ديمة طهبوب
كفرت بالإنسانية يا مخيم اليرموك
التاريخ:6/4/2015 - الوقت: 5:06م
على قدر ما يحاول الإنسان السوي صاحب الرؤية والدين العض على مبادئه والحفاظ على ذلك الخيط الرفيع الذي يفرق بين الشرائع المثالية النبيلة وبين أخطاء البشر، فإن هذه الطاحونة التي نعيش فيها تحت أقدام الذين يتحكمون فينا من القوى العظمى وتحت ذل حكامنا لم تبقِ ولم تذر أي عصمة في نفوس الكثيرين لأي مقدس؛ فتخلى البعض عن الدين ونبذ البعض الثورية والمقاومة أو تعب منها، وتاجر فيها، وآثر البعض العزلة والسكوت الجبان، بينما تطرف آخرون وصلوا نهاية الخط وحد اليأس وأصبح الموت أفضل لديهم من الحياة بذلة، وأهون من استجداء ما يقيم الأود من لئام البشر!!
كان المؤمنون والدعاة يصبرون الناس بقبول الابتلاء كجزء من التمكين ووجوب التضحية كطريق نحو النصر، وأن استطالة عمر الظلم مؤذن بفنائه القريب، الا أن الله فطر البشر أيضا على حب النصر وعلى الرغبة في جني ولو ثمرة من ثمارها؛ فها هو سعد بن معاذ يدعو الله أن يؤخر أجله وقد أصيب بسهم قاتل حتى يرى مصارع بني قريظة، بل ويتقبل الله طلبه بأحسن القبول فيكون هو الحكم العادل في مصيرهم، غير أن ما يحصل مع المسلمين الآن لا يشابه مرحلة انتظار النصر ولا جني ثماره، ولا حتى العمل لتحقيقه؛ إنه لا يشبه سوى أسوأ حالات الضعف والخور والمهانة الذي كان فيها المسلم ينتظر المغولي ليجلب سيفه ويقتله، غير ان المغول الآن تعددت أجناسهم واوطانهم وأصبح اكثر العالم مغوليا بالنسبة للمسلمين، والكل يتسابق كيف يضيق عليهم ويسومهم سوء العذاب، بينما ينظر بعض النخب باستبعاد المؤامرة ويدعو الى الحوار والحسنى والتوافق.
لا نعرف أي حسنى وأي حوار وأي سلمية وأي قوانين إنسان ومواثيق دولية ومعاهدات تعمل في سمائنا وعلى أرضنا العربية والاسلامية؛ فكل هذه التخريصات قد تجد منفذا في غير بلادنا، الا أنها تقف عند حدودها ولا تتعداها لتصل الينا؛ فنحن لا نعد سوى أرقام لا تقدم ولا تؤخر ببقائها، بل قد يعد التلاعب بمصيرنا وحياتنا ورقة ضغط لتصفية الحسابات والقضايا التي ترهق الدول العظمى في منطقتنا، ورسم سياسات وخطط جيدة للمنطقة!
نفهم الآن لماذا يتطرف بعض الناس عن جهالة ولكنهم بشكل أو آخر يثأرون لدمائهم المراقة وحياتهم المستباحة؛ فحيثما يممت في العالم تجد المسلم الحلقة الاضعف الذي يقع عليه كل عداء وجنون وسادية الطغاة؛ فيصبح الحل الوحيد أمام الشباب المتحمس التخطيط للموت بكرامة اذ لم يستطيعوا التخطيط للحياة بعزة.
لا نلوم الاخرين فقط فقد ماتت فينا الانسانية جميعا، وحلت مكانها الأنا الضيقة، فلا نبالي بما يحصل خارج دائرتنا واسرتنا ومجتمعنا ووطننا اما الدائرة الكبيرة للأمة فأصبحت مصطلحا من زمن غابر نترحم عليه وعلى دعاته!
نرى حالة الهوان هذه واضحة في حال مخيم اليرموك الذي تآمر عليه الغريب والقريب لتصفية رمزيته في قضية اللجوء والعودة ودوره في استمرارية المقاومة والحفاظ على نهجها!
في اليرموك اختبرنا زيف بعض التنظيمات التي كانت تدعي المقاومة، ثم كانت الاولى في التآمر على المخيم، في اليرموك اختبرنا كيف ان تاريخ دولة بُني على وهم الممانعة كان سرابا كبيرا ومتاجرة بالقضية، في اليرموك رأينا الان كيف يتلبس بعض الشياطين بلبوس الدين والملائكة وهم من ذلك برآء، في اليرموك انقلبت الآية ومات الناس من الجوع والعطش في وقت وصل فيه البشر الى حالة من الكفاية أصبحوا يقولون بعدها «ما في حد بموت من الجوع»، بعد ان كان المخيم حاضرة من حواضر الخير والازدهار والعافية، وقدم مثلا على المحافظة على القيم والمبادئ ومتابعة الحياة لخدمة القضية.
في اليرموك وقبله صبرا وشاتيلا وتل الزعتر وغيرها سقطت كل حسابات الانسانية والدين وقوانين الحرمة والعصمة، وسقط معظمنا في اختبار المبادئ والتنظير!
ماذا نفعل إذن والكماشة قد أطبقت من كل الزوايا، ولم يعد هناك منفذ قد يتساءل بعض اليائسين ممن استحلوا القعود وممارسة دين الدراويش والرهبان بالاقتصار على العبادة والدعاء؟!؟! ومثل هذا المنطق هو الهزيمة الحقيقية، والجواب بسيط ان افعل أي شيء مهما كان بسيطا أو رمزيا، المهم ان تتحرك، ان تحس بالألم، ان يؤرقك الخطب الجلل، ألا تسكت فالسكوت هو الموت والتصفية وختم النهاية.
لا تسكت ولا تقعد ولا تبخل ولا تسمح لنفسك ان تكون شريكا في الجريمة، وتذكر أن المكان الاسوأ في الجحيم للذين يقعدون على الحياد،
وبغير ذلك لا ينطبق عليك سوى انك من القطيع تأكل وتشرب وتسمن للذبح عندما يريد الجزار الاكبر او وكلاؤه في المنطقة.
(البوصلة)