"لم يكن عمق الألم مفاجئا بالنسبة لي، إلا أنني لم أكن مهيأ لردود الأفعال الأخرى التي أصابتني، من قشعريرة ونوبات هلع ومشاكل في الذاكرة والتركيز..."، "نتجت إحدى مشاكلي عما يصيبني من لقطات ارتجاعية مربكة: أشخاص مصابون بشكل سيئ، الوجوه المصدومة للركاب الآخرين وعاملي المستشفى، وجها زوجي وشقيقه ملطخان بالدم والطين..".
عبارات ذكرها ناجٍ من انفجار وناجية من حادث قطار، على التوالي، على موقع منظمة Mind البريطانية التي عرفت اضطراب ما بعد الصدمة post-traumatic stress disorder أنه مجموعة من الأعراض النفسية التي يصاب بها الشخص بعد فترة تصل إلى شهور أو سنين من تعرضه، أو رؤيته لصدمة تفوق أحداث الصعوبات اليومية.
وتؤثر تلك الأعراض سلبا على قدرته على ممارسة نشاطاته اليومية.
وأضاف الموقع أن مجرد مشاهدة الأخبار، كرؤية ما يحدث في قطاع غزة، قد يؤدي إلى تأثيرات طويلة الأمد على الشخص، مما يجعل البعض يرفضون وضع تلك الأعراض تحت بند "اضطراب"، كونها ردة فعل متوقعة بعد التعرض للصدمات.
أما موقع Mayo Clinic، فقد ذكر أن هذا الاضطراب هو أحد "اضطرابات القلق"، وأضاف أن العديدين ممن يتعرضون أو يشهدون مواقف مجهدة نفسيا لدرجة كبيرة تجعلهم يقضون فترة صعبة، إلا أن بعضهم يتخطى ما سببته له تلك الفترة الصعبة من معاناة وأحزان وغير ذلك مع الوقت، وبالاستعانة بأساليب صحية للتعامل والسيطرة عليها. أما البعض الآخر فيصاب باضطراب ما بعد الصدمة، حيث تتفاقم الأعراض لديه، وقد تستمر لمدة أشهر إلى أعوام.
وأشار الموقع إلى أن هذا الاضطراب قد يصيب الناجين من صدمات شديدة أو أحداث عنيفة، أو من يشهدون ذينك، ومن ضمنهم من يتعرضون إلى إساءات جسدية وتعذيب، كما يحدث في سجون الاحتلال، والناجين من الحوادث والحروب والكوارث الطبيعية، كما أن رجال الإنقاذ في الأماكن التي تحدث فيها إصابات جماعية أو أحداث مأساوية أخرى يكونون أيضا عرضة للإصابة بهذا الاضطراب.
وحسب ما ذكر الموقع، فمن المهم أن يتم البدء بالعلاج بأسرع وقت ممكن لمنع الاضطراب من التفاقم.
أعراضه
ذكرت Mind أن الشخص قد يصاب بخدر انفعالي بعد تعرضه لصدمة، ومشاعر الضيق النفسي قد لا تظهر على الفور، إلا أنه عاجلا أو آجلا قد يصاب بردود أفعال جسدية ونفسية وتغيرات في السلوك، وقد يتضمن ذلك ما يلي:
• عيش لقطات ارتجاعية لأحداث الصدمة، أي الشعور بأن أحداث الصدمة تعاد من جديد.
• رؤية صور ذهنية وأفكار اقتحامية.
• رؤية الكوابيس.
• الاضطراب في النوم.
• الإصابة بضيق نفسي شديد عند التعرض لما يذكر بأحداث الصدمة.
• تجنب الخوض في الذكريات، وذلك بإشغال النفس بشكل دائم.
• عدم القدرة على تذكر التفاصيل الكاملة لأحداث الصدمة.
• الشعور بالخدر الانفعالي والتفكك.
• عدم القدرة على التعبير عن المشاعر والانفعالات.
• الشعور باليأس وعدم الفائدة من التخطيط للمستقبل.
• سرعة الاستثارة والتهيج.
• ممارسة السلوكات العدوانية.
• الإصابة بالذعر والهلع عند التعرض لأي شيء متعلق بالصدمة.
وأضاف موقع Mayo Clinic الأعراض التالية:
• الشعور بالذنب.
• الشعور بالغضب.
• ممارسات سلوكات مؤذية للذات، كالإدمان.
• مواجهة مشاكل في الذاكرة.
• سرعة الشعور بالخوف.
• رؤية أو سماع أشياء غير موجودة.
وأضاف الموقع أن أعراض ذلك الاضطراب عادة ما تبدأ خلال ثلاثة أشهر من التعرض للصدمة، وفي حالات نادرة قد تظهر الأعراض بعد أعوام.
وأضاف الموقع الأخير أن المصاب قد يصاب بأعراض أكثر في أوقات زيادة الضغط النفسي أو عند تعرضه لما يذكره بالصدمة. كما أن تعرضه لما يذكره بالصدمة قد يؤدي به إلى أن يشعر بأنه يعيش أحداث الصدمة من جديد.
أسبابه
أشار موقع Mayo Clinicإلى أن الباحثين ما يزالون يحاولون فهم الأسباب التي تؤدي بالشخص إلى الإصابة بهذا الاضطراب، حيث إنها لم تحدد بدقة، إلا أنه يمكن القول بأن العوامل التالية تلعب دورا في الإصابة به:
• العوامل الحيوية والجينية.
• حدوث تغيرات في الكيمياويات الدماغية.
• نوع التجارب السابقة التي تعرض لها الشخص في حياته.
• قدرة الشخص على التحمل.
ومن الجدير بالذكر أن هناك عوامل تزيد من خطر الإصابة بهذا الاضطراب، ومن ضمنها ما يلي:
• التعرض للصدمة لأسباب معينة، من ضمنها النجاة من حريق أو كارثة طبيعية أو حادث خطير، أو الخوض في حرب أو معركة، أو التعرض للاختطاف أو التعذيب أو الإساءة أو التهديد أو التشخيص الطبي الخطر على الحياة، أو رؤية شخص يقتل أو يتعرض لإصابات شديدة.
• كون الصدمة شديدة أو طويلة الأمد.
• كون الشخص مصابا بمرض نفسي، أو عدم وجود من يدعمه نفسيا.
• وجود أقارب للشخص مصابين بهذا الاضطراب أو بالاكتئاب.
علاجه
عادة ما يتضمن علاج هذا الاضطراب العلاج الدوائي والعلاج النفسي معا، حيث إنهما يساعدان على تخفيف الأعراض لدى المصاب، وتعليمه أساليب ومهارات للتعامل مع الصدمات وما تؤدي إليه.
أما عن العلاج الدوائي، فهو يتضمن مضادات الاكتئاب ومضادات القلق، حيث تساعد مضادات الاكتئاب على التخفيف من أعراض الاكتئاب والقلق لدى المصاب، كما أنها تساعد على حصوله على نوم أفضل وتزيد من قدرته على التركيز.
أما مضادات القلق فهي تخفف من مشاعر القلق والضغط النفسي لديه.
ويعتمد الدواء المحدد الذي يختاره الطبيب على أعراض المصاب وعلى الوضع العام، وقد يقوم الطبيب باختبار عدة أدوية على مريضه قبل الوصول للدواء الأمثل.
أما عن العلاج النفسي، فهناك العديد من الأساليب التي يتم استخدامها لعلاج الأطفال والبالغين على حد سواء. ويعتمد الأسلوب الأفضل على حالة المصاب والوضع العام. وتتضمن الأساليب المستخدمة ما يلي:
• العلاج المعرفي.
• العلاج المعرفي السلوكي.
• العلاج بالتعريض.
وتقوم هذه الأساليب بمساعدة المصاب على السيطرة على ما يسببه التعرض لصدمة من خوف وضيق نفسي، كما أنها تساعده على فهم السبب وراء ما لديه من مشاعر وأفكار واستبدالها بتفكير أكثر واقعية وإيجابية.
نصائح للمصاب
تعتبر الخطوة الأولى للعلاج اللجوء إلى اختصاصي ماهر قادر على فهم حالة المصاب وطبيعته والتعامل مع الأمرين بالشكل المناسب، إلا أن هذا لا يعني أنه ليس على المصاب أي مجهود للوصول لأفضل النتائج، بل لأن مصابي الأمراض النفسية بشكل عام يلعبون دورا هاما في العلاج.
وتتضمن النصائح المقدمة للمصاب ما يلي:
• اتباع تعليمات الاختصاصي، فعلى الرغم من أن الشعور بالتحسن قد يأخذ وقتا ليظهر، إلا أن معظم المصابين يشعرون بالتحسن بعد أسابيع قليلة من البدء بالعلاج. لذلك عليك بالصبر وبتذكير نفسك بأن الشفاء لا يأتي بين يوم وليلة.
• الاعتناء بنفسك، فاحصل على فترات كافية من الراحة وأعط نفسك وقتا للاسترخاء وتناول غذاء متوازنا ومارس التمارين الرياضية واحرص على تجنب البنين (الكافين) والتبغين (نيكوتين)، حيث إنهما يزيدان من مشاعر القلق.
• عندما تبدأ مشاعر القلق بالتسلل إليك، اشغل نفسك بممارسة إحدى هواياتك.
• تواصل مع عائلتك وأصدقائك، واحصل منهم على الدعم النفسي والحب، حيث إن قضاء أوقات مع من تحب، حتى ولو لم ترغب بالتحدث خلاله عن الصدمة، يبعث شعورا بالراحة والطمأنينة.
ليما علي عبد
مساعدة صيدلاني