همّ الجمعة!
لا أبالغ إن قلت أنني يوم الجمعة أحمل هم الصلاة، وما يمكن أن أجده من «أذى» سواء من الإمام أو المصلين، خاصة الصغار منهم، الذين يكون بعضهم في سن الرضاعة أو اكثر قليلا، ويا لحظي إن جاورني أحد منهم، وبدأ برفسي والتمطي، والحركة الدائبة، وبالطبع «تطيير» أي خشوع ممكن، والكبار من أصحاب السيارات الذين يحلو لهم أن يرمون سياراتهم وسط الشارع، ثم يهرعون في ربع الساعة الأخير للمسجد، للحاق بالركعة الثانية من صلاة الجمعة، ناهيك عمن يفضل أن يصلي وراء الإمام مباشرة، متخطيا رقاب عباد الله، ورافسا رؤوسهم، وهو يتقافز قاطعا الصفوف، كي ينال شرف الصلاة في الصفوف الأولى، قال من باب نيل مزيد الأجر، ولو على ظهور المبكّرين بالحضور!
من باب التذكير فقط، ولمن هم من جيران المسجد خاصة، يرى الفقهاء أن
المستحب أن يمشي المصلي إلى مسجده، ولا يركب، لقول النبي صل الله عليه و سلم : « إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة و الوقار ، ولا تُسرعوا « فما بالك بمن يأتي بسيارته، ويعلق الطريق، على المشاة وعلى السيارات الأخرى، ثم يستغرق في «تبتله» وعبادته، وقد يخرج آخر واحد من المسجد، فيما يكون عباد الله في انتظاره، كي يفرج عنهم، ويحرك سيارته؟ بل قال الفقهاء أن الماشي إلى الصلاة في صلاة، فأنى ذلك، وهو يؤذي الناس، ويستمطر لعناتهم وغضبهم وضيقهم، ويؤخرهم عن قضاء حوائجهم؟
أما قصة تخطي الرقاب فحدث ولا حرج، وهنا نذكر الحريصين على ممارسة هذه العادة السيئة، بقوله صل الله عليه و سلم للذي جاء يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة: «إجلس فقد آذيت و آنيت» إلى ذلك، وبالنسبة لمن يأتي بابنه الصغير جدا، وبعضهم يأتي بابنته أيضا، فقال الفقهاء لا يجوز للمصلي أن يفرق بين اثنين، يعني لا تأتى بين اثنين تدخل بينهما وتضيق عليهما، أما لو كان هناك فرجة فهذا ليس بتفريق، لأن هذين الاثنين هما اللذان تفرقا، لكن أن تجد اثنين متراصين ليس بينهما مكان لجالس ثم تجلس بينهما، فما بالك بالصبي الذي يبدأ بالحركة وإيذاء جاره، برفسه وربما الركوب على ظهره؟
وتبقى مسألة الخطبة، وابداعات الخطباء، وهنا لك أن تتحدث ولا حرج، عمن يخصص خطبته لاجترار بعض الأحكام التي بليت من كثرة الرد والتكرار، وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على الإفلاس، وضحالة تفكير بعض الخطباء، وهؤلاء أرحم ممن يأسره المايكروفون فينسى نفسه، ويسترسل بالحديث قافزا من موضوع إلى آخر، مرغيا مزبدا، كأنه يخطب في جيش على وشك الانقضاض على العدو، ثم يتذكر أنه على المنبر، فيعتذر عن الإطالة، بعد أن نام نصف من في المسجد، وبعضهم فقد وضوءه، فبدأ رحلة الرجوع من الصفوف الأولى، قاصدا المتوضأ!
إنما جعلت العبادات لتهذيب النفوس، وإشاعة الخير، لا الأذى، والكلام كثير، ولدى كل واحد منا القدرة على قياس تصرفاته، ومدى مواءمتها للخير الذي جاء يجنيه من الصلاة، لا الشر، له وللآخرين!