وهل أنت سليم القلب؟!
سلامة القلب أغلى غنيمة فاز بها المؤمن؛ إذ إنها طريق إلى رضا الله -تعالى-، ودخول جنته،
ومن سلم قلبه سلمت جوارحه من أوحال الذنوب، وصفا عمله الصالح، وإذا كان يوم القيامة كان في زمرة الناجين!
قال الله -تعالى- حكاية عن نبيه إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ (87) يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87-89].
قال سعيد بن المسيب -رحمه الله-: "القلب السليم الصحيح، هو قلب المؤمن؛ لأن قلب الكافر والمنافق مريض، قال الله -تعالى-: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ}.
وقال أبو عثمان السياري -رحمه الله-: "هو القلب الخالي عن البدعة، المطمئن إلى السنة".
وقال الضحاك -رحمه الله-: "السليم الخالص".
وعن قول الضحاك هذا قال القرطبي: "وهذا القول يجمع شتات الأقوال بعمومه، وهو حسن؛ أي الخالص من الأوصاف الذميمة، والمتصف بالأوصاف الجميلة، والله أعلم".
أخي المسلم: تلك هي سلامة القلب، فهل حاسبت نفسك؛ حتى تكون من أهل السلامة؟!
فكم من أُناس إذا أحسَّ أحدهم بألم خفيف في قلبه فزع إلى الطبيب! وأجرى الفحوص والتحاليل، وصرف الغالي والنفيس!
ولكن هؤلاء المساكين تجدهم غير ملتفتين إلى أمراض قلوبهم المعنوية؛ والتي هي أخطر من ألم عابر يحس به أحدهم، أو داء محسوس!
يبحث أحدهم عن سلامة قلبه عند الطبيب، ولا يبحث عن سلامته في كتاب الله -تعالى-، وشرعه الطاهر!
إن أمراض القلوب المعنوية لا شك أنها أخطر من أمراض القلوب المحسوسة؛ فإن هذه قد يصل الطبيب إلى معالجتها، أما أمراض القلوب المعنوية فقد تستفحل حتى تُورث صاحبها داء يكبه على وجهه في النار!
فتيقَّظْ أيها الغافل، وحاسب نفسك، هل أنت سليم القلب؟!
وقد عرفت المقصود بالسلامة؛ فإنها السلامة المعنوية التي بها يصلح قلبك وتستقيم جوارحك على فعل الصالحات.
ولا تنس أخي المسلم أن تحرص على سؤال الله -تعالى- أن يثبت قلبك على دينه الحق؛ فإنه لا ثبات لك إن لم يثبتك الله -تعالى-.
عن شهر بن حوشب قال: قلت لأم سلمة: "يا أم المؤمنين، ما كان أكثر دعاء رسول الله -صل الله عليه وسلم- إذا كان عندك؟ قالت: كان أكثر دعائه: «يا مُقَلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك» ، قالت: فقلت: يا رسول الله ما أكثر دعاءك يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك؟! قال: «يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلاَّ وقلبه بين أصبعين من أصابع الله، فمن شاء أقام، ومن شاء أزاغ!» [الراوي: شهر بن حوشب، المحدث: الألباني، صحيح الترمذي: 3522].
فاحرص أخي المسلم على المداومة على هذا الدعاء؛ فإنه خير ما تفوز به لإصلاح أمرك، فإنك إن وجدت العون من الله -تعالى- تيسَّر أمرك، واستقام لك قلبك.
واحذر المعاصي:
فإن المعاصي سم القلوب.. وداؤها الأكبر!
قال ابن القيم -رحمه الله-: "من عقوبة المعاصي أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية!".
أخي المسلم: ما أكثر غفلة الناس واشتغالهم باللهو، حتى غزت قلوبهم أنواع من الآفات!
وقليلٌ أولئك الذين تفقَّدوا قلوبهم، فانصلحت لذلك أقوالهم وأفعالهم.
فلتسْعَ إلى تفقُّد قلبك، ودَعْ عنك الغفلة، فإنك لن تجد أنجح لك من إصلاح قلبك!
واحرص على طهارته، كحرصك على طهارة ثوبك، وانْفِ عنه الأمراض المعنوية؛ كحرصك على نفيك عنه الأمراض الحسية.
ولا تنس كما ذكَّرتُك سابقًا أنْ تكثر دعاء الله -تعالى- أن يُثبِّتَ قلبك على الهُدَى.
والحمد لله -تعالى-، والصَّلاة والسَّلام على النَّبي، وآله، وصحبه.