رامي ملحم
قراءة في جدوى المشروع الجديد لقناة السويس
التاريخ:8/8/2015 -
قراءة في جدوى المشروع الجديد لقناة السويس
تعد قناة السويس من أهم المشروعات العالميّة التي تمّت في القرن التاسع عشر الميلادي، وقد قدمت القناة لحركة النقل والتجارة دعماً كبيراً، وكانت من الإنجازات المهمّة التي فيها قيمة مضافة للإنسانيّة، كما قدمت عائداً ماليّاً واجتماعيّاً لمصر والمنطقة والعالم.
وجاء مشروع تطوير قناة السويس الجديد، محمّلاً من السلطة الحاكمة في مصر بعشرات الرسائل المختلفة، والتي تهدف جميعها إلى ترسيخ قناعة بأن المشروع يعد إنجازاً تاريخيّاً، وسيكون له آثاراً إيجابية على مصر والمصريين. وسأركّز في هذه الورقة على توضيح أهم النقاط الحرجة التي تناقش جدوى المشروع، وبيان آثاره المختلفة.
1- تمّ التعامل مع فكرة المشروع منذ البدء من خلال التركيز على أنّه سيحقق أرقاماً ماليّة ضخمة لمصر، ستتجاوز عشرين مرة الإيراد الحالي للقناة والذي يبلغ حوالي 4.7 مليار دولار سنويّاً، مع أنه لم يتم نشر أي دراسة جدوى عن المشروع، ومن المعروف أنّه قبل البدء بأي مشروع، يجب على المعنيين إنجاز دراسة جدوى للمشروع، وتتضمن هذه الدراسة الجوانب السوقية والفنية والمالية أو الاقتصادية، وفي جميع المشاريع يتم التركيز على عائد الاستثمار، ويضاف إلى ذلك في مشاريع القطاع العام توضيح العائد الاجتماعي؛ لأنّ الحكومة تقوم بمشاريع يكون عائدها اجتماعيّاً لا اقتصاديّاً. ومثل هذه الدراسات يجب أن تكون معلنة، أو بالحد الأدنى يتم إعلان توصياتها ونتائجها. وإن عدم الإعلان عن دراسة الجدوى للمشروع؛ يثير الكثير من التساؤلات والافتراضات حول مستوى المهنيّة فيه.
2- لقد تم التركيز على تخفيض فترة إنجاز المشروع، وبالنسبة للزمن في المشاريع، فإنّه يعتمد على أكثر من عنصر، إلا أنّ أهم عنصرين هما الكلفة والتمويل؛ فيمكن تقليل أو تكبير الزمن إن كانت هناك مرونة في الكلفة ويتوفر التمويل اللازم. وليس دائماً يعد التبكير في إنجاز المشاريع علامة صحة، كما أنّ ليس التأخير أيضاً علامة صحة، إن موعد التسليم أو الإنجاز يخضع لمعايير مصلحية بحتة. كما أنّه ليس نقطة تفاخر بحد ذاتها، إنّما الفخر أن يكون المشروع بكليته مجدياً.
3- لقد هدف المشروع إلى زيادة القدرة الاستيعابية للقناة لتصل إلى 93 سفينة يوميّاً في عام 2023م، علماً أنّ أقصى قدرة استيعابية حاليّاً للقناة تبلغ 78 سفينة، وهذا يعني أن المشروع سيزيد القدرة الاستيعابية للقناة مستقبليّاً بمقدار 15 سفينة في اليوم، وتجدر الإشارة إلى أنّ معدل مرور السفن في عام 2014م بلغ 49 سفينة؛ بمعنى ستكون الزيادة بحدود الضعف عن العام الفائت، وفي عام 2008م كان معدل مرور السفن 58 سفينة، تناقص عددها بفعل تأثير الأزمة المالية العالمية. وهنا تبرز مجموعة من الأسئلة، فهل هناك حاجة لزيادة القدرة الاستيعابية للقناة؟ وهل هذه الزيادة ستفضي لتحقيق إيرادات إضافيّة للقناة؟
4- لا شك أن المشروع الجديد سيقدم إضافة لوجستيّة للسفن العابرة؛ والفائدة الأصلية من هذه التفريعة هي تقليل الفترة الزمنية لانتظار القوافل القادمة من بورسعيد إلى السويس، لأنّ مسافة العبور المزدوجة ستزيد بحدود 30كم، لكن لن يقدّم إيرادات إضافيّة للقناة، لأن الفرق بين السعتين القصويين هو 15 سفينة، ولا تعاني القناة من ضغط أصلاً في العبور، وجميع الخدمات الأخرى من تموين وتفريغ هي مرتبطة بعدد السفن العابرة، كما أنّ التفريعة ليست مشروعا مستقلاً بذاته؛ فالسفن العابرة منها لا يمكن أن تدفع رسما إضافيا منفصلا عن رسم عبور القناة، لذلك فعائد القناة سيكون من الدخل المعتاد لمرور السفن في قناة السويس. كما أنّ مستويات العبور من القناة محكوم بعوامل متعددة من أهمها:
أ. حركة التجارة البينية بين الدول، وهي تزداد بين الثالوث العالمي أمريكا وأوروبا واليابان، وفي بعض المجالات فإن هذا الثالوث يستحوذ على 90% من التجارة البينية، وهذه التجارة لا تمر عبر قناة السويس، كما أن التجارة بين أمريكا والصين لا تمر عبر قناة السويس، وحاليّاً تعاني مستويات التجارة البينية بين دول العالم من تراجع ملحوظ.
ب. الانتعاش الاقتصادي، والذي لا تبدو له ملامح في الأفق القريب، وعلى العكس من ذلك، فإن العالم في أغلبه يعاني من الكساد والمشاكل الاقتصادية، كما تأثرت ميزانيات الدول المنتجة للنفط بسبب الانخفاض الحالي في أسعار النفط.
ج. الوضع الأمني السائد، الذي هو أساس في حركة التجارة، وهو حاليّاً في أسوأ أوضاعه، خصوصاً في سيناء، وفي كثيرٍ من الدول العربية المحيطة.
د. حتى لو افترضنا أن التفريعة الجديدة ستسمح لسفن كبيرة بالعبور؛ فإنّ الشركات ستستبدل أكثر من سفينة صغيرة بسفينة واحدة كبيرة؛ فالشركات الملاحية ستستفيد من هذه الميزة لتقليل الكلفة عليها وليس لزيادة إيرادات القناة.
ه. بحسب خبراء الملاحة؛ فنظرياً يمكن لـ 89% من الأسطول العالمي من السفن الضخمة أن تعبر القناة بوضعها السابق من دون المشروع الجديد، إلا أنّ عدم عبورها يخضع لأسباب متعددة، منها ما ذكر سابقاً، كما أنّ الحركة الملاحية بين بعض الدول لا تمر أصلاً عبر قناة السويس، مثل الحركة بين الصين والبرازيل وأستراليا.
و. أثر الاكتفاء الذاتي للولايات المتحدة من البترول على حركة العبور بالقناة، وأصبحت أغلب حركة النفط من دول الخليج العربي وإيران باتجاه دول آسيا.
ز. إنّ وجود عقود مجحفة موقعة في عام2009م ولمدة 94 سنة بين مصر وشركة ميرسك الدنماركية في المدخل الشمالي، وبين مصر ودبي العالمية للموانئ في المدخل الجنوبي، يعمل ذلك على تقييد نمو الإيرادات المستقبليّة للقناة.
5- كان يمكن تطوير قناة السويس بعمل مشروع تنموي متكامل، بحيث تصبح القناة عقدة ملاحية عالمية، ولتصبح لاحقاً مركزاً عالميّاً لخدمات النقل وصيانة السفن، وخدمات الشحن والتفريغ، وعمليات الإمداد وغيرها.
6- تجاوز كلفة المشروع حوالي 8 مليارات دولار أمريكي، وقد تمّ جمع هذا المبلغ من خلال طرح شهادات استثمار للمصريين، وبفائدة سنوية مقدارها 12%، ولمدة خمس سنوات، وبضمان من وزارة المالية وهيئة قناة السويس، وقد جمع المبلغ من أكثر من مليون طلب من أفراد ومؤسسات، وبلغت نسبة الأفراد 82%، بينما كانت نسبة المؤسسات 18%، وهذه الطريقة في التمويل لها التأثيرات التالية:
أ. عملت على انخفاض الودائع في البنوك بنحو 4.5 مليار دولار، إذ تمّ سحب ما قيمته 3.8 مليار دولار من البنوك لشراء شهادات استثمار، و700 مليون دولار اقترضها المواطنون بفائدة أقل لشراء الشهادات والاستفادة من فرق الفائدة بين فائدة شهادة الاستثمار والبنك.
ب. بالنسبة للدولة كان لديها طريقة أخرى لتمويل المشروع من خلال إصدار سندات، لكن هذا سيكلفها فائدة سنوية بمقدار 15%؛ وهي بذلك وفرت على الخزينة 3%، كما أنّ أعلى هامش ربح تقدمه البنوك للمودعين هو 9%، ومن خلال شراء شهادات الاستثمار استفاد المستثمرين 3% إضافيّة. وبالنظر من هذه الزاوية سنجد أنّ المستفيد هما خزينة الدولة والمواطن، أمّا الخاسر فهي البنوك. ويتوقع أن يكون لذلك أثر إيجابي على نظرة المواطن البسيط للسلطة الحاكمة؛ إذ أنّها وفرت له باب للربح، ولن يكون مثل هذا المواطن معنيّاً بالاطلاع على المشروع من جميع جوانبه.
ج. لكن في ظل توقّع لغياب وجود إيرادات إضافية متوقعة من المشروع، فمن أين ستدفع خزينة الدولة قيمة شهادات الاستثمار بالإضافة إلى فائدة 12%؟ ستجد الحكومة نفسها مضطرة للاقتراض الداخلي أو إصدار سندات وبفائدة جديدة تصل إلى 15%، أو ستقلل من النفقات خصوصاً في الأوجه الأساسية للإنفاق. وبهذا ستستفيد البنوك مرة ثانية؛ فهي أقرضت المواطن بفائدة 9% وأقرضت الحكومة بفائدة 15%. وهذا سيكون له تداعيات سلبية على مستقبل الاقتصاد المصري.
7. لا يوجد في المشروع ما يشير إلى أي فائدة مباشرة في توظيف الطاقة البشرية في مصر. وهذا الجانب من أهم عناصر إقامة المشاريع الحكومية. وستستفيد مجموعة من الشركات المصريّة والإماراتية والهولندية والأمريكية والبلجيكيّة من مشاركتها في أعمال التنفيذ المختلفة.
الخلاصة:
تأسيساً على ما سبق، فلا يتوقع أن يكون للمشروع الجديد أي إسهامات في زيادة إيرادات قناة السويس، كما أنّه سيعرض خزينة الدولة المصريّة إلى ديون إضافيّة نتيجة الكلفة الكبيرة للمشروع وطريقة التمويل المتبعة التي ترتب خدمة عالية للدين، وسيقدّم المشروع خدمات لوجستيّة للسفن العابرة، لكن من دون أثر مالي إيجابي. وسيشعر المواطن المصري الذي اشترى شهادات استثمار بتحقيق عائد من الفائدة الممنوحة له، وستكون البنوك المصريّة والشركات التي شاركت في المشروع هي المستفيد الأكبر.
(البوصلة)