الفتاة والإنترنت .. سلبيات وإيجابيات
يعدُّ الإنترنت نافذةً كبيرة مفتوحة على العالم دون قيود، ومع التطورات التكنولوجية وعصر التقدم التقني والتكنولوجي الذي نعيشه اليوم، يمكن القول: إن الإنترنت أو الشبكة العنكبوتية أو ما يطلق عليه "العالم الافتراضي" بمواقع السوشيال ميديا المختلف - يمكن القول: إنه أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأصبح عنصرًا فاعلاً في المجتمع، ولا شك أن هذا العالَم يُعَد سلاحًا ذا حدَّين، لا سيما في مجتمعاتنا الشرقية التي لها قِيَمها وعاداتها الخاصة، ولعل الحديث عن الآثار السلبية لعالم الإنترنت على الفتاة - وبالأخص الفتاة المراهقة في العالم العربي - قد أخذ منحًى واسعًا، وقامت عليه دراسات عديدة، أوضحت أن تأثيرات الإنترنت السلبية على الفتاة كثيرة، ويجب معرفتها والحذر منها، ومع أن هذه الدراساتِ لم تُغفل الجانب الإيجابي للإنترنت على الفتاة، فإن السلبياتِ كانت هي الطاغيةَ في الغالب الأعم.
في البداية أوضح الدكتور أحمد عبدالرؤوف - أستاذ علم الاجتماع - أن الإنترنت له آثاره السلبية التي تعود على الفتاة الممارِسة له، والتي يجب الحذر منها جيدًا؛ حفاظًا على بناتنا من أخطار هذه الشبكة العنكبوتية، لا سيما فيما يخص الفتاة المراهقة، وإن أهمَّ وأخطر هذه السلبيات يكمن في انفتاح الفتاة المراهقة على المجتمعات الأخرى التي تحمل قِيَمًا وعاداتٍ وتقاليدَ مغايرةً تمامًا لقيم وعادات مجتمعاتنا الشرقية ومجتمعاتنا الإسلامية، ومن ثَم يؤثر ذلك على الفتاة، وتصبح لديها رغبة شديدة في الاندماج مع طبيعة هذه المجتمعات الأخرى، وتبنِّي عاداتِها وتقاليدها التي ينهى عنها دينُنا الحنيف، مشيرًا إلى أن تعامل الفتاة مع هذا العالَم الافتراضي المفتوح في ظل غياب الرقابة الدائمة والمستمرة من الوالدينِ، قد يؤدي بها إلى أمورٍ ليست سيئة فحسب، وإنما هي غاية في الخطورة، بل وتمثِّل كارثة في مجتمعاتنا، فقد نجد الفتاة ترتاد بعض المواقع غير المرغوب فيها، والتي تنشر مواد إباحية، أو قد تقع فريسة للمواقع التي تقوم باستغلال الأطفال والمراهقين، هذا وإن تعامل الفتاة وتواصلها مع غيرها عبر الإنترنت، من الممكنِ أن يكون له أثرُه الإيجابي، ولكنه أيضًا له آثاره السلبية؛ نظرًا لأن الفتاةَ قد تنخدِعُ في كثيرٍ من الأشخاص تحت مسمَّى الحبِّ.
وأضاف أستاذ علم الاجتماع: لا شك أن لاستخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي بالنسبة للفتاة - وخاصة الفتاةَ المراهقة - آثارَه السلبية العديدة، إلا أنه لا يمكن أيضًا أن نُغفِلَ أن هناك بعض الإيجابيات التي من الممكن أن تعودَ على الفتاة التي تستخدم الإنترنت، ولعل من أهم إيجابيات استخدام الإنترنت بالنسبة للفتاة المراهقة أنه يعد أحد أهم المصادر التي تساعد على الحصول على المعلومات، والتوسُّع في اكتساب المعرفة، والانفتاح على العالم، فلقد استطاع الإنترنت أن يجعل العالَم بمثابة غرفة صغيرة يمكن للجميع أن يتنقل فيها كيفما يشاء، ويعرف عنها ما يريد، وفي الوقت المتاح لديه، ولعل هذه هي الميزة الكبرى فيما يخص استخدام الإنترنت، ويضاف أيضًا لإيجابيات استخدام هذا العالم الافتراضي أنه يساعد الإنسان على التخلُّص من الخجَل المفرِط، ويجعل لديه القدرة على التعامل مع غيره، سواء كان من بلدِه ومن جنسيتِه، أم كان من جنسية أخرى، مشيرًا إلى أن الإنترنت أيضًا قد يساعد الفرد على تكوين شخصيتِه وتحديد ملامحها منذ الصغر، إذا ما تم استخدامُه بالطريقة المثلى.
ومن جانبه يرى الدكتور محمد الششتاوي - المختص الاجتماعي -: أن الإنترنتَ يُعَد بمثابة بوابة كبيرة يطل منها العالم بعضه على بعض، ويفتح أمام الفتاة آفاقًا واسعة في مختلف النواحي، ومن ثَم كان استخدامها للإنترنت أمرًا غاية في الخطورة، ويجب الانتباه إليه، والحذر منه، وضبطه بضوابط معينة، لا سيما أننا نعيش في مجتمعات شرقية لها عاداتُها وتقاليدها الخاصة التي تختلفُ عن غيرها، مشيرًا إلى أن الجانبَ الأكبر في هذا الأمر يقعُ على عاتق الأسرة، وعلى الوالدينِ بوجه خاص، فيجب الاهتمام بتربية الأبناء بشكل جيد، ولا بد أن يكون هناك نوع من الرقابة عليهم - خاصة في سن المراهقة - عند استخدامِهم لهذه الشبكة العنكبوتية، ولا يقفُ الأمرُ عند هذا الحد، بل لا بد أن يكون هناك نوعٌ من الحوار بين الوالدين والفتاة، وأن يكون هناك نوع من التوعية الدائمة لها، وبيان الطُّرق الصحيحة لاستخدام الإنترنت، حتى يكون ذلك حماية لها من الوقوع في الخطأ، فضلاً عن أنه يجب أن يكون الكمبيوتر في مكان مشترك يسمح للأبوين بمتابعة ابنتهم وهي جالسة عليه.
وأكد "الششتاوي" أن الفتاة نفسها عليها أن تنظر لنفسها ولأفعالها، وأن تجعلَ الله سبحانه وتعالى أمام عينيها، وأن تراقبه في كل أفعالها، وأن تكون هي خيرَ مُعين لنفسها على فِعل الخيرات، حتى تتمكن من الاستفادة من إيجابيات هذا العالم الافتراضي، والابتعاد عن أية سلبية قد تعود عليها منه، مشيرًا إلى ضرورة أن تتعود الفتاة دائمًا على المصارحة مع والدتها، ومع من حولها؛ حتى يساعدوها في التوجه إلى الطرق الصحيحة، ويكونوا عونًا لها إذا ما أرادت أن تقلع عن شيء خاطئ تقوم به، أو تود أن تهم به، كما أن الأسرة يقع عليها الجانب الأكبر في توجيه أبنائهم وبناتهم نحو ما هو أفضل لهم، وإبعادهم عن كل شيء قد يضر بهم.
الوقاية من أخطار الإنترنت:
وفي سياق متصل تحدثت الدكتورة منى يونس - الخبيرة الاجتماعية - عن ضرورة البحث في أي مشكلة قبل وقوعها؛ حتى نستطيع أن نتحكم فيها قبل وقوعها، أو على الأقل الحد منها، ومن ثَم تصبح معالجتها أمرًا سهلاً وغيرَ معقد، وهذا ما يجب اتباعه في البحث عن حل لمشكلة الآثار السلبية التي يخلِّفها استخدام الإنترنت على أبنائنا وبناتنا، لا سيما في هذا العصر الحديث الذي انفتح فيه العالَم على بعضه بعضًا، مشيرة إلى أن أول عامل من عوامل هذه الوقاية هو عامل التربية، باعتباره أساس كل شيء، وللأسف أصبح مصطلح التربية في العصر الحديث كلمة تعني مجرد المعيشة والمأكل والملبس فحسب، وهو أمر غاية في الخطورة؛ فتربية الأبناء منذ الصغر يجب أن تقوم على قِيَم ومبادئ وأسس يتم ترسيخها بداخلهم؛ حتى ينشؤوا عليها، فلا بد من الاهتمام بتنمية الجوانب الدينية لديهم، وتقريبهم من الله عز وجل، وتعريفهم بكلِّ ما أمر الله عز وجل به، وترهيبهم من كل ما نهى الله تعالى عنه، فضلاً عن الاهتمام بالجانب الأخلاقي لهؤلاء الأطفال، لا سيما ونحن نعيش الآن في عصر الانفلات الأخلاقي، فإن لم تتم تربيةُ الأبناء على هذه القيم منذ صغرهم، فسيكونون فريسة سهلةَ الصيد، وسهلة الوقوع في كل ما هو خطأ، وينهى عنه العُرف والدِّين.
وأكدت "الخبيرة الاجتماعية" على ضرورة أن يعيَ الآباء والأمهات جيدًا أن أبناءهم تربَّوْا ونشؤوا في جيلٍ غيرِ الذي تربَّوا فيه هم، ومن ثَم هناك اختلافات كثيرة بين هذا الزمان وذلك، وبالتالي يجب أن يوطِّن الوالدانِ نفسَيهما على أن يتعاملا مع أبنائهما وبناتهما وَفْق عقولهم، ووَفْق ما يرونه حولهم، ولا يتعاملا معهم بما تربَّوا هم عليه من قبل.