[rtl]د. ديمة طهبوب
المثبطون المثبطون
التاريخ:5/10/2015 [/rtl]
لله در أبي ذر ماذا كان يعتقد أنه فاعل بتعرضه للمشركين في نواديهم للجهر بإسلامه ليناله الضرب والأذى والشماتة يوما بعد يوم، حتى كفوا عنه مخافة قومه غفار!
لله در ابن مسعود وهو يتعرض لصنوف العذاب ليصدح وحيدا بقل يا أيها الكافرون وآيات المفاصلة!
لله در عمر وهو يأبى الا أن يهاجر علنا رافعا لهذا الدين الذي اعتنقه متحديا قوة قريش وغطرستهم!
لله در حسان وهو يرمي الكفار بسهام الشعر فيُعمل فيهم عمل السيف تقريعا وجلدا في قوم كانوا يعنون بسمعتهم وإرثهم عنايتهم بحياتهم!
ماذا كان يظن هؤلاء الآحاد أنهم فاعلون بأنفسهم وبخطواتهم الفردية؟! هل كانوا يظنون أن هذه الافعال الفردية ستقيم دولة الاسلام وأتباعها في عز ضعفهم وهوانهم على الناس؟
بالتأكيد لا ولكنهم كانوا يؤمنون ان التكليف لا يرفع حتى في حالة الضعف، وأن المسلم مطالب بتقديم أقصى استطاعته
دون انتظار الأحداث والتغيرات العظيمة التي لا توجد الا بتراكم الأفعال والتضحيات الصغيرة التي تصنع الفرق.
ان الكلمة لو غابت فسيضيع الوعي وان التراخي لو امتد فسيشيع الوهن، وان الاعداد لو تأخر فلن يأتي النصر؛ فالبناء القوي المتماسك يبنى لبنة لبنة ولا يوضع كتلة واحدة.
تغيب هذه الثقافة، بتأثير الفعل الفردي والجماعي مهما كان صغيرا، عن الناس في هذه الايام ولا يكتفون بترهل معنوياتهم وايمانهم ويقينهم بل يسعون تثبيطا في الآخرين
بأن ماذا ستفعل الكلمة والمسيرة والنشاط والمهرجان والمؤتمر في حال الأمة وقضاياها وجروحها المممتدة؟!
ونقول لهم فهل الحل في الصمت المتواطئ؟
هل الحل في السبات بانتظار ربيع الأمة؟
ومن سيعمل ليزهر الربيع اذا كنا سننام في انتظاره؟!
اذا كانت السماء لا تمطر ذهبا وفضة بغير عمل فهل تمطر نصرا على أصحاب الأماني فقط؟!
ولنفرض أننا لم نحضر تلك اللحظة الحاسمة التي كنا ننتظرها، أفتكون الحياة ضاعت هباء على كراسي الانتظار والتسويف ونحن ننتظر ان يصلنا الدور في العيش بكرامة وعزة،
بدل ان نصنعها فيكتب على شاهد قبرنا أن هنا يرقد امرؤ لم يذل الا الله، وشهادة السماء في ذلك بالقبول أهم من شهادة أهل الارض.
في ظل تحول حياتنا الى النمط «العلفي» الذي يعنى بالاكل والشرب والحاجات غابت القيم التي تجعل من الانسان انسانا مكرما،
أنزل الى هذه الأرض ليترك بصمة ويشق طريقا يعود به الى السماء، وتعلم الطغاة الدرس فأمسكوا بنا من التلابيب يمنون علينا بلقمة خبز وشربة ماء وسقف وطريق ممهد!!
لقد كانت قمة الذم عند العرب يوم قيل لأحدهم اقعد فأنت الطاعم الكاسي، وكأنها درجة دون الانسانية ودون الكرامة ودون الشرف، وهل حال معظمنا الا هذا؛
ازدياد في الحياة والشهوات مع تطعيمها احيانا بشيء من الدين، ولكنه دين تواكلي لا يقوم اصحابه بتفعيل إيمانهم لتعقله جوارحهم وتتحرك به أجسادهم.
في أزمان الدعوة الاولى لم تكن القوة المادية مطلوبة ولا واردة في الحسبان، كان نصر الدين ان تقول كلمة حق، أن تسوء وجوه الكافرين، أن تنفق نفقة صغيرة او كبيرة،
ان تقطع الوديان واكباد الابل مشيا او على دابة هربا بدينك، كان نصر الدين هو كل هذه الافعال التي تراكمت على مدى سنوات حتى جاء الفتح المكي وغيرها من الفتوحات الاسلامية على نفس النهج
يوم اكتملت القوة، يا ترى لو أحجم الافراد عن بذل قليلهم مشككين بجدواه في تحقيق المواقف الكبيرة، أكان المسلمون ليبلغوا عزة بعد ذلة وقوة بعد ضعف؟!
ان على الذين يمتنعون عن تقديم وسعهم في هذه الاوقات العصيبة من حياة المسلمين ان يراجعوا أنفسهم، ولا يفرحوا بقعودهم فالله يعلم أنه ليس في قلوبهم خير؛
فثبطهم وأخّرهم لكيلا يكون لهم شرف السبق او اللحق عندما ينزل نصره على عباد له تفانوا طوال حياتهم في خدمة أهدافهم، ولم يجعلوها على الرف او في مؤخرة اهتماماتهم،
مقدمين الشعائر على حرمة مقدسات تدنس ودماء تسفك وأعراض تستباح، بل ان ذلك احتقارا للنفس كما ذكر الحديث عن الرجل يحقر نفسه وهو يستطيع ان يقول الحق ويمتنع!
لقد اطلع الله على المثبطين فوجدهم ليسوا أهلا لكرامته؛ فأقعدهم وما آلم ان يستثنى المرء من عباد الله ومن كرامته ونظرته لمن كان له قلب!!
ان عليهم كلما تأخروا عن مقام يمكن فيه نصرة الدين ان يبكوا على أنفسهم أنهم من المنبوذين، ومن نُبذ من رحمة الله التي تطال عباده العاملين المجتمعين على الخير في الارض،
يخاف ألا تدركه في السماء أيضا!
ان العمل قد يكون صغيرا ولكن صدق النية يعظمه فيكتب عند الله أن هذا سار خطوات بنية تحرير القدس، وذلك كتب بنية نصرة المسلمين في الشام،
وذاك تصدق بنية رفع البلاء عن اهل العراق وهكذا، حتى تتداعى الاعضاء كلها للاجزاء المصابة من جسم الأمة،
وقد يغيب المرء ولا يحضر حصاد ما زرعه ولكن يبقى سجل لا يغيب عند الله قبولا وعند الناس ذكرى حسنة او قدوة متبعة.
ولقد صدق مالك بن نبي حين قال وذم أمثال هؤلاء:»صناعة التـاريـخ لا تبدأ مـن مـرحـلـة الحـقـوق، بـل مـن مـرحـلـة الـواجـبـات المـتـواضـعـة فـي أبـسـط مـعـنـى للـكـلـمـة،
الـواجـبـات الخـاصـة بـكـل يـوم، بـكـل سـاعـة، بـكـل دقـيـقـة، لا فـي مـعـنـاهـا المـعـقـد، كـمـا يـعـقـده عـن قـصـد أولـئـك الذيـن يـعـطـلـون جـهـود البـنـاء اليـومـي بـكـلـمـات جـوفـاء، وشـعـارات كـاذبـة
يـعـطـلـون بـهـا التـاريـخ، بـدعـوى أنـهـم يـنـتـظـرون السـاعـات الخـطـيـرة والمـعـجـزات الكبيرة».
ان المرحلة لا تحتمل ما يسمى بالحياد؛ فالحياد يوضع في كفة الاعداء وغير ذلك إما أن تكون عاملا، أو تكون مثبطا، وأنت صاحب الخيار المُمتحنُ دائما في كلمة وموقف!
(السبيل)