ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: طريق رؤساء مصر إلى إثيوبيا في 6 محطات الأحد 22 مارس 2015, 7:58 pm | |
| |
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: طريق رؤساء مصر إلى إثيوبيا في 6 محطات الأحد 22 مارس 2015, 7:58 pm | |
| بين الجيولوجيا والسياسة | رؤية فنية لسد الألفية الإثيوبي د. عباس شراقي مجلة السياسة الدولية. مايو 2013 أعلنت إثيوبيا في فبراير 2011 عن مشروع بناء سد علي النيل الأزرق، يحمل اسم مشروع سد النهضة أو الألفية، لتوليد الطاقة الكهرومائية (بقدرة 5.250 ميجاوات) علي النيل الأزرق بمنطقة بني شنقول جوموز علي بعد نحو 20-40 كيلومترا من حدود إثيوبيا مع السودان، بتكلفة تبلغ نحو 4.8 مليار دولار. وقد أثارت الخطوة الإثيوبية جدلا واسعا، وتباينت المعلومات المتاحة بشأن السد. فالحقائق العلمية من خلال الدراسات الأمريكية التي أجريت عام 1964 وما تلاها من أبحاث تؤكد أن سعة الخزان تتراوح بين 11.1 و24.3 مليارم3 . إلا أن تصريحات المسئولين الإثيوبيين الأخيرة ذكرت أرقاما أخري حول سعة الخزان، وصلت إلي 62 ثم 67 مليارم3، بيد أنه لا يوجد علميا ما يؤكد تلك البيانات. وكانت الدراسات حول سد النهضة (الألفية) قد بدأت منذ عام 1946 بواسطة مكتب الاستصلاح الأمريكي، في دراسة موسعة حددت 26 موقعا لإنشاء السدود(1)، أهمها أربعة سدود علي النيل الأزرق الرئيسي. وحمل سد الألفية في تلك الدراسة اسم سد بوردر (Border). وبعد أن أعلنت الحكومة الإثيوبية تدشين المشروع، وإسناده إلي شركة ساليني(Salini) الإيطالية بالأمر المباشر، وأطلقت عليه مشروع إكس (Project X)، قامت بالفعل بوضع حجر الأساس للمشروع في الثاني من أبريل 2011، وقررت تغيير الاسم إلي سد الألفية الكبير (Grand Millennium Dam).ثم تغير الاسم للمرة الثالثة في الشهر نفسه ليصبح سد النهضة الإثيوبي الكبير. الموقع الجغرافي للسد : معروف أن نهر النيل ينبع من مصدرين رئيسيين هما: (1) الهضبة الإثيوبية، التي تشارك بنحو 71 مليارم3 عند أسوان (85% من إيراد نهر النيل)، من خلال ثلاثة أنهار رئيسية: النيل الأزرق (أباي) 50 مليارم3، ونهر السوباط (بارو- أكوبو) 11 مليارم3، ونهر عطبرة (تيكيزي) 11م3(2). (2) هضبة البحيرات الاستوائية التي تشارك بنحو 13 مليارم3 (15% من إيراد نهر النيل) تشمل بحيرات فيكتوريا، وكيوجا، وإدوارد، وجورج، وألبرت. ويقع سد النهضة (الألفية) في نهاية النيل الأزرق في منطقة بني شنقول جوموز وعلي بعد نحو 20-40كم من الحدود السودانية، خط عرض 11 درجة 6 شمالا، طول 35 درجة 9 شرقا، علي ارتفاع نحو 500-600 متر فوق سطح البحر. ويصل متوسط الأمطار في منطقة السد إلي نحو 800 مم/سنة(3). الموقع جيولوجيا : يقع السد في منطقة تغلب عليها الصخور المتحولة لحقبة ماقبل الكمبري، والتي تشبه في تكوينها جبال البحر الأحمر الغنية ببعض المعادن والعناصر المهمة، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، بالإضافة إلي محاجر الرخام. وهناك عوامل جيولوجية وجغرافية كثيرة تتسبب في فشل كثير من المشروعات المائية في دول منابع نهر النيل بصفة عامة وإثيوبيا بصفة خاصة، من بينها: 1- صعوبة التضاريس، حيث الجبال المرتفعة والأودية الضيقة والعميقة، وما يتبعها من صعوبة نقل المياة من مكان إلي آخر في حالة تخزينها. 2- انتشار الصخور البركانية البازلتية، خاصة في إثيوبيا، وهي صخور سهلة التعرية بواسطة الأمطار الغزيرة، وأيضا ضعيفة هندسيا لتحمل إقامة سدود عملاقة. 3- تأثير الصخور البازلتية أيضا في نوعية المياه، خاصة في البحيرات، حيث تزيد من ملوحتها كما هو الحال في البحيرات الإثيوبية التي تقع في منطقة الأخدود في كل من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والتي تشكل عائقا أيضا في تكوين مياه جوفية. 4- التوزيع غير المتجانس للأمطار، سواء الزمني أو المكاني. 5- زيادة معدلات البخر، التي يصل متوسطها إلي 80% من مياه الأمطار، كما هو الحال في معظم القارة الإفريقية. 6- زيادة التعرية وانجراف التربة، نتيجة انتشار الصخور الضعيفة، والانحدارات الشديدة لسطح الأرض، وغزارة الأمطار في موسم مطر قصير، بالاضافة إلي زيادة معدل إزالة الغابات مع زيادة عدد السكان. 7- يحد حوض النيل في دول المنابع مرتفعات كبيرة تمنع إمكانية نقل مياه النيل إلي الأماكن التي تعاني نقص المياه، خاصة في موسم الجفاف، ويتضح هذا جليا في كل من إثيوبيا وكينيا وتنزانيا. 8- عدم ملاءمة الزراعة المروية لدول الحوض، نظرا لصعوبة التضاريس، وعدم إمكانية نقل المياه سطحيا. 9- وجود الأخدود الإفريقي في جميع دول المنابع، وما يسببه من تشققات وفوالق ضخمة، ونشاط بركاني وزلزالي قد يؤثر في المشروعات المائية خاصة في إثيوبيا. 10- التغيرات المناخية التي قد تسبب جفافا في بعض الأماكن، وأمطارا في أماكن أخري.
الخصائص الفنية لسد الألفية : الدراسات الحديثة المتعلقة بالسد غير معلنة، وذكرت الحكومة الإثيوبية أنها لن تكشف عن تلك الدراسات إلا بعد توقيع مصر الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل. لكن المعلومات العلمية المتاحة هي من خلال الدراسة الأمريكية التي أوضحت أن ارتفاع السد نحو 84.5م، وسعة تخزينية 11.1 مليارم3، عند مستوي 575م للبحيرة. وقد يزداد ارتفاع السد ليصل إلي 90 مترا بسعة 13.3 مليارم3، عند مستوي 580م للبحيرة. وفي سيناريوهات أخري، تصل سعة التخزين إلي 16.5 مليارم3 عند مستوي 590م للبحيرة، أو 24.3 مليارم3 عند مستوي 600م للبحيرة(4). وطبقا لتصريحات وزير الري الإثيوبي، فإن ارتفاع السد سوف يصل إلي 145 مترا بسعة تخزينية 62 مليارم3، ازدادت إلي 67 مليارم3 في تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي(5)، التي لا توجد أي دراسة علمية منشورة تؤكد تلك التصريحات حتي الآن. من خلال دراسة نماذج خرائط الارتفاعات، يمكن استنتاج أن طول البحيرة سيصل إلي 100كم بمتوسط عرض 10كم(6)، أي أنها سوف تغرق نحو نصف مليون فدان من الأراضي القابلة للري والتي يصل إجماليها إلي مليوني فدان في حوض النيل الأزرق. وحدات إنتاج الكهرباء: يحتوي تصميم السد علي 15 وحدة كهربائية، قدرة كل منها 350 ميجاوات، عبارة عن 10 توربينات علي الجانب الأيسر من قناة التصريف، وخمسة توربينات أخري علي الجانب الأيمن، بإجمالي 5225 ميجاوات، مما يجعل سد النهضة في المرتبة الأولي إفريقيا والعاشرة عالميا في قائمة أكبر السدود إنتاجا للكهرباء. التكلفة والتمويل : تبلغ تكلفة السد نحو 4.8 مليار دولار أمريكي، والتي من المتوقع أن تصل في نهاية المشروع إلي نحو 8 مليارات دولار أمريكي للتغلب علي المشاكل الجيولوجية التي سوف تواجه المشروع، كما هو معتاد في جميع المشروعات الإثيوبية السابقة. وقد أسند هذا السد بالأمر المباشر إلي شركة سالني الإيطالية(7). ويرفض البنك الدولي في السنوات الأخيرة تمويل مشروعات السدود المائية بصفة عامة، نظرا لعدم اقصاديتها في الوقت الحالي، بالإضافة إلي المشكلات السياسية التي تنبثق من جراء هذه المشروعات. كم أنه اتهم الخطة الإثيوبية للتوسع في توليد الطاقة بأنها غير واقعية، واتجهت اهتماماته في قطاع الطاقة إلي التوسيع في نطاق شبكات التوزيع وإصلاح القطاعات الجارية(. وذكرت الحكومة الإثيوبية أنها تعتزم تمويل المشروع بالكامل، بعد اتهامها مصر بأنها تحرض الدول المانحة علي عدم المشاركة، وبعد أن شحنت الشعب الإثيوبي بأنه مشروع الألفية العظيم، الذي يعد أكبر مشروع مائي يمكن تشييده في إثيوبيا. ومن الجدير بالذكر أن الحكومة الإثيوبية تعجز منذ عام 2006 عن تكملة سد جيبي3 علي نهر أومو المتجه نحو بحيرة توركانا (كينيا) بسبب عدم توافر المبلغ المطلوب، الذي يصل إلي نحو ملياري دولار أمريكي. والآن، تضع الحكومة الإثيوبية نفسها في مأزق أكبر بإنشاء سد النهضة ليصبح المطلوب توفيره نحو 7 مليارات دولار أمريكي للسدين. وتبلغ تكلفة التوربينات والمعدات الكهربائية نحو 1.8 مليار دولار أمريكي، يتم تمويلها من قبل البنوك الصينية. وسيتم تمويل بقية التكلفة (3 مليارات دولار) بواسطة الحكومة الإثيوبية(9). وكما هو معلن، فإن الفترة الزمنية المقررة للمشروع هي أربع سنوات. إلا أن هناك مصادر أخري حددت 44 شهرا للانتهاء من إتمام أول مولدين للكهرباء(10). ومن المتوقع أن يستغرق ثلاث سنوات إضافية للانتهاء من بناء السد. فوائد سد الألفية : 1- الفائدة الكبري لإثيوبيا من سد النهضة هو إنتاج الطاقة الكهرومائية (5250 ميجاوات) التي تعادل ما يقرب من ثلاثة أضعاف الطاقة المستخدمة حاليا. 2- التحكم في الفيضانات التي تصيب السودان، خاصة عند سد الروصيرص. 3- توفير مياه قد يستخدم جزء منها في أغراض الزراعة المروية. 4- تخزين طمي النيل الأزرق الذي يقدر بنحو 420 مليارم3 سنويا، مما يطيل عمر السدود السوداني والسد العالي. 5- قلة البخر، نتيجة وجود بحيرة السد علي ارتفاع نحو 570 إلي 650 مترا فوق سطح البحر، إذا ما قورن بالبخر في بحيرة السد العالي (160-176م فوق سطح البحر). 6- تخفيف حمل وزن المياه المخزنة عند بحيرة السد العالي، والتي تسبب بعض الزلازل الضعيفة. أضرار السد : 1- التكلفة العالية التي تقدر ب- 4.8 مليار دولار، والتي من المتوقع أن تصل إلي 8 مليارات دولار. 2- إغراق نحو نصف مليون فدان من الأراضي الزراعية القابلة للري والنادرة في حوض النيل الأزرق في بحيرة السد، وعدم وجود مناطق أخري قريبة قابلة للري. 3- إغراق بعض مناطق التعدين، مثل الذهب والبلاتين والحديد والنحاس، وبعض مناطق المحاجر. 4- تهجير نحو 30 ألف مواطن من منطقة البحيرة. 5- قصر عمر السد، الذي يتراوح بين 25 و 50 عاما، نتيجة الإطماء الشديد (420 ألف متر مكعب سنويا)، وما يتبعه من مشاكل كبيرة لتوربينات توليد الكهرباء، وتناقص في كفاءة السد تدريجيا. 6- زيادة فرص تعرض السد للانهيار، نتيجة العوامل الجيولوجية، وسرعة اندفاع مياه النيل الأزرق، والتي تصل في بعض فترات العام (شهر سبتمبر) إلي ما يزيد علي نصف مليار متر مكعب يوميا، ومن ارتفاع يزيد علي 2000م نحو مستوي 600م عند السد. وإذا حدث ذلك، فإن الضرر الأكبر سوف يلحق بالقري والمدن السودانية، خاصة الخرطوم، التي قد تجرفها المياه بطريقة تشبه السونامي الياباني 2011. 7- زيادة فرصة حدوث زلازل بالمنطقة التي يتكون فيها الخزان، نظرا لوزن المياه التي لم تكن موجودة في المنطقة من قبل في بيئة صخرية متشققة من قبل. 8- التوتر السياسي بين مصر وإثيوبيا بسبب هذا المشروع. 9- فقد مصر والسودان لكمية المياه التي تعادل سعة التخزين الميت لسد النهضة، والتي تتراوح بين 5 و 25 مليارم3 حسب حجم الخران، ولمرة واحدة فقط وفي السنة الأولي لافتتاح السد، نظرا لأن متوسط إيراد النيل الأزرق نحو 50 مليارم3 سنويا. ونظرا للتحديات الجيولوجية والجغرافية السابقة في دول منابع النيل، فإن أكثر ما يناسبها نمط الزراعة المطرية، ولذلك يجب أن يزداد التعاون بين دول الحوض من أجل تقدم هذه الزراعة والاستفادة القصوي من مياه الأمطار. كما أن المشروعات المائية الكبري لا تناسب دول المنابع، نظرا لتكلفتها العلية للتغلب علي الظروف الجيولوجية، وزيادة نسبة تعرضها للانهيار، نتيجة الفيضانات والتشققات الصخرية والزلازل، وعدم إمكانية نقل المياه وتوزيعها في حالة تخزينها. والحل الأمثل هو التوسع في إقامة سدود صغيرة متعددة الأغراض (كهرباء ومياه شرب وزراعة بسيطة) لكي تخدم أكبر عدد من المدن أو القري التي يستحيل نقل المياه إليها من أماكن أخري. بالتالي، فإن سد النهضة (الألفية) الإثيوبي المزمع إنشاؤه علي النيل الأزرق بالقرب من الحدود السودانية، والذي يقال إنه سوف يخزن 67 مليار متر مكعب، ليس في صالح إثيوبيا للأسباب سابقة الذكر، وأن الهدف من ورائه هو سياسي بالدرجة الأولي، ليجمع رئيس الوزراء الإثيوبي الشعب من حوله، والفوز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، وشغلهم عن ثورات الإصلاح التي بدأت في الانتشار في بعض الدول الإفريقية والعربية، وعلي رأسها ثورة 25 يناير 2011 المصرية. الهوامش :
1- Waterbury، J.، 2002، The Nile Basin National Determinants of Collective Action،University Press، London، 211p. ) Awulachew، S.B.، McCartney، M.، Ibrahim، Y.، and Shiferaw، Y.S.، 2008، Evaluation of water availability and allocation in the Blue Nile Basin، CGIAR Challenge Program on Water and Food 2nd International Forum on Water and Food، Ethiopia، pp. 6-10.
2- د. عباس محمد شراقي، 2010، المشروعات المائية في إثيوبيا وآثارها علي مستقبل مياه النيل، "مؤتمر آفاق التعاون والتكامل بين دول حوض النيل .. الفرص والتحديات"، 25-26 يونيو، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، ص ص151-291.
3- World Bank Agriculture And Rural Development Department، 2006، Ethiopia Managing Water Resources Growth، A World Bank Water Resources Assistance\\Strategy for Ethiopia، p91.
4- BCEOM. 1998 Abay River Basin Integrated Development Master Plan Project. Report to Ministry of Water Resources، The Federal Democratic Republic of Ethiopia.
5- Berhane، D.، 2011، Quick facts on the Grand Millennium dam | Ethiopia، on April 11، 2011،
[Updated] Quick facts on the Grand Millennium dam | Ethiopia ~ Horn Affairs - English
6- د. عباس محمد شراقي (2011)، سد النهضة (الألفية) الإثيوبي الكبير وتأثيره في مصر وشمال السودان، مؤتمر " ثورة 25 يناير 2011 ومستقبل علاقات مصر بدول حوض النيل 30-31 مايو 2011، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة، تحت الطبع.
7- Ethiopia Launched Grand Millennium Dam Project، the Biggest in Africa". Ethiopian News. 2 April 2011.
8- World Bank، .2006 Implementation Completion Report (# 35573) for Energy II project.
9- "Council of Ministers Approves Regulation Establishing Council on Grand Dam". Ethiopian Government. 16 April 2011.
10- "Meles Launches Millennium Dam Construction on Nile River". New Business Ethiopia. 2 April 2011. تعريف الكاتب: قسم الموراد الطبيعية، معهد البحوث والدراسات الإفريقية، جامعة القاهرة
تاريخ النشر :الأربعاء, 15 مايو 2013 |
|
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: طريق رؤساء مصر إلى إثيوبيا في 6 محطات الأحد 22 مارس 2015, 7:59 pm | |
| العودة للتفاوض |
المائدة المستديرة لـ" السياسة الدولية": رؤية جديدة لبناء دور مصري في حوض النيل أميرة البربري ورندا موسى مجلة السياسة الدولية تعد أزمة مياه نهر النيل أكثر اختبارات السياسة الخارجية المصرية إلحاحا في الفترة الراهنة، لاسيما بعد الفتور الذي شهدته العلاقات المصرية- الإفريقية في العهد السابق، وكذلك شدة الخلاف بين دول الحوض حول اتفاقية عنتيبي، وشروع إثيوبيا في بناء شبكة من السدود على النيل الأزرق. في إطار ذلك، عقدت مجلة "السياسة الدولية" مائدة مستديرة تحت عنوان " مصر ومياه النيل.. ما العمل؟"، حيث أشار الأستاذ أبوبكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، إلى أن الهدف من المائدة هو الخروج برؤية متكاملة للبدائل والأدوات، التى يجب أن تتبناها السياسة الخارجية المصرية للتعامل مع الملف، خاصة في ظل صراع القوى الخارجية للحصول على موطئ قدم لها في منطقة الحوض، من خلال دعم مشروعات بناء السدود بما ينذر بالخطر والتهديد الاستراتيجي للأمن المائي المصري الذي هو جزء أصيل من منظومة الأمن القومي.
شارك في المناقشة الدكتور السيد نصر علام، وزير الري والموارد المائية السابق، والسفير مجدي عامر، مساعد وزير الخارجية والمنسق العام لدول حوض النيل، ورفيق خليل، مستشار وزير الموارد المائية، ود. السيد فليفل، الأستاذ بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية، وحلمي شعراوي، المدير السابق لمركز البحوث العربية والإفريقية، ود. أحمد عبد الحليم، عضو المجلس المصري للشئون الخارجية، ود. أيمن عبد الوهاب، خبير المياه والقضايا الإفريقية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، وهانئ رسلان، رئيس وحدة دراسات السودان وحوض النيل بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، ود. محمد سلمان، أستاذ مساعد العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية.
أزمة مياه النيل.. التوصيف والأبعاد:
اتفق المشاركون في الندوة على أن البعد عن تسييس قضية مياه النيل، وغلبة الجانب الفني والهندسي في معالجتها من أهم أسباب المشكلة. حيث وصف السفير رفيق خليل الأزمة بأنها ذات أبعاد متعددة سياسية، واقتصادية، وفنية، وقانونية، وأن الطابع الفني والقانوني غلب على المعالجة لها، قائلا إن الظروف الراهنة تستدعى إيجاد فرص للتقارب مع دول المنابع ومعالجة السلبيات والتنسيق الكامل مع السودان بشأن ما سيترتب على اتفاقية عنتيبي.
واتفاقاً مع الرؤية السابقة، أوضح د. محمد سلمان أن المشكلة بالأساس في أزمة مياه النيل هي أن مدرسة الرأي المصرية عكفت على التعامل مع تلك القضية من منطلق فني هندسي، وبعدت عن تسييس القضية، واصفاً المشكلة بأنها سياسة، ثم سياسة، ثم سياسة، ثم اقتصاد.
وتطرق د. أيمن عبد الوهاب إلى أن الأزمة أبعد من كونها مجرد خلاف سياسي، أو طغيان البعد الفنى عليها الذي يظل عاجزاً أمام خلق بدائل تنموية توفر الطاقة وتلبى احتياجات دول الحوض، قائلا إنه ينبغي النظر إليها في إطار ثلاثية الأمن المائى، والغذائى، والإنسانى، فى ظل التنافس الذى تشهده المنطقة التى تجاوزت الميراث التاريخى لتلتقى بمصالح أخرى، ربما مع قوى عربية أو أوروبية أو آسيوية تتنافس جميعها فى منطقة الحوض. وفي السياق نفسه، أكد د. لواء أحمد عبد الحليم أن ما تشهده المنطقة من صراعات هو المحك للأمن القومى المصري، بداية من السودان بدولتيه حتى الامتداد الاستراتيجي عبر دول الحوض.
وهنا، تدخل أبوبكر الدسوقي، رئيس تحرير مجلة السياسة الدولية، الذي يدير المائدة قائلا إن محور الأخطار الخارجية التي تهدد الأمن القومي المصري متمثلة فى شدة الخلاف حول الاتفاقية الإطارية التي أغفلت حقوق مصر التاريخية، فضلا عن وضع حجر الأساس لسد النهضة الإثيوبي كبداية لسلسلة من السدود على مصدر المياه الرئيسي لمصر، متجاهلة المصالح المصيرية في مياه النيل بالنسبة لمصر رغم وجود بدائل تسمح بحصص كافية لدول المنبع.
ومن جانبه، أكد د. السيد فليفل أن المشكلة تكمن في فقدان الرؤية، وذلك لأن النخبة السياسية المصرية القائمة على العمل التنموي والثقافي لم تجلس حتى الآن لتضع مشروعاً جديدا. ومن هنا، دعا دكتور فليفل إلى أنه يمكن استثمار فترة ما بعد الثورة كفرصة للانطلاق نحو القرن الحادى والعشرين، من خلال تكوين لجنة خاصة بإفريقيا في مجلس الأمن القومي المنصوص عليه في الدستور، تضم كل الجهات المعنية بالملف، وتضع خطة تحرك للدولة، بما يضمن تنسيق العمل في إطار مجلس موحد.
وفي كلمته، أوضح الوزير الأسبق د. نصر علام أن مشكلة المياه فى بعدها الفنى تحمل أهدافاً وآثاراً سياسية واقتصادية جعلتها مشكلة بقاء أمة، تعتمد فى مصدرها الوحيد على مياه النيل، فحرمت مصر من مرونة التفاوض بشأن أى مصادر أخرى يمكن استخدامها، مشيرا إلى أن هناك إشكاليات مرتبطة بنقص الكوادر البشرية المؤهلة فيما يتعلق بملف حوض النيل، على عكس باقي دول الحوض، وسياسة ردود الأفعال التي تتبعها الإدارة المصرية في حل الملف.
وذكر هانئ رسلان أن أزمة المياة استراتيجية، وليست فنية، موضحاً أن نتاج سد النهضة الذى ستسخدمه إثيوبيا 5 آلاف ميجا وات فقط، ويصدر الفائض منه إلى دول الجوار التى لا تملك درجة عالية من النمو تتحمل الفائض الإثيوبى. قائلا: من هنا، تسقط الحجة الإثيوبية بضرورة بناء السد الذى أعيد تصميمه لمرات عديدة ليصبح ست مرات أكبر من التصميم الأصلي.
وتحدث السفير مجدي عامر عن البعد الداخلي للأزمة، قائلاً إن كانت مصر على أعتاب أزمة فعلية مع دول الحوض، فعليها أن تتحرك لتجنبها، لكنها بالفعل تحولت إلى أزمة مائية داخلية لم تتعامل معها الدولة المصرية لفترات كبيرة على النهج المطلوب. وأضاف حلمي شعراوي أن الأزمة المائية مسألة مصيرية مرتبطة بمستقبل المنطقة التى تشهد اضطرابات وتغيرات فى وقتٍ، غاب فيه الدور المصرى لصالح آخرين، غايتهم الوصول إلى المنطقة، ليصبح الملف المائى الآن مزيجا من المصالح المتشابكة لفاعلين جدد.
الخيارات المتاحة أمام صانع القرار المصري وآليات تنفيذها:
أشار اللواء د. أحمد عبد الحليم إلى أن هناك قضايا استراتيجية رئيسية يجب مراعاتها قبل الدخول في قضايا المياه لبناء القوة الرشيدة للدولة المصرية، ولدعم قدرتها على التأثير في المجال الإقليمي والدولي. وحدد عددا من الخطوات التي تقود إلى دور مصري مؤثر خارجياً وهي:
أولا: وهو أمر به قدر من الجنون –على حد تعبيره - والصعوبات في تنفيذه، وهو نهر الكونغو الذي يدفع للمحيط 440 فائض مائي يقدر بمليون متر مكعب في الثانية، و 1,58 مليار متر مكعب في الساعة، من خلال ربط نهر الكونغو بمنطقة البحيرات الاستوائية بشكل أو بآخر، والتدخل في منابع الدول في هذه المنطقة، حتى توفر هذه الكمية الكبيرة من المياه التى تتخطى كل الاحتياجات، وتنهي كل مشاكل النيل.
ثانياً: الاشتراك المصري في قضايا حوض النيل على مستوى إقليمي يشمل كل دول الحوض في الاتفاقات الموجودة بسائر اعتباراتها، بالتركيز على إثيوبيا، والبحث عن سبل جديدة للتعاون معها من خلال الاتفاقات الموقعة، سواء حديثاً، أو في عهد الاحتلال، بالإضافة إلى إيجاد نوع من الاتفاقات الجديدة. ومن جانبه، أكد د. أيمن عبد الوهاب أن أي سيناريوهات للحل لابد أن تتوافر لها موارد، وإرادة سياسية لإنجاحها، وأن فكرة التعاون هي الفكرة الحاكمة في الملف، وهذا لا يعني الاستسلام، أو افتقاد أوراق الضغط، أو عدم اللجوء للضغوط التصعيدية داخل إطار التعاون.
بينما أشار نصر علام، إلى ضرورة إيقاف بناء السد حتى الانتهاء من أعمال اللجنة الثلاثية، والتحول إلى سياسات الأفعال الرشيدة بدلاً من سياسة ردود الأفعال، واستمرار الجهود البناءة مع الجهات المانحة لمنع تمويل مثل هذه السدود، وأيضا زيادة إيراد النهر، وتعويض النقص الناتج عن المشاريع الإثيوبية هو الحل الأمثل، لأن مصر لا تملك ما تقدمه لإثيوبيا لتتنازل عن أحلامها.
كما أكد د. سلمان ضرورة الاعتماد على استراتيجية الالتفاف والتطويق السياسي بمحاصرة دول الحوض سياسياً- وليس من خلال سناريوهات صدامية - ويكون التطويق على المستوى الداخلي بإقامة علاقات مع دول الحوض في مواجهة إثيوبيا، وإقامة علاقات مع دول إفريقية في مواجهة دول الحوض.
ومن جانبه، شدد السفير مجدي عامر على عدم الاستغراق في المشاكل الداخلية، لأنه يؤثر بالسلب فى الملف، في الوقت الذي قد يدخل فيه مشروع سد النهضة حيز التنفيذ خلال أشهر معدودة، ووقتها نكون أمام مشكلة حقيقية، معتبرا أن الوقت ليس في صالحنا، وأنه ينبغي التحرك على مستوى (الدولة) من خلال القيادة السياسية للتفاوض، وهو ما كان غائباً في الملف طيلة السنوات الماضية.
بينما لفت أ.هانئ رسلان الانتباه إلى اتفاقية عنتيبي، وشكل التعامل معها، مؤكداً أنه ليس من المنطقي توقيع مصر اتفاقية تجعلها في موقف المتفرج العاجز، ويضعها أمام أمرين، هما فتح الباب لتداول قضايا بيع المياه، ونقل المياه من حوض النيل، وهذا يمثل ضررا كبيرا على مصر، لأنه تنازل بدون مقابل. بينما أوصى السفير رفيق خليل، قائلا : أياً كانت المخرجات من الطرح السابق، فإنه لابد أن يحتل الاستقرار الداخلي الاهتمام الأكبر، لأن أي تحرك سياسي لا ينجح بدون استقرار.
واختتم أبوبكر الدسوقي أعمال المائدة قائلا إن هناك اهتماما واضحا من جانب الرئيس محمد مرسي بمشكلة مياه النيل، وإن رئيس الوزراء هشام قنديل سيستفيد من اتصالاته كوزير سابق للري والموارد المائية مع العديد من المسئولين الأفارقة، مطالبا مؤسسات المجتمع المدني والدبلوماسية الشعبية بالتحرك الفوري نحو دول حوض النيل بهدف المعالجة السياسية والمجتمعية للأزمة.
توصيات المائدة المستديرة
وخلصت المائدة إلى عدة توصيات، تمثلت في:
1- أن البدائل والخيارات اللازمة لحل قضية المياه متنوعة ومتاحة ومتفق عليها، كما أن الوسائل والآليات اللازمة للتنفيذ متوافرة إلى حد كبير. لكن هناك عاملين مشتركين وراء أزمة مياه النيل، هما: غياب الإرادة السياسية، وهو ما أدي إلى غلبة علاقات الصراع في معالجة الملف على علاقات التعاون، وطغيان الطابع الفني في معالجة الملف على الطابع السياسي. والعامل الآخر يتمثل في ضعف التنسيق بين الجهات المعنية بالملف تحت قيادة موحدة برئاسة رمز الدولة.
2- رفض توقيع اتفاقية عنتيبي، باعتبار أن توقيع مصر تلك الاتفاقية يهدد مركزها القانوني، ويضعف موقفها.
3- أن الوقت الراهن هو التوقيت المناسب لتحرك القيادة السياسية نحو الجانب الإثيوبي، قبل أن يدخل مشروع سد النهضة حيز التنفيذ خلال أشهر معدودة .
4- ضرورة التعامل الإعلامي الحذر مع قضية مياه النيل، لأن فكرة النظام السابق واللاحق تشكل خطرا على الحقوق الثابتة للدولة المصرية التي لا تتغير بتغير النظم.
5- أن التحرك للتفاوض لابد أن يتم مع دول الحوض، وأيضا مع الدول الممولة لبناء السدود، وفق عدد من المداخل، لعل أهمها استخدام المساومات والمناورات السياسية بواسطة الجهاز الدبلوماسي، والتحرك الشعبي، ودور المجتمع المدني .
6- ضرورة الاستقرار السياسي الداخلي. فإن لم تكن هناك استراتيجية، ونظام ثابت للحكم، ومجتمع راسخ، فلن نستطيع أن نؤدي أي شىء في هذا الأمر، مهما خرجنا باستنتاجات.
صورة المائدة المستديرة
المائدة المستديرة لمجلة السياسة الدولية حول مصر ومياه النيلالمائدة المستديرة لمجلة السياسة الدولية حول مصر ومياه النيل تعريف الكاتب: باحثتان في العلوم السياسية
تاريخ النشر :الأربعاء, 15 مايو 2013 |
|
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: طريق رؤساء مصر إلى إثيوبيا في 6 محطات الأحد 22 مارس 2015, 7:59 pm | |
| السيناريوهات المتوقعة فى حالة إقامة سد النهضة |
السيناريوهات المتوقعة فى حالة إقامة سد النهضة الأهرام. 15 اكتوبر 2012 بقلم: عزت ابراهيم ما هى تطورات «صراع السدود» فى دول حوض النيل من وجهة نظر أمريكية؟ حاولت مجموعة أمريكية شهيرة فى التحليل الجيو ـ استراتيجى وضع النقاط على الحروف فى قضية المياه بين مصر ودول الحوض من خلال قراءة عميقة تعتمد على معلومات موثقة وتقديرات حول مستقبل الصراع فى ضوء تطورات الحاضر واحتياجات المستقبل. ونعرض أهم ملامح التقرير بلا تحفظات عما يرد بين سطوره لأنه فى نهاية الأمر يقدم تقييما لما هو متوقع فى السنوات المقبلة من صراع على موارد المياه فى حوض النيل وفرص تراجع حصة مصر فى حال إقامة إثيوبيا لسد النهضة، بما فيها فرص التوتر السياسى والعسكرى، خاصة أن تقارير مجموعة «ستراتفور» الشهيرة الواقع مقرها فى مدينة «أوستن» بولاية تكساس الأمريكية تعرف طريقها لمراكز صناعة القرار السياسى فى مختلف العواصم ويعتمد على إستشاراتها السياسيون والمؤسسات والشركات الدولية الكبري، وربما يكون بعض ما تقدمه محل خلاف ولكنه تقييم وتحليل يستحق التوقف عنده دون مدارة مادام أن العالم يقرأ مثل تلك التقارير ويبنى عليها سياسات وردود أفعال. يقول التقرير إنه فى ذروة الربيع العربى فى مارس 2011 عندما كانت مصر منشغلة بالاضطرابات الداخلية، أعلنت إثيوبيا أنها ستبدأ قريبا فى بناء سد للطاقة الكهرومائية على نهر النيل الأزرق، وهو واحد من رافدين رئيسيين لنهر النيل. سد النهضة الكبرى الإثيوبي، والمقدر أن يكون واحد من أكبر عشرة سدود فى العالم، من المقرر إنجازه فى عام 2017، من المرجح أن يقطع أو يحد من تدفق المياه لمصر والسودان لعدة سنوات، ويمكنه إحداث تغيير دائم فى كمية المياه التى تستفيد منها البلدين. على مدى عقود، تؤكد القاهرة أن الاتفاقية الوحيدة لتخصيص مياه نهر النيل هى اتفاق تم توقيعه فى عام 1959 من قبل السودان ومصر والمملكة المتحدة، وقد اتخذت القاهرة تلك الاتفاقية حجة فى التعامل مع قضية السد وأطلقت حملة دبلوماسية واقتصادية أخرى للتقارب مع دول حوض نهر النيل وكسبها الى جانبها فى محاولة لوقف المشروع. ويقول التقرير أنه لا تزال هناك تساؤلات حول قدرة إثيوبيا على تمويل بناء السد، ولكن نظرا لاعتماد مصر على مياه النيل، فإن القاهرة يمكن أن تستخدم أى أداة تحت تصرفها لوقف المشروع، بما فى ذلك القوة العسكرية إذا لزم الأمر ـ على حد قول التقرير. ويشير تحليل المؤسسة الدولية المعروفة إلى أن إثيوبيا ومصر بينهما منافسة استراتيجية طويلة قائمة على العوامل التاريخية والدينية، ولكن المنافسة فى الآونة الأخيرة إلى حد كبير تنبع من التنازع على السيطرة على مياه النيل. تدعى إثيوبيا أنها ليست من الدول الموقعة على معاهدة عام 1959 التى أعطت مصر سيطرة على مياه النهر إلى الأبد، وهى السيطرة التى تراها أديس أبابا «مثيرة للحنق» خصوصا بالنظر إلى أن حوالى 85 فى المائة من مياه النيل تنشأ من هضبة الحبشة. ويضيف تحليل المؤسسة الدولية أن السنوات الأخيرة قد شهدت جهودا تهدف إلى إضعاف السيطرة المصرية على موارد النهر، ومن أجل حل الخلافات حول مياه النيل ومعالجة المخاوف الإنمائية الأخرى، قامت جميع البلدان الواقعة على طول نهر النيل بإنشاء منتدى يسمى «مبادرة حوض النيل» فى عام 1999، ولكن فى عام 2010، قامت دول المنبع الخمس ـ إثيوبيا وكينيا وأوغندا ورواندا وتنزانيا ـ باستخدام المنتدى لصياغة وتوقيع اتفاق من شأنه أن يأخذ 90% من مياه النيل المستخدمة من قبل مصر والسودان وتوزيعها على نحو أكثر إنصافا بين دول حوض النهر، ويتضمن الاتفاق أيضا إلغاء شرط إعطاء الاذن لمصر عند القيام بأى تغيير فى استخدام مياه النيل، بما فى ذلك بناء السدود. ويقول التقرير إن بوروندى قد وقعت الإتفاق فى وقت سابق من عام 2011، ومن المتوقع أن توقع جمهورية الكونغو الديمقراطية الاتفاق قريبا. ويقول التقرير أن مصر قد دعت اثيوبيا للنظر فى تأخير البناء وإجراء دراسة شاملة عن تأثير السد وهو المطلب الذى قوبل بالرفض حتى الآن، وعن خيارات مواجهة سد النهضة الإثيوبي، يقول التقرير أن الخيار الأصلح لمصر لوقف بناء السد فى المدى القريب هو الضغط الدبلوماسي، فأى تغيير فى تدفق مياه النيل لا توافق عليه مصر، حيث يمثل السد بالتأكيد تغييرا حقيقيا، يعتبر غير قانونى من الناحية الفنية وفقا لأحكام اتفاقية عام 1959، حيث أن الاتفاق الجديد لن يكون ملزما قانونيا حتى يصدق عليه البرلمان فى كل بلد من الموقعين عليه. وقد استخدمت مصر هذه الحقيقة بإعتبارها فرصة للضغط على المجالس التشريعية الوطنية فى الدول الأعضاء لتأخير أو منع التصديق. وقد ارسلت القاهرة مبعوثين الى دول حوض النيل، وعرضت المساعدة والحصول على قروض من البنك التجارى الدولى والبنك الأهلى المصرى كوسيلة لحشد الدعم الدبلوماسي. على سبيل المثال، عرضت مصر على أوغندا والسودان ودولة جنوب السودان الحصول على حزمة قروض سخية. وعن خيارات مصر إذا فشلت الجهود الدبلوماسية، يقول التقرير أن النهج الأكثر احتمالا هو دعم الجماعات المسلحة بالوكالة ضد إثيوبيا. فى سنوات السبعينيات والثمانينيات، قامت مصر ثم السودان فى وقت لاحق باستضافة ودعم جماعات متشددة معادية لأديس أبابا، بما فى ذلك الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا والجبهة الشعبية لتحرير تجري. ويقول التقرير إن إريتريا أيضا انفصلت عن اثيوبيا فى عام 1994 بدعم من مصر التى بدورها يمكن أن تنظر مرة أخرى فى دعم الجماعات المسلحة من هذا القبيل، فعلى الأقل عشرة من تلك الجماعات لا تزال نشطة، بغرض مضايقة الحكومة الاستبدادية والمقسمة عرقيا فى إثيوبيا. ولا يستبعد تحليل «ستراتفور» القيام بعمل عسكرى مباشر من قبل مصر بالرغم من أن هذا هو النهج الأقل احتمالا والقاهرة ستقوم بالعمل العسكرى فقط إذا تم الانتهاء من السد وتوقف تدفق المياه بشكل كبير، ومثل هذا المسار أيضا يعتمد إلى حد كبير على قيادة مصر الجديدة وكيفية تعاملها بحزم من أجل الحفاظ على حقوق مصر من المياه. وقد بدأت أعمال البناء بالفعل فى السد، حيث سيكون قادرا على توليد 6000 ميجاوات من الكهرباء. فسد هوفر فى الولايات المتحدة، وعلى سبيل المقارنة، لديه القدرة على توليد 2080 ميجاوات. هذا المشروع هو أكبر بكثير من أى سد أخر شيدته إثيوبيا وسيكون لها تأثير، فى المقابل، على تدفق مياه نهر النيل. وقد كان رد فعل مصر عندما بدأت إثيوبيا بناء سد تانا بيليس الأصغر ـ 580 ميجاوات ـ فى عام 2010 وتحويل كمية صغيرة من المياه لأغراض الري، ان أمرت الجيش إلى التأهب من أجل "الاستعداد لمواجهة اى احتمال". وقد قللت إثيوبيا من تهديد القاهرة وقالت أنه «لعبة نفسية». ويختتم التقرير إستعراض مشكلة مياه النيل بالإشارة إلى أن إثيوبيا تحتاج السد من أجل أغراض الزراعة المحلية والاحتياجات المتزايدة للكهرباء. فحاليا، تستخدم إثيوبيا نحو 1% فقط من مياه النيل لأنه لديه حق الوصول إلى الأنهار الأخرى لتوفير إمدادات المياه، كما ينظر إلى السد أيضا بإعتباره وسيلة لتعزيز مصالح استراتيجية أخرى لإثيوبيا، مثل توليد الكهرباء المضافة بما يسمح لها بتصدير الطاقة لدول الجوار التى تعانى من نقص الكهرباء وهى كينيا، والسودان وجنوب السودان وجيبوتي، التى تتشارك فى شبكة نقل الطاقة الكهربائية. على نطاق أوسع، يعطى سد النهضة إثيوبيا أداة استراتيجية لمواجهة ما يسمى بالهيمنة المصرية فى حوض نهر النيل.
تاريخ النشر :الأربعاء, 15 مايو 2013 |
|
|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: طريق رؤساء مصر إلى إثيوبيا في 6 محطات الأحد 22 مارس 2015, 7:59 pm | |
| الانتفاع غير العادل |
مشروع سد النهضة في ضوء الوضع القانوني لنهر النيل د.محمد شوقي عبد العال مجلة السياسة الدولية. مايو 2013 تعددت استخدامات الأنهار الدولية في العقود القليلة الماضية بشكل كبير، وأدى هذا التعدد في الاستخدامات وكثافة الأنشطة المرتبطة بها إلى مزيد من الندرة في المياه العذبة، وإلى صراعات ومنازعات حولها بشأن حقوق كل دولة من الدول النهرية في الإفادة من مياه النهر في الأغراض المختلفة (1). أثار ذلك الأمر العديد من التساؤلات التي تتعلق أساسا بطبيعة ومدى حقوق كل دولة مشاطئة على مياه النهر والالتزامات المتبادلة بينها. فإذا كان لكل دولة نهرية حقوق مساوية لحقوق الدول الأخرى، فكيف يجري التوزيع المنصف لمنافع النهر؟، وما هي الالتزامات التي تقيد الدولة النهرية في مواجهة غيرها من الدول النهرية عند استخدام حصتها؟. كما تتعلق هذه التساؤلات بمدى التزام الدولة بالاستخدام البرئ للنهر الدولي، ومدى مسؤليتها الدولية عما قد يقع من ضرر من جراء الاستخدام، ومدى الالتزام بالتعاون والإخطار والتشاور بالنسبة للمشروعات المستقبلية.
ولقد طرح هذا على الباحثين في نطاق القانون الدولي سؤالا، مؤاده: إلى أي مدى، يمكن القول إن ثمة قواعد قانونية محددة يمكن الارتكان إليها لحل ما قد ينشأ من منازعات في هذا الصدد بطريقة سلمية، وبما يكفل تطبيق مبدأ حسن الجوار، ويحفظ الحقوق المشروعة لكل دولة من الدول النهرية في الإفادة من موارد النهر؟. كما أدى إلى ظهور قاعدة قانونية جديدة مؤداها أن كل دولة نهرية ينبغي عليها عند استعمالها للجزء من النهر المار عبر أراضيها ألا تتسبب في أضرار هامة لدولة أخرى من دول المجري المائي الدولي.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى وجوب التمييز بين حالتين: الحالة التي نكون فيها بصدد اتفاقات دولية قائمة تنظم طريقة الإفادة من موارد النهر فيما بين الدول المشتركة في حوضه، وهنا فالأصل أنه ليس ثمة صعوبة كبيرة تعترض طريق التسوية السلمية لأي نزاع ينشأ بين أي من هذه الدول، حيث يمكن الرجوع إلى أحكام الاتفاقات ذات الصلة. أما الحالة الأخرى، فهي التي لا توجد فيها اتفاقات من هذا القبيل، وهنا فالأرجح أن الخلاف واقع لا محالة بين الدول المشتركة في حوض النهر، حيث يمكن لبعضها أو إحداها أن تتمسك مثلا بما شاع في فقه القانون الدولي التقليدي من نظريات صارت غير مقبولة في عالم اليوم، كنظرية السيادة المطلقة للدولة النهرية على الجزء من النهر الدولي الواقع المار عبر إقليمها (2).
والحق أنه في كلتا الحالتين، فإن الاعتبارات السياسية كثيرا ما تكون لها الغلبة على الاعتبارات القانونية، حيث تلعب دورا لا يستهان به في زيادة حدة الخلافات بين الدول المشتركة في حوض النهر.وهنا، فإن ما تقوم به إثيوبيا من إنشاء لسد النهضة، وما يقترن به من مخاوف مشروعة لكل من مصر والسودان، في ضوء الدراسات التي تشير إلى ما سيلحق بهما من آثار سلبية، أهمها العجز المائي في حصة مصر، وانخفاض القدرة الإنتاجية من الكهرباء المولدة من السد العالي وخزان أسوان، يستدعي بيان الوضع القانوني لنهر النيل عبر نقطتين، تركز أولاهما على أهم القواعد التي تحكم استخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة، وتركز الأخرى على الوضع القانوني لنهر النيل، وحقوق الدول المشاطئة عليه.
أولا- أهم القواعد التي تحكم استخدام الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة:
ليس ثمة شك في أن استغلال الأنهار الدولية، وتحديد حصص الدول المشاطئة للنهر، يتعين أن يتما وفقا للأحكام العامة للقانون الدولي المكتوبة أو المستقرة عرفا، ما لم تكن هناك اتفاقيات خاصة ثنائية أوجماعية بين دول مجري النهر تنظم هذه الأمور، حيث تكون لها الأولوية في التطبيق، أخذا بمبدأ أن الخاص يجب العام، والتزاما بمبدأ قدسية العهود والمواثيق. ولما كان الواقع يشير إلى اختلافات لا حصر لها في الظروف والأحوال والاعتبارات المحيطة بكل نهر دولي عن سواه من الأنهار الدولية، بحيث إن كل نهر منها يعد نموذجا فريدا في ذاته، وإن تشابه في بعض الجوانب مع غيره، فإنه يكون من البدهي ألا تكون هناك قواعد قانونية دولية موحدة تصلح للتطبيق على كل الأنهار الدولية في آن واحد، وإنما قواعد عامة يأخذ منها ذوو المصلحة ما يرونه ملائما، ويدعون ما يرونه غير ملائم. ومن ثم، فقد كان العرف الدولي هو المصدر الأكثر قدرة على تقديم هذه القواعد العامة.
والحق أن ثمة مجموعة من القواعد القانونية العامة التي تنظم استغلال الأنهار الدولية، نشأت في سياق العرف الدولي، ثم تأكدت في الاتفاقيات الدولية، ومن خلال أحكام القضاء. كما شهدت الممارسة الدولية العديد من الاتفاقيات التي اعترف أطرافها صراحة أو ضمنا بالحقوق المتساوية للأطراف فيما يتعلق باستخدام مياه النهر الدولي، والاستفادة منه.
وإذا كان مبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية يحظي بالقبول العام في الفقه والعمل الدوليين المعاصرين، فإن كيفية تطبيقه لا تحظي بالقبول نفسه، فليس ثمة اتفاق -جازم- على الأسس التي يتعين مراعاتها لتحقيق هذا المبدأ، حيث يتصل الانتفاع بمياه الأنهار الدولية بالعديد من العوامل المترابطة، التي هي في مجملها عوامل شديدة الحساسية من زاوية حاجات الشعوب التي تعتمد على هذه المياه (3).بيد أن هذا لم يمنع من وجود محاولات فقهية جادة سعت لصياغة بعض القواعد العامة التي يمكن الاسترشاد بها لوضع هذا المبدأ موضع التنفيذ. وقد صدرت هذه المحاولات جميعها عن مبدأ حسن الجوار، الذي تبدو الحاجة إلى الأخذ به ملحة في إطار علاقات الدول المشاطئة لنهر دولي واحد(4).
ولعل أهم المحاولات الفقهية وأشهرها في هذا الصدد هي تلك التي وضعتها جمعية القانون الدولي عام 1966، فيما عرف بقواعد هلسنكي، والتي تبنت مبدأ الانتفاع المنصف في مادتها الرابعة، ثم صاغت مادتها الخامسة أسس هذا الانتفاع. ولقد بلورت قواعد هلسنكي أهم العوامل التي يجب مراعاتها عند تحديد الانتفاع المنصف، وذلك على سبيل المثال وليس الحصر، تجنبا لوضع قواعد ثابتة في موضوع شديد الحساسية.
ويكشف الواقع الدولي عن حالات لتنازع أولويات "الانتفاع المنصف" بمياه الأنهار الدولية. فقد ترغب إحدي الدول المشاطئة، وهي بصدد تنفيذ بعض برامج التنمية فيها، في الحصول على نصيب أكبر من مياه النهر، يزيد على ذلك الذي كانت تحصل عليه من قبل، الأمر الذي يؤثر بلاشك في حصة الدول المشاطئة الأخرى. ومن ثم، يثور التساؤل حول أولوية الانتفاع بمياه النهر، وهل يكون للاستخدامات القائمة والحقوق التاريخية، أم للاستخدامات المحتملة والاستعمالات المستقبلية؟.
ومما لا شك فيه أن التطبيق السليم لمبدأ الانتفاع المنصف يقتضي أن تلتزم كافة الدول المشاطئة للنهر الدولي بأن تتعاون فيما بينها لتحقيق أقصي انتفاع ممكن بمياه هذا النهر، وهو ما يستقيم مع طبيعة النهر الدولي كمورد مشترك بين هذه الدول، كما يستقيم مع مبدأ حسن النية الذي يفترض أن يحكم العلاقات المتبادلة بينها. ولقد أكدت العديد من المعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار هذا الالتزام، من ذلك - على سبيل المثال - اتفاقية 1959 بين مصر والسودان، التي تعد نمطا مثاليا في هذا الصدد، ومعاهدة 1961 بين الولايات المتحدة الأمريكية وكندا بخصوص تنمية موارد مياه حوض نهر كولومبيا، واتفاقية 1963 بين دول حوض نهر النيجر.
أما فيما يتعلق بموقف اتفاقية الأمم المتحدة من مبدأ الانتفاع المنصف، فقد وضعت المادة الخامسة من الاتفاقية هذا المبدأ كحجر أساس للقانون في هذا الصدد، وجاءت المادة السادسة تشير في فقرتها الأولي إلى العوامل والظروف التي يتعين أخذها في الحسبان عند تحديد الانتفاع المنصف بمياه النهر. أما المادة السابعة، فجاءت تعالج الالتزام بعدم التسبب في ضرر ذي شأن، وهو الالتزام الذي ربما كان من أكثر أحكام الاتفاقية إثارة للجدل والخلاف، حيث ظهر في صدده بجلاء تباين المواقف بين دول المنبع ودول المصب.
وقد جاء نصها على النحو التالي:
1- تتخذ دول المجري المائي، عند الانتفاع بمجري مائي دولي داخل أراضيها، كل التدابير المناسبة للحيلولة دون التسبب في ضرر ذي شأن لدول المجري المائي الأخرى.
2- ومع ذلك، فإنه متي وقع ضرر ذو شأن لدولة أخرى من دول المجري المائي، تتخذ الدول التي سبب استخدامها هذا الضرر، في حالة عدم وجود اتفاق على هذا الاستخدام، كل التدابير المناسبة، مع المراعاة الواجبة لأحكام المادتين الخامسة والسادسة، وبالتشاور مع الدول المتضررة، من أجل إزالة هذا الضرر أو تخفيفه، والقيام، حسب الملاءمة، بمناقشة مسألة التعويض".
وجاءت المادة الثامنة من الاتفاقية تنص على التزام عام بالتعاون بين دول المجري المائي المشترك من أجل تنفيذ الالتزامات النابعة عن الاتفاقية وتحديد أهدافها، وتدعو الأطراف إلى إنشاء آليات ولجان مشتركة لتيسير التعاون فيما بينها، تاركة لها السلطة في تقدير مدى ملاءمة الدخول في مثل هذه الترتيبات.ويرتبط بهذا الالتزام التزام آخر يقع على عاتق الدول النهرية بالإخطار عن المشروعات التي تعتزم القيام بها، ويترتب عليها الإضرار بدولة أو دول نهرية أخرى. وهو الالتزام الذي يؤدي العمل به إلى تجنب كثير من المنازعات المحتملة بين الدول النهرية.
ولعله من المهم في هذا السياق أن نشير إلى أنه إذا كان من حق الدول النهرية قانونا أن تقيم سدودا على الجزء من النهر المار بإقليمها، فإن ثمة قيدين جوهريين يردان على هذا الحق، هما عدم التسبب في إلحاق ضرر بباقي دول النهر، والالتزام بإجراءات الإخطار المسبق، والمتمثلة في وجوب قيامها بإرسال كل الدراسات والبيانات الفنية المتعلقة بالسد إلى جميع دول المجري المحتمل تضررها من إنشائه، مع التزامها قانونا بعدم البدء في الإنشاء، حتي تتمكن هذه الدول من دراسة وتقييم الآثار المحتملة في فترة معقولة.
ثانيا- الوضع القانوني لنهر النيل وحقوق الدول المشاطئة:
ليس ثمة شك في أن غياب اتفاقية تضم كل الدول الإحدي عشرة المشاطئة لنهر النيل، وغياب هيئة دولية دائمة لإدارة النهر وتطوير الانتفاع به، وإعلان بعض دول المنابع كإثيوبيا أحيانا عن تحفظها بالنسبة لما تسميه حقوقها في مياهه، إنما يطرح تساؤلات حول حقوق والتزامات كل دولة من هذه الدول، والقواعد التي تحكم الانتفاع المنصف بمياه النهر، وأولويات هذا الانتفاع عند تعارض الاستخدامات، وأسلوب التنسيق والإدارة المشتركة لهذه المياه، مقارنة بالمعمول به في العديد من الأنهار الدولية الأخرى، وما إذا كانت هناك وسيلة لتطوير الانتفاع بالنهر لتحقيق المنفعة المشتركة للدول المشاطئة دون إضرار بحقوق بعضها بعضا أم لا.
ولما كانت مصر، من بين كل دول حوض النيل، إضافة إلى كونها دولة المصب، تعتمد على النيل كمصدر رئيسي، أو بالأحري كمصدر وحيد للمياه المستخدمة في أغراض الشرب والزراعة، فإن أي اقتطاع للمياه في أعالي النيل، بما يستتبعه من انخفاض في كميات المياه المتاحة لمصر، سيترتب عليه ضرر بليغ بها، وهو ما يتعارض مع مقتضيات مبدأ الانتفاع المنصف، على ما تقدمت الإشارة.وسنسعي في هذا الجزء إلى استعراض الوضع القانوني لنهر النيل، في ضوء مبدأ الانتفاع المنصف والمعقول، والاتفاقات الخاصة بتنظيم استغلال مياهه.
الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال مياه نهر النيل:
ليس معني ما تقدم من القول بغياب اتفاقية عامة تضم كل الدول المشاطئة لنهر النيل أن هذه الدول لم تصل بعد إلى اتفاقيات تحكم تفاصيل تعاونها اللازم أو تعهداتها بشأن مياهه. فالواقع أنه توجد كثير من هذه المواثيق التي ترتبط بها بعض دول الحوض مع بعضها بعضا (5)، من ذلك:
1- البرتوكول الموقع بين بريطانيا وإيطاليا سنة 1891 بشأن تحديد مناطق نفوذ كل منهما في شرق إفريقيا، والذي نصت المادة الثالثة منه على أن إيطاليا صاحبة السيادة على الحبشة آنذاك، تتعهد بألا تقيم على نهر عطبرة أية إنشاءات للري، من شأنها أن تؤثر تأثيرا محسوسا في كمية مياه نهر عطبرة التي تصب في نهر النيل.
2- مجموعة المعاهدات المعقودة بين بريطانيا وإثيوبيا، وبينها وبين إيطاليا وإثيوبيا بشأن الحدود بين السودان المصري - البريطاني وإثيوبيا وإريتريا، والموقعة في أديس أبابا في 15 مايو1902، والتي يتعهد الإمبراطور مينليك الثاني، ملك ملوك الحبشة، بموجبها بألا ينشئ أو يسمح بإنشاء أية أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها تعطيل سريان مياهها إلى نهر النيل إلا بالاتفاق مع حكومة بريطانيا وحكومة السودان المصري - البريطاني.
3- الاتفاق المبرم بين بريطانيا وحكومة دولة الكونغو، والموقع في لندن في 9 مايو 1906، والذي تتعهد الكونغو بموجب المادة الثالثة منه بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية منشآت قرب أو على نهر سميليكي أو نهر آيسانجو، يكون من شأنها تخفيض كمية المياه التي تصب في بحيرة آلبرت إلا بالاتفاق مع حكومة السودان المصري - البريطاني.
4- المذكرات المتبادلة بين بريطانيا وإيطاليا في ديسمبر 1925، والتي تعترف فيها الحكومة الإيطالية بالحقوق المائية السابقة (التاريخية) والمكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل الأزرق والنيل الأبيض، وتتعهد بألا تنشئ في أقاليم أعالي تلك الأنهار أو فروعها أو روافدها أية منشآت من شأنها تعديل كمية المياه التي تحملها إلي نهر النيل بشكل محسوس.
5- اتفاقية مياه النيل بين مصر وبريطانيا بالنيابة عن السودان، وكينيا، وتنجانيقا - تنزانيا - وأوغندا في عام 1929، والتي تقضي بتحريم إقامة أي مشروع من أي نوع على نهر النيل أو روافده أو البحيرات التي تغذيها كلها إلا بموافقة مصر، لاسيما إذا كانت هذه المشروعات ستؤثر في كمية المياه التي كانت تحصل عليها مصر، أو في تواريخ وصول تلك المياه إلى مصر. والحق أن هذا الاتفاق، الذي أخذ شكل المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا، يعد علامة بارزة في تاريخ نهر النيل، حيث أظهر اعتراف الأطراف بمبدأ الحقوق المكتسبة، كما حظي فيه مبدأ التوزيع المنصف أيضا بالاعتراف.
6- اتفاقية لندن المبرمة بين بريطانيا (نيابة عن تنجانيقا) وبلجيكا (نيابة عن رواندا وبوروندي) في 23 نوفمبر 1934، والتي تقضي مادتها الأولي بأن يتعهد الطرفان بأن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل وصوله إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبوروندي أية كميات من المياه، يكون قد تم سحبها منه قبل ذلك لغرض توليد الكهرباء. فالسماح باستغلال مياه النيل لتوليد الطاقة الكهربائية لا يجوز بحال أن يمس، طبقا لهذه المادة، كمية المياه التي تتدفق من منابعه إلى المجري الرئيسي فيه.
7- المذكرات المتبادلة بين مصر وبريطانيا ( نيابة عن أوغندا ) في الفترة ما بين يوليو 1952 ويناير 1953، بشأن اشتراك مصر في بناء خزان أوين، الذي أنشئ فعلا عام 1954 لتوليد الطاقة الكهربائية من المياه في أوغندا، والتي اتفق فيها الطرفان على تعلية خزان أوين لرفع منسوب المياه في بحيرة فيكتوريا، كما اتفقا على التعويضات التي تمنح لأهالي أوغندا الذين يصيبهم ضرر جراء ارتفاع منسوب مياه البحيرة، والذي من شأنه زيادة حصة مصر من مياه الري، وتوليد كهرباء تضمن مزيدا من الطاقة لكل من أوغندا وكينيا. ويعد هذا الاتفاق مثالا واضحا على التعاون والتنسيق بين بعض دول حوض النيل، حيث تضمن قيام مصر بالإسهام المالي في بناء الخزان بغرض توليد الكهرباء لاستخدامها في أوغندا، مقابل زيادة حصة مصر من مياه النيل لأغراض الري عن طريق المياه التي تحجز خلف الخزان.
8- اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان بشأن إنشاء السد العالي، وتوزيع المنافع الناجمة عنه بينهما، والتي تعد في الواقع مثالا يحتذي في مجال التعاون بين الدول المشاطئة للأنهار الدولية لاستغلال مياهها، حيث سعت إلى تحقيق نفع مشترك لكل من الدولتين دون إجحاف بالحقوق التاريخية لكل منهما، ودون الإضرار بحقوق باقي دول الحوض. فقد أكدت هذه الاتفاقية احترام الحقوق المكتسبة لطرفيها، وحددت هذه الحقوق بدقة حسما لأي نزاع، حيث أقرت في البند "أولا" منها بحقوق تاريخية مكتسبة لمصر، مقدارها ثمانية وأربعون مليار متر مكعب سنويا، وللسودان أربعة مليارات من الأمتار المكعبة سنويا. وفي مجال مشروعات ضبط النهر، وتوزيع فوائد هذه المشروعات، اتفق الطرفان في البند "ثانيا" على إنشاء السد العالي وتقاسم منافعه، وعلى إنشاء السودان سد الروصيرص على النيل الأزرق، وأية مشروعات أخرى تراها السودان لازمة لاستغلال نصيبها.
كما اتفقا على قيام مصر بدفع التعويضات المالية للسكان السودانيين الذين سيضارون من تكون بحيرة السد العالي. كما اتفق الطرفان في البند "ثالثا" على التعاون في إنشاء مشروعات لاستنقاذ المياه الضائعة في مناطق المستنقعات، لزيادة إيراد النهر من المياه، على أن يكون صافي فائدة هذه المشروعات من نصيب البلدين بالتساوي، وعلى أن يسهم كل منهما بالتساوي في جملة تكاليفها. واتفق الطرفان أيضا على التشاور بشأن أية مشروعات مستقبلية أخرى تخدم أهداف التوسع الزراعي في البلدين. هذا بالإضافة إلى ما قضي به البند "رابعا" من الاتفاقية من إنشاء هيئة فنية دائمة بين البلدين، تعمل على إجراء البحوث والدراسات اللازمة لمشروعات ضبط النهر، وزيادة إيراده ومتابعة الأرصاد المائية على منابعه العليا. وتختص هذه الهيئة برسم الخطوط الرئيسية للمشروعات التي تهدف إلى زيادة إيراد النهر، والإشراف على تنفيذ المشروعات التي تقرها الدولتان في هذا الصدد.
9- أبرمت مصر وأوغندا في مايو 1991 اتفاقية في شكل خطابات متبادلة بين وزيري خارجية الدولتين، بعد مفاوضات مكثفة بينهما، بشأن مشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء على بحيرة فيكتوريا، كانت أوغندا قد تقدمت به إلى البنك الدولي لتمويل عملية إنشائه. وقد تضمن هذا الاتفاق التزام أوغندا بتمرير التصرفات الطبيعية طبقا للمعدلات المعمول بها وقت إبرام الاتفاق، كما تضمن التزامها بما سبق أن اتفقت عليه الدولتان عند إنشاء خزان أوين عام 1953 من الحفاظ على مدى التخزين البالغ قدره ثلاثة أمتار لصالح مصر، وقد ورد بالفقرة الثالثة منه أنه يمكن النظر في تعديل هذه المعدلات لصالح أوغندا لتوليد الكهرباء، بناء على اتفاق الطرفين، وبما لا يضر بدول المصب.
10- وقع الرئيسان المصري والإثيوبي في الأول من يوليو 1993 اتفاق القاهرة، الذي وضع إطارا عاما للتعاون بين الدولتين لتنمية موارد مياه النيل، وتعزيز المصالح المشتركة. وقد حوي هذا الاتفاق في أحد بنوده تعهدا من الطرفين بالامتناع عن أي نشاط يؤدي إلى إلحاق ضرر بمصالح الطرف الآخر فيما يختص بمياه النيل. كما تعهدا بالتشاور والتعاون في المشروعات ذات الفائدة المتبادلة، عملا على زيادة حجم التدفق، وتقليل الفقد من مياه النيل في إطار خطط تنمية شاملة ومتكاملة. كما اتفق الطرفان على إنشاء آلية للتشاور حول الموضوعات ذات الاهتمام المشترك بما في ذلك مياه النيل، وتعهدا بالعمل على التوصل إلى إطار للتعاون بين دول حوض النيل لتعزيز المصلحة المشتركة لتنميته.
والواقع أنه يمكننا أن نبدي على المعاهدات الخاصة بتنظيم استغلال مياه النيل الملاحظات التالية:
أولا- إن بعض هذه المعاهدات تناول الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة. وكما هو معلوم، فإن هذا النوع من الاتفاقات الخاصة بالوضع الإقليمي والحدود إنما يشكل قيدا أو التزاما على عاتق الدولة وعلى إقليمها، لا يؤدي انتقال السيادة على الإقليم إلى التحلل منه(6). وهو ما أكدته المادة 11 من اتفاقية فيينا بشأن التوارث الدولي في مجال المعاهدات لعام 1978، أخذا بنظرية الاتفاقات الموضوعية الممتدة)7 (، متوافقا مع ما قررته المادة 62 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969 من أنه لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها، إذا كانت من المعاهدات المنشئة للحدود. وعلى هذا، فإنه لا يجوز للدولة الجديدة الناشئة عن الاستقلال - كما هو حال دول حوض النيل - أن تحتج بأن واقعها الجديد يمثل تغيرا جوهريا في الظروف، يبرر لها إنهاء العمل بالمعاهدات المتعلقة بالحدود أو المرتبطة بها، والتي سبق أن أبرمتها الدولة السلف (.
وقد ذهبت محكمة العدل الدولية في أحدث أحكامها بشأن الأنهار الدولية في النزاع بين المجر وسلوفاكيا، وفي النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي عام 2010، إلى تأكيد أن المعاهدات ذات الطابع الإقليمي، ومنها الاتفاقات المتعلقة بالأنهار الدولية، هي من المعاهدات التي لا يجوز المساس بها نتيجة للتوارث الدولي، أي أنها من قبيل المعاهدات الدولية التي ترثها الدولة الخلف عن الدولة السلف، ولا يجوز لها التحلل منها لأي سبب من الأسباب.
وجلي أن هذه القواعد إنما تطبق على علاقة دول حوض النيل بعضها ببعض فيما يخص القيود والحقوق التي تلتزم بها هذه الدول في استخدام هذه الشبكة الدولية، باعتبار أن المعاهدات التي التزمت بها هي من قبيل المعاهدات العينية التي تنصب على أجزاء تلك الشبكة، والتي تجري في أراضي كل منها. وحيث إن هذه المعاهدات تتناول بالتنظيم مسائل تتعلق بالتزامات ذات طبيعة إقليمية وجغرافية، فإنها لا تتأثر بمجرد انتقال السيادة على الإقليم المحمل بهذه الالتزامات من الدولة المستعمرة إلى الدولة الجديدة.
ثانيا- كانت الدول الموقعة على هذه المعاهدات في حالات كثيرة دولا أوروبية من أصحاب المستعمرات، وقعت تلك المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الإفريقي الخاضع لحكمها. ومع ذلك، فإن القانون الدولي يعترف بسريان مفعول هذه المعاهدات، وفقا لقواعد قانون التوارث بين الدول، سيما وأن هذه المعاهدات لم تأت بمبادئ قانونية جديدة، على خلاف القواعد العامة الحاكمة للنظام القانوني للأنهار الدولية، وإنما أكدت فحسب المبادئ التي سبق للفقه والعرف الدوليين قبولها، كمبدأ الاعتراف بالحقوق التاريخية المكتسبة، ومبدأ وجوب التعاون والتشاور والإخطار.
ثالثا- تكشف العديد من هذه الاتفاقات عن التزام دول حوض النيل بمنح الأولوية المطلقة للحقوق التاريخية، والاقتسام السابق للمياه. فبمقتضي البروتوكول الموقع بين إيطاليا - صاحبة الولاية على الحبشة آنذاك - وبريطانيا عام 1891، التزمت إيطاليا بضمان وصول حصص المياه التاريخية التي تحصل عليها الدول التي تتلقي مياه النيل بعد مرورها من الحبشة. أما اتفاقية 1902، التي وقعها إمبراطور الحبشة، منيليك الثاني، مع كل من بريطانيا وإيطاليا، فقد تعهد بمقتضاها بألا يصدر أية تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأية أعمال على النيل أو بحيرة تانا أو نهر السوباط، يكون من شأنها اعتراض سريان مياهه إلى النيل.
كما قضت المادة الثالثة من الاتفاق المبرم بين الكونغو وبريطانيا -ممثلة للسودان- عام 1906 بأن "تتعهد حكومة الكونغو المستقلة بألا تقيم أو تسمح بإقامة أية أشغال على نهر سمليكي أو نهر آيسانجو أو بجوار أي منهما، يكون من شأنها خفض حجم المياه التي تتدفق في بحيرة آلبرت، ما لم يتم ذلك بالاتفاق مع الحكومة السودانية". أما اتفاقية استعمال مياه النيل لأغراض الري المبرمة بين مصر وبريطانيا عام 1929، والتي أبرمتها بريطانيا، نيابة عن كل من السودان، وكينيا، وتنزانيا، وأوغندا، فقد أكدت فيها الحكومة البريطانية، في الخطاب الموجه لرئيس الحكومة المصرية في السابع من مايو 1929، أولوية الحقوق التاريخية، حيث جاء بخطاب المندوب السامي البريطاني ما يلي "أذكر دولتكم أن حكومة جلالة الملك سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل". وهو المعني ذاته الذي أكدته بوضوح تام اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل لعام 1959 بين مصر والسودان.
مبادرة حوض النيل:
لعله من المفيد هنا وقد عرضنا للاتفاقات الخاصة بنهر النيل أن نعرض لمبادرة حوض النيل(NBI) لعام 1999، والتي هي بمثابة شراكة إقليمية تضم دول الحوض، بهدف العمل المشترك لتطوير وإدارة المياه على المدى البعيد، وتضافر جهود دول الحوض، وصولا إلى تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة، عبر الاستغلال العادل، والتوظيف الأمثل للموارد المائية لحوض النيل، والتي جاءت لتمثل نقلة نوعية مهمة في موقف دول حوض النيل، وسعيها للتصدي لمشكلة المياه. فلأول مرة، تنضم كافة دول الحوض، بما فيها إثيوبيا، لمثل هذا المحفل الإقليمي، والذي قام على أسس، من أهمها:
1- أن يتم التعاون على مستويين، جماعي لكل دول الحوض، وفرعي على مستوي النيل الشرقي والنيل الاستوائي، مع مشاركة مصر والسودان على المستويين في آن واحد.
2- إقامة مشروعات تحقق فائدة للجميع أو لأكثر من دولة من دول الحوض، دون إلحاق ضرر بالدول الأخرى.
3- إقامة تنظيم إقليمي لإدارة وتنمية مياه النيل وتخصيصها على أساس الانتفاع المنصف.
4- اتخاذ القرارات بتوافق الآراء.
وتشمل المشروعات التنموية المتضمنة في مبادرة حوض النيل خزانات ومشروعات ربط كهربائي، بالإضافة إلى تطوير إدارة مبتكرة للمياه، وإدارة مبتكرة للفيضانات والجفاف، وأعمال الوقاية، مثل مشروعات التصحر والمساقط لتوليد الطاقة الكهربائية في مواضع الخزانات المختلفة في إثيوبيا.ولقد تم الاتفاق على هيكل مؤسسي للمبادرة، يتكون من مجلس وزراء الموارد المائية في دول الحوض، واللجنة الاستشارية الفنية، والسكرتارية العامة، كما تم الاتفاق على اختيار مدينة عنتيبي الأوغندية مقرا للسكرتارية الدائمة، على أن تكون الرئاسة بشكل دوري.
والحق أن مبادرة حوض النيل تعد بهذه المثابة خطوة إيجابية كبيرة في طريق التعاون بين دول الحوض، حيث لم تقتصر، كغيرها من محاولات التعاون السابقة، على بعض النواحي الفنية فقط، وإنما أضافت إلى ذلك نواحي اقتصادية واجتماعية مهمة، فضلا عن سعيها الحثيث إلى معالجة الجوانب القانونية غير المتفق عليها بين دول حوض النيل، عبر خلق إطار قانوني مؤسسي واحد يكفل للجميع نصيبا عادلا من مياه النيل.
وهنا، فإنه يتعين الإشارة إلى مشروع الإطار القانوني والمؤسسي للتعاون بين دول حوض النيل، والمعروف اختصارا بمشروع D-3. والذي ينطوي على سعي إلى وضع الإطار القانوني والمؤسسي العام للمبادئ التي تحكم التعاون بين دول حوض النيل فيما يتعلق باستخدام مياهه، على نحو يؤدي، على المدى البعيد، إلى تحديد الأنصبة العادلة والمعقولة لكل منها، وبما يضمن تحقيق الاستخدام الأمثل لمياه النيل لصالح جميع دوله وشعوبه.
ولقد تم توقيع الاتفاق المتعلق بالمشروع في أكتوبر 1995، حيث اتفق وزراء الموارد المائية لدول الحوض على تشكيل لجنة من الخبراء في عدة تخصصات، لاسيما القانونية والهندسية، بواقع ثلاثة خبراء من كل دولة، على أن تكون مهمتها هي تحديد الطريقة والأنشطة التي يمكن من خلالها تعيين الحقوق العادلة والمعقولة المتعلقة باستخدام كل دولة من دول الحوض لمياهه، وتقديم التوصية بخصوصها، وذلك من خلال حصر ودراسة الأطر المؤسسية لأنهار دولية أخرى، واختيار ما يصلح منها لتطبيقها على نهر النيل، وحصر كافة المبادئ القانونية والاتفاقيات الدولية ذات الصلة، واختيار ما يمكن تطبيقه منها عليه، وكذلك تجميع كل البيانات المناخية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها للوقوف على الاستخدامات الحالية لدول حوض النيل، والاحتياجات المستقبلية لها، مع حصر الموارد المائية المتاحة لكل منها لمواجهة هذه الاحتياجات( 9).
وفي يناير 2001، تم بالفعل تشكيل اللجنة الانتقالية، بواقع عضوين عن كل دولة من دول مبادرة حوض النيل التسع. ثم قامت اللجنة في فبراير 2002 بتقديم تقريرها إلى المجلس في دور انعقاده التاسع بالقاهرة، والذي أوصي بضرورة تشكيل اللجنة التفاوضيةNegotiating Committee ، التي تشكلت فعلا في التاسع من ديسمبر 2003، من أجل الاتفاق على الشكل النهائي للإطار التعاوني القانوني والمؤسسي لدول حوض النيل. وتجدر الإشارة إلى أن اللجنة التفاوضية قد نجحت بالفعل في حسم بعض نقاط الخلاف التي ثارت بين دول حوض النيل، والتي كان من بينها مبدأ الالتزام بعدم الضرر، ووجوب دراسة الآثار البيئية للمشروعات المزمع القيام بها، ومدى تأثر الدول الأخرى بها.
على أن ثمة عددا من نقاط الخلاف التي حالت دون الوصول إلى اتفاق نهائي في هذا الصدد، تمثلت في إصرار كل من مصر والسودان على الآتي: أولا: وجوب وجود نص صريح في الاتفاقية الإطارية، يضمن عدم المساس بالحصة التاريخية لكل من مصر والسودان، ثانيا: الإخطار المسبق عن أية مشروعات تزمع دول المنابع القيام بها، ويحتمل أن تؤثر في حصة الدولتين، وأخيرا: أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها بالتوافق العام وليس بالأغلبية، أو في حالة الأخذ بمبدأ الأغلبية أن تكون أغلبية موصوفة تشمل الدولتين. ولقد كان الخلاف حول هذه النقاط الثلاث سببا في فشل جولات التفاوض المتعددة، بدءا من كينشاسا في مايو 2009، مرورا بالإسكندرية في يوليو 2009، ثم كمبالا في سبتمبر 2009، ودار السلام في ديسمبر 2009، وصولا إلى شرم الشيخ في أبريل .2010
والحق أنه ليس ثمة شك في أن موقف مصر والسودان، الذي تبدي واضحا في جولات المفاوضات الأخيرة، منذ كينشاسا مايو 2009، والقائم على رفض توقيع مشروع الاتفاقية، ما لم يتضمن نصا صريحا على الحقوق المكتسبة لمصر والسودان في مياه النيل، ووجوب الإخطار المسبق عن أية مشروعات على النهر، تقيمها إحدي دول المنابع، وفقا لإجراءات الإخطار التي اعتمدها البنك الدولي في هذا الشأن، فضلا عن وجوب أن يكون تعديل الاتفاقية أو أي من ملاحقها ليس بالأغلبية، وإنما بالتوافق العام، أو بالأغلبية الموصوفة التي تشتمل على كل من مصر والسودان - هو موقف سليم من الناحية القانونية. وتفصيل ذلك أن مصر والسودان تمسكتا في كينشاسا وما بعدها بنص المادة 14B من المشروع، والتي تتحدث عن "الأمن المائي" والاستخدامات الحالية، باعتبار أن ذلك يمثل البديل الوحيد المقبول للنص على "الحقوق التاريخية والمكتسبة"، والتي تكفلها لمصر والسودان كافة الاتفاقيات السابقة الخاصة بنهر النيل، وحتي لا يفهم من توقيع الدولتين الاتفاقية الإطارية دون هذا النص أنه تنازل منهما عن الاتفاقيات السابقة التي تؤكد هذه الحقوق، عملا بقاعدة أن اللاحق ينسخ السابق.
والواقع أن تمسك مصر والسودان بحقوقهما التاريخية في مياه النيل ليس مرده إلى ما ورد بشأن هذه الحقوق في اتفاقيات نهر النيل، خاصة اتفاقيتي 1929 و1959 فحسب، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير. فمرده أساسا إلى استعمال ظاهر لمياه النيل لآلاف السنين، لا يعوقه عائق على الإطلاق، قامت عليه أقدم حضارة في التاريخ دون وجود بديل حقيقي له فيها، ودونما اعتراض من أي أحد كان مقيما طوال هذه الآلاف من السنين على ضفاف النهر، سيما وأن المقيمين عليها خارج مصر كانوا في غير حاجة إليها لإفراط المطر، حيث يقيمون. كذلك، فإنه ليس من المنطق في شيء أن تتفق الدول الإفريقية، حديثة العهد بالاستقلال في أوائل الستينيات من القرن الماضي عند إنشائها لمنظمة الوحدة الإفريقية، على التسليم بالحدود المتوارثة عن الاستعمار، بالرغم مما بها من عيوب وتشوهات، حفاظا على الاستقرار في العلاقات الدولية، ثم تثير بعض دول حوض النيل مسألة أن اتفاقيات النهر هي اتفاقيات استعمارية، وأنها غير ملزمة بها، متناسية أن حقوق مصر فيها ليس مردها هذه الاتفاقيات فحسب، وإنما استعمال دائم ومستمر، وظاهر ومستقر لآلاف السنين السابقة، وأن الحديث عنها يهدد فعلا الاستقرار والعلاقات بين دول حوض النيل.
أما فيما يتعلق بتمسك مصر والسودان بالإخطار المسبق، وفقا للإجراءات التي يجري عليها العمل في البنك الدولي، فهو مما يفترضه حسن النية، ومبدأ الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية، وتؤكده كل الوثائق الدولية ذات الصلة.وفيما يتعلق بمسألة التصويت في شأن تعديل الاتفاقية، أو أي من ملاحقها، فإنه من البدهي أن اختلاف المصالح القائم أو المحتمل في المستقبل بين دول المنابع، وهي الأكثرية الساحقة في حالة نهر النيل، ودول المصب، وهي الأقلية الضئيلة فيه، سيجعل دول المنابع قادرة دون شك على تغيير ما تشاء من بنود الاتفاقية وملاحقها، إذا ما كان التصويت بالأغلبية. ومن ثم، فإن مصر والسودان ستكونان في موقف شديد الضعف عند التفكير في تعديل تقترحانه، أو تقترحه دول المنابع أو بعضها.وهكذا، فإن اعتبارات السياسة والمصالح المتعارضة قد حالت حتي وقتنا الراهن دون الوصول إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف، ينظم الانتفاع بمياه نهر النيل، رغم ما هناك من إمكانات ضخمة للمنافع المشتركة بينها. وما شروع إثيوبيا في أعمال البناء الفعلي لسد النهضة، دون اكتراث بقواعد القانون الدولي، لا سيما ما يرتبط بالاخطار المسبق، إلا دليلا دامغا على ذلك.
الهوامش :
1- راجع في هذا المعني: - U.N., World Water Development Report, Water for People, Water for Live, Sharing Water: Defining a Common Interest, UNESCO, New York, 2003, pp.294-295, Yacop,Yosef, Equitable Utilization of the Blue Nile River Sub-Basin: context, problems and Prospects, http://www.tigrai.org\\News\\articles2003\\DrYosef On Nile.htlm, pp.2-3. 2- د. أحمد الرشيدي، مصر ومياه النيل: تحليل لبعض التوجهات المصرية إزاء العلاقات مع دول حوض النيل، في د. أحمد يوسف أحمد (محرر)، ندوة المشكلات المائية في الوطن العربي (29-31 أكتوبر 1994)، معهد البحوث والدراسات العربية، القاهرة، 1994، ص154- 155. 3- راجع لمزيد من التفاصيل في هذا المعني: - Hirsh, A., Utilization of International Rivers in Middle East: A study of Conventional International Law, A.J.I.L.,vol50., 1956, p.81-83, Batston, R.K., The Utilization of Nile Waters, International and Comparative Law Quarterly,vol8., 1959, pp.550-551. 4- Schwebel, op. cit., p.145, McCaffrey, S.C., The Law of Non-Navigational Uses of International Watercourses, Second Report, vol. II, part I, Y.B.I.L.C., 1986, p.56., Handle, op. cit., pp.56-61. 5- راجع تفاصيل ذلك في، وزارة الخارجية، مصر ونهر النيل، القاهرة، 1983. 6- عدنان موسي النقيب، تغير السيادة الإقليمية وآثارها في القانون الدولي، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه، كلية الحقوق، جامعة عين شمس، 1989، ص118، وما بعدها. 7- د. ممدوح شوقي، التوارث الدولي في المعاهدات الدولية: دراسة قانونية لاتفاقيات نهر النيل، المجلة المصرية للقانون الدولي، المجلد 45، 1989، ص190-.191 8- د. إبراهيم العناني، إثيوبيا ومدى الالتزام باتفاقيات الانتفاع بمياه النيل، السياسة الدولية، العدد 129، يوليو 1997، ص.57 9- لمزيد من التفاصيل، انظر، إيمان الديب، الطبيعة القانونية للمعاهدات الخاصة بالانتفاع بمياه الأنهار الدولية في غير أغراض الملاحة مع دراسة تطبيقية للاتفاقيات المتعلقة بنهر النيل، رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه، كلية الحقوق، جامعة القاهرة، 2007، ص399-.401 تعريف الكاتب: وكيل كلية الاقتصاد والعلوم السياسية لشئون خدمة المجتمع وتنمية البيئة،جامعة القاهرة
تاريخ النشر :الأربعاء, 15 مايو 2013 |
|
|