شهادة للتاريخ!
التهمة التي رافقت حركات الصحوة الإسلامية كانت على الدوام أنهم لا يقبلون «الآخر» وغير مستعدين للمشاركة أو اقتسام «المغنم» بقدر حرصهم على اقتسام «المغرم» مع أي شخص أو كيان خارج «التنظيم» الاتهام لا يقتصر على رفض مشاركة الآخر غير المسلم أو غير الإسلامي، بل هو يشمل من هو موجود «خارج التنظيم!» حتى ولو كان عبقريا ابن عبقري!
لطالما دافعت شخصيا عن كل من اتهم من الإسلاميين بهذه التهمة بوصفها «فرية» لا يجوز تعميمها على الجميع، والحقيقة أنها كذلك، ومع هذا فهي على نحو أو آخر تحمل قدرا من «الحقيقة» إن أخذناها بمجملها، دون تعميم قاطع مانع!
منشأ هذا التفكير أو السلوك لدى من يتبناه من الإسلاميين، هو عدم الثقة أساسا في من هو خارج «التنظيم» باعتبار أم كل من هو «داخله» أهل للثقة المطلقة، مع أن التجربة أثبتت أن بعض من نالوا بركة «العضوية» لم يحافظوا على «الأمانة» وركلوا التنظيم بقدمين اثنتين لا بواحدة، وبالتالي فقد أثبت هذا المعيار فشله الذريع، وبالمقابل ثمة من أنصار التيارات أو التنظيمات الإسلامية من هو أحرص كثيرا على نصرتها وحملها على الأكتاف أكثر من بعض أبناء التنظيم، مع أنه ليس من الأشخاص «المقيدين» في سجلاته!
أخطر ما أصيبت به التيارات الإسلامية اليوم، وأكثر ما أفشل خططها في تحقيق أهدافها، هو مرض الإقصاء وعدم الثقة بمن هو خارج التنظيم، وكأنه خارج الملة وفي نفس الوقت منح كل من هو داخل التنظيم الثقة المطلقة، ليس وفق معيار التقوى أو الصلاح أو الخبرة، بل مجرد أن اسمه مكتوب جزء من التنظيم، منحه هذه الثقة، وبوأه المكانة أو المسؤولية التي يجب أن لا تُسنَد إلا لابنهم(!) وقد حرمت هذه السياسة المتأصلة في التنظيمات الإسلامية الكثير من الفرص الثمينة للنجاح، والأهم من ذلك بنت بينها وبين فئات المجتمع حاجزا من الشكوك والظنون، كانت لعنة عليهم حينما كانوا يتعرضون للمحن، ولا أبالغ أنها ربما كانت سببا في التنكيل بهم على نحو متوحش من قبل من يقف ضدهم، ويناصبهم العداء، حتى أنه يتصرف متى كانوا تحت حكمه وكأنه ينتقم منهم بكل قسوة، ويعاملهم بوصفهم أعداء لا شركاء، لأنهم لم يقبلوا شراكته!
نقول هذا ونحن نعلم أن الأدبيات الإسلامية لهؤلاء حافلة بقيم «نظرية» عن الاعتراف بالآخر والتعايش معه والشراكة الوطنية، وعدم احتكار الحقيقة، وبقية هذا الكلام المنمق الجميل، لكن التنظير شيء والتطبيق شيء آخر، فقد أثبتت التجارب أن الاستحواذ هو ديدن كثير من تنظيمات الناشطين الإسلاميين، خاصة في وجود المغانم، وكل من احتك بهؤلاء يعلم حقيقة ما أقول، ويعلم أيضا أن «الفيروس» الذي ضرب المجتمع العربي، لم يستثن من شره لا إسلاميا ولا علمانيا ولا «كافرا!» وهنا نضع خطا أحمر تحت كلمة كافر، فسلاح التكفير أو «التفسيق» إن شئنا، سيف مسلط على رقاب الخلق، حتى من قبل التنظيمات التي يقال أنها معتدلة وغير متطرفة، وهو مبرر لإيقاع عقوبة «الحرمان» على من هو خارج التنظيم، حتى ولو كان مسلما قحا، فكيف بمن يُشك في صحة «إيمانه» أو ورعه وتقواه، وفق تقويماتهم ومسطرتهم؟؟
ثمة شعور مقيت لدى كثيرين «منهم!» أنهم أوصياء على الخلق، ويمتلكون مفاتيح الجنان والنيران، وما هم كذلك، وما داموا ينتهجون هذا الأسلوب في التفكير والسلوك، فسيبقون في»محنة» إلى يوم الدين، وهم يحسبون أن ربهم يختصهم بالابتلاء، باعتبار أن «المؤمنين أشد بلوى» فهم المؤمنون الخلص، وغيرهم رعاع!
اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون!