انتشار ظاهرة الطلاق يثير القلق في المجتمع
هناك العديد من حالات الطلاق التي تعود لأسباب غير مقنعة -(أرشيفية)
منى أبوحمور
عمان- لم يعد يمين “الطلاق” أمرا يخشى العديد من الأزواج التلفظ به، كما لا تتوانى الزوجات عن طلبه في لحظات الغضب بدون التفكير بعواقب هذه الكلمة وتبعاتها على الأسرة.
فالثلاثيني راشد حسن أنهى علاقته الزوجية بناء على رغبة زوجته التي بادرت لرفع قضية طلاق عليه بسبب صحن مكسرات، على حد قوله.
راشد، الذي يعمل موظفا في إحدى الدوائر الحكومية ويتقاضى راتبا لا يتجاوز الـ250 دينارا، يجد صعوبة في تأمين بعض متطلبات زوجته التي يراها ليست ذات أهمية، فكان “كيلو مكسرات إكسترا” هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير، كما يقول.
ويردف “غضبت زوجتي لعدم إحضار مكسرات اكسترا لها ووصفتني بالبخيل”، موضحا أنها وفي اليوم ذاته أخبرته أنه إذا لم يحضر لها ما طلبت، فستذهب إلى بيت أهلها وتطلب الطلاق، الأمر الذي لم يأخذه بعين الاعتبار، إلا أنه وبعد عودته من العمل تفاجأ بما أقدمت عليه.
“على حفاضات طفل في شهوره الأولى كانت نهاية بيت ابنتي”، هذا ما قالته الأربعينية لقاء محمد عن سبب طلاق ابنتها التي لم يمض على زواجها سوى عامين.
وتستهجن لقاء، والمرارة تعتصر قلبها، ذلك التهاون الكبير الذي بدا من الزوج في هدم حياة عائلته والحكم على ابنه بالضياع بين أب غير مسؤول وأم مصدومة لا تستوعب أنها فعلا مطلقة.
وتضيف “من الغريب أن ينسى الزوجان كل جميل يجمعهما ولحظات الاتفاق بينهما، ليقرر الزوج إنهاء حياة أسرة بسبب طلب الزوجة حفاضات لطفلها الذي هو مسؤول منه”.
وتتداول على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية مؤخرا بعض الدعاوى وحالات الطلاق التي سجلت في المحاكم الأردنية أثارت استياء العديد من الناس الذين تملكهم الخوف على منظومة الأسرة التي باتت على حافة الهاوية.
وآخر هذه الدعاوى زوجة ترفع دعوى طلاق على زوجها لعدم دفعه فاتورة الإنترنت وتسقطها بعد حصولها على جهاز لوحي جديد، وآخر يطلق زوجته أمام الملأ لتأخرها في التسوق وقصص أخرى تعصف برباط الزوجية المقدس وتضع العديد من العائلات على مفترق طرق يؤدي بها إلى الهاوية.
بدوره، يعزو اختصاصي علم الاجتماع الدكتور فتحي طعامنة ذلك إلى قلة الوعي والمعرفة الكافيين لدى الشباب والفتيات بقيمة الحياة الزوجية وقدسيتها، لافتا إلى ضرورة ترسيخ هذه المعاني في نفوسهم حتى ينظروا إلى العلاقة الزوجية على أنها رابطة مقدسة.
والطلاق لا يمكن أن يكون حلا صائبا في كثير من الحالات، في رأي طعامنة، فلا يمكن أن يكون هناك إنسان كامل وإن كره أحد الأزواج خلقا من الآخر، فلا بد من وجود أخلاق إيجابية أخرى تستحق الصفح والمسامحة.
ومن جهته، يؤكد اختصاصي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة، أن فكرة الطلاق بحد ذاتها هي ظاهرة سلبية في العلاقات الزوجية، لا سيما وأن ضحاياها هم الأطفال والزوجة الذين قد يتعرضون إلى مشاكل نفسية كبيرة.
ويعزو مطارنة تزايد أسباب الطلاق والتهاون به إلى ضعف الوازع الديني والرابط الاجتماعي، لاسيما وأن الزواج يربط أسرتين بعلاقات اجتماعية ودم ونسب، وهو ما لم يعد يقدره الكثير من الناس ويحسب له حساب.
المسلسل التاريخي “الزير سالم” كان سببا أيضا في إنهاء علاقة زوجية دامت عشرة أعوام، وكان ضحيتها ثلاثة أطفال لم يكمل أكبرهم عامه السابع.
ولم تكن ليليانا طه تعلم أن قصة تاريخية شاهدها الملايين في عمل درامي ستكون سببا في طلاقها، والسبب هو اعتزازها بإخوانها وأهلها وعشيرتها.
وخان ليليانا الذكاء في التهرب من الرد على سؤال زوجها؛ حيث سألها من أعز الناس إليها هو أم أهلها، ومن مصدر فخرها، فكان ردها مازحة والابتسامة تحتل وجهها “طبعا أهلي”، فكان هذا آخر ما تلفظت به في بيت زوجها الذي طلقها على الفور وقال لها “خلي أهلك يحووكي”.
وإقامة علاقات الزواج بسرعة وبدون ضوابط يكون نهايتها الطلاق، وفق طعامنة، الأمر الذي جعل العلاقة الزوجية هشة، إلى جانب سن الزواج المبكرة التي لا تؤهل الكثير من الأزواج إلى فتح بيوت وإقامة علاقة زوجية صحيحة تقوم على المودة والاحترام فتبقى العلاقة محصورة بزاوية واحدة.
ويؤكد مطارنة أن هذا النوع من الزواج يتميز بالفراغ الفكري وفروقات في الثقافة، وردات فعل وحالة انفعالية معينة، خصوصا في الأعمار دون 25 الذين يعيشون حالة من عدم الاستقرار النفسي والعاطفي التي سرعان ما تذوب، الأمر الذي جعل الكثير من الأزواج يطلقون على أبسط الأسباب وإن كان السبب فاتورة انترنت.
كما أن الجفاف الأسري والعاطفي والضغوطات النفسية التي تتعرض لها الأسرة، في رأي مطارنة، كلها أسباب أدت إلى انتشار ظاهرة الطلاق التي ألقت بظلالها على المجتمع، وأصبحت هاجسا يقلق العديد ممن يريدون الإقبال على الزواج فتزعزع ثقتهم بنفسهم أو حتى إمكانية حصولهم على علاقة زوجية ناجحة، بحسب مطارنة.
ويشير طعامنة إلى حاجة المجتمع إلى ضرورة بناء منهج وقائي لإعلاء رابط العلاقة الزوجية، لاسيما وأن هناك العديد من الأزواج الذين يلجأون إلى الطلاق كخطوة أولى وليس أخيرا، ولسبب ليس ذا أهمية يكون التأكد إن كان يعالج هذا الخطأ أم لا، متجاهلين النتائج السلبية لهذه الخطوة.
وهناك العديد من حالات الطلاق التي تعود لأسباب غير مقنعة، كما يقول، مؤكدا أنه يقع على عاتق الآباء والأمهات على وجه الخصوص أن يغرسوا في نفوس أبنائهم وبناتهم معاني الحياة الزوجية واستحقاقاتها، لافتا إلى وجود العديد من الشباب والفتيات الذين يكتفون بالنظر إلى الحياة الزوجية من زاوية واحدة، متجاهلين متطلبات هذه العلاقة المقدسة ومتطلباتها ومتطلبات الحياة الأسرية والعائلية التي تحتكم إليه هذه الروابط.
ويلفت مطارنة إلى أن ضرورة ترسيخ مفاهيم جديدة في المجتمع؛ إذ أصبحت العلاقة الزوجية لا تحمل تلك القدسية والمعاني ذاتها، ولم تعد مؤسسة أمان اجتماعي، فأصبحت الزوجة والأطفال يعانون، لذلك نجد العديد من الأطفال والنساء يعانون نتيجة لذلك وانتشار ظواهر اجتماعية بسبب أن الطلاق أصبح أمرا عاديا حتى ان بعض الأزواج أصبحوا يبدأون العلاقة الزوجية وهم يضعون احتمال الطلاق نصب أعينهم.
هذا وقد سجل الأردن أعلى نسب الطلاق بين الأزواج العشرينيين في الأردن بين الفئات العمرية كافة، وفقاً لبيانات رسمية حديثة، أظهرت أن نحو نصف المطلقات في البلاد، كنّ في هذه السن.
وحسب تقرير دائرة الأحوال المدنية والجوازات السنوي، بلغ عدد حالات الطلاق العام الماضي، 7877 حالة، كما كشف التقرير أن أكثر حالات الطلاق وقعت العام 2012، عندما يكون سن الزوج بين 25 و29 عاماً بنسبة 25.9 %، وسن الزوجة بين 20 و24 عاماً بنسبة 28.4 %.
وجاء في المرتبة الثانية في خصوص سن الزوج عند الطلاق، الفئة العمرية بين (20 و24 عاماً) بنسبة 11 %، وسن الزوجة (25 و29 عاماً) بنسبة 21.3 %.
وبناء على ذلك، تبلغ نسبة الطلاق عند الرجل في الأردن عندما يكون عمره بين 20 و29 عاماً 36.9 %، ولدى الزوجة في هذه الفئة العمرية 49.7 %.
ويقول التقرير الرسمي إن 3916 فتاة عشرينية تطلقت العام الماضي، وأقدم 2910 شبان في العشرينيات على تطليق زوجاتهم في ذلك العام.