أطوار خلق الإنسان في القرآن
بين الإعجاز التربوي والإعجاز العلمي
أطوار خلق الإنسان:
ولعله من الأسباب التي دعتني أن أتحدَّث عن أطوار الإنسان في هذا البحث ما قاله الإمام ابن كثير في تفسيره لآية الخلق في سورة الحج، ما ذكره من أطوار خلق الإنسان أمر كل مكلَّف أن ينظر فيه، والأمر المطلق يقتضى الوجوب إلا لدليلٍ صارف عنه، كما أوضحناه مرارًا، وذلك في قوله - تعالى -: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ ﴾ [الطارق: 5، 6].
يعدُّ خلق الإنسان من آيات الله العظيمة، خاصة إذا علِمنا أن كل طور من هذه الأطوار يعدُّ آية في ذاته، كما أن إخبار الله - سبحانه - عن هذه الأطوار والمراحل في القرآن الكريم يعتبر من الإعجاز العلمي، لا سيما وأن العلم الحديث لم يتوصَّل إلى هذه الأطوار إلا منذ سنوات قليلة، ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2].
ومن الواضح أنه قبل عملية خلق الإنسان قد أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن فيه الإنسان مذكورًا كما في قوله - تعالى -: ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الإنسان حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا ﴾ [الإنسان: 1].
أولاً عناصر خلق الإنسان الأول:
1- الماء:
يعبر الماء هو العنصرَ الأول الذي خلق الله منه كل شيء حي سوى الملائكة والجن مما هو حي؛ لأن الملائكة خُلِقوا من النور، والجانُّ خُلِق من النار، قال - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأنبياء: 30].
ويدخل في قوله - تعالى -: ﴿ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ جسم الإنسان، بل يمكن لنا أن نقول: وقد خلقه الله - تعالى - من الماء، يقول الله - تبارك وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا ﴾ [الفرقان: 54][1]. 2- التراب:
التراب هو العنصر الثاني من عناصر خلق أبي البشر آدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، والتراب عنصر أساسي من عناصر تكوين كل إنسان بعد آدم - عليه السلام - إذ من الترابِ النبات، ومن النبات الغذاء، ومن الغذاء الدم، ومن الدم النطفة، ومن النطفة الجنين، قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [فاطر: 11].
وقال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
وقال - تعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ ﴾ [الروم: 20].
وقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
هناك تحقيقٌ آخر للعلماء حول خلق الله الناس من تراب، وهو أنه خلق أباهم آدم منها، ثم خلق منه زوجَه، ثم خلقهم منها عن طريق التناسل، فلما كان أصلُهم الأول من ترابٍ، أطلق عليهم أنه خلقهم من ترابٍ؛ لأن الفروع تبع الأصل، وقد توصَّل العلم الحديث إلى أن كل العناصر المكوِّنة للإنسان هي عناصر التراب.
ثانيًا: مراحل خلق الإنسان الأول:
1- الطين:
وهذا الطين ناتجٌ من امتزاج عنصرَي الماء والتراب كما وضحنا آنفًا، ولذلك فالطين هو المركَّب الذي يتكوَّن منه خلق جسد الإنسان، قال - تعالى -: ﴿ ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ ﴾ [السجدة: 6 - 9].
ويصف الله - سبحانه وتعالى - هذا الطين بأنه كان طينًا لازبًا؛ أي: لزج لاصقًا متماسكًا يشدُّ بعضه ببعض، قال - تعالى -: ﴿ فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ ﴾ [الصافات: 11].
ومما هو جديرٌ بالذِّكر أن سببَ اختلاف البشر في صفاتهم وأشكالهم وأخلاقهم يرجع إلى المادة التي خلق الله منها آدم؛ حيث جمعها من جميع الأرض، قال رسول الله - صل الله عليه وسلم -: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضَها من جميع الأرض، فجاء بنو آدمَ على قدرِ الأرض، فجاء منهم الأبيض والأحمر والأسود، وبين ذلك والسهل والحزن، وبين ذلك والخبيث والطيِّب، وبين ذلك))[2]. 2- الحمأ المسنون:
ترك الله - تعالى - هذا الطين بعد أن مزج عنصريه حتى صار حمأً مسنونًا، قال - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَأٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26]، والحمأ هو الطِّين الأسود المتغيِّر، كما عليه أقوال المفسرين، أما المسنون ففيه خلاف بين المفسِّرين، قيل: المصوَّر من سُنَّة الوجه وهى صورته، ومنه قول ذي الرمة:
تُرِيكَ سُنَّةَ وَجهٍ غَيرِ مُقرِفَةٍ مَلْسَاءَ لَيسَ بِهَا خَالٌ وَلا نَدَبُ |
وعن ابن عباس - رضى الله عنهما - أنه لما سأله نافعُ بن الأزرق عن معنى المسنون، وأجابه بأن معناه المصوَّر، قال له: وهل تعرف العرب ذلك؟ فقال له ابن عباس: نعم، أما سمعت قول حمزةَ بنِ عبدالمطلب - رضى الله عنه - وهو يمدح رسول الله - صل الله عليه وسلم -:
أغرٌّ كأنَّ البدرَ سنةَ وجهِه جلا الغيمُ عنه ضوءَه فتبدَّدا |
وقيل: المسنون المصبوب المفرغ؛ أي: أفرغ صورة الإنسان كما تفرغ الصور من الجوهر في أمثلتها.
وقيل المسنون في رواية لابن عباس ومجاهد والضحاك: إنه المنتن، وقال ابن كثير: المسنون الأملس، كما قال الشاعر:
ثم خاصرتُها إلى القبَّةِ الخضراء تمشي في مرمرٍ مَسنونِ |
ويرجِّح الشنقيطي الرأي الأول بدليل قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ ﴾ [الحجر: 26][3]؛ أي بعد أن مزَج الخالق - تبارك وتعالى - عنصرَي التراب والماء صار المزيج طينًا لازبًا لاصقًا، ثم بعد ذلك صار هذا الطين حمأ أسودًا مسنونًا مصورًا. 3- مرحلة كونه صلصالاً:
بعد أن صار الطين حمأً مسنونًا في صورة آدم صار صلصالاً كالفخار، قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الإنسان مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ * وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ ﴾ [الرحمن: 14، 15]، والصلصال هو: الطين اليابس الذي له صلصلة؛ أي يصوت من يُبْسه إذا ضربه شيء، ما دام لم تمسه النار، فإذا مسَّته النار فهو حينئذٍ فخَّار، وهذا قول أكثر المفسرين.
وهذا الصلصال يشبه الفخار إلا أنه ليس بالفخَّار؛ لأن الله لم يُدخِل آدم النار، حتى يكون فخارًا، قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ ﴾ [الرحمن: 14].
والحاصل أن الله - سبحانه وتعالى - لما مزَج عنصرَي التراب والماء صار طينًا، فلمَّا أنتن الطينُ صار حمأً مسنونًا مصورًَّا على هيئته، فلمَّا يبِس صار صلصالاً، وإلى هذه المرحلة لم يبدأ آدم في الحياة.
أما بخصوص المدة الزمنية التي بينَ مرحلة الطين والحمأ المسنون والصلصال، لم يُحدِّدها الله - سبحانه - في القرآن الكريم، وكذلك لم يرِدْ بشأنها حديث نبوي صحيح يُستَدلُّ به، ومن الأحاديث التي تُبيِّن هذه المرحلة ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صل الله عليه وسلم - قال: ((إن الله خلق آدم من تراب، ثم جعله طينًا، ثم تركه حتى إذا كان حمأً مسنونًا خلقه وصوَّره، ثم تركه حتى إذا كان صلصالاً كالفخَّار، قال: فكان إبليس يمرُّ به فيقول له: لقد خُلِقت لأمر عظيم، ثم نفخ الله فيه من روحه، فكان أول ما جرى فيه الروح بصره وخياشيمه فعطَس، فلقَّاه الله حمد ربه، فقال الله: يرحمك ربك...))[4]. 4- نفخ الروح:
بعد أن سوَّى الله - تعالى - الإنسان الأول وصوَّره، ثم صار صلصالاً؛ أي يبِس الطين بعد تصويره دبَّت الروح في جسد آدم - عليه السلام - قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72].
أضاف - سبحانه - الروح إلى ذاته، للإشعار بأن هذه الروح لا يملكها إلا هو - تعالى - وأن مَرَدَّ كُنهِها وكيفيه خذا النفخ، مما استأثر - سبحانه - به، ولا سبيل لأحد إلى معرفته، كما قال - تعالى -: ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85][5]. وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - ملائكتَه قبل خلق آدمَ أنَّ عليهم أن يسجدوا لهذا المخلوق بعد أن تدبَّ الروح في جسده، قال - تعالى -: ﴿ إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ [ص: 71، 72]، هذه الآية تدلُّ على أنه - تعالى - لما نفَخ في آدم الروح وجَب على الملائكة أن يسجدوا له؛ لأن الفاء تفيد التعقيب وتمنع التراخي.
يقول صاحب الظلال: ما كان لهذا الكائنِ الصغير الحجم، المحدود القوة، القصير الأَجَل، المحدود المعرفة، ما كان له أن ينال شيئًا من هذه الكرامة لولا تلك اللطيفة الربانية الكريمة (النفخة العلوية التي جعلت منه إنسانًا) وإلا فمَن هو؟ إنه ذلك الخلق الصغير الضئيل الهزيل الذي يحيا على هذا الكوكب الأرضي مع ملايين الأنواع والأجناس من الأحياء، وما الكوكب الأرضي إلا تابعٌ صغير من توابعِ أحدِ النجوم، ومن هذه النجوم ملايين الملايين في ذلك الفضاء الذي لا يدري إلا الله مداه... فماذا يبلغ هذا الإنسان لتسجدَ له ملائكة الرحمن إلا بهذا السر اللطيف العظيم؟! إنه بهذا السر كريم كريم، فإذا تخلَّى عنه أو اعتصم منه ارتدَّ إلى أصله الزهيد من طين"[6]. مراحل خلق الإنسان في بطن أُمِّه:
كما أن القرآن الكريم تحدَّث عن مراحل خلق الإنسان الأوَّل، كذلك تدرَّج في الحديث عن خلق سلالة هذا الإنسان، ومن الآيات التي تُشِير إلى هذه المراحل قوله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
وقوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].
وقوله - تعالى -: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2].
1- النطفة:
ورد ذكر كلمة نطفة في القرآن الكريم في اثني عشر آية:
قال - تعالى -: ﴿ خَلَقَ الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [النحل: 4].
قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ﴾ [الكهف: 37].
قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 13، 14].
قال - تعالى -: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أنثى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾ [فاطر: 11].
قال - تعالى -: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ ﴾ [يس: 77].
قال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
قال - تعالى -: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ﴾ [النجم: 46].
قال - تعالى -: ﴿ أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ﴾ [القيامة: 37].
قال - تعالى -: ﴿ إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ [الإنسان: 2].
قال - تعالى -: ﴿ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ﴾ [عبس: 19].
وجاءت هذه المرحلة بعد اكتمال خلق أوَّل ذكرٍ وأوَّل أنثى من الكائن البشري، والنطفة مختلطة من ماء الرجل وماء المرأة؛ حيث يختلط بعد عملية الجِماع ماءُ الرجل مع ماء المرأة فيصير الماءان نطفة.
ومن عجائبِ قدرة الله - سبحانه - أن يصلَ تَعدادُ الحيوانات المنوية التي تُفرِزُها الخصيتينِ إلى ما بين مائتين إلى ثلاثِمائة حيوان منوي في الدفعة الواحدة، بينما الأنثى تدفع بُوَيْضة واحدة عليها تاج مشع، ولا يصل من الكميات الهائلة من الحيوانات المَنَوية إلى البويضة إلا حيوان منوي واحد.
وما أن يتم التحام الحيوان المنوي بالبويضة، حتى تباشر البويضة المُلقَّحة بالانقسام إلى خليتينِ، فأربع، فثمان وهكذا دون زيادة في حجم مجموع هذه الخلايا عن حجم البويضة الملقَّحة، وتتم عمليه الانقسام هذه والبويضة في طريقها إلى الرَّحِم، ثم تأتي المرحلة الثانية؛ وهي:
2- العَلَقة:
ورد ذكر لفظ العلقة في القرآن الكريم في خمس آيات:
قال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
قال - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [غافر: 67].
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14].
قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى ﴾ [القيامة: 38].
والعلقة: هي القطعة من العلق وهو الدم الجامد.
وبعد أن تصل البويضة المُخصَّبة إلى الرَّحِم، وبعد انقسامِها تُصبِح عبارة عن كتلةٍ من الخلايا الصغيرة، يطلق عليها اسم التُّوتة؛ حيث تُشبِه ثمرة، حينئذٍ تتعلَّق بجدار الرحم، وتستمر في التعلق مدة أربع وعشرين ساعة، وتتميز العلقة من طبقتينِ؛ هما: طبقة خارجية "آكلة ومغذية"، وطبقة داخلية، ومنها يخلق الله الجنين.
وقد سمى الله - سبحانه - أول سورة نزلت في القرآن باسم هذه المرحلة، ليُذكِّرنا الله - سبحانه - بتلك اللحظات التي كان فيها الإنسان عبارة عن كتله دم عالقة بجدار الرحم تستمد منه الدفء والغذاء والسكن، قال - تعالى -: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ ﴾ [العلق: 1، 2].
3- المضغة:
ذُكر لفظ المضغة في القرآن الكريم ثلاث مرَّات مرتينِ في سورة المؤمنون: 14، ومرة واحدة في سورة الحج: 5، والمضغة هي القطعة الصغيرة من اللَّحم بقدر ما يُمضَغ.
وبعد عمليه العلوق تبدأ مرحلة المضغة في الأسبوع الثالث، وهذا الطور يمر بمرحلتين:
أ- غير المُخلَّقة:
تستمر هذه المرحلة من الأسبوع الثالث حتى الأسبوع الرابع، ولا يكون هناك أي تمايز لأي عضو أو جهاز.
ب- المضغة المُخلَّقة:
يمر الحمل بعد نهاية الأسبوع الرابع بجملةٍ من التغيرات الدقيقة والمدهشة، وتنمو فيها الخلايا وتتطوَّر، ليكون الإنسان في أحسن تقويم، وتنتهي هذه المرحلة في نهاية الشهر الثالث تقريبًا.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هاتينِ المرحلتين، فقال - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [الحج: 5].
وقد راعى القرآن الكريم الفارقَ الزمني والخلقي بين كل طَور من أطوار الخلق، فالمسافة بين النطفة والعلقة مسافة كبيرة في ميزان الخلق، وإن كانت غير بعيدة في حساب الزمان، ولذا جاء التعبير في النقلة بين النطفة والعَلقة فاصلاً بينهم بثُمَّ".
ثم خلقنا النطفة علقة، فالمسافة شاسعة بين النطفة والعلقة، سواء أكانت نطفة الذكر (الحيوان المنوي) أم نطفة الأنثى (البويضة)، أو هما معًا (النطفة الأمشاج)، والتي في قناة الرحم لتصل إلى القرار المَكِين فتستقر فيه، ولكن النقلةَ بين العَلَقة والمُضغَة سريعة والمسافة قريبة، فإن العَلَقة تدخُلُ إلى المُضغَة دون أن يكون هناك فارق زمني أو خلقي كبير، ومن ثَمَّ جاء التعبير عنها بالفاء، دلالة على الاتصال فيها ﴿ فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً ﴾ [المؤمنون: 14]، وكذلك بين المضغة والعظام ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، ثم تبطئ السرعة، ويأتي فارقٌ زمني وخلقي ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 14][7]. 4- العظام:
في هذا الطور تتحوَّل قطعة اللحم إلى هيكل عظمي، قال - تعالى -: ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا ﴾ [المؤمنون: 14].
5- كساء العظام باللحم:
قال -تعالى -: ﴿ فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ﴾ [المؤمنون: 14]، فهذه الآية تُشِير إلى أن العظام تتشكَّل أولاً، ثم يلتفُّ حولها اللحم والعضلات كأنه كساء لها، وهذا التصوير الدقيق يشير إلى عظمة القرآن ودقته.
6- الخلق الآخر:
وفي هذه المرحلة يكون نفخ الروح، وتكون هذه النفخة بعد مرحلة العَلَقة نحو أربعة أشهر، فقد قال النبي - صل الله عليه وسلم -: ((إن أحدَكم يُجمَع خلقُه في بطنِ أُمه أربعين يومًا، ثم يكون في ذلك علقةً مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغةً مثل ذلك، ثم يُرسَل المَلَكُ فينفخُ فيه الروح، ويُؤمَر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقى أو سعيد))[8]، قال - تعالى -: ﴿ ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا ﴾ [المؤمنون: 14]؛ أي خلقًا مباينًا للخلق الأوَّل مباينة ما أبعدها؛ حيث جعَله حيوانًا بعد أن كان جمادًا، وناطقًا وكان أبكم، وسميعًا وكان أصم، وبصيرًا وكان أكمه، وأودع باطنه وظاهره - بل كل عضو من أعضائه، بل كل جزءٍ من أجزائه - عجائب فطرية، وغرائب حكمته، لا تُدرَك بوصف الواصف، ولا تبلغ بشرح الشارح..."[9]. ويقول صاحب الظلال:
لقد نشأ الجنس الإنساني من سلالة من طين. فأما تَكرارُ أفراده بعد ذلك وتكاثرهم، فقد جَرَت سُنَّة الله أن يكون عن طريق نقطة مائية تخرُجُ من صلب الرجل، فتستقرُّ في رحم امرأة، نطفة مائية واحدة، لا بل خلية واحدة من عشرات الألوف من الخلايا الكامنة في تلك النقطة، تستقر: ﴿ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ﴾ [المؤمنون: 13]...".
ثابتة في الرَّحم الغائر بين عظام الحوض المحمية بها من التأثر باهتزازات الجسم، ومن كثيرٍ مما يصيب الظهر والبطن من لكمات وكدمات، ورجَّات وتأثرات!