غليان الضفة والقدس يتصاعد.. ماذا عن إطفائية السلطة؟
<< الأثنين، 5 أكتوبر/تشرين الأول،
ياسر الزعاترة
انشغلت مواقع التواصل الاجتماعي فلسطينيا وعربيا بحكاية البطل مهند حلبي؛ ذلك الشاب النحيل الذي تمكن من قتل مستوطنين اثنين من العيار الثقيل وجرح آخرين في القدس قبل أن يقضي شهيدا، ولم تمض ساعات على عمليته، حتى كانت هناك عملية أخرى، وأيضا في القدس يُستشهد بطلها كذلك (فادي علون) بعد طعنه لمستوطن.
سبقت العمليتان، عملية أخرى بطولية قتل على إثرها مستوطنان أيضا، وهذه المرة بالرصاص، الأمر الذي أصاب العدو بحالة من الهستيريا التي تمت ترجمتها عمليات دهم وتنكيل بالناس في محيط مدينة نابلس، قبل أن تفاجئه العمليتان التاليتان في القدس.
جاء كل ذلك بعد أيام من المواجهات العنيفة في المسجد الأقصى بين المرابطين فيه من جهة، وبين جنود الاحتلال وعناصر شرطته من جهة أخرى، فضلا عن قطعان المستوطنين المصرّين على زيارته وممارسة عبثهم داخله، وهي مواجهات لم تتوقف عمليا منذ عام وأكثر، وبالطبع في ظل تصاعد مسلسل التهويد بحق المسجد الأقصى.
العمليات الثلاث الجديدة، جاءت بعد خطاب عباس في الأمم المتحدة، والذي حمل بحسب مريديه “قنبلة موقوتة” تمثلت في التهديد بحل السلطة، وإلغاء أوسلو، من دون أن تتوافر أية مؤشرات على أن شيئا سيتغير على الأرض خارج سياق التهديد الذي سمعه الفلسطينيون مرارا قبل ذلك، لكن ظهور بعض مسلحي حركة فتح وإطلاق النار في الشوارع في استعراضات عسكرية خلال الأيام الماضية، أوحى بأن شيئا يحدث داخل حركة فتح، بإذن القيادة أو من دون إذنها.
على أن استمرار مطاردة النشطاء، بخاصة من حماس، وقمع مسيرات التضامن مع الأقصى، واعتقال بعض المشاركين فيها ما لبث أن ذكّر الجميع بأن شيئا لن يتغير في سلوك القيادة، فمن يريد التهديد بحل السلطة لا يمكن أن يمضي في اتجاه تكريسها على كل صعيد، وعدم التفكير؛ مجرد التفكير بالاحتمال الآخر على صعيد التحضيرات العملية لترجمته، لا سيما أن عاقلا لا يمكن أن يصدق أن نتنياهو في وارد تقديم شيء ذي بال للفلسطينين خارج سياق الدخول في عملية تفاوضية جديدة تستمر زمنا لا يُعرف مداه. وإذا كان الأقل تطرفا من نتنياهو بكثير لم يقدموا لأهل التفاوض، وليس للشعب، فهل سيقدم نتنياهو شيئا كهذا؟!
نعود إلى القول، إن الاحتفاء الفلسطيني، وحتى العربي بعملية مهند حلبي، كما عكسته مواقع التواصل، إنما يشير إلى شوق الجميع إلى اندلاع انتفاضة جديدة في الأرض الفلسطينية؛ لا تهيل التراب على حالة التيه الراهنة التي تعيشها القضية وحسب، وإنما توجه -أيضا- البوصلة من جديد نحو القضية الفلسطينية، وتؤثر بالضرورة في الأضاع العربية والإقليمية، على أمل أن يؤدي ذلك إلى تغيير في تفكير بعض أدعياء المقاومة والممانعة الذين أشعلوا الحريق في المنطقة، فضلا عن الأنظمة الأخرى التي عليها أن تقدم بدورها ما يثبث انحيازها لأشواق الجماهير في المواجهة مع المشروع الصهيوني، ولو في الحد الأدنى بمجاملة تيار المقاومة الحقيقي في فلسطين، فضلا عن دعمه.
ما جرى في القدس، ويجري في الضفة يؤكد عبثية القائلين بأن الناس قد قبلت واقع الاحتلال، وانشغلت كما أراد لها رموز أوسلو في حكاية “بناء السلطة”، والمال والأعمال، من دون أن يعني ذلك عدم وجود تأثير حقيقي لماكينة تلك السلطة التي عملت على إعادة تشكيل الساحة ثقافيا واقتصاديا وأمنيا واجتماعيا من أجل تكريس مسارها العبثي، فضلا عن عبثها بحركة فتح التي يصعب من دون اندماجها في خيار المقاومة توفير حاضنة شعبية لها، لا سيما إذا أصرّت على الوقوف في المربع الآخر إلى جانب قمع السلطة مسارها المعروف.
في الضفة والقدس أجواء مناسبة لانتفاضة جديدة شاملة تخرج القضية من حالة التيه، وعلى فصائل المقاومة، وبخاصة حماس والجهاد أن تبذل كل جهد لتصعيد الموقف، وتشجيع العمليات الفردية وتبني شبانها على كل صعيد. ويبقى سؤال: هل سيكفُّ سادة السلطة عن ملاحقة ملامح الانتفاضة عبر إطفائيتهم “الجبارة”، لا؟
من جهتنا نتمنى من كل قلوبنا أن تستعيد فتح ذاتها كحركة تحرر وتلتحم ميدانيا مع شعبها وكل قواه، من أجل تكريس مسار جديد يفرض وقائع جديدة على المحتل وعلى العرب والعالم أجمع.. مسار عنوانه الوحيد هو المقاومة بشعار مرحلي عنوانه دحر المحتلين عن الأراضي المحتلة عام 67 دون قيد أو شرط، كمقدمة لتفكيك مشروع السرطان الصهيوني، وليس من خلال تنازلات عبثية قُدم منها الكثير خلال مرحلة عباس، وحتى قبله دون جدوى.