[rtl]واكتمل انقلاب القصر الملكي: حول دلالات تعيين «بن نايف» وليًا للعهد والقرارات الأخيرة للعاهل السعودي[/rtl][rtl]التاريخ:2/5/2015 - الوقت: 9:41ص[/rtl]
السديريون والتمكن الكامل وإزاحة جناح الملك عبد اللهاستيقظت المملكة العربية السعودية والعالم العربي اليوم على حزمة قرارات ملكية جديدة للعاهل السعودي الذي لم يكف عن مفاجأة الجميع. اعتبر المراقبون هذه القرارات نتيجة منطقية لقرارات العاهل السعودية السابقة التي هدفت إلى التخلص من رموز جناح الملك الأسبق عبد الله وتمكين جناح الحكم الجديد، شملت القرارات الإطاحة بوليّ العهد السعودي الأمير (مقرن بن عبدالعزيز) وتعيين الأمير الشاب محمد بن نايف بدلا منه، ثم إقرار تعيين الأمير الشاب محمد بن سلمان (نجل العاهل السعودي) كولي لولي العهد خلفا لبن نايف، كما شملت القرارات الملكية أيضا تغييرات وزارية أبرزها إعفاء المخضرم سعود الفيصل من وزارة الخارجية.
كما صار معلوما، فإن نمط توريث الحكم في المملكة الذي أقره الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود يختلف بنسبة كبيرة عن الملكيات التقليدية، فالسلطة تنتقل في المملكة من الأخ إلى أخيه، وقد ظل هذا الأمر معمولا به بشكل عرفي حتى تم تدوينه في النظام الأساسي للحكم عام 1992 في عهد الملك فهد.
وبسبب كثرة عدد أبناء الملك المؤسس عبد العزيز (44 ابنًا) على قيد الحياة منهم 35 ابنًا بعد وفاته، فإن تاريخ نقل السلطة في المملكة كان حافلا بالخلافات بين الإخوة فقد أطيح بالملك “سعود” الابن الأول للملك عبدالعزيز فيما يشبه الانقلاب من قبل أخيه الملك فيصل، الذي تم اغتياله بدوره على يد ابن أخيه خالد بن مساعد.
ويعد جناح السديرين السبعة أحد أقوى الأجنحة في العائلة الحاكمة، ويشمل أبناء الملك عبد العزيز من زوجته حصة بنت أحمد السديري، حيث ترتكز مكانة أي أمير سعودي بشكل كبير على قبيلة أمه وقدرته على التحالف مع عدد من إخوته الذكور، ومنذ البداية كان تكوين النفوذ يستند على أساس من التحالفات بين الإخوة الأشقاء، والسديريون هم “فهد الملك السابق، وسلطان ونايف وليا العهد السابقان وسلمان الملك الحالي وعبد الرحمن وزير الدفاع الأسبق، وأحمد وزير الداخلية الأسبق، وتركي الثاني نائب وزير الدفاع والطيران السابق والمقيم في القاهرة، ومنذ وفاة الملك فيصل آلت السلطة الفعلية في المملكة إلى الجناح السديري حتى عهد الملك الراحل عبد الله.
وصل الملك الراحل عبد الله إلى السلطة بعد اتفاق ضمني مع شقيقه الراحل الملك فهد الذي آثر أن يهدئ حدة التوتر في العائلة الحاكمة بتعيين ولي عهد من غير إخوته السديريين (عبدالله)، ولكن طموح الملك الراحل كان أكبر بكثير من مجرد الجلوس على العرش، ومع اقتراب عملية نقل السلطة إلى جيل الأحفاد بسبب كبر أبناء الملك المؤسس، فقد أراد عبد الله أن يكون العرش من نصيب ابنه متعب، عبر بوابة الأمير مقرن بن عبدالعزيز (ولي العهد الذي أطيح به منذ ساعات).
أسس الملك الراحل هيئة البيعة ليمر من خلالها قراراته عام 2006، واستحدث منصب ولي ولي العهد في مارس 2014. وحين وقع الاختيار على الأمير مقرن، نصَّ قرار تعيينه على أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله، بأي صورة كانت، من أي شخص كائنًا من كان، أو تسبيب، أو تأويل”، وجاء اختيار الأمير مقرن بن عبدالعزيز لهذا المنصب من قبل أخيه غير الشقيق نظرًا لكونه لا يتمتع بأي نفوذ داخل العائلة الحاكمة، مما يؤهله للعب دور (القنطرة) لصالح الأمير متعب نجل الملك الراحل ووزير الحرس الوطني.
لمعرفة كيف حاول الملك عبد الله الإطاحة بالنفوذ السديري وتمكين جناح خاص به مساعدة رئيس ديوانه خالد التويجري يمكنك أن تقرأ أيضا: 6 أسباب تصعب من مهمة خلافة الملك عبد الله.
جاءت وفاة الملك الراحل في وقت حرج، ولم تمهله الأقدار لاستكمال خطته، بل إن جميع حيله قد استخدمت ضده تقريبا، فتمت إقالة رئيس الديوان الملكي (المنصب الذي توسع نفوذه في عهد الملك عبد الله) وآل المنصب إلى وزير الدفاع (ومؤخرا ولي ولي العهد) الأمير محمد بن سلمان نجل الملك الحالي، بينما استخدمت خدعة ولي ولي العهد لقطع الطريق على متعب بن عبد الله، عبر تعيين محمد بن نايف، قبل أن تتم ترقيته بالقرارات الأخيرة إلى منصب ولي العهد عقب الإطاحة بمقرن، وبذلك تكتمل خطة السديريين لإحكام قبضتهم من جديد على السلطة.
هل ننتظر الإطاحة بمتعب بن عبد الله؟
ربما لا يتفق شيء حتى تكتمل صورة التمكن السديري سوى الإطاحة بالأمير متعب بن عبد الله من منصبه كوزير للحرس الوطني، وهي الوزارة التي استحدثها الملك الراحل لتقوية نفوذ ابنه وزاد من تعدادها وتسليحها وصلاحياتها لتكون مكافئة لوزارة الدفاع التي كانت واقعة تحت ولي العهد السابق والملك الحالي، ويعد الحرس الوطني بمثابة جيش ثانٍ للمملكة في عدده وتسليحه، وتدين كثير من قياداته بالولاء للملك الراحل، وربما تكون الخطوة القادمة هي الإطاحة بمتعب من الحرس الوطني؟
لماذا تأخرت هذه الخطوة إذا؟ وفقا للمراقبين، فإنه ومع التغييرات الأخيرة في سلم الحكم، وخصوصا مع الإطاحة بالأمير مقرن فقد صار الأمير متعب معزولا ومحدود النفوذ مما يسهل الإطاحة به لاحقا، ناهيك عن الحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، حيث يقوم الحرس الوطني بالدور الأكبر في تأمين الحدود السعودية مع اليمن، وهو ما قد يجعل أي تغيير جوهري في هذه الوزارة أمرًا غير مستحب في هذه الأوقات.
الأميران النافذان “بن نايف” و”بن سلمان” والأمراء الشباب في العائلة
ترتكز خطة الملك سلمان في تمكين الجناح السديري على جناحين، أحدهما الأمير محمد بن نايف ولي العهد الحالي ووزير الداخلية والذي يتمتع بنفوذ كبير في الداخل والخارج، وثانيهما الأمير الثلاثيني محمد بن سلمان نجل الملك الحالي الذي تم إدخاله بصورة مفاجئة إلى الواجهة السياسية في أعقاب وصول الملك سلمان إلى العرش.
محمد بن نايف: ولي العهد السعودي الحالي ووزير الداخلية ونائب رئيس مجلس الوزراء والشخص الأكثر نفوذا الآن في طبقة الحكم، إضافة إلى رئاسته لأحد أكبر مجلسين شكلهما الملك سلمان بعد توليه وهو مجلس الشؤون الأمنية والسياسية الذي يضم في عضويته عددًا من الوزراء منهم وزير الخارجية سعود الفيصل (تم استبداله منذ ساعات ووزير الدفاع محمد بن سلمان).
محمد بن سلمان: نجل الملك وولي ولي العهد ووزير الدفاع، ورئيس الديوان الملكي (ترك رئاسة الديوان عقب توليه منصب ولي ولي العهد)، كما يرأس المجلس الأعلى للشؤون الاقتصادية ثاني المجالس التي شكلها الملك سلمان، ويضم في عضويته عددًا من الوزراء المخضرمين على رأسهم وزير البترول علي النعيمي ونائبه عبد العزيز بن سلمان الابن الثاني للملك سلمان.
في هذا الصدد تجدر الإشارة إلى 3 أمور:
1- أولها، باقتسام السلطة بين الأميرين بن نايف وبن سلمان، تكون المملكة قد عبرت (نظريا) منعطف نقل السلطة إلى جيل الأحفاد، ولكن يبقى هناك أن ذلك الأمر قد تم دون وجود حد أدنى من القواعد الحاكمة، فلا يعرف تحديدا تم اختيار بن سلمان (الثلاثيني) لهذا المنصب سوى مصادقة هيئة البيعة، وهي إحدى حيل الملك عبد الله التي استخدمت ضده أيضا، ولكن هذه الهيئة تبدو متناقضة في قراراتها، فها هي انقلبت على القرار الذي سبق أن صادقت عليه باختيار الأمير قمرن كولي لولي العهد والذي جاء في نصه أنه “لا يجوز بأي حال من الأحوال تعديله أو تبديله، بأي صورة كانت، من أي شخص كائنًا من كان، أو تسبيب، أو تأويل”، كما أن الهيئة صارت تتعرض لانتقادات علنية من قبل أمراء في العائلة المالكة ذاتها بوصفها مجلسًا صوريًا استغله الملك عبد الله ثم الملك سلمان ومحمد بن نايف من بعده لتمرير سياساتهم.
2- الثاني: ما هو موقف سائر الأمراء الشباب في العائلة المالكة الذين تم تهميشهم لصالح بن نايف وبن سلمان، والمقصود بشكل رئيسي أبناء الملك الراحل عبد الله وولي العهد الراحل الأمير سلطان وغيرهم، وهل يمكن أن يفجر الأمر صراعًا بين الأحفاد الذين تم استبعادهم من سلم السلطة وفق آلية غير مفهومة؟
3- ثالثا: هل سيستمر وفاق بن نايف وبن سلمان حال غياب الملك سلمان عن المشهد لأي سبب؟ أم أن البلاط الملكي قد يشهد بوادر صراع مكتوم بين الأميرين الشابين خاصة مع الطموح غير المحدود لابن سلمان والذي تم تصديره كرجل دولة إداري وقائد عسكري بعد دوره في قيادة العملية الأخيرة في اليمن؟
الإطاحة بالمخضرم سعود الفيصل
أربعة عقود قضاها الأمير سعود الفيصل (79 عامًا) ممسكا بمقاليد السياسة الخارجية السعودية، ما جعله يحظى بنفوذ واسع، كما أن بعده النسبي عن الصراع المحموم داخل أروقة الحكم جعله شخصية تحظى بقبول عام عند أغلب الأطراف.
بعد 10 أيام فقط من حكم الملك سلمان، قام بحل أربعة عشر مجلسًا ملكيا حملت مسؤولية جوانب مختلفة من الحكم السعودي، واستبدل بذلك هيكلًا مُكوّنًا من هيئتين فقط: مجلس الشؤون السياسية والأمنية برئاسة الأمير «محمد بن نايف» ومجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ابنه الأمير «محمد بن سلمان».
وبعد هذا القرار ازدادات التكهنات برقب الإطاحة بالأمير سعود الفيصل، نظرا لحالته الصحية المتدهورة من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب الصلاحيات الموسعة لمجلس بن نايف في رسم السياسات الخارجية، والذي كان سعود الفيصل مجرد عضوٍ فيه، ومع فارق السن الكبير بينهما، تكهن الخبراء أن الفيصل لن يستطيع العمل تحت إمرة بن نايف، حتى إنه تم إعفاء الأمراء المخضرمين وكبار السن من حضور اجتماعات المجلس لصالح نوابهم.
تم تعيين الفيصل في منصب شرفي مشرفًا على السياسة الخارجية، وآلت الوزارة إلى عادل الجبير سفير السعودية السابق في واشنطن، وعلى الرغم من كونه (الجبير) أحد تلامذة الفيصل، إلا أن القرار يسهم بشكل كبير في تعزيز سيطرة بن نايف، ويكرس للملامح التي بدأت تتشكل للسياسة الخارجية السعودية والتي صارت تتسم بجرأة أكبر على المبادرة والتدخل، وتركيز الأولوية نحو الصراع السعودي الإيراني، وسبق أن تعرض بن نايف وبن سلمان لانتقادات مبطنة من قبل المرشد الأعلى للثورة إيرانية (وصف سياستهما بالهمجية التي تصدر عن شباب قليل الخبرة)، بما يعني أن تمكينهما قد يؤدي إلى تباعد أكبر في العلاقات مع طهران.
يتمتع بن نايف باليد العليا في إدارة الملف السوري منذ فترة، وقد أثمر التقارب السعودي التركي والسياسة الأكثر جرأة في سوريا طفرةً كبيرة في أوضاع المعارضة السورية وتراجعًا ملحوظًا لنظام الأسد خلال الشهرين الماضيين، حتى نجحت المعارضة في السيطرة على إدلب ثم بلدة تل الشغور مما يجعلها في موقع يسمح بخلخلة سيطرة نظام الأسد على حماة.
(ساسة بوست)