هل هو أسلوب ضغط جديد على الفلسطينيين؟
تم نشره في الخميس 1 تشرين الأول / أكتوبر 2015. 12:04 صباحاً
كما تدل المؤشرات مؤخرا، أهملت القوى الكبرى، وأهمها الولايات المتحدة الأميركية، القضية الفلسطينية في اجتماع هذا العام للجمعية العامة للأمم المتحدة. وواقع الأمر أنّ هذا الإهمال هو بحد ذاته نوع من الضغط على الفلسطينيين، مفاده: إذا لم "تنشغلوا" معنا بعملية سياسية بمقاييسنا التي طبقناها عبر نحو ربع قرن من الزمن، فإننا سنترككم للنسيان، وربما تتمنون أن نقوم بالضغط عليكم!
في رد فعل على "الموقف" الأميركي، أعرب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، مسؤول ملف المفاوضات، صائب عريقات، عن خيبة أمله من "إهمال" الرئيس الأميركي باراك أوباما للموضوع الفلسطيني في خطابه أمام الجمعية العامة يوم الاثنين الماضي. وتساءل عريقات في بيان صدر عنه، عما إذا كان الرئيس أوباما "يعتقد أن بإمكانه هزيمة تنظيم داعش والإرهاب، أو تحقيق الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بتجاهله لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان الإسرائيلي والاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على المسجد الأقصى؟".
على مدى السنوات الأربع الماضية، كان المشهد أن يعلن الفلسطينيون أنهم سيفعلون شيئا ما على صعيد طلب الاعتراف من الأمم المتحدة، أو المنظمات الدولية؛ فيأتي الضغط الأميركي والتحرك الأوروبي، وهكذا يتشكل المشهد. الآن، لا توجد خطوات فلسطينية في الأفق، ولا يوجد ضغط ولا مساعٍ لحلحلة الوضع.
الإهمال ليس على صعيد الخطاب السياسي وحسب، بل تدل بيانات وزارة المالية الفلسطينية المعلنة هذا الأسبوع، عن الأرقام منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية الشهر الماضي، أنّه لم يتم تقديم أي دعم أميركي مالي للحكومة الفلسطينية. وهي المرة الأولى منذ 8 سنوات، التي تتأخر فيها الولايات المتحدة عن دعمها لهذه الدرجة. وأوضحت الأرقام أنّ حجم المساعدة الأميركية للفلسطينيين، يتراجع منذ العام 2012. في المقابل، هناك تصريحات رسمية إسرائيلية تشير إلى توقع قفزة كبيرة في المساعدات الأميركية لإسرائيل، وخصوصاً العسكرية.
أسباب هذا الإهمال يمكن تقسيمها لقسمين؛ فلسطيني، وعربي.
ربما يكون الانشغال الأميركي بالملف النووي الإيراني، وتعنت الحكومة الإسرائيلية، سببين للملل الأميركي وتقليص الاهتمام بالملف الفلسطيني. لكن الأهم أنّ الأوراق الفلسطينية الدبلوماسية الضاغطة استنفدت زخمها، ووصلت طريقها المسدودة. إذ إن الطرف الأميركي كان يريد تفادي الإحراج في الأمم المتحدة وغيرها بشأن الموقف من الموضوع الفلسطيني الإسرائيلي، فكان يفضل عدم طرح الموضوع للتصويت. لكن الأمر حدث وانتهى، ولم يعد هناك الكثير لتحقيقه. فضلا عن هذا، فإنّ واشنطن بينما لا تتراجع عن الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري لإسرائيل، فإنها لا تمانع تعرض حكومة بنيامين نتنياهو للعزلة بسبب سياساتها وعقاباً لها، ولذا لا تضغط واشنطن كثيراً على الفلسطينيين لوقف تحركاتهم الدولية، شرط أن لا تتجاوز خطا معينا.
عربياً، فإنّ مرور الاتفاق النووي الايراني، بقدر محدود من رد الفعل العربي المستاء (بعكس الطرف الإسرائيلي)، قلص أيضاً الشعور لدى واشنطن بالحاجة إلى إرضاء الطرف العربي بعد إقفال هذا الفصل من الملف الإيراني. ولا يربط الأميركيون بين "داعش" والموضوع الفلسطيني (كما يتساءل عريقات)؛ فهم من جهة يعتقدون أنّ العرب والروس وإيران يقومون بالدور المطلوب، كما أن "داعش" وأمثاله لا يثيرون تقريباً الموضوع الفلسطيني في خطابهم.
قال مسؤولون فلسطينيون في الأشهر الماضية إن هناك وعودا أميركية بإعادة فتح ملف العملية السياسة عقب انتهاء الانشغال بالملف الإيراني، وهذا لا يحدث الآن. ومن هنا، فإنّ هؤلاء المسؤولين مطالبون، أولا، بتوضيح ماذا كانوا يقصدون، وماذا حصل فعلا.
هناك بوادر تراجع إضافي في الموقف الفلسطيني، والأوروبي. فبعد التراجع من خطوة قرار دولي يقدمه الفلسطينيون في الأمم المتحدة بشأن إنهاء الاحتلال، حدث تراجع إلى قرار فرنسي لمرجعية مختلفة لأطر المفاوضات زمنيا، ومن حيث الأطراف الدولية. ثم تم التراجع إلى فكرة مجموعة دعم دولية للمفاوضات. ويبدو أن الحديث يتراجع الآن إلى ضم دول عربية إلى الرباعية الدولية، كما نقلت صحف عن حوارات الرئيس محمود عباس في نيويورك.
العامل الذاتي الفلسطيني؛ بإعادة ترتيب وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير تحديداً، واستثمار الطاقات الشعبية الفلسطينية استثمارا استراتيجيا بعيد المدى، هو العامل الذي يمكن أن يحرك المياه الراكدة.