[rtl]
صالح النعامي[/rtl]
[rtl]
إسرائيل والأردن ومسألة الأقصى[/rtl]
[rtl]
التاريخ:22/9/2015 [/rtl]
على الرغم من أن أحداً لم يعرف طابع الرد الأردني على "التطمينات" التي بعثت بها الحكومة الإسرائيلية إلى الملك عبد الله الثاني، الخميس الماضي، وتجديد التزامها بعدم الإقدام على تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي الشريف، إلا أن مجرد إرسال هذه التطمينات يعكس استخفافاً إسرائيلياً بالموقف الأردني.
فلا يعقل أن تتوقع حكومة بنيامين نتنياهو أن تقتنع عمّان بما لم يقتنع به بعض كبار المعلقين الصهاينة، الذين يرون أن إسرائيل شرعت في تغيير الوضع القائم في الحرم. ففي مقال نشره موقع "وللا" الإسرائيلي (18-9)، عدد معلق الشؤون العربية، آفي سيخاروف، التغييرات التي أدخلتها سلطات الاحتلال على مواعيد السماح للمسلمين بدخول الحرم، والتي يتبين معها أن إسرائيل شرعت فعلاً في مخطط التقسيم الزماني في الحرم.
وأكثر ما يشي باطمئنان تل أبيب لسقف رد الفعل الأردني أن من يقود الاقتحامات الاستفزازية للأقصى وزير الاستيطان والزراعة، أوري أرئيل، الرجل الثاني في حزب البيت اليهودي، مع العلم أنه لم تمض إلا عدة أشهر على التعهد الشهير الذي منحه نتنياهو للعاهل الأردني، وفي وجود وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، بالتوقف عن هذه الاقتحامات.
ومن المفارقة، أنه في الوقت الذي كانت السفيرة الإسرائيلية الجديدة في عمّان، عينات شلاين، تنقل "تطمينات" نتنياهو للحكم في الأردن، كان الوزير أرئيل ينشر شريط "يوتيوب" يظهر فيه "يؤدي الصلاة" بالقرب من مسجد قبة الصخرة المشرفة، و"يبارك شعب إسرائيل"، ويدعو اليهود إلى الانضمام إليه في جولات الاقتحام المقبلة.
وإن كان هذا لا يكفي، فقد عمدت السفيرة شلاين إلى إهانة العرب والمسلمين، وضمنهم الأردنيين والفلسطينيين، عندما أصدرت بياناً وصفت فيه المرابطين الأبطال في المسجد الأقصى بأنهم مجرد "بلطجية"، لأنهم تصدوا لسوائب المستوطنين وزعرانهم بقيادة أرئيل.
ولا حاجة للتذكير بالإهانات التي سبق أن وجهها سلف شلاين، السفير دانيل بيفو، لأعضاء مجلس النواب الأردني، عندما قال إنهم "يهتمون بالقضايا الهامشية، ويتوجب عدم أخذ مواقفهم بجدية كبيرة".
السؤال هنا: لماذا الاستخفاف الإسرائيلي بالموقف الرسمي الأردني، وعدم مراعاة مشاعر الرأي العام الأردني عندما يتعلق الأمر بما يجري في المسجد الأقصى؟ لا يتفق الاحتجاج
الرسمي الأردني على السياسات الإسرائيلية المتبعة في المسجد الأقصى مع بعض مظاهر سلوك السلطات الأردنية، فأية رسالة تريد عمّان تصديرها عندما يتخذ مواقف عدائية، تحديداً ممن يقع على عاتقهم عبء التصدي للصهاينة الذين يدنسون الحرم وساحاته؟ فكيف يمكن تبرير قرار الأردن عدم السماح للشيخ عبد الرحمن بكيرات، مدير مصاطب العلم في الحرم القدسي الشريف بدخول أراضيه لحضور مؤتمر نظم، أخيراً، في عمّان بشأن الأقصى.
ولا حاجة للتذكير بأن طلاب مصاطب العلم هم الذين يتصدّون بصدورهم العارية للصهاينة الذين يقتحمون الحرم لتدنيسه. وهو الإجراء نفسه الذي اتخذه الأردن في السابق ضد الشيخ رائد صلاح، الذي لا خلاف على دوره الرائد في وضع قضية الأقصى في بؤرة الوعي الجمعي للأمة بالأفعال والأقوال. وفي المقابل، يسمح الأردن حتى لأتباع التيار الديني الصهيوني المتطرف بدخول أراضيه والقيام بجولات سياحية فيه.
وتشيع صحف الاحتلال أن إسرائيل لم تصعد عدوانها على الأقصى إلا بعد أن لمست "مرونة أردنية" تسمح بتغيير جذري في الوضع القائم في الحرم.
فقد ذكرت صحيفة هارتس في 30-6-2015 أن الأردن وافق ليس فقط على دخول اليهود ساحات المسجد الأقصى، بل أيضاً على تدنيسهم المساجد فيه، بشرط ألا يرتدوا الزي العسكري.
وقد أسهمت جولات قام بها ممثلون عن وزارة الداخلية الأردنية في الحرم، بعد ما كشفت عنه الصحيفة الإسرائيلية، بما يشي بأن أموراً قد تحدث من خلف الكواليس.
للأسف، ما أجبر الأردن والدول العربية على تصدير مواقف بشأن ما جرى في القدس هو تصدي رجال القدس للمغتصبين الصهاينة، فهذه المواقف البطولية هي التي أحرجت أهل الحكم في العالم العربي.
وهناك تأثير دور السلطة الفلسطينية السلبي في تشجيع إسرائيل على عدوانها على الأقصى، فقيادة السلطة تبدو مقتنعة بأن الرد على الاعتداءات الصهيونية يجب ألا يشمل المس بـ "قدسية" التعاون الأمني مع إسرائيل.
إلا أن التركيز على موقف الأردن مما يجري في الأقصى يجب أن يكون حاسماً وقاطعاً، لأن إسرائيل تقر بحق عمّان الحصري في الإشراف على المقدسات الإسلامية في المدينة المقدسة.
في الوقت نفسه، فأن الحكم في الأردن يملك أدواتٍ تمكنه من ممارسة ضغوط حقيقية على تل أبيب، بسبب طابع الشراكة الإستراتيجية التي تربط الجانبين، والتي لم تسهم التحولات الإقليمية إلا في تعاظم قيمتها في نظر القيادة الصهيونية.
غادرت نخب الحكم في تل أبيب مربع ترف التطرف، وانتهت إلى جنونه، وفي ظل الرسائل المتناقضة التي تصدر عن السلطات العربية، فإن الخطوة الصهيونية المقبلة في الأقصى يمكن أن تكون أكثر إحراجاً لهم أمام شعوبهم، وتقلص هامش المرونة أمامهم، أو تعدمه تماماً.
(العربي الجديد)