[rtl]التاريخ:29/7/2015 - الوقت: 11:32م[/rtl]"المدواخ": آفة تغزو المقاهي وعوالم الشباب
لم يكن الخمسيني أبو بهاء (اسم مستعار)، يدرك ما يقوم به ولده سائد (15 عاما) وهو يتوارى في حديقة المنزل، محاولا الاختفاء عن رقابة أبيه، الذي صدم وهو يراه يستخدم أداة صغيرة تشبه الغليون، فيسحب منه نفسا سريعا بعد إشعاله لمحتوياته مرة واحدة وبسرعة، ليصاب بالدوخة وفقدان الإدراك بمحيطه.
60 ثانية فقط، هي معدل "سحبة" سائد للنفس من هذه الأداة، وهو ما أذهل الأب من شدة تأثيرها على ابنه، وجعله يعتبرها كارثة صحية، بخاصة حين سأله عنها، وكيف حصل عليها، ليخبره بأنها "تقليعة" جديدة، تنتشر بين أصدقائه الطلبة في المدرسة، وتسمى "المدواخ".
وينتشر "المدواخ" في مناطق بدول الخليج العربية، وقد أخذ اسمه من "الدوخة" لما يستبب به من "دوخان" للشخص الذي يستخدمه، وتعتبر خلطة التبغ الخاصة به، مختلفة عن أي خلطة تبغ أخرى.
وقد أثار "المدواخ" مؤخرا، الكثير من النقاشات في دول الخليج العربية، بهدف منعه، أو تحديد نسبة النيكوتين في تبغه، وغيرها من الملاحظات، لكن الأهم من كل ذلك، أن الكثيرين أجمعوا على ضرره القاتل، والحاجة إلى منع تعاطيه بين الشباب.
وقد حير أثر تعاطي سائد لـ"المدواخ" والده، الذي اعتبر أنه "آفة" و"مشكلة كبيرة وخطر محدق بجيل كامل" وليس ابنه فقط، كما قال لـ"الغد".
وهذا ما قاده لمدرسة سائد، ليخبر مديرها بانتشار "المدواخ" بين الطلبة، محذرا من أن يتحول لـ"ظاهرة"، يصعب كبح جماحها، كما الأراجيل، لكن المدير أخبره بأنه يعرف عنها الكثير، ولدى المدرسة معلومات عن انتشاره بين طلبتها، إلا أنها تجهل كيفية التعامل معه.
وفي هذا النطاق، فإن شبانا عديدين أفصحوا لـ"الغد" أن حب الفضول والتجربة والتفاخر، أسباب تدفع إلى تعاطي "المدواخ"، كما قال العشريني سلطان.
وأضاف سلطان، إن تعاطيه لـ"المدواخ" بدأ بعد أن جربه قبل عامين في مقهى بعمان، برغم جهله آنذاك لمحتوياته التبغية، مبينا أن "مادة التبغ في المدواخ تشتعل بسرعة فتعدل مزاجي بعد الدوخة التي أشعر بها، فأنسى العالم من حولي"، و"تتسبب بشلل في أطرافي".
وأكد أن أغلب الشباب يجهلون محتويات "المدواخ"، وبعضهم حين يستخدمه لا يشعر بدوخة أو دوران رأس، كما أن متعاطيه يتنشقون رائحة عطرة من تبغه، ولا تلتصق بالملابس، خلافاً لما هي عليه رائحة السجائر العادية.
بات "المدواخ" رفيق سلطان، لسهولة حمله في جلسات السمر ورحلات مع أصحابه، فـ"لم يعد للجلسة أو السهرة طعم دون وجود المدواخ"، مضيفا أن توافره في المقاهي "جعل الكثير من الشباب يعرفونه ويدخنونه خارج المنزل".
من جهة أخرى، أصبحت المقاهي ومراكز التدخين نقاط ترويج لهذه التقليعة الجديدة "المدواخ"، التي تغزو عوالم الشباب، تجري فيه عملية حرق لتبغ خاص، يشفطه المدخن عن طريق الفم، ليصل النيكوتين للرئتين فالمستقبلات بكمية مركزة، ما يسبب الدوخة، حسب مدير التوعية الصحية بوزارة الصحة الدكتور مالك حباشنة.
ما حدث مع العشريني رامي، ذاته الذي حدث مع أغلب مرتادي المقاهي، حيث يجدون "المدواخ" مدرجا على قائمة طلبات المقهى، إلى جانب الأراجيل ونكهات تبغها.
وعادة ما يقدم عمال المقاهى التي تروج لـ"المدواخ" أجوبة وأحاديث مسهبة ومشجعة لكل من يسألون عنه وعن ماهيته، جاذبا إياهم لتجربته، حتى وإن كان تبغه مخلوطا بـ"مواد مخدرة ممنوعة".
أما فضول رامي، فكان على قدر صدمته، إذ لم يكتف بجواب عامل المقهى، بل سأله عن كل التفاصيل التي تتعلق بـ"المدواخ" غير المذكور في القائمة، ومن ثم كيفية الحصول عليه وتدخينه.
كما تعرف رامي من العامل على أن منافذ بيع المدواخ ولوازمه "يمكن شراؤها من مقهى يقع خلف الجامعة الأردنية، فمعظم المدخنين من شباب وبنات الجامعة باتوا مدمنين عليه".
وفي هذا النطاق، فإن هذه المقاهي ومراكز التدخين، تمكنت من التحايل على الاتفاقية الدولية التي صادقت عليها الأردن لمكافحة التبغ، الصادرة عن منظمة الصحة العالمية في العام 2004، وتمنع الترويج له.
ويقول الثلاثيني عبدالله، إن وقوع شبان أردنيين في فخاخ "المدواخ"، بدأت بعد "تجربتهم له خلال عملهم في دول الخليج العربية".
وقد عاش عبدالله التجربة، وما يزال، فهو "مستمر بتعاطيه، حتى بعد عودته للأردن من دولة خليجية"، لافتا إلى أن صغر حجم المدواخ وانخفاض سعره، وسهولة حمله في كل مكان، يجعله دخانه المفضل، إلى جانب ما يبعثه فيه عند استعماله من "دوخة" لا يمكن أن يحققها أي نوع آخر من الدخان.
ويضيف أنه عند عودته للأردن "لم يكن المدواخ منتشرا، وكنت أضطر لتأمينه من دول خليجية، لكنه بات موجودا في أماكن بيع الدخان، وأصبح متداولا بين الناس".
المشكلة الحقيقية ليست في انتشار ظاهرة تدخين "المدواخ" بين الطلبة من الجنسين، بل في وجوده، على الرغم من حظره ومنع وزارة الصحة تداوله، ما "يضع علامات استفهام حول المستفيدين من وراء دخول هذه الآفة لتفتك بشباب بلدنا"، وفق مدير مكتب مكافحة السرطان بمركز الحسين للسرطان الدكتور فراس الهواري.
وأكد الهواري في حديثه لـ"الغد" أن "انتشار ظاهرة تدخين المدواخ بين الطلبة الشباب مقلقة جدا، بخاصة أن مقاهي باتت تضعه على قوائم طلباتها للزبائن، وبأسعار مغرية لجذبهم إليه".
ويعزو انتشار "المدواخ" في الأردن إلى ضعف وزارة الصحة بتنفيذ العقوبات والمخالفات، ومن تسول له نفسه المتاجرة بصحة الشباب وعافيتهم"، واصفا إياها بأنها "غير رادعة".
ورأى أن "حجم عقوبة الوزارة مقارنة بنوعية المخالفة، لا يردع المخالف، إذ إن مخالفة التعامل مع المدواخ، تقابلها عقوبة تتراوح بين 15 - 25 دينارا، وهذا مبلغ لا يحقق الردع، بيد أن الأمر هنا يحتاج إلى عقوبة كبيرة ومضاعفة، تجعل المخالف يفكر ألف مرة قبل أن يخالف".
ويشدد الهواري على تطبيق القوانين التي تقضي بمنع التدخين في الأماكن العامة، مبينا أن "حجة الحكومة القائلة إن منع التدخين، قد يهدد السياحة، غير منطقية"، معتبرا ذلك "استخفافا بعقل المواطن مقابل مصلحة نافذين، يتاجرون بهذه الآفة، ولا يهمهم نشرها وضررها بين الشباب".
وتوافقه الرأي الناطق الإعلامي وعضو مؤسس في جمعية لا للتدخين الدكتورة لوريسا الور، مؤكدة أن "ضعف الرقابة وغياب تطبيق القانون وفرض عقوبات غير رادعة بحق المتاجرين بصحة وسلامة الشباب، والفراغ الكبير بين الشباب، يجعلنا نفقد السيطرة على هذه الآفة"، متسائلة "متى ستصبح صحة المواطن هي أولويتنا؟".
إن 60 ثانية من تدخين تبغ "المداوخ" كافية للتسبب في الدوخة لمن يتناوله، وفق الدكتور الحباشنة، الذي أشار إلى أن الأعراض التي تظهر على مدخن "المدواخ، تشوبها هلوسات عقلية، وزيادة في ضربات القلب، وجفاف في الفم والحنجرة، وهي أعراض خطرة جدا لأنها تظهر هذا المدخن وكأنه مخدر".
ويضيف الحباشنة لـ"الغد" إن مادة "الدوخة"، وبحسب دراسات عربية وإنجليزية، "مصنوعة من أحد أنواع التبغ الناضج، مضافا لها مواد كيماوية وشوائب، تجعل تأثيرها أقوى".
وبين أنه "يضاف لها مواد مخدرة، لكن جميع الأبحاث والدراسات، تجهل حتى الآن حقيقة هذه المواد"، معلنا أن الوزارة "ستشكل لجنة رسمية ومجتمعية لمعرفة ودراسة المكونات الحقيقية لهذه المادة وتصنيفها".
وعلى أثر قرار اللجنة، ستحدد ماهية هذه المادة وسيجري تصنيفها، إما كمادة تبغ تخضع للمواصفات والرقابة، أو كنوع مقلد للتبغ، يمنع استخدامه وفق قانون الصحة العامة 47 للعام 2008 - المادة 55، والتي تمنع صنع أو استيراد أو توزيع أو بيع مقلدات منتجات التبغ، بما في ذلك الحلوى والكعك والألعاب والأدوات المصنعة بشكل يشابه اياً من منتجات التبغ.
وتضم اللجنة في عضويتها وزارتي: الصحة والصناعة والتجارة، والجمعية الملكية لحماية الطبيعة، ومؤسسة المواصفات والمقاييس ودائرة الجمارك العامة.
واستهجنت الور "غياب الرقابة اللافت للنظر عن انتشار المدواخ بين طلبة المدارس والجامعات"، مبينة أن الحصول عليه "بات سهلا، وانتشاره واضحا وغير خفي، ما يضع علامات استفهام حول كيفية دخوله للأردن ولصالح من؟".
وأضافت أن تغاضينا عن هذه الآفة وعدم منعها فـ"نحن بصدد إنشاء جيل مريض، يعاني من مشاكل صحية"، لافتة الى أن المقاهي تقدم "المدواخ لروادها من مختلف الأعمار، ما يضعنا في مواجهة مشكلة كبيرة، تتلخص في أن الإدمان يتربص بشبابنا".
وبينت الور أن "المدواخ، شديد الإدمان مقارنة بالتبغ العادي، وما يقلق في تدخينه، هو الجهل بحقيقة مكونات خلطة التبغ التي يتحكم بها التجار"، لافتة إلى أنه يباع في علب بلاستيكية لا يذكر عليها أي معلومة عن المحتوى.
الناطق الإعلامي لدائرة الجمارك عقيد جمارك جهاد الحجي، لا ينكر وجود كميات مهربة من "المدواخ" في الأسواق، خصوصا وأن مديرية مكافحة التهريب في الجمارك، ضبطت كميات لا بأس بها من هذه الأداة ومستلزماتها.
وكانت المديرية، ضبطت مؤخرا 75 كرتونة تبغ و55 علبة "بايب" خاصين بـ"المدواخ"، معتبرا ذلك مؤشرا واضحا على تداولها بالأسواق، حيث يعامل معاملة السجائر المهربة، لكن الغرامة تتم بحسب تكلفة المادة والمستلزمات التي تختلف من "مدواخ" إلى آخر.
وطالب الحجي الوزارة والمؤسسة بالتعميم السريع والواضح على كافة المراكز الجمركية، بمنع دخول "المدواخ" للأردن، وتوعية المواطنين بمخاطر استخدامه.
ولفت إلى أن ضعف التنسيق بين الجهات الرسمية حول تحديد ماهية "المدواخ"، يعرقل تصنيفه عند ضبطه كتبغ مهرب أم مواد مخدرة، مضيفا إنه لا بد من تغليظ العقوبة على من يتاجر به ويتعامل معه.
وعلى الرغم من التأثيرات السلبية الكبيرة لتناول "المدواخ"، لكن لا توجد بعد دراسات وإحصائيات، تبين مدى تسببه في الإصابة بالسرطان في الأردن وفق الهواري، وسط مخاوف كبيرة من ظهور تقليعات تدخينية جديدة، قد تغزو مجتمعنا من دول مجاورة.
ووجدت دراسات طبية، وفق موقع صحيفة الإمارات اليوم، أن جرعة "المدواخ" الواحدة، تحوي كمية كبيرة جداً من النيكوتين تعادل ما هو موجود منه في 20 سيجارة.
ولفتت الصحيفة الخليجية إلى أن إقبال الأطفال والشباب على تدخين تبغ "المدواخ"، أقصر الطرق لإدمان المواد المخدرة، بخاصة بعد أن يعتاد الجسم على ما يتلقاه من نيكوتين، لتصبح هذه الجرعة غير مؤثرة، ما يدفعه للبحث عن مادة أقوى، ليجد ضالته في المواد المخدرة.
وأضاف أن المدخنين صغار العمر، غالبا ما يصبحون من مدمني المخدرات في المستقبل، وفق دراسات نبهت لخطورة تدخين "المدواخ"، وتأثيرها السيئ على الدماغ، وما قد تسببه من إصابة بأمراض خطرة يتقدمها السرطان، فالفشل الكلوي والكبدي.
كما حذرت من إصابة الشباب بالعجز الجنسي، ويهدد سلامة الرئة والإصابة بأمراض صدرية مزمنة.
وأظهرت دراسات حديثة عربية وعالمية، أن نسبة التبغ في كل جرعة "مدواخ" مرتفعة جداً، مشيرة إلى إصابة متعاطيه بالدوخة، والأورام الخبيثة، وسرطان الفم واللسان والرئة والحلق والمعدة.
ولم تغفل هذه الدراسة، الأضرار السلبية على الطفل ونموه حيويا وعقليا التي قد تقوده لموت سريع.
(الغد)