توفيق كريشان.. باشا بالوراثة استحق وصف (رجل دولة) 3-4
ملك يوسف التل - هل يمكن العثورعلى سياسي أردني واحد لديه الجرأة أو المزاج أو قدرة التحكّم بلسانه بحيث يكتفي بالحديث «بعيداً عن السياسة»وفي هذا الوقت بالذات؟ نقصد في فصل «الربيع العربي « الذي أصبح فيه كل شيء سياسة، وسياسة تعوم في فائض الشك ونكهات الريبة ومحفزات رفع الصوت.
في السنوات الماضية وحتى فترة غير بعيدة ،كان الحديث «بعيداً عن السياسة «مغرياً وممتعاً للسياسيين المحترفين. فما يعرفونه ويجهله الشارع، هو أكثر بكثير مما يودّون الخوض فيه. الآن تغير الوضع واختلطت بعض الاشارات الحمراء بالصفراء بالخضراء.. حديث السياسي «بعيداً فعلاً عن السياسة» بات وكأنه تهمة بالغياب عن الصورة أو انعدام الموقف أو شبهة بجفاف الذاكرة .
ذوات سبق وتحدثوا «بعيداً عن السياسة « وكانوا ممتعين في سردهم الهادئ، اختلفت نبرة الكثيرين منهم هذه المرّة. حديثهم أضحى أكثر إثارة بالمواقف وأثرى بالتفاصيل التي وإن كان عمرها أكثر من خمسين سنة إلا أنها تأتي موصولة بالذي نراه الآن ويفاجئنا .
الحكي «هذه المرة « له ميزة أخرى. فهو يكشف أن العديد من رجالات الدولة الذين لم نكن نرى منهم سوى صفحة التجهم واليباس، هم بعد التقاعد أصحاب بديهة رائقة وتسعفهم النكتة عندما تحرجهم الأسئلة.
طوال السنوات العشرين الماضية لم يغب عن المشهد العام.! فما بين عضوية المجلس النيابي التي بدأ بها حياته السياسية (1993) وعضويته في معظم الحكومات المتعاقبة، نجح الباشا بأن يصنع نموذجاً لرجل الدولة الذي لم يكد يترك مجال تخصص في العمل العام إلا وأتقنه.
توفيق كريشان هو صاحب أطول حقيبة لوزارة البلديات التي تخلق تماساً يومياً بالهموم المعاشية التي يعرفها سكان غرب عمان. ومن خلال وزارة الدولة للشؤون البرلمانية امتلك الرجل الخلية العصبية الخفية للحياة الأثيرة. ومن هذه الخبرة في بيروقراطية الدولة مع عقلية ليبرالية عشائرية، فقد استطاع أبو عبدالله أن يشكل نموذجاً للشيخة بمفهومها العصري الذي يحاكي المقتضيات الأردنية في المرحلة التي اهتزت أو تضاءلت فيها القيم والمرجعيات والخطوط الحمر الاجتماعية التقليدية. ولذلك فان توفيق كريشان حين يتكلم الآن، والآن بالتحديد، عن الإصلاح المفترض والحراكات الاجتماعية وتداول السلطة التنفيذية والفساد وعن الإخوان المسلمين والصوت الواحد وبقية القائمة الطويلة من العناوين الحساسة، فانه يجد الكثيرين الذين ينتظرون سماعه.
• كوزير محترف للشؤون البرلمانية ما هو تفسيركم لفجوة الثقة المتزايدة بين الشارع والسلطة التشريعية؟
فجوة الثقة المتزايدة بين الشارع والسلطة التنفيذية سببها الرئيسي الأوضاع الأقتصادية التي كان لها تأثير كبير على عدم قيام النواب بتقديم الخدمات للمواطنين حيث أن من أولى أولويات المواطن قبل الدخول بباب التشريع والرقابة هو تقديم الخدمات خاصة فيما يتعلق بالفقر والبطالة التي أصبحت تتزايد في المناطق البعيدة عن العاصمة. وقد كانت لي تجربة عندما كنت وزيراً للبلديات وفرت لي المعرفة بتلك المناطق في جميع أنحاء المملكة.
• الأحاديث والتعليقات المنسوبة للعديد من كبار المسؤولين حول تزوير الانتخابات السابقة عمقت بالتأكيد فجوة الثقة. لماذا لم يتقدم أحد بشكوى رسمية للبت بشبهات التزوير؟ وكيف السبيل لاستعادة السلطة التشريعية لهيبتها ومعنوياتها لدى الناس؟
لم أسمع عن لسان أي مسؤول أردني سابق أو لاحق أنه تحدث عن تزوير في الإنتخابات. ولكن اثيرت شائعات كثيرة عن هذا الموضوع بالشارع العام وكانت هناك شبهات تدور في الشارع الأردني عن التزوير. كان يجب على كل من لديه الدليل بأن هناك تزويراً أن يتقدم للنائب العام ..
أما فيما يتعلق بالسبيل لإستعادة السلطة التشريعية هيبتها فقد تم بالاونة الأخيرة عدد من الإصلاحات السياسية وخاصة فيما يتعلق بالهيئة المستقلة للإشراف على الإنتخابات والتعديلات الدستورية والتي من ضمنها إنشاء المحكمة الدستورية. هذا الجو السياسي المريح سيؤدي إلى استعادة السلطة لهيبتها وثقة الناس بها.
• والسؤال نفسه نطرحه أيضاً عن فجوة الثقة المتزايدة بين الناس والحكومات.. كيف يجري تقليص هذه الفجوة؟
الثقة ما بين الناس والحكومات !!!! لقد فقد الناس الثقة بالحكومات المتتالية بسبب عدم تقديم الحكومة الخدمات اللازمة للمواطنين وخاصة فيما يتعلق بالفقر والبطالة. وسبب ذلك الأوضاع الإقتصادية التي شهدها العالم والظروف السياسية المحيطة بالأردن التي أدت إلى التأثير على الأوضاع الإقتصادية الأردنية مما إنعكس على عجز الحكومات عن تقديم الخدمات اللازمة للمواطنين وخاصة فيما يتعلق بمعالجة أهم قضية يعاني منها المواطن الأردني وهي قضية البطالة والفقر الناتج عنها. لدينا زيادة سنوية لافتة في عدد الخريجين الذي يدخلون سوق العمل وهي زيادة لايوجد ما يوازيها من فرص العمل الجديدة التي تخلقها المشاريع الجديدة. ولذلك أقول بمسؤولية القطاع الخاص ان يكون شريكا للقطاع العام في توليد المشاريع التشغيلية وبالذات في المحافظات حتى لا تبقى عمان هي مركز التشغيل. كذلك كثرة تغيير الحكومات أعتبرها مسؤولة عن استمرار العجز المالي واتساع فجوة التنمية حيث تم تغيير أربع حكومات في أقل من سنة ولم تأخذ الحكومات أي فرصة لتنفيذ البرامج التي تقدمت بها في بياناتها الوزارية التي نالت على أساسها ثقة مجلس النواب ما إنعكس سلباً على أداء الحكومات نتيجة للأوضاع الأقتصادية، بالإضافة إلى عدم التركيز على الأولويات الأساسية لحاجة المواطن والتركيز على إنشاء المشاريع الإستثمارية في المناطق النائية للعمل على تشغيل الأيدي العاملة.
• هل ترون أن المتقاعدين العسكريين ألغوا المسافة التقليدية المتوارثة التي تبعد بين الأمن والسياسة؟ كيف تنظرون لفكرة تشكيل حزب سياسي من المتقاعدين العسكريين؟
عندما يكون العسكري كما نعلم نظامياً فانه محظور عليه أن يتدخل في السياسة. والضباط المتقاعدون أصبحوا مدنيين بعد ان انهوا خدماتهم ولهم الحق في أن يمارسوا دورهم السياسي، ولكن عليهم في نفس الوقت مراعاة شؤون البلد والوطن الذي أوصلهم إلى المنصب الذي وصلوا اليه. جيمعنا ننتمي لهذا الوطن ونعيش تحت مظلته، وهذا الوطن يختلف عن أي بلد عربي آخر، فنحن لدينا شعب فلسطيني له قضية موجودة وما تزال حية، وهذا الأمر غير موجودة في أي بلد عربي آخر، خاصة في الدول التي حصل بها حراكات. فنحن أردنيون في الأردن وفلسطينيون عندما نتابع القضية الفلسطينية. نحن نتحمل مسؤولية إخواننا الفلسطينيين وهم يتحملون مسؤولية الأردن لأن أمنه واستقراره يعني أمن واستقرار الجميع، وكل من يحاول خلق الفوضى في هذا الوطن فهو متآمر مع الصهيونية العالمية لخلق ما يسمى بالوطن البديل.
• فكرت بخوض الانتخابات القادمة؟
انتظر ما سيسفر عن القانون. وبغض النظر عما ينتهي اليه القانون الذي يخضع لشد وجذب فأنا اساساً مع أن يكون هناك ثلاثة أصوات، مثلما بدأنا في حكومة معروف البخيت. الصوت الثالث لقائمة الوطن، يكون هناك قائمة من 24 عضواً على مستوى الوطن، قائمة مفتوحة وليس نسبية، هؤلاء ال24 يوزعون لكل محافظة واحداً واحداً، باستثناء محافظات السلط اثنين، والكرك اثنين، وعمان أربعة والزرقاء ثلاثة وإربد ثلاثة مراعاة للكثافة السكانية، وتنزل القائمة من 24، حتى نجعل الشعب الأردني كله بكافة أطيافه وفئاته جميعه متكاتفين...المسيحي ينتخب المسلم والمسلم ينتخب المسيحي وابن مخيم حطين ينتخب ابن معان وابن معان ينتخب ابن مخيم الوحدات، ويحق لأي شخص أن ينتخب في أي منطقة، فيكون ال24 الذين تم انتخابهم يمثلون الأردن وهم شخصيات أردنية تمثل الأردن.
• رأيك في الجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية؟
نعم أنا مع النائب الوزير في حالة انشاء حكومة برلمانية.. بهذا الدمج بين السلطتين لن يعود النائب يعمل فقط لصالح دائرته الانتخابية.
• في حديث جانبي نفيت وجود بطالة بين شبابنا..على أي أساس بنيت نظريتك؟
هي ليست نظرية، وانما واقع نعيشه ونلمسه يومياً. نحن ننتقد ونتحدث وهذا واجبنا حتى نصل للأفضل، والأردن مقارنة مع غيره من الدول العربية والمحيطة بنا هي الأفضل. الإنجازات التي تمت لا تخفى على أحد ونتقدم باستمرار على المستوى الصحي والتعليمي وغير ذلك.. بلد عدد سكانه ستة ملايين نسمة وهناك مليون وافد يعمل, معنى ذلك أنه لا يوجد بطالة لدينا، وسبب البطالة ان شبابنا يعزف عن العمل اذا ما كان حسب « مزاجه».
• دائماً نقارن أنفسنا بالدول الأقل حظاً منّا:
لا.. نحن نقارن أنفسنا بالسعودية التي لديها موارد أكثر منا بمليون درجة، ونقارن أنفسنا بالكويت ومواردها، وبقطر وسوريا وبلبنان، وبعد ذلك أقارن نفسي بالدول الأوروبية. نحن ليس لدينا ما لديهم، لكن لدينا أمنا واستقرارا لتحقيق الاستثمار، ونحمد الله تعالى على صمود الأردن رغم ما تعرض له من أعاصير ونكبات .
استراحة
• كيف تتعامل مع التكنولوجيا الحديثة؟
لا أؤمن بها إطلاقاً! أنا ضدها لعدم المصداقية، فهي تقوم بتخريب أجيالنا. أتحدث عن الإعلام الالكتروني بالإضافة إلى الفيس بوك وغيره من المواقع الفاسدة.
• لا بد وأنك عشت استحقاقات شبابك بالكامل؟
نعم استمتعت بكل مراحل حياتي. فكل شاب كان لا بد وأن يمر بمرحلة زاهية من عمره. وقد مررت في عمان وبيروت سنوات عشتها بكل استحقاقاتها ومن أجمل ما يمكن.
في الحلقة الأخيرة توفيق كريشان: «عندما كنت وزيراً في الحكومات التي حملت فيها حقائب وزارية كانت تتم أمور لم أكن راضيا عنها والالتزام بقرار الغالبية واجب».