) مرات، حزب الله الذي تكرر ذكره (3) مرات، القاعدة التي تكرر ذكرها (مرتين)، واخيرا حماس وطالبان، التي تكرر ذكر كل منهما (مرة واحدة).

وكان الرئيس قد حدد مقاربتين مختلفتين لمواجهة الدول والتنظيمات الارهابية المشار اليها اعلاه، ففيما يتعلق بالقضاء على التهديد الارهابي الايراني استخدم الرئيس مقاربة عزل حكومتها، لإسقاطها واحلال حكومة عادلة صالحة محلها يستحقها الشعب الايراني من جهة، او لإجبارها على ان تكون شريكة للسلام في المنطقة من جهة اخرى، كما ورد في الفقرات (69-74)

وبرر الرئيس مقاربته هذه على اساس ان الحكومة الايرانية هي المسؤولة عن منح الارهابين الملاذ الآمن والدعم المالي والتدريب، علاوة على المكانة الاجتماعية للتجنيد. كما انها الحكومة الوحيدة التي تتحدث صراحة عن القتل الجماعي وتتعهد بتدمير اسرائيل والموت لأمريكا والخراب لكثير من الدول المتواجدة في هذه القاعدة.

وفيما يتعلق بالتنظيمات الارهابية داعش وحزب الله والقاعدة وحماس وطالبان وغيرها من التنظيمات فقد استخدم الرئيس مقاربة القضاء عليها من خلال طردها من دور العبادة (المساجد)، ومن المجتمع، ومن الارض بحيث لا يجد أي ارهابي ملاذا امنا له في بلاده، علاوة على ارسال ايديولوجياتهم الى غياهب النسيان، كما ورد في الفقرات (27-46).

وبرر الرئيس مقاربته هذه على اساس ان التأثير الحقيقي لهذه التنظيمات لا يجب ان يقاس بعدد القتلى فقط، بل يجب ان يقاس بكم اجيال الاحلام التي تلاشت.

واضاف الرئيس ان ارهاب هذه التنظيمات كان العائق الاساسي امام عدم استغلال امكانات ومقدرات هذه المنطقة الهائلة والتي جرى الاشارة اليها سابقا، وعلى ضوء ذلك اكد ترامب انه "لا يمكن ان يكون هناك تعايش مع عنف هذه المنظمات، ولم يعد من الممكن لهذا العنف ان يُحتمل او يُقبل، او يٌعذر، او يُتجاهل".

وعند هذه النقطة يظهر التحليل الكمي للخطاب ان كاتب الخطاب لا سيما فيما يتعلق بمواجهة الارهاب للقضاء عليه، قد الزم نفسه وكذلك الطرف الاخر بهذا الامر، الامر الذي يعني ان مواجهة الارهاب امر غير خاضع للتفاوض لغايات ابرام العقد النهائي، ويتجلى ذلك بوضوح في استخدام لفظة (يجب) التي تكرر ذكرها (11) مرة في الفقرات التي نصت على هذا الامر كما ورد نصا في الفقرات رقم (14-17-27-50-52-53-55-58-60-61-65-72-74).   

وفيما يتعلق بمقاربة السلام في المنطقة، فيفيد التحليل الكمي للخطاب ان مصطلح السلام قد تكرر بواقع (10) مرات خلال الخطاب،  أي ان الرئيس استخدمه بواقع مرة كل دقيقتين. واذا ما اخذت المفردات الدالة على السلام والتي تكررت في الخطاب مثل الازدهار والصداقة والشراكة والتفاؤل والامل والتحالف والاتحاد والخير والاستقرار، التي تكررت بواقع (2، 2، 13، 1، 3، 5، 3، 4، 3، 5) مرة حسب الترتيب اعلاه، يصبح عدد تكرارات مصطلح السلام والمفردات الدالة عليه ما مجموعه (51) مرة، أي ما نسبته 1,9% من مجموع كلمات الخطاب في نسخته العربية، الامر الذي يعني ان الرئيس استخدم مصطلح السلام او احد المفردات الدالة عليه بواقع (2,6) مرة كل دقيقة في خطابه.

كما ويفيد تحليل مضمون الخطاب ان الرئيس ترامب قد الزم نفسه من خلال تعهده في خطاب تنصيبه ببناء شراكات جديدة سعيا لتحقيق السلام، كما ورد نصا في الفقرة رقم (5) من فقرات الخطاب.

ويمكن القول هنا ان هذه الفقرة كانت مقدمة للفقرة رقم (6) التي تحدثت عن الرؤية الامريكية في مقاربتها للمنطقة التي تتمحور حول السلام والامن والازدهار، وللفقرة رقم (51) التي كان نصها "امريكا تسعى للسلام وليس للحرب".

وتأسيسا على تحليل مقاربة الرئيس للأمن، ذلك المصطلح الذي طغى على مصطلحات الخطاب، يمكن القول انه كان الاجدر بكاتب الخطاب ان يقدم الرؤية الامريكية للشراكة ضمن صيغة الامن والسلام والازدهار وليس كما قدمه نصا "السلام والامن والازدهار"، اذ اظهر تحليل الخطاب ان الامن بمعنى القضاء على الارهاب هو الممر الاجباري لتحقيق السلام والازدهار وليس العكس.

وعلى ضوء ذلك يتضح ان تعهد الرئيس ترامب الذي عبر عنه في الفقرة رقم (5) اعلاه يعود على بناء الشراكة التي تضمن القضاء على الارهاب، الامر الذي ربما يحقق السلام.

ويؤكد نص الفقرة رقم (20) الاستنتاج اعلاه، اذ كان نصها " وبمساعدة الله، ستشكل هذه القمة بداية النهاية لأولئك الذين يمارسون الإرهاب وينشرون عقيدته الخبيثة. وفي الوقت نفسه، ندعو أن يُذكر هذا التجمع الخاص يوماً ما باعتباره بداية السلام في الشرق الأوسط - وربما حتى في جميع أنحاء العالم".

وكذلك الامر في نص الفقرة رقم (42) والتي كان نصها "لقد انتشر الإرهاب في جميع أنحاء العالم، ولكن الطريق إلى السلام يبدأ هنا، في هذه الأرض العتيقة، في هذه الأرض المقدسة".

وتفيد النصوص اعلاه ان كاتب الخطاب لم يستخدم البتة  في مقاربته للسلام في المنطقة مفردة (يجب)، او أي من المفردات الدالة على اظهار وتأكيد الالتزام بتحقيق السلام، كما فعل في مقاربته للإرهاب وسبل القضاء عليه، واستخدم بدلا منها مفردات دالة على الدعاء والابتهال لله لتحقيق السلام كما بدى واضحا في نص الفقرة رقم (20) المشار اليها اعلاه، وترك الامر برمته للمفاوضات اللاحقة لإبرام عقد الشراكة المشار اليه سابقا.

وكان الرئيس قد افرد فقرة خاصة للحديث عن السلام الفلسطيني الاسرائيلي، هي الفقرة رقم (66) من الخطاب والتي كان نصها "وبهذه الروح، في ختام زيارتي للرياض، سأسافر إلى القدس وبيت لحم، ثم إلى الفاتيكان، حيث سأزور العديد من أقدس الأماكن في الأديان الإبراهيمية الثلاثة. وإذا أمكن لهذه الديانات الثلاث أن تتعاون معاً، فإن السلام في هذا العالم سيكون ممكناً - بما في ذلك السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين- وسأجتمع مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، والرئيس الفلسطيني، محمود عباس".

ويتضح من النص اعلاه ان السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين قد ورد ضمن صيغة الاشتراط والاحتمال وليس ضمن صيغة التأكيد والالتزام، فإذا امكن للديانات السماوية الثلاث "الاسلام والمسيحية واليهودية" ان تتعاون، فالسلام وقتها سيكون ممكنا، علاوة على انه سيكون جزء من السلام العالمي وليس العكس.

كما ويظهر التحليل اعلاه انه لم يتم التطرق نهائيا الى حق الفلسطينيين في التحرر من الاحتلال الاسرائيلي، والاستقلال واقامة دولتهم المستقلة على حدود العام 1967 ضمن حل الدولتين، في الوقت الذي جرى فيه التطرق مباشرة الى دولة اسرائيل في سياق التعهد بالقضاء على الارهاب لا سيما الصادر عن النظام الايراني، وحقها في المنطقة كما بدى واضحا في نص الفقرة رقم (70) والتي كان نصها " إنها حكومة تتحدث صراحة عن القتل الجماعي، وتتعهد بتدمير إسرائيل والموت لأمريكا، والخراب لكثير من القادة والأمم في هذه القاعة".

وتأسيسا على ما تقدم تبدو محددات الرئيس ترامب لكل من النظام الدولي والسلام في الشرق الاوسط لا سيما على الصعيد الفلسطيني الاسرائيلي على النحو التالي:

اولا: على صعيد النظام الدولي، يبدو ان الرئيس قد اعتمد مقاربة التحالفات الاستراتيجية الاقليمية، فهناك تحالف الناتو على الصعيد الاوروبي، الذي مهمته احتواء الطموح الروسي، ثم تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي الذي ستكون مهمته القضاء على الارهاب في المنطقة واحتواء ايران وطموحها، واخيرا تؤكد هذه المقالة انه سيكون هناك تحالف ثالث هو التحالف الاستراتيجي الاسيوي الذي ستكون مهمته احتواء الطموح الصيني.

ثانيا: على صعيد السلام الفلسطيني الاسرائيلي

ويمكن على هذا الصعيد تعداد المحددات الامريكية لإنجاز سلام فلسطيني اسرائيلي على النحو التالي:

1- وجوب انجاز شراكة امريكية شرق اوسطية ضمن صيغة تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي، تكون الرياض مقر قيادته.

2- وجوب القضاء على الارهاب الذي مصدره ايران وداعش وحزب الله والقاعدة وحماس وطالبان وفق المقاربات التي حددها الخطاب.

3- وجوب المشاركة الفلسطينية الفاعلة في برنامج القضاء على الارهاب وفق البنود 1و2 اعلاه.

4-  الدفع نحو تعاون الاديان الثلاثة الاسلام والمسيحية واليهودية لإمكانية تحقيق السلام في العالم بما في ذلك السلام الفلسطيني الاسرائيلي.




بعد تجربة العام 1948

ثانيا: محددات معالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي التي تضمنها اعلان الرياض

من حيث الشكل كان الاعلان بمثابة البيان الختامي للقمة العربية الاسلامية الامريكية التي عقدت في العاصمة السعودية الرياض يوم الاحد الموافق 21/5/2017. 

وتكون من مقدمة وخمسة فقرات رئيسية، شملت كل فقرة عدة بنود، وتضمنت النقاط والبنود ما مجموعه 1009 كلمة.

ومن حيث المضمون يعتبر البيان بمثابة المستند المكتوب الذي عبرت من خلاله الاطراف المجتمعة في القمة عن ما جرى الاتفاق عليه فيما بينهم، كرد على رغبة الرئيس الامريكي ترامب في ابرام عقد شراكة ما بين بلاده والبلاد التي حضرت القمة.

وبلغة الايجاب والقبول التي تسبق التعاقد وتعتبر من اهم مراحل ابرامه، يعتبر البيان بمثابة قبولاً أتي على شكل مستند مكتوب، من الاطراف العربية والاسلامية المجتمعة، لإيجاب الرئيس ترامب الذي قدمه في بداية اعمال القمة على هيئة خطاب مكتوب، والذي قدم فيه عرضه المفصل للشراكة التي ينوي ابرامها ما بين الولايات المتحدة الامريكية والدول العربية والاسلامية التي حضرت القمة واستمعت للعرض اي للإيجاب. 

وكان الرئيس ترامب قد قدم ايجابه او عرضه كممثل عن الشعب الامريكي من خلال خطابه المكتوب الذي القاه امام القمة، لغايات ابرام عقد شراكة ما بين بلاده والدول العربية والاسلامية التي حضرت القمة، وقد كان هذا العرض مفصلاً، اذ تضمن رؤية تقوم على تحقيق الامن والسلام والازدهار، وتعهداً والتزاماً من طرفه وبالتالي من كل اطراف العقد بالقضاء على الارهاب والتطرف في المنطقة، فضلاً عن تضمنه تحديداً مفصلاً للأهداف الارهابية من دول ومنظمات وسبل القضاء عليها، الامر الذي اعتبر شرطا  واجب التحقق، لإنجاز السلام والازدهار في المنطقة والعالم.

ومقابل ذلك جاء قبول قادة الدول العربية والاسلامية واضحا على هذا الايجاب كما بدى في نص الفقرة الاولى من البيان، والتي وردت على هيئة مقدمة للفقرة الاولى التي حملت عنوان " الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب".

وكان نص الفقرة اعلاه "أعلنت القمة عن بناء شراكة وثيقة بين قادة الدول العربية والإسلامية والولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة التطرف والإرهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية إقليمياً ودولياً، واتفق القادة على سبل تعزيز التعاون والتدابير التي يمكن اتخاذها لتوطيد العلاقات والعمل المشترك وتعهدوا بمواصلة التنسيق الوثيق بين الدول العربية والإسلامية مع الولايات المتحدة الأمريكية حول القضايا ذات الاهتمام المشترك لتعزيز الشراكة بينهم وتبادل الخبرات في المجالات التنموية، كما رحبت الولايات المتحدة الأمريكية برغبة الدول العربية والإسلامية في تعزيز سبل التعاون لتوحيد الرؤى والمواقف حيال المسائل المختلفة وعلى رأسها مضاعفة الجهود المشتركة لمكافحة التطرف والإرهاب".

وتفيد قراءة النص اعلاه ان الشراكة ما بين الطرفين قد تمت فعلا بمجرد تلاقي الايجاب والقبول والاعلان عنهما، الامر الذي تجلى في لفظة "اعلنت القمة" في بداية النص، علاوة على ان النص يفيد الاتفاق على الرؤية التي ستقوم عليها هذه الشراكة وهي هنا "الامن والسلام والاستقرار والتنمية"، ويظهر من هذا النص  ان الرؤية قد تضمنت عنصرين من العناصر التي تضمنتها رؤية الرئيس ترامب لا سيما فيما يتعلق بالأمن والسلام، اما فيما يتعلق بالازدهار كما ورد نصا في رؤية الرئيس ترامب، فقد قامت رؤية القادة العرب والمسلمين على الاستقرار والتنمية.

ومن حيث محددات معالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي فقد قدمها الرئيس ترامب في عرضه للشراكة ضمن مقاربة تحقيق السلام في المنطقة والعالم المشروط بتحقيق الامن الذي تمثل بالقضاء على الارهاب اولا، ويظهر من النص اعلاه ان قبول القادة العرب والمسلمين للأمن لم يختلف مع مقاربة الرئيس ترامب التي اشترطت تحقق السلام بتحقيق الامن، وبدى الاختلاف ما بين الرؤيتين في مقاربتهم للإرهاب، ففيما اشترط الرئيس القضاء عليه، قاربه القادة العرب من خلال مكافحته ومحاربته ومواجهته وليس القضاء عليه. 

وفي هذا السياق ترى هذه المقالة ان استخدام مفهوم مواجهة الارهاب المتضمن في البيان الختامي للقمة، كان اكثر دقة وواقعية من مفهوم القضاء عليه المتضمن في خطاب الرئيس، حيث اثبتت التجارب المتعددة في اكثر من مكان حول العالم استحالة القضاء على الاعمال الارهابية التي تحركها قناعات ايدلوجية، اذ اثبتت هذه التجارب انه سرعان ما ينبث تنظيم جديد مكان التنظيم القديم الذي جرى هزيمته، وبدى وكأنه تم القضاء عليه.

أما من حيث سيطرة مفهوم الامن والمفاهيم  المفسرة له والدالة عليه، على تفكير كاتب او كاتبي البيان، الامر الذي تجسد في كثافة استخدام المفهوم، فقد أظهر التحليل الكمي لمضمون البيان ان مفاهيم الأمن والإرهاب والتطرف والعنف والمفردات الدالة عليهم، كانت المفاهيم التي طغت على تفكير معد او معدي البيان تماماً كما كان الحال في خطاب الرئيس.

إذ يفيد التحليل ان مفاهيم الامن والارهاب والتطرف والعنف، والمفردات الدالة عليهم، كانت المفاهيم والمفردات الاكثر استخداماً في البيان حيث تكررت بواقع (46) مرة، أي ما نسبته 4,6% من مجموع كلمات البيان. وتفيد النسبة اعلاه ان كثافة استخدام مفهوم الامن والارهاب والتطرف والمفردات الدالة عليه في البيان الختامي كانت اكثر بنسبة 200% من كثافة استخدامها في خطاب الرئيس، اذا ما أخذ عدد كلمات كل منهما بعين الاعتبار، الامر الذي يشير الى مدى ضعف الامن في الشرق الاوسط ومدى حاجة دوله لتعزيزه وتقويته من خلال مواجهة الارهاب ومحاربة اسباب انتشاره لا سيما الاسباب الفكرية.

وفيما يتعلق بمقاربة البيان الختامي للقمة للسلام في المنطقة لا سيما السلام على المسار الفلسطيني الاسرائيلي، فتجدر الاشارة الى ان الرئيس ترامب كان قد أفرد في عرضه فقرة خاصة مقتضبة عن السلام الفلسطيني الاسرائيلي كما ورد نصا في الفقرة رقم (66) من خطابه، فيما لم يتطرق بيان القمة الختامي مباشرة لهذا الموضوع في أي من فقراته وبنوده.

وذلك على الرغم من ان مفهوم السلام والمفردات الدالة عليه كان المفهوم الثاني الاكثر تكراراً في البيان، اذ تكرر مفهوم السلام والتسوية السياسية في البيان بواقع (5) مرات، اما المفردات الدالة على السلام مثل التسامح والمحبة والرحمة والتعايش والتنسيق والعمل المشترك والتعاون... الخ من هذه المفردات فقد تكررت بواقع (38) مرة، وبذلك يصبح عدد تكرارات مفهوم السلام والمفردات الدالة عليه ما مجموعه (43) تكراراً، أي ما نسبته 4,3% من مجموع عدد كلمات البيان.

وتشير النسبة اعلاه ان كثافة استخدام مفهوم السلام في البيان الختامي كانت اعلى بـ 200% من نسبة كثافة استخدامها في خطاب الرئيس ترامب، كما تشير في نفس الوقت الى تساوي نسبة كثافة مفهوم الامن ومدلولاته، مع نسبة كثافة مفهوم السلام ومدلولاته المتضمنة في البيان الختامي للقمة، الامر الذي يظهر ان منطقة الشرق الاوسط تحتاج للسلام بقدر احتياجها للأمن، وذلك على الرغم من تقديم مفهوم الامن على مفهوم السلام في رؤية القمة للشراكة.

كما ويظهر تحليل مضمون البيان ان مفهوم السلام قد ورد في البيان في اربعة مواقع، إذ ورد مرتين في الفقرة الاولى التي حملت عنوان "الشراكة الوثيقة بين قادة الدول العربية والاسلامية والولايات المتحدة الامريكية...}...{ ، مرة في مقدمة هذه الفقرة التي جرى فيها الاعلان عن الشراكة والرؤية التي تحكمها والتي لُخصت في جملة " شراكة وثيقة لمكافحة الارهاب وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية في المنطقة والعالم"، ومرة في البند رقم (Cool من نفس الفقرة، وذلك في سياق نصه على "شدد القادة على أهمية وضع خطط واضحة لرسم مستقبل الشباب وبناء قدراتهم، وتعزيز مواطنتهم، وتوفير الفرص لهم، وتذليل كل العوائق التي تحول دون مساهمتهم في التنمية، وتحقيق أمن وسلام دولهم، والعمل على رعايتهم وغرس القيم السامية في نفوسهم وحمايتهم من التطرف والإرهاب".

ويفيد نص البند اعلاه ان السلام قد ورد في هذا البند في سياق مساهمة شباب الدول العربية والاسلامية في تحقيق امن وسلامة دولهم وليس السلام في الشرق الاوسط لا سيما السلام الفلسطيني الاسرائيلي.

كما ورد ثلاثة مرات في الفقرة الثانية التي حملت عنوان "تعزيز التعايش والتسامح البناء بين مختلف الدول والأديان والثقافات".

إذ ورد مرتين في البند رقم (1) من هذه الفقرة الذي كان نصه " أكد المجتمعون على أهمية توسيع مجالات الحوار الثقافي الهادف والجاد الذي يوضح سماحة الدين الإسلامي ووسطيته ونبذه لكل أشكال العنف والتطرف وقدرته على التعايش السلمي مع الآخرين، وبناء تحالف حضاري قائم على السلام والوئام والمحبة والاحترام".

وفي المرتين كما هو واضح في النص اعلاه ورد في سياق تأكيد قادة الدول العربية والاسلامية الذين اجتمعوا في قمة الرياض على اعادة انتاج معنى الاسلام، وتقديمه على انه دين السماحة والوسطية ونبذ العنف والتطرف وقدرته على التعايش السلمي مع الآخرين وبناء تحالف حضاري قائم على السلام والوئام والمحبة والاحترام.

كما ورد مرة واحدة في الفقرة رقم (2) من ذات الفقرة، اذ نص هذا البند على "شدد القادة على أهمية تجديد الخطابات الفكرية وترشيدها لتكون متوافقة مع منهج الإٍسلام الوسطي المعتدل الذي يدعو إلى التسامح والمحبة والرحمة والسلام، مؤكدين أن المفاهيم المغلوطة عن الإسلام يجب التصدي لها وتوضيحها، والعمل على نشر مفاهيم الإٍسلام السليمة الخالية من أي شائبة".

ويظهر من نص البند اعلاه انه اعادة تأكيد على ما ورد في البند السابق ولكن باستخدام لفظ التشديد من قبل القادة على اهمية تجديد واعادة انتاج الخطاب الديني الذي يظهر الدين الصحيح الذي يدعو للمحبة والرحمة والتسامح.

كما ويفيد النص انه قد جرى استخدام مفردات دالة على السلام مثل المحبة والسلام، علاوة على اعتراف النص مباشرة ان مفاهيم الدين السليمة قد جرى انتاجها محشوة بالشوائب التي بدورها انتجت الارهاب الذي بات علامة مميزة للمنطقة العربية والاسلامية.

ويفهم من النصوص اعلاه ان المحور الفكري يمثل احد اهم ركائز استراتيجية مواجهة ومحاربة الارهاب، الامر الذي استدعى القادة العرب والمسلمين الى استخدام الفاظ مثل "التأكيد والتشديد" على ضرورة تبني خطط واستراتيجيات تضمن اعادة انتاج  فهم الدين على اسس مثل الوسطية والسماحة والاعتدال وليس القتل والدماء كما تصورها وتجسدها المنظمات الارهابية.

وفي اطار البحث عن مزيد من الاشارات الدالة على السلام في المنطقة والمتعلقة بمعالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي التي تضمنها البيان الختامي للقمة، توقفت هذه المقالة طويلاً اما البند رقم (2) من الفقرة الاولي التي حملت عنوان "الشراكة الوثيقة...}...{ ، المشار اليها سابقاً.

اذ كان نص البند اعلاه "ثمن القادة الخطوة الرائدة بإعلان النوايا بتأسيس "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي في "مدينة الرياض"، الذي ستشارك فيه العديد من الدول للإسهام في تحقيق السلم والأمن في المنطقة والعالم، وسوف يتم استكمال التأسيس وإعلان انضمام الدول المشاركة خلال عام 2018".

ويفيد النص اعلاه ان العام 2018، سيشهد نشأة شخصية قانونية جديدة في الشرق الاوسط اسمها "تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي"، وسيكون مقر هذه الشخصية القانونية مدينة الرياض، وسيشارك في هذا التحالف العديد من الدول التي ستساهم في تحقيق السلم والامن في المنطقة والعالم.

ويظهر من النص اعلاه انه قد جرى اختيار كلماته وصياغة عباراته بعناية فائقة، فلم يجري قصداً تحديد هوية هذا التحالف القومية او الدينية، فضلا عن عدم تحديد هوية الدول التي ستنضم اليه، وعلى الرغم من ذلك فقد تضمن النص عدة شروط لكسب العضوية في هذا التحالف، ومن هذه الشروط: مصادقة الدول على عقد التأسيس الذي كشف النص انه الان في طور الاستكمال، ثم اعلان الدول رغبتها في الانضمام للتحالف، والشرط الاخير المتضمن في النص هو مساهمة انضمام الدول في تحقيق السلم والامن في المنطقة والعالم.

وتفهم هذه المقالة من النص اعلاه انه قد فتح الابواب على مصراعيها لانضمام دولة اسرائيل لهذا التحالف، لا سيما وانه يصب مباشرة في مصلحة اسرائيل الاستراتيجية في اطار بحثها عن الامن في مرحلة بدء تنفيذ الولايات المتحدة الامريكية لاستراتيجيتها الجديدة القائمة على خروج امريكا من المنطقة بعد ضمان امنها وتوازناتها الاستراتيجية، هذا الامن الذي يبدو انه يعتمد اكثر على جيران اسرائيل العرب اكثر من اعتماده على الولايات المتحدة الامريكية.

علاوة على ان هذا التحالف يتفق تماما مع اهم محاور معادلة الامن القومي الاسرائيلي التي ضمنت وجودها منذ نشأتها في العام 1948، والقائم على ضمان عدم قيام وحدة عربية استراتيجية معادية لها في المنطقة.

فضلاً عن ان معظم شروط الانضمام لهذا التحالف الاستراتيجي في المنطقة المتضمنة في النص تنطبق عليها، بإستثناء الشرط الاخير المتعلق بالمساهمة في تحقيق السلم والامن في المنطقة والعالم، حيث لا زالت اسرائيل لا تسهم في تحقيق السلام والامن في المنطقة والعالم، باستمرارها  احتلال فلسطين وشعبها ودرة تاجهما "القدس" التي يعتبر مسجدها اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.

وتأسيسا على ما تقدم فأي تحالف في المنطقة على النحو المنصوص عليه في بيان القمة الختامي "اعلان الرياض" لا يضمن تحرير فلسطين وشعبها ومسجدها الاقصى من خلال قيام دولة فلسطين المستقلة وفق مبدأ حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات قمة عمان الاخيرة، يعتبر تراجعا استراتيجيا عن قرارات الاجماع العربي والاسلامي والدولي، الامور التي تضمن فشل تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي قبل الاعلان عن قيامه.

وعلى ضوء ما تقدم ترى هذه المقالة ان المحدد الاهم لمعالجة الصراع الفلسطيني الاسرائيلي المتضمن في بيان الرياض، يكمن في مكانة فلسطين في "تحالف الشرق الاوسط الاستراتيجي" فهل ستكون دولة مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، ام ستبقى دولة غير كاملة العضوية كما هو حالها في الامم المتحدة؟

لذلك يمكن القول ان الفترة الزمنية الممتدة حتى نهاية العام 2018، ستكون فترة حاسمة في تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، اذ انها ستكون شاهدة، اما على قيام دولة فلسطين المستقلة على حدود العام 1967، او على نجاح اسرائيل في حسم صنع وجودها غير المحسوم منذ العام 1948، على حساب الحقوق الوطنية الفلسطينية والعربية والاسلامية.

تحقيق الخيار الاول يفرض على الفلسطينيين واشقائهم العرب والمسلمين التوحد على استراتيجية الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية على حدود العام 1967، كما وردت نصا في مبادرة السلام العربية وقرارات قمة عمان الاخيرة اولا، وفهم ما يجري في المنطقة والعالم ثانيا، واخيرا الاستعداد لدفع اثمان افشال الرؤية الاسرائيلية في حسم صنع وجودها على حساب الحقوق الوطنية والقومية الفلسطينية والعربية .

وفي النهاية لا يخرج  كل ما تقدم عن اطار التحليل الذي قد يصيب وقد يخطأ.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
أزمة المشروع الوطني الفلسطيني
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: احداث ما بعد النكبة-
انتقل الى: