ء...................
عن ثنائية الدولة والإخوان (6) في الدعم السياسي
بلال حسن التل
شاع في السنوات الاخيرة انطباع لدى الكثير من شرائح المجتمع الاردني مفاده: ان الاخوان المسلمين هم القوة السياسية الأكبر والأكثر تنظيما في الاردن، ووصول الاخوان المسلمين لهذه المرحلة من الحضور السياسي الذي يتحدث عنه الإعلام، هو صورة من صور دعم الدولة الاردنية للجماعة، ونتيجة من نتائج هذا الدعم، فأن يرعى الملك افتتاح المركز العام للجماعة، ثم يشمل برعايته الكثير من نشاطات الجماعة بل ويصطحب جلالة الملك ضيوفه من رؤساء الدول لحضور انشطة الجماعة كما حدث في مؤتمر القدس وان يستقبل جلالته بعوثها وزوارها من خارج الاردن، كعبد الحكيم عابدين، وسعيد رمضان، وابي الحسن الندوي وغيرهم، فإن هذا يشكل دعما سياسيا ضخما للجماعة، انعكس في بناء القوة السياسية لها، ودفع الكثير من رجال الدولة للانخراط في صفوفها من جهة، كوكيل الجماعة كما اشرنا سابقا المرحوم احمد الطراونه، ونائب شعبة الكرك الشهيد هزاع المجالي، وغيرهما الكثير من رجال الدولة، ومن جهة اخرى فإن هذا الدعم الملكي للجماعة ووجود رجال الدولة في صفوفها سهّل حركتها، وقدم لها الكثير من التسهيلات، التي ساهمت في بناء قوتها السياسية، خاصة وأن إشغال اعضاء الجماعة لمناصب عليا ومتقدمة في الدولة، مكنهم من توظيف المؤسسات والدوائر التي كانوا فيها لخدمة أهداف الجماعة، وبناء قوتها السياسية، ويكفي هنا ان نشير الى وزارة التربية والتعليم التي تحولت الى معقل من المعاقل الرئيسة للجماعة، بكل ما يعنيه ذلك من تغلغل وانتشار في صفوف المعلمين والطلبة، ومن المعروف ان الطلبة هم القوة الطليعية الضاربة لاية قوة سياسية، فاذا اضفنا الى وزارة التربية والتعليم الجامعات الاردنية، حيث أشرنا في مقال سابق الى حجم وجود اعضاء الجماعة الاردنيين وغير الاردنيين في كلية الشريعة وغيرها من كليات الجامعات الاردنية، مما يفسر لنا سبب سيطرة الجماعة على الحركة الطلابية، احد اهم عناصر القوة السياسية للجماعة.. وهو الأمر الذي ما كان ليتم دون رضى الدولة وتسهيلها لعمل الجماعة في صفوف الطلبة والمعلمين.
ومن عناصر بناء القوة السياسية للجماعة الامكانيات المادية التي توفرت للجماعة، والتي ساهمت الدولة بجزء كبير منها، من خلال تبرع جلالة الملك لمشاريع الجماعة ومن خلال الدعم المادي للجماعة من قبل الحكومة بالاضافة الى تسهيل الحكومة لجمع الجماعة للتبرعات، كل ذلك وفر لها امكانيات مالية سخرتها في بناء قوتها السياسية، خاصة في مجال الإنفاق على الانتخابات البرلمانية والبلدية وغيرها.
كثيرة هي صور دعم الدولة سياسياً للجماعة، وهو الدعم الذي ساهم في بناء القوة السياسية للجماعة، ولعل من أبرز هذه الصور تسهيل مهمة الاخوان المسلمين في مجال دعم قضية فلسطين.. سواء في حرب عام 1948، ورعاية الجيش الاردني لسرية متطوعي الاخوان وتدريبه لأفراد هذه السرية، وبعد ذلك غض الدولة بصرها عن قواعد العمل الفدائي التي انشأتها الجماعة بعد هزيمة 1967بل ومساندة هذه القواعد، ثم دعم الدولة ورعايتها لحركة حماس عندما كانت عودا طريا، بالاضافة الى تسهيل الدولة عمل الجماعة في تنظيم المهرجانات، وسائر الأنشطة الداعمة لفلسطين، وكذلك جمع التبرعات لمصلحة قضية فلسطين، كل ذلك صبّ في عملية بناء القوة السياسية للجماعة، ولعل هذا مما يفسر جذب الجماعة للكثير من الشباب الى صفوفها، فليس هناك قضية تدغدغ عواطف أبناء شعبنا اكثر من قضية فلسطين التي اجادت الجماعة العزف على اوتارها.
ومن صور الدعم السياسي الذي قدمته الدولة للجماعة، فتحها أبواب الإعلام الرسمي والخاص امام اعضاء الجماعة، مما أشرنا الى بعضه في مقال سابق، ومن المعلوم أن الإعلام من اهم مكونات بناء الحضور السياسي للافراد والجماعات، وهو بالضبط ما استفاد منه الاخوان المسلمون في الاردن، بينما حرموا منه في اكثر من بلد عربي وغير عربي، ومن صور الدعم السياسي الذي قدمته الدولة للجماعة، سماحها لها بالعمل تحت اكثر من اسم، وبواسطة اكثر من ذراع في المجال السياسي والاجتماعي والاعلامي والدعوي.. وهذا كله ساهم مساهمة كبرى في بناء الحضور السياسي للجماعة.
وان نسينا فلن ننسى الدعم السياسي الحاسم الذي قدمته الدولة للجماعة، والذي كان عنصرا أساسا وحاسما ايضا في بناء قوتها وحضورها السياسي، وهو الدعم المتمثل باستثناء الجماعة من قرار حل الاحزاب السياسية عام 1957، ومن ثم غض الطرف عام 1965 عن عدم توفيق الجماعة لأوضاعها القانونية وفق احكام قانون الجمعيات الذي صدر آنذاك، ومن ثم بقاء الجماعة تعمل بدون صيغة قانونية قرابة نصف قرن، وهذان الأمران كان من شأنهما إخلاء الساحة السياسية والدعوية من كل القوى، باستثناء الاخوان المسلمين، فكان من الطبيعي ان يكون للاخوان هذه القوة السياسية التي تجلّت في الانتخابات البرلمانية عام 1989، وهي قوة يعود الفضل الاول فيها للدولة التي أخلت الساحة للاخوان، وهو امر لم يدركه حدثاء الاخوان، او انهم ينكرونه، فظنوا انهم ند للدولة وفوق قوانينها التي بحسب بعض رموزهم لا تستوعب الجماعة، وبذلك وضعوا الجماعة على اول طريق الصدام مع الدولة، التي امدّتهم بكل اسباب القوة السياسية وغير السياسية، وهو تصرف يدل على قصر نظر عند الذين اختاروا طريق الصدام الذي ما زالت الفرصة متاحة لتجنبه، إن انصاع الجميع لأحكام القانون، واعترفوا بأنه ليس هناك من هو فوق القانون، ومن هو أقوى من الدولة.