نعم صحيح: الرجال من المريخ و النساء من الزهرة ! – تجربة شخصية
وجدت نفسي مشغولا في عيد الأضحى السابق بقراءة كتاب كتبه جون جريى – John Gray، “الرجال من المريخ والنساء من الزهرة” وألفيت الرجل يبحث ويفصّل في مئة وثمانين صفحة أو يزيد عن المسارات التي يسلكها الرجال في حياتهم، والتسلسل الذي يكون في أنماطهم وشخصياتهم، وكيف أن هؤلاء يفكرون ويعيشون بأسلوب مخالف تماما لذلك الذي تتبعه النساء إلى حد جعله يشبه الفريقين بأنهما من كوكبين مختلفين.
أما مادة الكتاب نفسها فرائعة، فهو يصف الرجال والنساء من دواخلهم بدقة شديدة، ويذكر علاجات وطرقا للتعامل في كل حالة من الحالات التي يفهمها كل جانب عن الاخر بصورة خاطئة نتيجة لأنه يحاول تفسيرها بمنطقه هو، أو على حسب تعبير الكاتب.
فإن كل طرف يحاول تفسير الموقف والتعامل معه بأسلوب وثقافة الكوكب الذي جاء منه، وربما يكون الأسوأ هنا أنه يتلقى كلام الطرف الاخر بلغة كوكبه الأم، ولا يحاول ترجمة ما قاله شريكه ليعرف ما يقصد.
و في هذا المقال، أذكر رأيى فيما بعض ما قاله الكاتب، بالإضافة إلى تجربتى الشخصية التي عاينتها بعد الكتاب ومن قبله. وقد رأيت أن أقسم رأيى على مقالين، واحد ألمح فيه إلى بعض ما تفعله النساء وما يجب على الرجال نحوهن حينها، والآخر يتحدث عن العكس.
ربما يجب أن أبدأ بالنساء لعلمي أنهن لن يصبرن حتى المقال القادم، ليس لروعة ما أكتب بالطبع، وإنما نفاذ الصبر بشكل عام هو خصلة لديهن، على الأقل هذا ما رأيته، وهذا يختلف بدوره عن التحمل، لئلا تقول قائلة أنها تصبر على الحمل تسعة أشهر. في رأيى، تتحمل النساء آلام الحمل تسعة أشهر، لكنها لا تصبر، بدليل الطلبات الغريبة لهن في أثناء الحمل، والتي يُخبَر الرجال فيها بأن يجاروهن فقط فيما يردن حتى انتهاء الحمل، فالصبر مرتبة أشمل قليلًا من التحمل.
نحن من عوالم مختلفة! فلنتصرف بناءاً على هذا
أستطيع تلخيص سبب الخندق الهائل الذي تصنعه النساء بأيديهن لتجعله بينها وبين الرجال في شيء واحد، أنها تعامله على أنه امرأة مثلها! نعم، فهي تتوقع منه أن ينصت لها في مشاكلها بذلك التعاطف والاهتمام المفرط الذي تبديه النساء لبعضهن في محادثاتهن، ولا تجد حرجا في إخباره بمشكلة في المطبخ ثم تنتقل إلى الحديث عن الأولاد، قبل أن تعرج على ارتفاع أسعار الفاكهة وقد تذكر في وسط ذلك أن ثوبها تمزق وهي تنزل من الحافلة لتزور أمها التي طلبت منها صنع كعكة لـ.
دعيني أخبرك يا سيدتي أن هذا النوع من الحديث يجعل الرجال على صنفين، إما أنه سيظل واجما طيلة حديثك يفكر في الشيء الذي تودين إخباره به، والذي يبدو أنه قد ضل طريقه وسط تلك المشاكل التي تذكرينها والتى لا تمت بصلة لبعضها ولا حتى للمشكلة الرئيسية في كثير من الأحيان.
ثم حين يكتشف أنك لا تنوين إخباره بشئ محدد، فإنه إما أن ينفجر فيك مؤنبا إياك على وقته الذي ضيعتيه في حديثك الذي يراه تافها، أو أنه سيتركك تنهين كلامك دون انتباه وهو يلعن تعقيد النساء. أما الصنف الثانى من الرجال سيخطئ نفس خطأك، وهو أنه سيعاملك على أنك رجل، ولن يدرك أنك تودين فقط من يستمع إليكِ، فسيقاطعك كل كلمتين ليعرض حلا لمشكلة، أو لينتقد موقفا ما، الشاهد أنه لن يدعك تسترسلين في شيء، الأمر الذي يزيدك سوءًا عن ذي قبل. إن كان لدى إحداكن رجل غير ذلك، فلا تفرطن فيه!
أنت الملام و إن كنت مقتولاً!
أعتقد ان اللوم هنا يقع على الرجال أكثر من النساء، لأن النساء لا تملك حيلة فيما تفعل، فهذه طريقتها في التفكير في مشاكلها وإيجاد حلول لها، وفي كثير من الأحيان لتجد متنفسًا لتلك الضغوط التي تتعرض لها يوميًا، فيجب على الرجل حينها أن يوقف معالجه الذكوري قليلا عن العمل، ليستمع في اهتمام مفرط إلى ما تحكيه المرأة، ولا يفتح فمه حتى تنتهي هي من الكلام.
اللهم إلا ببعض الهمهمات والإشارات التي تدل على الإصغاء، لئلا تعتقد المرأة أنها تكلم جمادًا، افعل ذلك وستكون هي أفضل حالا بعد انتهائها، هذا إن لم تجد حلًا بنفسها لمشكلتها إن كانت هناك واحدة. وأنت الموصوف بالمنطق بالنهاية، فعليك ان تتحمل!
على أنك أيها الرجل لن تكون منافقا لها بتلك المشاعر التي تمنحها إياها، لأنها بالنهاية أمك أو أختك أو زوجتك أو ابنتك، وهذه المشاعر هي حقها عليك، وإنني أعرف أنك ستقول الآن انك تعطيها الاهتمام الذي تريده. مرة أخرى أقول لك أنك مخطئ أيها الرجل.
هذا لأن اهتمامك هذا أعطيته لها وكأنها رجل! اعلم أن ما يصلح لك لا يصلح لغيرك من الرجال، فما بالك بالنساء؟ ولأني أعرف طبيعتك، فإنني الآن أسوق إليك دليلا من حياتي الخاصة لأدعم به كلامي السابق.
تطبيق عملي!
في الآونة الأخيرة بدأت أطبق هذه النظرية على نفسي، كنت أرى أنها إذا نفعت معي، فستنفع مع غالب الرجال، لأني أحمل أسوأ ما يمكن أن يكون في الرجال، قلة الصبر مع النقد اللاذع، فأنا أصلا أنأى بنفسي عن أي جدال لن أخرج منه بفائدة حقيقية، وإن حمل سفسطة كلامية فلا أريد حتى تلك الفائدة منه! كما أنني في الغالب أعرف مراد المتحدث من بداية كلامه، هذا يجعلني أقاطعه لأصل به إلى النهاية التي يريدها أو أريدها أنا.
أرأيت؟ أراهنك أنك شعرت بالضيق من تلك الصفات لمجرد قراءتها، تخيل شعور من يتعامل مع شخص كهذا؟ الشاهد أنني عكفت على ترويض ذلك المارد البغيض منذ فترة، ولجعل الأمور أكثر قساوة على نفسي، ألزمت نفسي بالإحسان للنساء اللاتي أختلط بهن من جدتي وأمي وأخواتي و. إلخ. فإن نجحت في الإحسان لهن فقد أصبت بغيتى!
ربما كانت جدتي وعمتي اللاتي يسكنّ في الريف هما أكثر من أوليتهما اهتماما بهذا الصدد، بسبب المشاكل التي تقوم لأتفه الأسباب والشكوى الدائمة منهما للذهاب للأطباء. لديهما بالطبع أسباب للذهاب للطبيب، إنما كنت أعني تلك المرات التي تحتدم فيها المشاكل، فيصبح النوملساعة متأخرة من الصباح سببا للذهاب للطبيب! و كنت مقتنعا أن حل مشكلتهما يعزو بنسبة كبيرة إلى افتقارهما إلى مستمع جيد لما يختلج في صدورهن، بسبب كثرة سماعي لقصص النساء اللاتي يبددن المال في الذهاب للأطباء بغير دواعي حقيقية، خاصة أولئك النساء الكبيرات منهن (لم أرد استخدام كلمة عجائز للأدب).
و بسبب أن مجتمع الريف لا يرى الغرباء كثيرا، فلم يتسن لرجاله أن يعرفوا خبرات مختلفة عما لديهم، فقد بقيت طباعهم الذكورية البكر إن صح التعبير كما هي، تلك الطباع التي لا ترى أن الإصغاء لمشاكل النساء أمرًا ذا بال، فقد سمعت أحدهم مرة وقد ذكر إمام المسجد أن النبي صل الله عليه وسلم كان يطعم السيدة عائشة بيده الشريفة من باب حسن المعاملة، فقال معقبا على ذلك بأنه ربما لا يقول لامرأته صباح الخير!
الأمر الذي يجعلني متأكدًا بنسبة كبيرة أن أكثر من يذهب للأطباء هم النساء، ربما لأن الطبيب يسمع حتى النهاية لكي يحدد التشخيص المناسب، ويجب عليه أن يحسن الإنصات ويظهر علامات التودد لهن لكي لا يشعرهن بالخوف إذا كانت هناك مشكلة خطيرة، هذا واجبه على أي حال. ولعل القارئ الكريم إن عرف الريف أو عاش فيه لفترة، فسيرى حقيقة كلامي على وجه الطبيعة.
و قد حرصت طيلة مدة إصغائي في البداية على رسم ملامح الاهتمام الذي لم أكن أحمله حقيقة، لكني أعرف أن هذا يساعد، فقد قرأت هذا لديل كارنيجي منذ زمن وطبقته كثيرا وأثبت نجاحه بجدارة. غير أنني مع الوقت أدركت أن هذه الأمور تهمني فعلا، لأنها على المدى البعيد، تؤثر بالإيجاب على أنا شخصيا، فالبوح بمشاكل جدتي يجعلها أكثر راحة مما يجعلها تتغير ولو تغيرا طفيفًا وربما مدة بقائى في إجازتي فقط.
الأمر الذي يعود على أبي وأعمامي أيضًا. في أسوأ الأحوال، فإني أضمن أنها ستغير طريقة معاملتها معي أنا على الأقل. هذا بالإضافة إلى الجانب الأخلاقي للموضوع، لكنني لم أذكره لبداهته.
اختلاف أنظمة التشغيل!
و سترى أثناء إصغائك للمرأة أيها الرجل أمورا عجاباً عليك أن تضغط على نفسك لكي تجعلها تمر مر الكرام، فإن دماغنا نحن الرجال يعمل بطريقة منطقية بحتة، فهو يفترض أن المتحدث سيذكر أمورا تتعلق بمشكلة يتوجب علينا حلها بما أنه قد اختارنا للتكلم بشأن تلك المشاكل، كما أننا نفترض أن المتحدث سيمر بطريقة متسلسلة و مرتبة عبر الأحداث التي يجب أن يذكر منها ما يتعلق بصلب المشكلة فقط لكي نستطيع مساعدته بشأنها.
غير أن هذا لا يعمل مع المرأة، فقد كنت أرى جدتي تتحدث معي عني أنا، ثم عن ابن عمي الذي سيلتحق بالكلية، ثم تذهب بحديثها إلى الحديقة و ما فيها، ثم تعود لتتكلم عن شئ يخص البيت الذي نجلس تحته، ثم تذكر أشياءاً من ذلك الزمن الغابر أيام جدي رحمه الله، و لا تكاد تغفل تفصيلا دقيقاً قد حدث يومها، و تظل قليلا أو كثيرا هناك في الماضي، ثم تعود لتتكلم عن شئ يحدث الآن، و هكذا دواليك!.
و أكون حريصا في ذلك كله على إظهار علامات الإصغاء، و سؤالها بين الفينة و الأخرى عن شئ مما تحكيه لأؤكد لها على انتباهي لما تقول، ثم أستأذن منصرفاً عندما تنتهي، و لا أرد أو أنتقد أو أفعل أي شئ أبداً.
و لعل أسلوبي قد آتى أكله بطريقة أسرع مع عمتي، فقد صارت تهش و تنفرج أساريرها كلما تراني، و لا تكتمني حديثاً قد اختلج في صدرها لأمر ما، لعلمها أنني لن أقاطعها أو أنتقدها أو أسفه كلامها لأي سبب كان، على أن هذا معي فقط، فما تزال تعطي باقي العائلة ذلك الوجه الذي لم تعرف السعادة طريقاً إليه!.
الموجز
ينبغي أن تكون الآن عرفت أيها الرجل الطريق إلى فهم النساء اللاتي تتعامل معهن، خاصة إن رزقت بزوجة، فكل ما تحتاجه منك أن تحسن الإصغاء، ثم ترفق بها، بكل ما تعني كلمة الرفق من معان نبيلة تليق برجل شهم ذي مروءة، و اعلم أن الرفق مفتاح النساء، و لا شئ آخر،
دعك من تلك الترهات التي تملأ الدنيا عن صعوبة إرضاء النساء و أن النساء كائنات لا يمكن استيعابها و لا التعامل معها، فهذه كتابات، برأيي، إما وضعت من قبل جهال أو لمجرد كسب المال من بيع هذه الأشياء التي تنتشر كالنار في الهشيم. خذها مني عن تجربة، ارفق بهن، اغصب نفسك على ذلك حتى يصبح عادة لديك، أعطها الرفق بلا حساب، و انتظر ثماره جنة تتفتح في بيتك!.
أنتظركم في الجزء الثاني، لأكون قد كتبت ما تحتاجه النساء لفهم الرجال، على ضوء كتاب الرجال من المريخ و النساء من الزهرة (ربما لو كنت قابلت الكاتب لكنت أقنعته بضرورة اختيار اسم أقصر).