لخص محمد الفاتح منهجه وسيرته بكلمات رائعة
"كن عادلا صالحا رحيما، وابسط على الرعية حمايتك دون تمييز، واعمل على نشر الدين
الإسلامي. لا يغرّنّك المال ولا الجند، وإياك أن تميل إلى أيّ عمل يُخالف أحكام الشريعة، وَسِّعْ
رقعة البلاد بالجهاد، واحرس أموال بيت المال من أن تتبدد، إياك أن تمد يدك إلى مال أحد من
رعيتك إلا بحق الإسلام، واضمن للمعوزين قوتهم، وابذل إكرامك للمستحقِّين".
هكذا لخص القائد العظيم والفاتح الجليل سيرته ومنهجه، ورسم لخلفائه من بعده طريق المجد
وجعل دولة الإسلام في صدارة العالم. محمد بن مراد بن محمد بن بايزيد بن مراد بن أورخان
بن عثمان، محمد خان أو محمد الثاني، ذلك السلطان العثماني المدهش الذي لُقب بالفاتح بعد
فتحه الأسطوري لقلعة الأرثوذكسية العتيدة التي عصيت على المسلمين سبعة قرون، عاصمة
الإمبراطورية البيزنطية، قسطنطينية ما قبل الفتح الإسلامي وأسطنبولنا الحالية ...
ربما يظن الكثيرون أن فتح القسطنطينية - مع الاعتراف بفضله - هو كل ما أنجزه الفاتح، لكن
الحقيقة أن هذا الفتح العظيم على ما له من شهرة واسعة وأثر واضح في انتشار الإسلام في
أوروبا لاحقا، إلا أنه واحد من عشرات الفتوحات والمعارك الخالدة التي خاضها الفاتح
وجنوده انطلاقا من عاصمته السابقة أدرنة وفي دائرة بلغ نصف قطرها قرابة الألف كيلو متر،
فكان أن ضم إلى أراضي الدولة العثمانية طرابزون شرقا ومولدوفا شمالا، وأوترانت الإيطالية
غربا، وأثينا جنوبا. يدين قرابة المليونين من سكان البوسنة بالإسلام بفضل انتصارته عام
1462، ويدين العالم الإسلامي كله بالفضل له في وجود إسطنبول، هذه المدينة البديعة رائعة
الجمال وافرة المساجد عالية المآذن، ضمن أراضيه.
ثلاثون عاما كاملة قضاها هذا النسر الكبير مجاهدا في سبيل الله ودينه، ثلاثون عاما ربط فيها
شرق الدولة بغربها بعد أن اقتحم أسوار القسطنطينية المنيعة في ملحمة مازال التاريخ يرفع
لها القبعة، ثلاثة عقود لم يهنأ فيها ذلك السلطان المجاهد بالراحة وإنما ظل يكافح من أجل
نشر الإسلام وتوسيع رقعة دولة هذا الدين الحنيف، بل لقد كان حلمه ومنتهى أمله هو فتح
روما ليكون بذلك قد دحر عاصمة الإمبراطورية الرومانية المقدسة - معقل الكاثوليكية - كما
فعل مع نظيرتها البيزنطية، حتى لقد قيل أن حملته الأخيرة كانت صوب قلعة أوترانت التي
فتحها قائد جيوشه في طريقه إلى رومية استكمالا لبشرى رسول الله عليه الصلاة والسلام.
"حضرتُ هذه البلاد كنملة صغيرة، فأعطاني الله تعالى هذه النعم الجليلة، فالزم مسلكي،
واحذو حذوي، واعمل على تعزيز هذا الدين وتوقير أهله، ولا تصرف أموال الدولة في ترفٍ أو
لهوَ؛ فإن ذلك من أعظم أسباب الهلاك"...
أنهى ذلك الأمير الذي قهر البيزنطيين شابا وظل رافعا سيفه وهو شيخا، حياته بهذه الكلمات
المتواضعة ليوضح كيف نشأ وكيف استطاع أن يحقق ما حققه، ولتكون كلماته هذه نبراسا
لأولاده من بعده، تزين صفحات التاريخ بحروف من ذهب جنبا إلى جنب مع انتصاراته
وإنجازاته لتصنع مجلدا يليق بسيرته ...
من أجل ذلك سنصحبكم في رحلة تاريخية شيقة لتتعرفوا على محمد
#الفاتح، كيف نشأ
وترعرع، وكيف كان لنشأته أثرا بالغا فيما بعد في حياته المليئة بالانجازات. نتجول في
ميادين معاركه ونسمع صليل سيوف جنوده تقاتل وتنتصر في سبيل الله.