الهبة الفلسطينية وخطاب السلطة
نزار السهلي
OCTOBER 15, 2015
منذ سنوات خلت الخطابات والمواقف الرسمية الفلسطينية، وتحديدا الصادرة عن الرئيس أبو مازن، سواء بلغة مضمرة أم معلنة تمسكه بثوابت «السلام» المتفاوض عليه، لترمي بنهاية المطاف نعت ما أوصلته وقائع السياسة العدوانية الإسرائيلية مع تماهي الموقف الفلسطيني الرسمي المستجدي حقه تفاوضاً، ويفترض باللغة السياسية طرق أبواب الأسئلة الكبيرة والغوص في عمق الأزمة بدلاً من البقاء على ضفاف الاستجداء، يقول الفلسطينيون اليوم كلمة الحق البعيدة عن تجاذبات وحسابات هذا الطرف أو ذاك بوضعهم اسئلة الأسباب الجوهرية التي دفعت بواقعهم إلى الانحدار، وبجواب مدوٍ في هبتهم للدفاع عن ارضهم ومقدساتهم في القدس و الضفة، والجليل والناصرة والنقب ويافا وعكا، وبفعل «محرج» للنظام العربي الذي تشهد بلدانه ثورات على انظمته.
ببساطة الامر متعلق بسؤال محوري واحد تقول صيغته، ما الذي يدفع الحكومات الإسرائيلية للمضي قدما بسياسة العدوان على الأرض والشعب الفلسطيني؟، برغم كل هذا التنازل والفعل العاجز عن مواجهتها، ولماذا المجتمع الدولي اعجز من ان يقف بوجه العنصرية والعنجهية الإسرائيلية؟، طبعا إذا قلنا بان العدوان الإسرائيلي المستمر على الضفة استيطان وتهويد ومصادرة للأراضي وتدنيس للأقصى مع عمليات القتل والاعدام المباشر للفلسطينيين، سببها فقط سياسة حركة حماس في غزة «كجذر للمشكلة»، نكون عمليا سقطنا في شرك السياسة الإسرائيلية والأمريكية، التي يحلو لها العزف على هذا الإيقاع، وللأسف اعتمد جزء من خطاب السياسة الفلسطينية الوقوع في الشرك الإسرائيلي، من خلال الاستحياء المستمر لفعل السياسة التي تبرئ المحتل عمليا وتدينه لفظياً وتتكيف مع بشاعة الحدث، وإذا كان الخطاب اللفظي للرئيس ابو مازن احدث كل هذه الجلبة، حول القنبلة التي زعم رميها في مقر المنظمة الدولية، مع علم ويقين الإسرائيلي والأمريكي بحقيقة الموقف الذي يتبناه أبو مازن، فكيف لو كان الفعل الفلسطيني مستندا إلى مصالحة فلسطينية حقيقية وتوافق حقيقي مرتبط بمصلحة حقيقية ضاغطة على الاحتلال، نعتقد أن الأمر سيتخطى الغضب والشعور بالخيبة.
ومع ذلك كان الغضب الأمريكي والإسرائيلي شديدا من خطاب الرئيس الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن قبل المراقبين لتغيير لغة الخطاب التي وسمت خطابات أبو مازن وتصريحاته بشأن عملية المفاوضات المتعثرة والانتهاء عند الاستعصاء الإسرائيلي خلف صخرة الاستيطان والعدوان، واللاءات التي تخدم وظيفتها اليومية المأخوذة بمبرر صناعة السياسة الإسرائيلية وأسبابها التي أسقطت معها الاوراق التفاوضية.
الدهشة التي عبر عنها الجانب الاسرائيلي، بعد خطاب أبو مازن وتحميله الاخيرة مسؤولية احتلالها إذا تواصل الجمود السياسي والعدوان على القدس، دفعت اليمين الإسرائيلي من نتنياهو وليبرمان وليبيد إلى وزير الحرب موشي يعلون بوصف الرئيس الفلسطيني «بناشر للأكاذيب» ومحرض على «إسرائيل» فيما لم تذهب بعض الاصوات الأمريكية المؤيدة لإسرائيل ابعد من ذلك.
تعيدنا لغة البطش الاسرائيلية ضد هبة الفلسطينيين المقاومة للعدوان، إلى منهل مهم تستقي منه المؤسسة الصهيونية، ادوات القمع والقتل التي تشهدها بعض دول الطوق، وهي حقبة اضافت للإسرائيلي مفهوما جديدا للتعاطي مع الفلسطينيين، وتستحضر في ذات الوقت من قاموسها بان الفلسطينيين يمارسون الإرهاب» فيما ينتهج النظام المصري سياسة اغراق وحصار غزة ليتفوق على الاسرائيلي باضافته معطى جديدا للتعامل مع الفلسطينيين لا تكفي النعوت التي تُطلق من منابر محلية او دولية لوصف السياسة العدوانية الإسرائيلية اتجاه الفلسطينيين من قبل المفاوض الفلسطيني، لأن تكون حوامل لحركة تحرر وطني، إن لم تكن مقترنة بإظهار الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني والإقلاع عن الخيار الأوحد بمعنى السلوك والممارسة وفقا لتطور العملية السياسية ومآلاتها طيلة عقدين، وبدون شرط الأمان بين الشعار الذي ترفعه حركة تحرر وطني وبين ممارستها والمتمثل في وحدة الهدف والمصير المشترك، لا يمكن توفير المناخ الايجابي والأخوي لعلاقة القوى السياسية الفلسطينية فيما بينها كالتزام راسخ لتحمل أعباء المواجهة مع الاحتلال، والاستعداد لبذل التضحيات ما لم تكن هناك مهام ملموسة ومباشرة بعيدا عن الشعارات، جوهرها الوحدة في رؤية الآفاق، والتوقف عن سياسة اللهث المستمر خلف عبثية مقيتة، بحيث بات الإقلاع عن سياسة فك الارتباط المباشر مع الشارع الفلسطيني والاستقواء به لا عليه ضرورة ملحة، والكف عن اختراق الثوابت المحرمة في العقل الفلسطيني وإرهاق العقل بتأجيج الشعور لديه بمزيد من الإحباط واليأس واللا جدوى، عدم الاستسلام لهذا المنطق تجعل من ترجمة الخطاب الفلسطيني يحل محل الفراغ الشعاراتي ويفك الارتباط مع الوهم.
خيار المفاوضات لم يأت بنتيجة سوى هذه التي يترجم فيها الاحتلال عدوانه ويزدري كل المرجعيات الدولية، كان الأجدى لو أن السياسة العربية والفلسطينية، بدل منح إسرائيل فرصة تلو الأخرى على حساب الحقوق الفلسطينية، أن تتوقف أمام ما فعلته إسرائيل بمبادرتهم في بيروت 2002، بدلا من التمسك بها إلى ما لانهاية، الامر الذي قاد العقلية الإسرائيلية إلى الاعتراف بان مبادرة السلام العربية لا تنطبق على الواقع طالما أنها ليست عدواً وان «داعش» وحماس والحركة الإسلامية يشكلان عدوا مشتركا لإسرائيل ولبعض النظام العربي، والذي دعا بموجبها عبد الفتاح السيسي لتعديل معاهدة السلام مؤخراً لتشمل دولا عربية اخرى مع اسرائيل، إذا كان المطلوب من الخطاب تصوير «العملية السياسية» بانها في حالة جمود لتأجيل الانفجار الذي لحق بالمنطقة ومن ثم في فلسطين نتيجة لأسباب يعرفها الجميع، فلا مناص من الاعتراف بأن أحدا لا يمكنه أن ينزع شرعية مقاومة العدوان الاسرائيلي، حتى لو اختفلنا على التسمية ان كانت هبة، او انتفاضة تنطلق او تختمر، فهي في نهاية المطاف مقاومة ورفض لكل حالة العدوان التي تطال الشعب الفلسطيني في كل فلسطين.
٭ كاتب فلسطيني
نزار السهلي