أمّهات و أُمّهات
ككل الأشياء هناك اختلافٌ بين الأمّهات ، فالفروق الفرديّة موجودة ، ثمّ لكلّ حالةٍ ظروفها وقُدُراتها ، بعضها منطقي ويمكن تفهّمه ، وبعضها أناني غلّب المصلحة الذاتيّة حتى لو كانت على حساب آخرين . فكم في الحياة من غرائب ، فهناكَ من هو مستعدٌّ لهدم عمارةٍ من أجل البحثِ عن إبرة .
فالأمّهاتُ لسنَ سواء ، فهنّ مختلفات كما باقي بني البشر . فهناك أُمّهات تستحق أن توضع تاجاً فوق الرّؤوس كأغلب أُمّهاتنا الطّيبات الصّابرات المحتسبات على حلو الحياةِ ومرّها ، شقاوة الأطفال ومتطلّبات الزوج وتكاليف الحياة . يًكافحن مع الأب ويتحمّلن كلّ شيءٍ لتربية جيلٍ يفخر بأنّه ابنٌ لتلك الأم وذلك الأب .
فهناكَ الأُمٌّ التي غاب عنها زوجها بوفاةٍ أو طلاقٍ أو غيره . فاختارت أن تبقى حبيسة المهمّة النبيلة ، مهمّة الأمومة المقدّسة . وبقيت مع أطفالها تحوطهم برعايتها وتربيتها وحنانها . فقامت بالدّورين معا دور الأم ودور الأب . فإذا كان دورٌ واحدٌ يعتبر مهمّةٌ شاقّة لا يكاد يتحمّلها أو يُتقنها بعضهنَّ . فكيف بمن تصدّت للقيام بدورٍ مزدوج دور الأم الحانية ودور الأب المربي . وبهذا الصّدد يجب الإشارة أيضا إلى أبٍ يًضطرُّ أحيانا ليقوم بدور الأب مُضافاً إليه دور الأم .
وكم قرأنا أو سمعنا عن أٌمّهات اضطرتهنّ ظروف الحياة للعمل في أعمال مختلفة شريفة وأحيانا شاقّة لتربية أطفالهنّ وتعليمهم . فحفظت الأمانة وقامت بدورها خير قيام وأصبح أبناؤها مضرب المثل في الخلق والعلم فأصبحوا حملة شهاداتٍ علمية ونجحوا في الحياة بفضل الله أولا ثمّ أُمٌّ صالحة مّصابرة .
أمّا الأمّ التي لا تعرف من الأمومة إلاّ الحمل والإنجاب . وبعد ذلك تترك أطفالها بين يدي مربّيات ، فتقوم بدور الأم البديلة . أما الأصيلة فهي مشغولةٌ بمشاريعها وزياراتها ولقاءاتها الإعلامية حول دور الأم وأهميّته وكيف تكوني أُمّا مثاليّة ! مكتفيةً من الأمومة بالتّنظير وتعليم الآخرين . وهمّها الأول كيف تصبح سيّدة مجتمع . بالتّأكيد هناك من الأمّهات من تستطيع التوفيق بين عملها ودورها كأم ، المهمّة الأساسية لها .
أمّا أُمّهات الشّهداء ، فهؤلاء نموذجٌ متفرّد . أن تفقد ولدها وفلذة كبدها ، وقد كانت تعدّه ليكون عكازها في كبرها وسندها بعد الله عند حاجتها . فهو غائبٌ لا يُرجى عودته ، أو مسافرٌ يتم انتظاره . ولكنّ الوعد بأن يشفع لها وتلحق به منزلةً ومكانةً يُخفف ألم الفقد ولوعة الغياب .
ولا ننسى الأمّهات مع وقف التنفيذ ، وهنّ اللواتي حُرمن من نعمة الأمومة ، إمّا لعدم زواج أو لوجود مانع للحمل والإنجاب . أسأل الله أن يرزقهنّ ما تقرُّ به عيونهنّ وتطيبُ نفوسهنّ انّه على كلّ شيءٍ قدير .
إنّ بإمكان الأم أن تقود ابنها ليصبح من الناس المرموقين في الدنيا وتأخذ بيده لينال رضوان الله ويفوز في الجنة في الآخرة بتربيته على الأخلاق الفاضلة والالتزام بالطّاعات . أو تكون سببا ليكون من الفاشلين في الدنيا وربّما الآخرة لأنها أهملت وظيفتها ولم تقم بدورها ولم تبذل الجهد الكافي كي يكون رجلا صالحاً ناجحاً في الدنيا والآخرة ..
فهل كلّ هذه النّماذج هي التي عناها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بقوله " الجنّةُ تحت أقدامِ الأمّهات " ! .