انتفاضة في وجه الجميع…
محمد كريشان
OCTOBER 6, 2015
لا تهم التسميات كثيرا… انتفاضة ثالثة أو رابعة أو عاشرة، المهم أن الشعب الفلسطيني لم يعد يحتمل أكثر.. كما أنه لم يعد لديه ما يخسره.
الزخم الذي تسير به الاحتجاجات الشعبية الحالية في الأراضي الفلسطينية ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي قد تتصاعد أو تتراجع أو تستقر، لكن الأكيد أنه مهما اختلفت وتيرة ذلك فإن الأوضاع لن تعود إلى الخمول ثانية. ولهذا فإنه لا مفر اليوم وفي كل الأحوال من التقاط الرسائل القوية والصارمة التي توجهها هذه الاحتجاجات إلى أكثر من طرف بحيث سيؤدي عدم التقاطها، أو التعامل معها باستخفاف أو بوصفات قديمة، إلى تعفن لن يقدّر أحد الآن إلى أين يمكن أن يصل في بيئة إقليمية مضطربة وحتى موبوءة. هذه الرسائل هي إلى كل هؤلاء دفعة واحدة:
ـ إلى إسرائيل التي عليها أن تدرك لمرة أخيرة ونهائية أنه لا يوجد احتلال ناعم وبلا تكلفة وأن 22 عاما من المراوغات مع الفاسطينيين منذ توقيع اتفاق أوسلو في سبتمبر 1993 قد استنفذت وانتهت. هذا الكلام لم يعد موجها إلى حكومتها، لأنها تدركه منذ مدة وتهمله، بل إلى جمهور الناخبين هناك الذين يزدادون فاشية وجنوحا إلى اليمين. عليهم أن يفهموا، وللمرة الأخيرة ربما، أن عليهم أن يختاروا بين البحث عن «دي كلارك» الإسرائيلي، الذي انتظره بلا فائدة الراحل ياسر عرفات، أو مواجهة جحيم بلا حدود.
- إلى السلطة الفلسطينية التي لم يفت بعد أوان عودتها إلى وعي تبدو أنها فقدته تدريجيا في السنوات الماضية. لا يوجد في العالم احتلال انزاح عن شعب لرشد ما أو طيبة من المحتل. هناك فاتورة يجب أن تدفع للأسف، ولا بد من تفعيل جدي للمقاومة بمختلف أشكالها وبلا استثناء أي منها. لا احتلال يرحل لأن الشرعية الدولية تنص على ذلك أو لأن الضمير الدولي يؤرقه بقاء آخر احتلال مباشر في هذا القرن.
لن يرحل هذا الاحتلال إلا عندما ترتفع فاتورة احتلاله من جميع أوجهها البشرية والاقتصادية والدولية وغير ذلك. هنا على السلطة الوطنية أن تقطع كل حبل ما زال يربطها بسلطة الاحتلال وتنهي كل الاتفاقات الموقعة معه والتوجه لتعبئة الناس، المعبئين أصلا، بهدف قيادتهم وتأطير نضالهم وفق رؤية وطنية محل إجماع ومشاركة الكل.
ـ إلى الفصائل الفلسطينية كافة، وأساسا «فتح» و»حماس» حتى يضعا حدا لخلافاتهما التي جعلتهما يتصارعان على «ما فيش». آن لكل الفصائل أن تكون في مستوى طموح شعبها نحو الانعتاق ومستوى قبح الاحتلال في قمعه.
عندما ينتهي «المراهقون» و»الموتورون» في كل جانب من استمراء المهاترات الفارغة والأدلجة العقيمة ويتوصلوا، بجدية وصدق، ولو مكرهين، إلى أرضية نضال مشتركة يمكن ساعتها للاحتلال أن يقرأ لهم حسابا ولبقية العالم أن ينظر إليهم بجدية واحترام.
ـ إلى الولايات المتحدة بالأساس، والمنتظم الدولي والاتحاد الأوروبي و«اللجنة الرباعية» وكل هذا الذي اصطلح على تسميته «المجتمع الدولي»، الذي يتضح المرة تلو الأخرى أنه لا يفقه ولا يستوعب إلا لغة الموازين على الأرض وليس لغة القانون والحق والإنصاف. صحيح أن المجتمعات المدنية في كثير من هذه الدول باتت واعية الآن بمدى قبح إسرائيل ولكن ذلك لم ينتقل بعد بقوة إلى صاحب القرار السياسي ليترجم في إجراءات مقاطعة قاسية تصل إلى حد ما كان يعاني منه نظام الميز العنصري في جنوب إفريقيا حتى حول حياته إلى جحيم لا يطاق. لقد استمرت هذه الأطراف طوال أكثر من عشريتين على الأقل في الضحك على ذقون الفلسطينيين والعرب من خلال عملية سلام لا هي ماتت فتدفن ولا حية فتتحرك وتتقدم.
لا رسالة من بين هذه الرسائل يمكن أن توجه إلى الحكام العرب لأن الفلسطينيين هذه المرة حقيقة «رموا طوبتهم» كما يقال، حتى أن الناس في القدس وسائر المناطق المحتجة والغاضبة لم تعد تأتي على سيرتهم، لا رجاء ولا حتى احتجاجا، كما كان يفعلون لسنوات طويلة. قد يكون الفلسطينيون أدركوا أن ابتعاد هؤلاء الحكام عن القضية، وهُم لكل منهم شأن يغنيه على كل حال، قد يكون أفيد من اقترابهم منها.
وحدهم الفلسطينيون قادرون على إيصال هذه الرسائل إلى كل هؤلاء دفعة واحدة من خلال احتجاجاتهم التي لا يبدو أنها ستهدأ، رغم الجنون الإسرائيلي في قمعها، حتى وإن تلون إيقاعها صعودا ونزولا. وحدهم الفلسطينيون كذلك القادرون على إجبار هذه الأطراف على استلام هذه الرسائل حتى وإن تلكأوا في ذلك. ستكون هناك للأسف الشديد ضريبة دم عالية… ولكن لا بد مما ليس منه بد. شعب عربي آخر ما له غير الله… وتضحيات أبنائه.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان