غسان كنفاني إرثٌ لقضية التحرر في العالمقال مروان كنفاني إن شقيقه، المناضل والروائي الشهيد، غسان كنفاني، ليس إرثاً لعائلة كنفاني، ولا لمدينة عكا، ولا لفلسطين، وإنما إرث للحرية والتحرر في العالم. وتابع كنفاني «أن أكون ولدت أخاً لغسان كنفاني فهذا شرف وفخر، كنت أقرب إخوتي إليه، فهو يكبرني بسنتين فقط، وتعلمت منه الكثير». وأضاف أن «غسان كنفاني موجود في قلب وضمير كل عربي حر، وبالتالي فهو موجود في الكتاب، كما هو موجود في كل لحظة في حياتي».
[rtl]رجال في الشمس، رائعة غسان كنفاني عن النكبة وما بعدها. محمد حسن خليفة[/rtl]
في الثامن من نيسان عام ألف وتسعمائة وستة وثلاثين تحديداً في عكا شمال فلسطين ولد أحد أشهر الكتاب والصحافيين العرب في عصرنا هذا ؛ هو غسان كنفاني الذى كانت الكلمة التى تخرج من قلمه سواء كانت في رواية أو مسرحية أو مقال سبباً في استشهاده ، فهو عاش واستشهد بالكلمة والفعل .
" إنني أشتم رائحة فلسطين في كل كلمة وكل حرف يكتبه غسان ويخطه بقلمه الذى صنع من أشجار فلسطين "المقاومة الفلسطينية مثل ما لها من جنود بواسل يدافعون عنها في كل وقت فهي أيضاً لديها أديبها ، وأديب المقاومة الفلسطينية هو (غسان كنفاني ).
غسان في كل كتاباته يتحدث عن القضية ؛ قضيته وقضيتنا وقضية كل من لديه ذرة من الإنسانية ، فهو يعبر ويكتب عن القضية بكل ما أوتي من قوة وصلابة وتحمل وبسالة فلم يترك مجال يتعلق بالأدب إلا وكتب فيه ، فامتهن الصحافة وكانت مقالاته تجعل العدو يدور حول نفسه ، وأيضاً قصصه ورواياته ومسرحياته وكتبه التي بلغت ثمانية عشر كتاباً .
كاتبنا لم يكن مجرد صحافي يكتب المقال أو روائي أو مسرحي أو قصصي بارع بل كان فدائي مقاتل من كلماته تكن ثورة فى النفوس وتمرد على الوضع ولهيب مقاد بداخل الجنود ، وحنق وغيظ من قبل العدو .
فالمقالات النقدية التى كان يكتبها غسان كنفاني كانت تدل على موهبة فذه وسابقة لسنها ؛ فهو كان أحد أصغر رؤساء تحرير الصحف العربية اليومية حيث ترأس تحرير صحيفة " المحرر " وأصدر فيما بعد
" ملحق فلسطين " ليكن ثاني مجلة فلسطينية متخصصة .
كتابات غسان أخرجت لنا بشئ يسمى
" أدب المقاومة الفلسطينية "وأظهر كيف يكون الباحث وأثرى المكتبة ببحوثه التاريخية والأدبية التى ساهمت بشكل كبير فى القضية الفلسطينية .
" رجال في الشمس "هي اسم الرواية الأولى لأديب المقاومة الفلسطينية ( غسان كنفاني ) كتبت عام 1963م وتم إنتاجها كفيلم سينمائي عام 1972م برعاية سورية فى نفس عام استشهاد أديبنا
الرواية تعرض لنا تداعيات نكبة 1948م ؛ كيف كانت حياة الفلسطنيين حينها ؟ فمن خلال أربعة شخصيات وهم نماذج مختلفة وأعمار مختلفة من اللاجئين تتكون الرواية وتعرض لنا محتواها ، هؤلاء الأربعة نماذج هم مزارع الزيتون أبو قيس ، والشاب المناضل أسعد ، والطالب الذى ترك دراسته مروان ، والمهرب أبو الخيزران الذى صوره غسان كصورة للقيادة الإنتهازية التى لا تستطيع فعل أي شئ مثلها مثل من فقد القدرة الجنسية ولا يقدر أن يقترب من امرأة ، وهذا دليل يقدمه غسان كتصوير عن عجز القيادة وتصميمها على أخذ قرارات خاطئة وأنها دائماً على صواب والكل على خطأ ، وبالرغم من عجزها مازالت تقول أنها قادرة على العبور بالفلسطنيين وإنقاذهم مما هم فيه .
الأربع نماذج بعدما آلت إليه النكبة وما أصبح فيه الوطن من خراب ودمار ونقص فى المال وعدم توفير للأمن في ظل وجود عدو يقررون الهجرة إلى مكان أخر تحديداً الكويت اللجوء إليه والعمل فيه من أجل توفير المال والعيش بسلام .
لكن كيف يهاجرون حتى تتحسن أحوالهم مثل من سبقوهم إلى هناك ورجعوا محملين بالمال الوفير ؟
لا يوجد هناك حل غير المهربين وأبوالخيزران أحد هؤلاء المهربين المعتقدين فى أنفسهم أنهم قادرين على العبور من الحدود دون التفتيش مثل القيادة التى تظن نفسها أنها قادرة وغير عاجزة لكن عجزها واضح للجميع .
" تسير الأمور على نحو أفضل حين لا يقسم الناس بشرفهم "أبوقيس هو النموذج الأول فى الرواية التى تبدأ من عنده الحكاية هو رجل فقد بيته وفقد شجرات الزيتون التى كان يملكها ويعيش عليها هو وزوجته وأصبح الآن يعيش فى المخيمات بصحبة زوجته الحامل ، أبوقيس أحد اولئك المرتبطون بوطنهم لحد كبير فهو لا يجرؤ على أن يفكر فى الهجرة أن يترك أرضه هكذا هو كل يوم يحلم بشجرات الزيتون يحلم بالعودة إلى بيته ، هو رجل عجوز لا يحتمل الشقاء وبالرغم من هذا خرج مضطراً ولا يحمل بداخله أمل كبير للعودة أو النجاة مما هو مقدم عليه ، لكن المال قليل والحياة فى المخيمات صعبة جداً وحلم شجر الزيتون يضطره للهجره ومن العراق يحاول أن يجد أحد المهربين ليساعده على الهجرة من العراق إلى الكويت .
“لقد احتجت إلى عشر سنوات كبيرة جائعة كي تصدق أنكَ فقدت شجراتك وبيتك وشبابك وقريتك كلها ...”أما أسعد فهو أحد اولئك الشباب المناضلين الذين فقدوا الأمل فى كل شئ وبسبب مضاردة السلطات له بسبب نشاطه السياسي كحال الكثيرين يحاول الهجرة ؛ أن يرتمي فى أحضان مكان آخر يهون عليه ويرزق منه وبمساعدة أحد أصدقاء والده القدامى يستطيع الهرب إلى العراق ومن هناك تكن الخطوة التالية الهجرة للكويت ، والتخلص من صداع المضاردة والفقر وما آلت إليه البلد من سوء ، هناك يصمم على أن يبلغ الكويت حتى يجمع ثروة يرد بها الخمسين ديناراً التى أقرضها له عمه ليبدأ بها حياته ويتزوج من إبنة عمه التى لا يحبها لكنها فرضت عليه منذُ أن ولدا الإثنين .
مروان هو طالب فى المرحلة الثانوية اضطر لترك المدرسة والذهاب للعراق ليدخل منها الكويت ويبدأ فى جمع المال لإرساله لإمه وأخوته الصغار ، وتركه للمدرسة بسبب انقطاع أخيه عن إرسال المال لأنه تزوج
" ومن يتزوج يستطيع أن يكفي نفسه فى هذا الزمن " .غسان كنفاني يصنع ملحمة ويخبرنا من خلال تلك الملحمة عن كم المعاناة التى يلقاها ويعيشها اللاجئ الفلسطيني وكل لاجئ من خلال تنقله بين الشخصيات بخفة وحرية ودون ملل أو كلل ، ومن خلال سرده للأحداث ببراعة وحكاية كل شخص من الأربعة التى كل واحدة منهم تكفي أن تبني رواية متكاملة الأركان أو يحكى عنها فى قصيدة أو قصة أو يكتب عنها فى مقال نقرأه فى الصحيفة ؛ غسان ذاك الصحفى البارع جعل الحوار فى الرواية حوار بسيط غير متكلف بالمرة يقضي الغرض ويجعل العمل أكثر تماسكاً بل يجعلنا من خلال حواره أمام فيلم سينمائي نشاهده بأعيننا لا نتخيله فقط ولم يتحامل على السرد فى الرواية .
أديبنا لم يخلق شخصياته من وحي الخيال لا هى حقيقية ومفجعة فى نفس الوقت وهذه الشخصيات نراها كل يوم ونسمع عنها فى التلفاز والإذاعة ونقرأها فى الصحف .
مقابل عشرة دنانير يقبل أبوالخيزران أن يهربهم فى سيارة الحاج رضا الذي يعمل عنده سائق لعربته ؛ أبوالخيزران سائق ماهر عمل فى الجيش البريطاني وعمل مع الفدائيين وأصيب بقنبلة أفقدته رجولته وأذاقته من المرارة ما يكفيه ليعيش بائساً طوال حياته ، كل همه جمع المال فــ غسان قدم أبو الخيزران كنموذج للقيادة الإنتهازية التى تفعل دائماً عكس ما تقوله ودائماً تبرر أفعالها بأشياء بعيدة عن العقل والمنطق وتسعي إلى مصالحها الشخصية مهما لحق بالأخرين من ضرر .
اتفاق أبوالخيزران مع الثلاثة الأخرون هو بالظبط مثل الأكذوبة والموت ، لحظة تنجح الكذبة فى نقطة التفتيش الأولى لكن فى النقطة التانية التى من خلالها سوف يكتمل الحلم بالنسبة إليهم هى تحول الأكذوبة إلى الموت فبسبب موظف فى المعبر أصر على الحكي مع أبوالخيزران عن فحولته مع الراقصة كوكب وهذا ما أخبره به الحاج رضا وكانت كذبة أيضاً خلال ذلك كان الفلسطينيون يطرقون بدون جدوى على الخزان من الداخل أملاً فى أن يسمعهم أحد وينقذهم مما هم فيه ، لكن عبثاً لم يسمعهم أحد وماتوا خنقاً بالداخل ومات معهم الحلم .
" ولكن أية أمور؟ أن يعترف ببساطة بأنه قد ضيع رجولته في سبيل الوطن؟ وما النفع؟ لقد ضاعت رجولته وضاع الوطن وتباً لكل شيء في هذا الكون الملعون "هذا بالضبط شبيه بما يحدث داخل فلسطين كل يوم يطلبون منا النجده والعون أن ننقذهم مما هم فيه أن يُرفع عنهم الحصار وأن يزول هذا الإحتلال ، لكن عبثاً نحن لا نستجيب للطرق ولا للأصوات المستغيثة بنا نحن فقط نتركهم يطرقون أكثر بإستماتة وأمل لكنهم يموتون بالداخل داخل وطنهم المحتل خنقاً وقتلاً .
الرواية هى عنوان لما يحدث للفلسطينيين من عذابات تلاحقهم كل يوم ولا زالوا بداخل هذه العذابات ويذيقون المرار كل يوم ومازالوا يطرقون حتى نسمعهم لكن نحن نصم آذاننا نمنع ضميرنا من أن يسمع ، نحن الآن كعرب لم نستطع أن نردع الإحتلال عن الأرض وبسبب هذا الإحتلال حُكم على الفلسطينيين الشتات فأصبحت فلسطين فى كل الدول العربية .
أحداث الرواية تتكرر كل يوم ، يوماً مع لاجئين فلسطين يعبرون نقاط التفتيش ويوماً مع لاجئين سوريا وهم يعبرون البحر ويوماً آخر مع شباب مصري يحاول العبور إلى مكان آخر الوصول لنقطة ضوء لكنهم يموتون غرقاً ومنهم من يموتوت من الجوع فى الصحراء ومنهم من يموتون بداخل خزان للمياه .
صفحة الرواية على Goodreads
https://goo.gl/cYF4ATتحليل رواية رجال في الشمس
هديل البكري
غسان كنفاني
غسان كنفاني هو كاتب وروائي وصحفيّ سياسيّ فلسطيني، اغتالته المخابرات الإسرائيلية في عام 1972 م، وقد كان عضواً في المكتب السياسي للجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين. وقد نال عدّة جوائز أدبية على كتبه ورواياته، ومن أشهر رواياته عائد إلى حيفا، ورواية ما تبقى لكم، ورواية رجال في الشمس، ورواية أرض البرتقال الحزين، ورواية موت سرير رقم 12، ورواية أم سعد، وغيرها الكثير من الإنجازات الروائيّة والمسرحيّة، والتي أضافت الكثير للأدب الفلسطيني خاصّة والأدب العربيّ عامّة.
رواية رجال في الشمس
رواية رجال في الشمس تعتبر من أوائل روايات غسان كنفاني ومن أهمّها وأبرزها، وقد صدرت هذه الرواية في عام 1963 م. يعتبر الموضوع الرئيس للرواية حديثه عن التشرّد والموت، ويعكس القضية الفلسطينية فيها وما حدث في نكبة عام 1948م ، وتأثيرها على الشعب الفلسطيني من خلال أربعة رجال فلسطينيين من أجيال مختلفة يحكي قصتهم بطريقة رمزية رائعة.
تحليل رواية رجال في الشمس
عند قراءتك لرواية غسان كنفاني، فإنّه لا يمكنك أن تتخطّى سطراُ واحداً في هذه الرواية دون أن تجد رمزاً لكلّ كلمة فيها والذي يشير إلى أحوال الفلسطينيين بعد النكبة. وقد عكس الروائيّ المبدع القضية من خلال شخصيات الرواية، حيث أنّ كل شخصية في الرواية ترمز لشخصية معيّنة من شخصيات شعبه.
تتلخص الرواية في قصة ثلاثة رجال يقررون الهجرة من فلسطين إلى الكويت بطريقة غير شرعية لرغبتهم في تحسين أوضاعهم المعيشية، ويعرض عليهم شخص آخر أبو الخيزران أن يوصلهم وذلك عن طريق نقلهم معه في شاحنته، والتي عليهم أن يختبأوا في خزانها لحين مرورهم من النقاط الحدودية، وحيث تنتهي الرواية بموت الرجال الثلاثة اختناقاً لخوفهم من أن يدقوا جدران الخزان.
شخصيات رواية رجال في الشمس
في رواية رجال في الشمس هناك أربعة شخصيات رئيسية، الشخصية الأولى وهي الشخصية المتمثلة في شخصية أبي الخيزران ، والذي كان رمزاً للقيادة الفلسطينية العاجزة عن حماية شعبها، وهو المهرّب الذي عرض على الرجال الثلاثة أن ينقلهم على طريق الحدود العراقية الكويتيّة مقابل مبلغاً من المال. والكاتب يصوّر شخصية أبي الخيزران بالقيادة الإنتهازيّة التي لا تهتم لمصير شعبها مقابل تحقيق رغباتها الشخصية وفوائدها الخاصّة.
أمّا شخصية الرجال الثلاثة، فالشخصية الأولى هي شخصيّة أبي قيس، وهو رجل عجوز كبير في السن، قرّر الهجرة حتى يحقق لقمة العيش له ولأولاده، ليحصل على النقود ليشتري بها شجر زيتون بدل الذي ضاع منه. أمّا الشخصية الثانية فهي شخصية سعد وهو شخص سياسي ومناضل يهرب من البلاد حتى يحصل على حريته أكثر، وهي شخصية الفلسطيني المطارد. أمّا الشخصية الثالية فهي شخصية مروان، وهو المعيل الوحيد لأسرته والذي يقرر الهجرة هرباً من المسؤولية التي تقع على عاتقه.
رمزية رواية رجال في الشمس
تتمثّل الرمزية الأساسية في القصة في عدم دقّ جدران الخزّان حيث أنّ هؤلاء الرجال الثلاثة يموتون اختناقاً في الخزان، دون أن يتجرأ أي أحد منهم على دق جدران الخزان طلباً للمساعدة، والرمزية في عدّم دق الجدران تنبع من الصراخ الشرعي المفقود والمطلوب من الشعب الفلسطيني الذي عاني من التشرّد، دون أن يفكر أبداُ في مواجهة هذا الوضع الأليم. وفي الرواية يدين الروائي غسان كنفاني كلّ الأطراف التي تسبّبت بنكبة فلسطين، والقيادة الفلسطينية المنهزمة الإنتهازيّة والشعب المستسلم، وكل الذين تخلّوا عن أرضهم بحثاٌ عن الخلاص.