أبناء الخطيئةرندا قسيسنلاحظ ان مجتمعاتنا العربية تعاني من ثقافة عقدة ذنب راسخة بشكل قوي في اسسنا الدينية، فنحن احفاد ثقافة صلب الذات وجلد المعرفة، اصحاب الخطيئة الاولى المنغرسة في اعماقنا، ثقافتنا ثقافة النار والعذاب المتأصلة في عقولنا ورغباتنا، ثقافة بنيت على مر الزمن لترسخ عقائدها وعاداتها ومفاهيمها الثابتة فلا تتباطأ في تجريم الجهود والمحاولات الهادفة في تليين هذه الثقافة، لترمى بأسهم المازوشيين الرافضين لاي تغيير او تجديد، علمتنا ثقافتنا ان نرضخ للذل وان نحارب العلم والمعرفة وان نستهين بذاتنا كي نمارس عملية القمع بشكليه الجماعي والفردي. فما هو السبب الرئيسي لهذه الثقافة؟
لاشك ان الجماعة لعبت دوراً مهماً في تأطير الفرد ضمن قوانين وعادات تبلورت مع الوقت وتحولت الى مفاهيم دينية رادعة لاية محاولة تمرد وذلك لضمان كيانها ووجودها، متجاهلة بذلك رغبات الافراد، وللحد من رغباتهم لجأت الجماعة الى ترسيخ فكرة القضاء والعقاب عند الافراد لتشكل لهم ضغطاً نفسياً ما بين اكتفاء الذات وبين الصور المشحونة بمشاعر الخوف والرعب القابعة في لاوعي الافراد، فنتج عن هذه المعركة الداخلية شعور بالذنب، فكلما اراد الفرد تحقيق اكتفاءاته تنتابه موجة رادعة تنبثق من صوره الداخلية المتراكمة منذ صغره لتجتاحه كلياً، فيقف عاجزاً عن الفهم ويشعر بالشلل تجاهها، هذه المشاعر انعكست في البدء على اساطيره لتتقمص بعدها نصوصاً دينية، مما ادى الى ان يكتسب هذا الانعكاس المطروح من الانسان قوة خارجية تكبح الافراد وتقمع اية محاولة فردية تسعى للتحرر من تلك القوة.
تولت الجماعة القيام بهذه المهمة، فنراها تحارب جميع الافراد المنعتقين من القيود والسلاسل الجماعية، لترتدي ثوب الجلاد الجاهل لكل العلوم والمعارف والاحداث التاريخية، مما يعكس في انفسنا ازمة اخرى ليتم اختلاط المفاهيم والاخلاقيات، كي يعيش الفرد حياة كاملة خلف اقنعة وهمية، فنراه يمارس دعارته الاخلاقية بشكل ضمني، ويقوم بقلب الموازين وتزوير تاريخه المليئ بالانتكاسات ليحولها في مخيلته الى انتصارات. اعتقد ان المشكلة الرئيسية لدى هذه المجتمعات تكمن في خوفها من مواجهة الذات وعجزها عن المصالحة مابين الرغبات الفردية والمصلحة الجماعية.
نجد ان الثقافة الجماعية العربية قائمة على شحن الافراد بانفعالات وهجيان دائم، فادراكنا يعجز عن التقاط الاحاسيس بشكلها المنتظم للقيام بترجمتها لاحقاً، فنصبح عبارة عن مشاعر عشوائية مختلطة فيما بينها ينقصها القدرة على تنظيم الذات، واذا حاولنا ترتيب بعض الامور تتناولنا الاتهامات والشتائم.
احاول جاهدة البحث عن اسباب الانفعالات المنغلقة على نفسها الخائفة من هجوم خارجي يقتلعها من جذورها، فأحاول تفهم هذه المشاعر الا انني مضطرة الى معرفة اسباب تواطؤ الارض والكون على هذه البقعة المشؤومة منذ زمن بعيد لاغرق في البحث عن ابداعاتنا فلا ارى الا فشلنا، فأذهب باحثة عن اخلاقياتنا فلا اجد الا عدمها، فأوهم نفسي في ضرورة البحث فربما كنا اصحاب علوم وافرة فلا اسمع الا بكاءً ونواحاً ولطماً على تاريخ مضى ولم يبقى منه اثر، فنحن من حطمنا اثارنا الانسانية واعدمنا التجارب المتراكمة وتشبثنا بصنع قناع واحد للجميع مفرغ من اي فحوى او مغزى لاستمرارنا في هذه الحياة.
تشتد علينا وتيرة الخوف فنلجأ الى العراك والعنف تجاه الاخر، فنحن جاهزون للمحاكمة السريعة والاعلان عن احكام جاهزة نستخرجها من ادراجنا الثقافية، فكيف يمكننا ان ندعي الفهم والمعرفة ان كنا عاجزين عن فهم ذواتنا وتحليل المعطيات الداخلية و الخارجية، واذا درسنا حالتنا المتناقضة والمستمدة من ثقافتنا القائمة على غسل الادمغة وتشويه المعلومات وتزوير الحقائق فعلينا عدم استغراب تحول الافراد الى الات غيرقادرة الا على تخزين المعلومة من دون فهمها او معالجتها، فنحن ابناء ثقافة ناسخة للغيرعاجزة عن تحويل قدراتها الى انتاج ابداعي.
أنها معركة بين الفرد المتطلع الى ممارسة حقه الأنساني في الحرية الفردية والتفكير والسلوك المستقل، وبين قهر وقمع الجماعة التي تريد محو فرديته وانسانيته في زحمة القطيع وتدجينه وفق قوالبها كي تشعر بالأمان والطمأنينة من خطر تحرره، فالحرية الفردية تشكل باستمرار تهديداً وخطراً على ثوابت وتقاليد ومعتقدات الجماعة، أنها قصة المعركة الأزلية بين الأحرار وعبودية الجماعة!