عن مخيم جنين وما يجري في الضفة الغربية
<< الأحد، 6 سبتمبر/أيلول، 2015
ياسر الزعاترة
الجمعة قبل الماضية، أقامت عائلة المعتقل السياسي في سجون السلطة الفلسطينية؛ فادي حمد عرسا رمزيا له في اليوم الذي كان محددا لزفافه، هو الذي اعتقل بتهمة حيازة سلاح لمقاومة الاحتلال، مع أنه يؤكد وعائلته أن الأمر لم يكن كذلك، وأنه اعتقل لنشاطه السياسي في حركة حماس لا أكثر.
كان عرسا جميلا رغم الحزن والدموع، وذلك بمشاركة فعاليات كثيرة من المجتمع الفلسطيني؛ في لفتة تمرد على منظومة التعاون الأمني التي يمثلها قادة السلطة ورموزها، وتحظى مع الأسف بدعم من قيادة حركة فتح، وتبرير من أكثر عناصرها.
يوميا تستمتع أجهزة السلطة باعتقال ثلة من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني، وذلك استجابة لمنظومة التعاون الأمني مع العدو الذي لا يتوقف عن تقديم شهادات حسن السلوك للسلطة، والتأكيد على جهودها في منع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغريية، بينما يجد العدو صعوبة في لجم حراك القدس التي لا وجود فيها لأجهزة السلطة.
وفيما كان مخيم جنين نموذجا حيا لنجاح السلطة في تدجين المجتمع الفلسطيني (بدأت تجربة دايتون به وبالمدينة عموما)، وإعادة تشكيل وعيه على الاهتمام بالرواتب والاستثمار بدل الحديث عن مقاومة الاحتلال، جاءت الأحداث في المخيم قبل أيام لتؤكد أنه لا زال يختزن روح المقاومة، حيث ردّ على محاولة اعتقال أحد نشطاء حركة حماس فأصيب جندي صهيوني، وظل المخيم يقاوم الغزاة طوال الليل، بينما كانت أجهزة عباس غائبة تماما، لكنها كعادتها ستكمل المهمة بعد رحيل الغزاة، وبالطبع في سياق من مطاردة من فكروا أو يفكرون بمقاومته.
وبينما ينشغل كثيرون بسؤال ما إذا كان عباس سيستقيل من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، ويكتفي بقيادة السلطة وحركة فتح، أم سيؤكد قيادته لها بعد إخراج من لا يروقون لمزاجه، ينشغل الصهاينة أيضا بذات السؤال اعتقادا منهم بأنهم لن يحصلوا على زعيم مثل محمود عباس، يحرص بشكل استثنائي على رفض المقاومة وتأكيد التعاون الأمني معهم.
في تقرير لها عن الأجواء في الضفة الغربية عشية هذا الجدل حول استقالة الزعيم الذي بلغ الثمانين أو بقائه، تحدثت صحيفة ليبراسيون الفرنسية عن ارتفاع نسبة عدم الرضا الفلسطيني عن الرئيس محمود عباس وفريقه الحكومي، وذلك بعد انتشار أخبار وفضائح الفساد المالي، وتفاقم المشاكل الاقتصادية والسياسية في الضفة الغربية، وهو ما عزز التوقعات بقرب رحيل عباس عن السلطة، “رغم سعيه للتشبث بها”.
وقالت الصحيفة إن سكان الضفة الغربية أصبحوا يتحاشون الحديث في السياسة بالأماكن العامة، ويعبرون بخوف عن عدم رضاهم عن أداء محمود عباس وحكومته، ويشبّه بعضهم السلطة بكوريا الشمالية، ويؤكدون أن الناس في رام الله وباقي مدن الضفة، أصبحوا يعون أنه من الأفضل عدم نقد السلطة، وتجنّب الحديث عن فساد نظامها الذي شرع في بناء قصر في سردا، المدينة الرئاسية الواقعة على بعد ستة كيلومترات من مدينة رام الله، وذلك بكلفة 13 مليون دولار (انتهى كلام الصحيفة).
ما يمكن أن تسمعه من بعض أركان النخبة الفلسطينية القادمة من الضفة الغربية يشير إلى تعب المجتمع الفلسطيني من الواقع الراهن، وعدم وجود أفق لانتفاضة جديدة، والخلاصة هي نجاح عباس في المهمة التي انتدب لأجلها أثناء وجود الراحل عرفات ثم بعد، وهي تدجين المجتمع الفلسطيني على قبول واقع الاحتلال مهما طال أمده، بصرف النظر عن نتائج المفاوضات، إذا كانت هناك مفاوضات، ما يعني تأكيد نجاح مشروع شارون للحل الانتقالي بعيد المدى الذي يؤبد النزاع، ويجعله مجرد نزاع حدودي لا أكثر، وحين يستكمل عباس طقوس دولته بقصر رئاسي، فهذا يعني أن فكرة المقاومة قد أصبحت وراء الظهر، وأن فتح هي حزب سلطة تحت الاحتلال، فيما تنشغل حماس بواقعها المرير في قطاع غزة، بصرف النظر عما إذ كانت ستتوصل إلى تهدئة طويلة أم لا.
إنه التيه الذي تعيشه القضية، والذي ينهض عباس ونهجه كسبب أكبر له، لكن الأجواء البائسة في الإقليم لا زالت تمنحه القوة والدافعية، ما يجعل مهمة المجتمع الفلسطيني، في التمرد عليه بالغة الصعوبة، لكن ذلك لا يعني اليأس بحال من الأحوال، فأجيال الجديدة سيكون لها دورها في تجديد منظومة النضال، وإذا تعب الكبار، فإن الصغار سيكون لهم رأي آخر، وهي طبيعة الشعوب في مقاومتها للاحتلال، حيث يأخذ الشباب زمام المبادرة غالبا. وعموما، لا ينبغي أخذ كلام النخب إياها على محمل الجد، فهي تعبّر عن تعبها هي أكثر من أي شيء آخر.
ما جرى في مخيم جنين، والعمليات الفردية التي ينفذها أبطال بين حين وآخر، وما يجري من فعاليات شعبية في القدس، يؤكد أن مقولات التعب والتدجين ليست واقعية، حتى لو صحّت في حالة البعض، وسيكون لطلائع الشعب رأي آخر، إن لم يكن اليوم فغدا، وهم من سيصحِّحون مسار القضية ويخرجونها من حالة التيه الراهنة.