اللاجئون الفلسطينيون: ما المصير..؟!
حيثما تحل أزمة أو كارثة في العالم، يتطلع المغترب إلى دولته التي ستجليه من مكان الخطر، أو تنصحه بالعودة إلى الوطن وتترك له حرية الاختيار –إلا اللاجئون الفلسطينيون. إنهم محرومون من هذا الخيار الإنساني. دائماً يعلقون في مستنقعات وأزمات لم يختاروا التواجد فيها ولم يكن ينبغي أن يكونوا طرفاً فيها. وإذا حاولوا رحيلاً آخر مثل الآخرين، أُغلقت في وجوههم الحدود وأطبقت عليهم الدائرة، لأنهم يعتبرون خطراً على الديمغرافيا أو حاملين لفيروس الثورة. والفصل الجديد من النكبة الفلسطينية المتواصلة في مخيم اليرموك السوري ليس الأول، وليته يكون الأخير. وحسب الأنباء، علق الفلسطينيون الذين يموتون من الجوع أصلاً في تقاطع النار بين "داعش" الإجرامي، والنظام القاسي، و"جبهة النصرة" التي يقال إنها تحالفت مع "داعش" ضدهم.
ما يحدث في مخيم اليرموك هو فصل آخر فقط من دراما اللاجئين الفلسطينيين الطويلة المليئة بالمعاناة والموت وخيبات الأمل. في كل مكان حمل اسم الخيام الهشة التي ينبغي أن تكون عارضة ومؤقتة، عانى الفلسطينيون من الويلات الحربية أو التمييز، بالإضافة إلى معاناتهم الخاصة من الغربة والحنين وفقدان الجذور. وبعد أن طال أمد النكبة، وحلت محل الخيام بيوت فوضوية، ظل المخيم مخيماً، يدل اسمه على ما ينطوي عليه من إحساس بالوضع الانتقالي القلق، وبقي عنواناً سهلاً للمتقاتلين الباحثين عن موضع سهل الاستباحة في الصراعات. وحيث المخيم الفلسطيني، أي مخيم، ثمة أرواح الضحايا والمعذبين والشعور الدائم باللاطبيعية.
في العقود الأخيرة، أصبح العالم والعرب وفلسطينيون يطرحون على استحياء أولاً، ثم بجرأة أكبر فكرة غالبة واحدة: حل مشكلة اللاجئين بتطبيع اللجوء. وفيما يسمى مفاوضات لحل المشكلة الفلسطينية، تحدثوا عن "حق العودة، مع التعويض" بمعنى مراوغ لا علاقة لشكله بمضمونه، حيث عنى ذلك احتمال عودة بضعة آلاف قد يسمح لها كيان الاحتلال بالعودة. والباقون؟ التوطين حيث يمكن، وبمعنى قتل العيش مع مواطنة مشروطة بشرطها الموضوعي: مواطن من أصل لاجئ، يحمل مخيمه وشجرة العائلة في بطاقة الهوية!
كل ما حصل في القضية الفلسطينية منذ ثلاثة عقود هو كلام في كلام في الجانب الفلسطيني، وعمل في جانب الاحتلال. كانت نتيجة التبادل الكلامي تعميق الاحتلال استيطانه وصنعه "حقائق على الأرض، بينما جرى اختزال المشكلة الفلسطينية إلى فكرة الدولة، أي دولة، على أي بقعة يقبل الاحتلال التبرع بها من الأرض. وفي ذلك غاب أي اعتبار للمكون البشري المهم في المشكلة، وظروف عيش الفلسطينيين المريرة في الداخل والمنفى. محل ذلك حل مفهوم خيالي غريب التركيب، يجافي بين "الوطن/الأرض" وبين صاحب الوطن/ الإنسان. أما إذا كان الوطن المطلوب سيتسع، مساحة وإمكانات وسيادة، للملايين الكثيرة من الفلسطينيين المشتتين، وإذا كانت "دولتهم" ستستطيع احتضانهم إذا اصطادتهم الأزمات، أو نصحهم بالعودة كباقي الناس، فأمور لا يحكي عنها أحد.
الاقتراح الرائج لحل القضية الفلسطينية، يعني حرفياً "حل القضية الفلسطينية" -تفكيكها وتسييل محتواها وتجريدها من مكونها العملي ومتعلقها الإنساني. إنه يعني أن يصبح وضع مخيم اليرموك اليوم، ومخيمات صبرا وشاتيلا سابقاً واليوم، وبقية عشرات المخيمات في مختلف الأرجاء، وضعاً دائماً مفروغاً منه. وتعني مسايرة هذه الاقتراحات المشاركة في حل المشكلة الفلسطينية على أساس عدم حل مشكلة الفلسطينيين، وترك ملايينهم اللاجئة مع قلقهم الوجودي الذي يصبح عذاباً مطلقاً كلما أصبح اللاجئون ثانية ضحايا عاجزة لصراعات الآخرين.
إذا كانت الظروف الموضوعية الراهنة والموقف العالمي اللاإنساني تجاه المشكلة الفلسطينية يفرضان استحالة عودة الفلسطينيين إلى الوطن، فإن ذلك لا يبرر إسقاط مطلب العودة في الخطاب والمفاوضات. ذلك سيخدم فقط إراحة الضمير العالمي من أي بقايا للذنب، بينما لن يجلب شيئاً للفلسطينيين. ولا يمكن أن يكون الفلسطينيون قد حلوا شيئاً إذا تصوروا أن الحل يقوم على التخلص من اللاجئين الفلسطينيين ومطالباتهم الإنسانية المشروعة.
الآن، لم تعد فلسطين قضية العرب الأولى، ولا عنواناً للصراع في الإقليم، ولا أولوية على أجندة الهيئات الأممية. وتفاوض القيادة الفلسطينية على "وضع نهائي" في غياب خطاب أو اقتراح يخاطب فعلاً مشكلة اللاجئين. وبذلك، تُترك الأجيال المعذبة من اللاجئين الفلسطينيين مع سؤال لا يجيب عنه أحد: إلى متى، وما المصير؟!