لا ضاق صدري من همومٍ تولاه
وزاد العماس وقام صدري يفوحي
أنا بلاى اللي على الرب مشكاه
اللى محرولني وانا ازريت أروحي
لولا شراب العظم يوم أني أملاه
اكويه بالجمره ويكوي جروحي
مع دلةٍ صفرا على النار مركاه
أبصر بصبتها على كيف روحي
فنجالها يشدي خضاب الخونداه
الجادل اللي عند اهلها طموحي
لا اطق طقت محة البيض بخباه
لا قام هاجوس الضماير يجوحي
يا مكيف الفنجال خصص هل الجاه
راعي الجمايل قبل قنن قموحي
صبّه لمن هو تنثر الدم يمناه
يثني جواده عند راعي اللدوحي
والثاني اللي ما اتوانا مطاياه
يضوي إلى صكت عليه النبوحي
وعدّه لمن عوص النجايب تنصاه
ريفٍ لهن لا جا الزمان اللحوحي
دب الدهر يضحك حجاجه لمن جاه
وقت المعاسر مارد ٍ ما يزوحي
وباقي الرجال فحول نسوان ورعاه
ضباط مال وحافظين السروحي
وراعي الردى ما احدٍ إلى مات ينعاه
لا صار محرومٍ جبانٍ شحوحي
الشاعر:
هو ذعار بن مشاري بن سلطان بن ربيعان من الروقة من عتيبة امتاز بالفروسية والشجاعة وقد اشتهر بلقب (المحرول) حيث أصيب بالشلل فلا يستطيع أن يمشي ومع ذلك كان يشارك في شن الغزواة وقيادتها وله في ذلك إحديات شعرية توثق أحداثاً، عاش شاعرنا في عالية نجد وفيها توفي رحمه الله في مطلع القرن الرابع عشر الهجري.
مناسبة النص:
ذكر منديل الفهيد في كتاب قصص وأشعار الجزء الأول من سلسلة من آدابنا الشعبية في الجزيرة العربية عند تقديمه للنص أن ذعار بن ربيعان "قد أصيب بمرض فعذلوه بسببه على شرب الدخان، فذكر انه يتسلى به مع القهوة عما يحس به في نفسه وعندما رأى مضرته على جسمه تركه"
دراسة النص:
يعتبر النص من أشهر النصوص التي قيلت في القهوة وفي ترتيب الرجال في أفضلية التمتع بارتشاف فنجالها حين تعقد مجالس اجتماعهم، وقد بدأ الشاعر بأبيات توطئة عن مبررات تناول فنجال القهوة حيث جعلها سبباً للشعور بالمتعة وانشراح صدره بعد الضيق ومعاناته مع المرض الذي يمنعه من الحركة والتجول، فيرى أن (الدلة الصفراء) وهي الآنية النحاسية التي تعد فيها القهوة وتكون على الجمر المشتعل تتمثل فيها سلوى الشاعر ومتعة روحه، ويستشعر هذا الجمال في انسكاب القهوة الشقراء في الفنجال الأبيض مشبهاً إياه بلون الخضاب في كف الفتاة المفتخرة بجمالها والتي لا يملأ عينها زوج تراه لا يليق بها فتتركه إلى أهلها عسى أن يتقدم لها من يستحقها بين الرجال ومن هنا هي حريصة على التجمل واختيار الخضاب المميز، ليؤكد الشاعر أن لهذا الفنجال من القهوة مفعولاً سحري في الشعور بالسعادة وصفاء النفس بعد الكدر، ثم يخاطب الشخص الذي يحسن صناعة القهوة (مكيف الفنجال) أن يخص به أفاضل الرجال قبل أراذلهم عندما تدور فناجيل القهوة في المجلس، فيقدم الفنجال أولاً للفارس البطل الذي يجندل الأعداء ويعود بفرسه لإنقاذ الفرسان المتأخرين في مؤخرة القوم لعجز خيلهم عن العدو قبل أن يدركهم الأعداء عند الفر، وهذه قمة الشجاعة والإيثار، ويستحق أن يقدم الفنجال ثانياً للرجل الذي يشن الغارات الليلة لوحده أو يقود مجموعة قليلة متسللاً إلى حي الأعداء دون أن يهتم لنباح كلابهم لفرط شجاعته ليتمكن من كسب الإبل، ويأتي بعد ذلك ثالثاً الرجل الكريم الذي تقصده الركبان فهو بمثابة الربيع الذي فيه خير لقاصديه في زمن الشح والجوع فيكون دائماً طلق الوجه مبتسماً لضيوفه وكأنه المورد المائي الذي لا ينضب، فهؤلاء حسب وجهة نظر الشاعر هم الرجال الذين يستحقون أن تقدم لهم فناجيل القهوة وفق الترتيب الذي ذكره حيث ركز على تحليهم بصفتي الشجاعة والكرم وما عداهم فهم ذكور فقط يختصون بجمع المال وحفظه ويرعون الإبل والأغنام، فالرجل الشحيح أو الجبان لا يستحق الاهتمام به ولا ينعاه أحد عند موته.
الهوامش:
نجد أن هناك نصاً للشاعر مشاري بن سلطان بن ربيعان والد شاعرنا وقد قيل في نفس الغرض، وعند تفحص النص في سياقه المعنوي يظهر لنا أن ذعار قد تأثر بوالده ولذلك استنسخ فكرة النص وتبعه في نفس السياق ونظمه على نفس البحر الشعري فكلا النصين على بحر السريع أو ما يسمى في العامي لحن المسحوب، والملاحظ أنه رغم قوة وجزالة أبيات الوالد مشاري إلا أن قصيدة الابن ذعار قد فاقتها شهرة وجرياناً على ألسنة الناس ولعل تطرق ذعار لشرب الدخان (التتن) هو ما ميز نصه عنه والده ووافق هوى الناس في جمال صورته:
لولا شراب العظم يوم أني أملاه
اكويه بالجمره ويكوي جروحي
وفي بعض روايات النص هناك من يورد بيتاً يسبق هذا البيت يقول فيه:
يا معذربين التتن لولاه لولاه
لولا شرابه يا عرب وين اروحي
فقد كان في هذه الأبيات سبق وجراءة ومبرر لشرب (التتن) فيستشهد به كحجة ورد مقنع في المجتمع النجدي الذي ينتقد هذا السلوك، ونورد هنا قصيدة مشاري بن سلطان بن ربيعان ولعلنا نتناولها بالدراسة في قادم الأيام:
ما نيب هلباجٍ على النوم نعاس
همه طعامه لين كرشه ملاها
أدرج الدنيا بالأفعال وقياس
نسعد عيون وعين نسحن دواها
لاضاق صدري جبت نجرٍ ومحماس
ودلال بيضٍ غاليٍ مشتراها
قم سو فنجالٍ على خمسة أجناس
احذر تجي حرقه وبالك نياها
خلك لها عن كل عذروب حساس
قيس لها الطبخة على قد ماها
حتى يجي فنجالها يجلى الاعماس
عقب الصلف والسهر ما أكبر غلاها
خصص مشاكيلٍ على النار جلاس
حبوس الرجال اللي بعيدٍ مداها
بدوا به اللي للمعادين نطاس
مودع سمان الهجن يثلع حفاها
والثاني اللي يثني العصب بالراس
في ربعةٍ يشبع بها من نصاها
والثالث اللي يحتمي دن الافراس
لا روحت خيلٍ بخيلٍ حماها
وباقي الملا لو ما تقهويه لاباس
هذارة المجلس قليلٍ حلاها
لا نافعٍ ربعه ولا حاش نوماس
ضباط مال ولا يذري ذراها
الدلة الصفراء.. تُعد فيها القهوة على الجمر المشتعل وتكون سلوى للشاعر