منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:15

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )


ثقة بنصر الله: إذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في 
القرآن تجد أممهم إنما أهلكوا حين آذوا الأنبياء، وقابلوهم بقبيح القول أو 
العمل،(إن شانئك هو الأبتر) [الكوثر: 3]، فكل من شنأه وأبغضه وعاداه، فإن 
الله يقطع دابره ويمحق عينه وأثره، وقد قيل: إنها نزلت في العاص بن وائل، 
أو في عقبة بن أبي معيط، أو في كعب بن الأشرف، وجميعهم أخذوا أخذ عزيز 
مقتدر.



لو اجتمع ألفَ كنّاسٍ في موضعٍ يثيرون الغبارَ بمكانسهم 
ليحجبوا ضياء الشمسِ لما سقطَ الغبار في النهاية إلا على رؤوسهم . 
وأنهم كالنملةِ 
الحمقاءِ تظنّ أن صراخَها يوقفُ أقدام الفيل .. 
هم كمن يشتم 
الشمسَ والماءَ والهواءَ .. ليس لشتمه من معنى سوى خرفِهِ المطبق ، 
وهذيانِهِ المحدق ! 
أو كمن يلعنُ 
الضياءَ والعافيةَ والربيعَ .. ليس للعنِهِ معنىً سوى أنّه خرجَ عن حدّ 
العقلِ إلى حدّ الجنونِ . 
وسيبقى النهرُ 
عذباً وإن شتمه ألفُ لسانٍ بأنّه ملحٌ أجاجٌ .. 
وستبقى الشمسُ 
مشرقةً وإنْ زعمَ ألفُ دجالٍ أنها قطعةٌ من سوادٍ حالكٍ . 


وقد قال الأعشى فيما مضى لما تجـرأ بعض الأراذلِ على هجاءِ
قبيلته : 

ألست منتهياً عن نحتِ أثلتِنا** ولست ضائرَها ما أطَّتِ 
الإبلُ
كناطحٍ صخرةً 
يوماً ليوهنَها** فلم يضرْها وأوهى قرْنَهُ الوَعِلُ
لا تَقعُـدَنَّ
وَقَد أَكَّلتَها حَطَباً **تَعُوذُ مِـن شَرِّها يَوماً وَتَبتَهِلُ


وقال حسان رضي الله عنه: 

ألا أبلغْ أبا سفيــان عني فأنت مجوّف نخبٌ هواءُ
هجوت محمداً 
فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاءُ
أتهجوهُ ولست 
لـه بكفءٍ فشرّكما لخيركما الفداءُ
فمن يهجو رسول 
الله منكم ويمدحه وينصره سـواءُ
فإن أبي ووالـده 
وعرضي لعرض محمد منكم فداءُولعل وقيعة بعض الغربيين في النبي الكريم مشعر 
بتهالك حضارتهم وقرب زوالها، فإنهم ما تجرأوا ولا عدلوا إلى الانتقاص 
وأنواع الشتم إلاّ بعد أن فقدوا المنطق، وأعوزتهم الحجة، بل ظهرت عليهم حجة
أهل الإسلام البالغة، وبراهين دينه الساطعة، فلم يجدوا ما يجاروها به غير 
الخروج إلى حد السب والشتم، تعبيراً عن حنقهم وما قام في نفوسهم تجاه 
المسلمين من المقت، وغفلوا أن هذا يعبر أيضاً عما قام في نفوسهم من عجز عن 
إظهار الحجة والبرهان، والرد بمنطق وعلم وإنصاف. فلما انهارت حضارتهم 
المعنوية أمام حضارة الإسلام عدلوا إلى السخرية والتنقص والشتم.


ذلك أنّ النبيَّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) محميٌّ بحمايةِ اللهِ ،
معصومٌ بعصمتِهِ ، مكفولٌ برعايتِهِ ، مردود عنه أذى من آذاه ، وسخريةُ من
سخر به ، واستهزاء من استهزأ به ، والدليل على ذلك:


1. ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ 
وأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ (94) إنَّا 
كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ ) [ الحجر : 94 ، 95 ] . 
2. ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إلَيْكَ 
مِن رَّبِّكَ وإن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ واللَّهُ
يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إنَّ اللَّهَ لا 
يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِينَ ) [ المائدة : 67 ] 
3. ( فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وهُوَ السَّمِيعُ 
العَلِيمُ ) [ البقرة : 137 ] 
4. ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ويُخَوِّفُونَكَ 
بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ومَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ )
[ الزمر : 36 ] 
5. ( إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) [ الكوثر : 3

6. ( إنَّ الَذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ ورَسُولَهُ 
لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً 
مُّهِيناً ) [ الأحزاب : 57 ] 
7. ( والَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ 
أَلِيمٌ ) [ التوبة : 61 ] 

هذه آيات بينات تشهدُ بأنّ الله حافظٌ رسوله ، ناصرٌ له ، 
منتقمٌ له ممن ظلمه ، آخذ له بحقه ممن سخر منه ، كافٍ إياه ممن استهزأ به .


قال ابن تيمية رحمه الله : ومن سنة الله أنه إن لم يتمكن 
المؤمنون من الذين يؤذون الله ورسوله فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله 
ويكفيه إياه ... وكل من شنأه وأبغضه وعاداه فإن الله يقطع دابره ، ويمحق 
عينه وأثره [ الصارم المسلول : 144 ] . وقال رحمه الله : وقال السعديُّ : 
ما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )
وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قتلة . 

الموقف
الأول: 

ما ذكره أهل التفسيرِ في سبب نزولِ قوله تعالى : ( إنّا كفيناك المستهزئين ) .. 


فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : المستهزئون هم الوليد 
بن المغيرة ، والأسودُ بن عبد يغوث ، والأسود بن المطلب ، والحارث بن 
غَيْطَل السّهميّ ، والعاص بن وائل ، فأتاه جبريل عليه السلام فشكاهم إليه 
رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، فأراه الوليد ابن المغيرة، فأومأ جبريل إلى
أكَحلِهِ – وهو عرقٌ في اليدِ - ، فقال (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): ما صنعت 
شيئاً!، فقال جبريلُ: كَفَيْتُكَهُ، ثم أراه الحارث بن غيطل السهميّ، فأومأ
إلى بطنه، فقال: ما صنعت شيئاً قال: كفيتكه، ثم أراه العاص بن وائل 
السهمي، فأومأ إلى أخمَصِهِ- أي: باطن رجله – فقال: ما صنعت شيئاً! فقال: 
كفيتُكه . 
فأما الوليد بن 
المغيرة فمرَّ برجلٍ من خزاعة وهو يريش نبلاً له فأصاب أكحَله فقطعها ! 
وأما الأسود بن 
المطلب فعمي، وذلك أنه نزل تحت شجرة فقال: يابنيّ ألا تدفعون ؟ إني قد 
قتلت! فجعلوا يقولون: ما نرى شيئاً، فجعل يقول: يا بنيّ ألا تدفعون عني؟ 
هلكت بالشوك في عيني! فجعلوا يقولون : ما نرى شيئاً فلم يزل كذلك حتى عميت 
عيناه . 

وأما الأسود بن عبد يغوث فخرج في رأسه قروح فمات منها . 
وأما الحارث بن 
غيطل فأخذه الماء الأصفر في بطنه حتى خرج روثُهُ من فيه فمات منه . 
وأما العاص بن 
وائل فبينما هو يمشي إذ دخلت في رجله شِبْرِقة – نبتةٌ ذات شوك - حتى 
امتلأت منها فمات . 

[ دلائل النبوة للأصبهاني 1/63 ، وانظر : الدر المنثور 
5/101] . 

ثانية: أخرج البزار والطبراني في الأوسط عن أنسٍ قال : 
مرَّ النبيُّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) على أناس بمكة فجعلوا يغمزون في قفاه 
ويقولون: هذا الذي يزعم أنه نبيّ ؟! ومعه جبريل، فغمز جبريل بأصبعه، فوقع 
مثلُ الظفر في أجسادهم، فصارت قروحاً نتنةً فلم يستطع أحد أن يدنوا منهم [ 
الدر المنثور 5/100 ] . 

ثالثة: وفي الصحيحين خبرٌعن رجلٍ من بني النجار كان 
نصرانياً فأسلمَ، وكان يكتبُ الوحي للنبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، ثم إنّه نكص 
على عقبيه فتنصّرَ، ولحق بأهل الكتابِ، فكان يهزأ بالنبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، ويدّعي أنه أدخل في الوحي ما ليس منه، ويقولُ: والله ما يدري محمدُ 
إلا ما كتبتُ له!! فَمَا لَبِثَ أَنْ قَصَمَ اللهُ عُنُقَهُ فِيهِمْ، 
فدفنوه، فأصبح وقد لفظتْه الأرضُ!! فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ 
وَأَصْحَابِهِ، نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ 
فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَقَالُوا: هَذَا 
فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ 
مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ، فَحَفَرُوا لَهُ الثالثةَ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي 
الْأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ 
فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ النَّاسِ، فَتَرَكُوهُ مَنْبُوذاً. [ 
البخاري (3617) ، ومسلمٌ (2781) ] . 

رابعة : ومن هذا البابِ قصةُ كسرى وقيصر المشهورةِ، فإن 
النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) كان قد كتب إليهما، فامتنع كلاهما من الإسلام، 
لكن قيصر أكرم كتاب النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، وأكرم رسوله، فثبّت الله 
ملكه، وكسرى مزّق كتابَ رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، واستهزأ برسول الله 
(صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، فقتله الله بعد قليل، ومزّق ملكه كل ممزّق، ولم يبق 
للأكاسرة ملكٌ . [ الصارم المسلول : 144 ] 

خامسة: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام، فقال 
ابنه عتبة: والله لأنطلقنّ إلى محمد ولأوذينّه في ربه سبحانه وتعالى، 
فانطلق حتى أتى النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دنى
فتدلى، فكان قاب قوسين أو أدنى، فقال النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ): ( اللهم 
سلط عليه كلباً من كلابك ) . ثم انصرف عنه، فرجع إلى أبيه فقال: يا بني ما 
قلت له ؟ فذكر له ما قاله، فقال: فما قال لك ؟ قال: قال: ( اللهم سلط عليه 
كلباً من كلابك ). قال: يا بني والله ما آمن عليك دعاءه ! 


فساروا حتى نزلوا بالشراةِ وهي أرضٌ كثيرةُ الأسدِ، فقال: 
أبو لهب إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي، وإنّ هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة 
والله ما آمنها عليه، فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها 
ثم افرشوا حولها، ففعلوا، فجاء الأسد فشمَّ وجوههم فلما لم يجد ما يريد 
تقبض فوثب وثبة، فإذا هو فوق المتاع فشمَّ وجهه ثم هزمه هزمة ففسخ رأسه!! 
فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا يتفلت عن دعوة محمد!! [ تفسير ابن كثير ] . 


سادسة: وذكر الكتانيّ في ذيل مولد العلماء [1/139] أنّه 
ظهر في زمن الحاكم رجلٌ سمّى نفسه هادي المستجيبين، وكانوا يدعو إلى عبادة 
الحاكمِ، وحُكيَ عنه أنّه سبّ النبيّ صل الله عليه وسلم، وبصق على 
المصحفِ، فلما ورد مكةَ شكاهُ أهلها إلى أميرها، فدافع عنه، واعتذر 
بتوبتِهِ، فقالوا: مثل هذا لا توبة له ! فأبى، فاجتمع الناس عند الكعبةِ 
وضجّوا إلى الله، فأرسل الله ريحاً سوداء حتى أظلمت الدنيا، ثم تجلت 
الظلمةُ وصار على الكعبة فوق أستارها كهيئة الترس الأبيض له نور كنور 
الشمسِ، فلم يزل كذلك ترى ليلاً ونهاراً، فلما رأى أميرُ مكةَ ذلك أمر 
بهادي المستجيبينَ فضربَ عنقَهُ وصلبَهُ . 

سابعة: وذكر القاضي عياض في الشفا [2/218] قصةً لساخرٍ 
بالنبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )! وذلك أن فقهاءَ القيروانِ وأصحابَ سُحنُون 
أفتوا بقتلِ إبراهيم الفزاري، وكان شاعراً متفنناً في كثير من العلومِ، 
وكان يستهزىء باللهِ وأنبيائهِ ونبينا محمد (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، فأمر 
القاضي يحيى بن عمرَ بقتله وصلبه، فطُعن بالسكينِ وصُلب مُنكساً، وحكى بعضُ
المؤرخين أنه لما رُفعت خشبته، وزالت عنها الأيدي استدارت وحوَّلته عن 
القبلةِ فكان آيةً للجميعِ، وكبر الناسُ، وجاءَ كلبٌ فولغ في دمهِ !! 


ثامنة: وحكى الشيخ العلامةُ أحمد شاكر أنّ خطيباً فصيحاً 
مفوهاً أرادَ أن يثنيَ على أحد كبار المسؤولين لأنه احتفى بطه حسين فلم يجد
إلا التعريضَ برسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، فقال في خطبتِهِ: جاءه 
الأعمى فما عبس وما تولى !! قال الشيخ أحمدُ: ولكن الله لم يدعْ لهذا 
المجرم جرمه في الدنيا، قبل أن يجزيه جزاءه في الأخرى، فأقسمُ بالله لقد 
رأيته بعيني رأسي - بعد بضع سنين ، وبعد أن كان عالياً منتفخاً، مستعزّاً 
بمَن لاذ بهم من العظماء والكبراء - رأيته مهيناً ذليلاً، خادماً على باب 
مسجد من مساجد القاهرة، يتلقى نعال المصلين يحفظها في ذلة وصغار !! 


تاسعة: حكى أحد الدعاة أن رجلاً ذهب لنيل الشهادة العليا 
من جامعة غربيةٍ، وكانت رسالتُهُ متعلقةً بالنبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، وكان
مشرفُهُ شانئاً حانقاً، فأبى أن يمنحه الدرجةَ حتى يضمّن رسالتَه انتقاصاً
للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، فضعفت نفسه، وآثر الأولى على الآخرة. فلما 
حاز شهادته ورجع إلى دياره فوجئ بهلاك جميع أولاده وأهله في حادث مفاجئ . 


وصور
الحماية متعدد ومتنوعة: 
فقد يكفيهِ الله 
عز وجلَّ بأن يسلطَ على هذا المستهزئِ المعتدي رجلاً من المؤمنين يثأرُ 
لنبيّهِ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، كما حصل في قصةِ كعبِ بن الأشرفِ اليهوديّ 
(وهي الثامنة) حيث كان يهجو النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) حينما تسور عليه من 
قتله،، 

وعاشرة: اليهوديةِ التي كانت تشتمُ النبيّ صل الله عليه 
وسلم فخنقها رجلٌ حتى ماتت [ أبو داود ]، 

وحادية عشر: أمّ الولدِ التي قتلها سيدها الأعمى لما شتمتِ
النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) [ أبو داود ] ،

وثانية عشر: أبو جهلٍ إذ قتله معاذٌ ومعوّذٌ لأنه كان يسبّ
رسول الله ص(صلَّ الله عليهِ و سلَّم )، 

وثالثة عشر: الخُطْميةِ التي هجت النبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )
فانتدب لها رجلٌ من قومها [ الصارم المسلول 95 ] ،


ورابعة عشر: أبي عَفَكٍ اليهوديّ الذي هجا النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) فاقتصّه سالمُ بن عميرٍ [ الصارم المسلول 102 ] ،


وخامسة عشر: أنسِ بن زُنَيم الذي هجا النبيّ صل الله عليه
وسلم فشجّه غلامٌ من خزاعة [ الصارم المسلول 103 ] ،


وسادسة عشر: سلامِ ابن أبي الحُقَيق إذ ثأر للنبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )منه عبد الله بن عتيكٍ وصحبه [ الصارم المسلول على شاتم 
الرسول 135 ] . 

وسابعة عشر: قصة عجيبة وطريفة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية
في مؤلفه المشهور ( الصارم المسلول) [ ص : 134 ] ، قال رحمه الله: وقد 
ذكروا أن الجنّ الذين آمنوا به، كانت تقصد من سبّه من الجنّ الكفار فتقتله،
فيقرها على ذلك ويشكر لها ذلك ! 

وثامنة عشر: ما نقل عن أصحاب المغازي أن هاتفاً هتف على 
جبل أبي قبيسٍ بشعرٍ فيه تعريضٌ بالنبيّ صل الله عليه وسلم ، فما مرتْ 
ثلاثة أيامٍ حتى هتف هاتف على الجبل يقولُ : 
نحن قتلنا في 
ثلاثٍ مِسعرا ** إذ سفّه الحقّ وسنَّ المنكرا
قنّعتُهُ سيفاً
حسـاماً مبترا** بشتمه نبيّنـــا المطهّرا
ومسعرٌ – كما في 
الخبر – اسمُ الجنيّ الذي هجا النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ). 


ومن صور كلاءة الله لنبيه ممن تعرض له بالأذى أن يحولَ بين
المعتدي وبين ما أرادَ بخوفٍ يقذفُهُ في قلبِهِ ، أو ملكٍ يمنعُهُ مما 
أراد .. 

التاسعة عشر: رُوِيَ أن غوثَ بن الحارثِ قال لأقتلنَّ 
محمداً ، فقال له أصحابه : كيف تقتله ؟ قال : أقول له أعطني سيفك ، فاذا 
أعطانيه قتلته به . فأتاه فقال : يامحمد أعطني سيفك أشمّه ، فاعطاه إياه 
فرُعِدَت يدُهُ ، فسقط السيفُ ، فقال رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) : ( حال
الله بينك وبين ماتريد ) [ الدر المنثور 3/119 ] . 


العشرون:. حماية الملائكة - بأمر الله - للنبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) في حادثة مع أبي جهل ما رواه الإمام مسلم رحمه الله تعالى في 
صحيحه عن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو جَهْلٍ هَلْ يُعَفِّرُ 
مُحَمَّدٌ وَجْهَهُ - أي يسجد كما كان يصلي عند الكعبة - بَيْنَ 
أَظْهُرِكُمْ قَالَ فَقِيلَ نَعَمْ فَقَالَ وَاللاتِ وَالْعُزَّى لَئِنْ 
رَأَيْتُهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ لأَطَأَنَّ عَلَى رَقَبَتِهِ أَوْ 
لأُعَفِّرَنَّ وَجْهَهُ فِي التُّرَابِ قَالَ فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ 
(صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) وَهُوَ يُصَلِّي زَعَمَ لِيَطَأَ عَلَى 
رَقَبَتِهِ قَالَ فَمَافَجِئَهُمْ مِنْهُ إِلا وَهُوَ يَنْكُصُ عَلَى 
عَقِبَيْهِ وَيَتَّقِي بِيَدَيْهِ قَالَ فَقِيلَ لَهُ مَا لَكَ ؟ فَقَالَ 
إِنَّ بَيْنِي وَبَيْنَهُ لَخَنْدَقًا مِنْ نَارٍ وَهَوْلا وَأَجْنِحَةً 
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ دَنَا 
مِنِّي لاخْتَطَفَتْهُ الْمَلائِكَةُ عُضْوًا عُضْوًا قَالَ فَأَنْزَلَ 
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ .. ( كَلا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى أَنْ رَآهُ 
اسْتَغْنَى إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى 
عَبْدًا إِذَا صَلَّى أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى أَوْ أَمَرَ 
بِالتَّقْوَى أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى - يَعْنِي أَبَا جَهْلٍ -
أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى كَلا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ 
لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ فَلْيَدْعُ 
نَادِيَهُ - يَعْنِي قَوْمَهُ - سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ كَلا لا تُطِعْهُ 
.. سورة القلم) .. صحيح مسلم 2797 ذكره ابن كثيرٍ في تفسيره [ 4/530 ]


الحادي والعشرون: وعن ابن عباس رضي الله عنه أنّ رجالاً من
قريش اجتمعوا في الحجر ، ثم تعاقدوا أن لو قد رأوا محمدا لقد قمنا إليه 
مقام رجل واحدٍ فقتلناه قبل أن نفارقه ، فأقبلت ابنته فاطمة تبكي حتى دخلت 
على النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) ، فقالت : هؤلاء الملأ من قومك لقد تعاهدوا 
لو قد رأوك قاموا إليك فقتلوك ، فليس منهم رجل واحدٌ إلا قد عرف نصيبه من 
دمك . فقال : ( يا بنية اتيني بوضوء ) ، فتوضأ ، ثم دخل عليهم المسجد ، 
فلما رأوه قالوا : هاهو ذا ، وخفضوا أبصارهم ، وسقطت أذقانهم في صدورهم ، 
فلم يرفعوا إليه بصراً ، ولم يقم منهم إليه رجل ، فأقبل النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) حتى قام على رؤوسهم ، وأخذ قبضة من التراب ثم قال : ( شاهت 
الوجوه ) ، ثم حصبهم بها فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصا حصاةٌ إلا قتل 
يوم بدر كافراً . [ دلائل النبوة 1/65 ] 

ومن صور هذه الحماية الربانيةِ أنْ يغيّر الله السنن 
الكونيةَ صيانةً لنبيّه (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) ورعايةً له . وشاهدُ ذلك قصةُ 
الشاةِ المسمومةِ ،الحادية والعشرون فإنّ زينب بنت الحارثِ جاءت للنبي (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) بشاةٍ مشويةٍ دست فيها سماً كثيراً ، فلما لاك النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) منها مضغةً لم يسغها ، وقال : ( إن هذا العظمَ يخبرني أنّه 
مسمومٌ ) ! ثم دعا باليهودية فاعترفت . 

وهنا معجزتان الأولى: أنّه لم يتأثّر (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) 
بالسمّ الذي أكله ، والثانية: أن الله أنطقَ العظمَ فأخبر بما فيه . 


ومن صور الكفاية الربانية لنبي الهدى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )
ممن آذاه أن يقذف الله في قلب هذا المؤذي المعتدي الإسلام ، فيؤوبَ ويتوبَ ،
حتى يكونَ الرسول (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) أحبّ إليه من ماله وولده ووالده 
والناس أجمعين !! 

الثانية والعشرون: قصة أبي سفيان بن الحارثِ أخو النبيّ 
(صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) من الرضاع ، وكان يألف النبيّ صل الله عليه وسلم أيام 
الصبا وكان له تِرْباً ، فلما بُعث النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) عاداه أبو 
سفيان عداوةً لم يعادها أحداً قطّ ، وهجا رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )
وهجا أصحابَهُ .. ثم شاء الله أن يكفيَ رسولَه (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) لسان أبي
سفيان وهجاءه ، لا بإهلاكه وإنما بهدايتِهِ !! قال أبو سفيان عن نفسِهِ : 
ثم إن الله ألقى في قلبي الإسلام ، فسرت وزوجي وولدي حتى نزلنا بالأبواء ، 
فتنكرتُ وخرجتُ حتى صرت تلقاء وجه النبيّ (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) ، فلما ملأ 
عينيه مني أعرض عنّي بوجهه إلى الناحية الأخرى ، فتحولت إلى ناحية وجهه 
الأخرى . 

قالوا : فما زال أبو سفيانَ يتبعُهُ ، لا ينزلُ منزلاً إلا
وهو على بابه ومعه ابني جعفر وهو لا يكلمه ، حتى قال أبو سفيان : والله 
ليأذنن لي رسول الله أو لآخذن بيد ابني هذا حتى نموت عطشاً أو جوعاً ، فلما
بلغ ذلك رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )رقّ لهما فدخلا عليه . [ انظر سيرة 
ابن هشام 4/41 ] . 

الثالثة والعشرون: ومن ذلك أن أبا لهب خرج يوماً وقد 
اجتمعت قريش، فقالوا له : يا أبا عُتبة ، إنك سيدنا، وأنت أولى بمحمد منا، 
وإن أبا طالب هو الحائلُ بيننا وبينه ، ولو قتلتَه لم ينكِر أبو طالب ولا 
حمزةُ منك شيئاً، وأنت بريء من دمه ، فنؤدي نحن الدية ، وتسودُ قومَك، 
فقال: فإني أكفيكم ففرحوا بذلك، ومدحَتْه خطباؤهم.


فلما كان في تلك الليلة، نزل أبو لهب، والنبي يصلي، وتسلقت
زوجه أم جميل الحائط حتى وقفت على رسول الله وهو ساجد، فصاح أبو لهب، فلم 
يلتفت إليه، فجمدت أقدامهما، وبقيا لا يقدران على شيء حتى تفجر الصُبح، 
فقال أبو لهب: يا محمد أطلق عنا، فقال: ما كنت لأطلق عنكما، أو تضمنا لي 
أنكما لا تؤذياني. قالا : قد فعلنا. فدعا ربه فرجعا.


وروى ابن عباس رضي الله عنهما: أنه لما نزل قوله تعالى: 
}تبت يدا أبى لهبٍ وتب{ (المسد: 1)، جاءت أم جميلٍ ،: " امرأةُ عمه أبي لهب
إلى النبي صل الله عليه وسلم ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا 
رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيَك، فلو قُمت، قال: ((إنها لن 
تراني)) وفي رواية (إنه سيحال بيني وبينها" ) فجاءت أم جميل، فقالت لأبي 
بكر: إن صاحبك هجاني؟! قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مصدق، 
وانصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم ترَك؟! قال: ((لا، لم يزل ملك 
يسترني عنها بجناحه)).. رواه البزار في مسنده ( 1 / 68 ) ، وقال : وهذا 
الحديث حسن الإسناد . وكذا حسَّنه ابن حجر في " فتح الباري " ( 8 / 958 ) .


وقصة أخرى عنها قبحها الله كما ذكر ذلك ابن حجر فتح الباري
" ( 8 / 921 ) .
= عن جندب بن 
سفيان رضي الله عنه قال : اشتكى رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) فلم يقم 
ليلتين أو ثلاثا فجاءت امرأة فقالت : يا محمد ! إني لأرجو أن يكون شيطانك 
قد تركَك لم أره قَرِبَك منذ ليلتين أو ثلاثة ! فأنزل الله عز وجل { والضحى
. والليل إذا سجى . ما ودعك ربك وما قلى } " . رواه البخاري ( 4667 ) 
ومسلم ( 1797 ) . 

الرابعة والعشرون: قصة الأعرابي ، ففي البخاري ، عن جابر 
رضي الله عنه ، أنه – أي جابر - غزا مع رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) ناحية
نجد ، فلما رجع رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) رجع جابر معه، فأدركتهم 
القائلة – أي نوم الظهيرة - في وادٍ كثير الهوام ، فنزل رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) وتفرّق الناس يستظلون بالشجر ، ونام رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) تحت شجرة وعلّق بها سيفه ، فإذا رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) يدعوا 
الصحابة ، وإذا عنده أعرابي فقال : ( إن هذا اخترط عليّ سيفي وأنا نائم ، 
فاستيقظت وهو في يده صلتا ، فقال من يمنعك مني ؟ فقلت : الله – ثلاثاً - ) .

وعند الإمام أحمد
بسند صحيح أن الأعرابي قام على رأس رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) بالسيف ،
فقال : من يمنعك مني ؟ قال : ( الله عز وجل ) ، فسقط السيف من يده ، فأخذه
رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) فقال : ( من يمنعك مني ؟ ) ، فقال : كن كخير
آخذ ، فقال له رسول الله (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) : ( أتشهد أن لا إله إلا الله
؟ ) ، قال : لا ولكني أعاهدك أن لا أقاتلك ، ولا أكون مع قوم يقاتلونك . 
فخلى سبيله ، فذهب الأعرابي إلى أصحابه فقال لهم : " قد جئتكم من عند خير 
الناس " .

وجوب نصرته، وقيام كل بما يستطيع، قال الله تعالى: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ
وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً 
وَأَصِيلاً) [الفتح:9]، وقال: (إِلاّ 
تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ)[التوبة:40]،
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:16

رحمة النبي في التعامل مع المخطئ


الأخلاق الإسلامية عبارة عن المبادئ والقواعد المنظِّمة للسلوك الإنساني، والتي يحدِّدها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحوٍ يحقِّق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتمِّ.
ويتميَّز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق بميزتين:
الأوَّل: أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله - سبحانه وتعالى.
الثاني: أنه ذو طابع إنساني؛ أي: للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية، وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيِّرة، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع.
وهو نظام يتكامَل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منه، وهو ليس جزءًا من النظام الإسلامي العام، بل هو جوهر الإسلام ولبُّه وروحه السارية في جميع نواحيه؛ إذ النظام الإسلامي - على وجه العموم - مبنيٌّ على مبادئه الخُلُقية في الأساس، بل إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية على الإطلاق؛ فالرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((إنما بُعِثت لأتمِّم مكارم الأخلاق))، فالغرض من بعثته - صلَّى الله عليه وسلَّم - هو إتمام الأخلاق، والعمل على تقويمها، وإشاعة مكارمها، بل الهدف من كلِّ الرسالات هدف أخلاقي، والدين نفسه هو حسن الخلق.
ولِمَا للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة؛ حيث يربط الله - سبحانه وتعالى - ورسوله بين الإيمان وحسن الخلق؛ ففي الحديث لما سُئِل الرسول: أي المؤمنين أفضل إيمانًا؟ قال: ((أحسنهم أخلاقًا)).
وعلى الرغم من أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يُعرَف بين قومه من قبل الرسالة بالصادق الأمين، فكان اصطفاء الله - عز وجل - له زيادة على هذه الأخلاق، فكان موصِّلاً أمينًا لصورة الأخلاق المطلوبة على وجه الأرض من قبل السماء، ولأن الأخلاق لا تظهر على حقيقتها إلا بالاختلاط بالناس والاحتكاك بهم، كانت الأمثلة الواقعة في حياته الشريفة - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعظم مثل وقدوة على قضية الأخلاق وحسن المعاملة من الجانب العملي إلى البشرية.
قد وضحت عشرات المصادر أخلاقه وتعاملاته مع غير المسلمين في الدعوة، ومع كل المستويات الثقافية والعلمية والأدبية المختلفة:
1- مؤامرة لاغتيال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -:
كان من أثر هزيمة المشركين في وقعة بدر أن استشاطوا غضبًا، وجعلت مكة تغلي ضد النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - حتى تآمَر بطلان من أبطالها أن يقضيا على مبدأ هذا الخلاف والشقاق والذل والهوان - في زعمهم - وهو النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم.
كان عمير بن وهب من شياطين قريش، وكان ممَّن يؤذي رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابه بمكة، فلمَّا أُصِيب أصحاب بدر جلس مع صفوان بن أمية في الحِجْر بعد وقعة بدر بيسير، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القَلِيب ومصابهم، فقال صفوان: والله إنْ في العيش بعدهم خيرًا، قال له عمير: صدقت والله، أمَا والله لولا دَيْن عليَّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشي عليهم الضَّيْعةَ بعدي، لركبتُ إلى محمد حتى أقتله، فإنَّ لي قِبَلَهم عِلَّةً؛ ابني أسير في أيديهم.
فاغتَنَمَها صفوان وقال: عليَّ دينك، أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي، أواسيهم ما بقوا، لا يسعني شيء ويعجز عنهم، فقال له عمير: فاكتم عنِّي شأني وشأنك، قال: أفعل، ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذ له وسُمَّ، ثم انطلق حتى قدم به المدينة، فبينما هو على باب المسجد ينيخ راحلته رآه عمر بن الخطاب - وهو في نفرٍ من المسلمين يتحدَّثون ما أكرمهم الله به يوم بدر - فقال عمر: هذا الكلب عدو الله عمير ما جاء إلا لشر.
ثم دخل على النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير قد جاء متوشحًا سيفه، قال: ((فأدخِله عليَّ))، فأقبل إلى عمير فلَبَّبَه بحَمَالة سيفه، وقال لرجالٍ من الأنصار: ادخلوا على رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فاجلسوا عنده واحذروا عليه من هذا الخبيث؛ فإنه غير مأمون، ثم دخل به، فلمَّا رآه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعمر آخِذ بحَمَالة سيفه في عنقه قال: ((أرسله يا عمر، ادنُ يا عمير))، فدنا وقال: أنْعِمُوا صباحًا، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((قد أكرمنا الله بتحية خيرٍ من تحيتك يا عمير، بالسلام؛ تحيَّة أهل الجنة)).
ثم قال: ((ما جاء بك يا عمير؟))، قال: جئت لهذا الأسير الذي في أيديكم، فأحسنوا فيه، قال: ((فما بال السيف في عنقك؟))، قال: قبَّحها الله من سيوف، وهل أغنَتْ عنَّا شيئًا؟! قال: ((اصدقني، ما الذي جئت له؟))، قال: ما جئت إلا لذلك، قال: ((بل قعدتَ أنت وصفوان بن أمية في الحِجْر، فذكرتما أصحاب القَلِيب من قريش، ثم قلت: لولا دَين علي وعيال عندي لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمَّل صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني، والله حائلٌ بينك وبين ذلك)).
قال عمير: أشهد أنك رسول الله، قد كنَّا يا رسول الله نكذِّبك بما كنت تأتينا به من خبر السماء، وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمرٌ لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، فالحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهَّد شهادة الحق، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فقِّهوا أخاكم في دينه، وأقرِئُوه القرآن، وأطلقوا له أسيره)).
وأمَّا صفوان فكان يقول: أبشروا بوقعةٍ تأتيكم الآن في أيامٍ تُنسِيكم وقعة بدر، وكان يسأل الركبان عن عمير، حتى أخبره راكبٌ عن إسلامه، فحلف صفوان ألاَّ يكلِّمه أبدًا، ولا ينفعه بنَفْعٍ أبدًا، ورجع عمير إلى مكة وأقام بها يدعو إلى الإسلام، فأسلم على يديه ناس كثير.
2- رفق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالشاب الذي يريد أن يزني:
وذاتَ يومٍ دخَل شابٌّ على نبي الطُّهْرِ والفضيلة يستأذنه في أمرٍ جلل، فقال: يا رسول الله، ائذن لي بالزنا.
أمر عجب، يستأذن أطهرَ البشر في صنع أرذل الخطايا، أمَا يستحي؟! أمَا يرعوي؟! لقد نالَه من الصحابة - رضوان الله عليهم - ما يتوقَّع لمثله من التقريع والتأنيب، يقول أبو أُمَامَة: فأقبَل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه، وأمَّا النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقد أدرك أن مشكلة الشاب وانحرافه لن يُقَوَّم بالزجر والوعيد والتقريع، فقال له: ((ادنه))، فدنا منه الشابُّ قريبًا فقال له: ((أتحبُّه لأمِّك؟))، فانتفض الشاب غَيْرَةً على أمِّه وقال: لا والله، جعلني الله فداءك، فقال له: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم))، ومضى النبيُّ يستثير كوامن الغَيْرَةِ الممدوحة في صدر الشاب: ((أفتحبُّه لابنتك؟))، فأجاب الشاب: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداءك، فأجابه النبي بمنطقية المربي: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)).
ثم جعل رسول الله يستلُّ بحكمته ومنطقه دخَن قلبه، ويُطفِئ نار شهوته بتعداد محارمه: ((أتحبُّه لأختك... أتحبُّه لعمتك... أتحبُّه لخالتك؟))، هل تحب أن تراهُنَّ وقد تعرَّضن لمثل ما تريده من محارم الآخرين؟! فالناس يكرهون هذه الفعلة في محارمهم، كما كرهها هو في أهله.
فلمَّا استبشع الشاب فِعلة الزنا طلب - صلَّى الله عليه وسلَّم - له سببًا آخر من أسباب الهداية يغفل عنه الآباء والمربُّون، ألاَ وهو دعاء الله الذي يملك أزِمَّة القلوب ومفاتيحها، فقال: ((اللهم اغفر ذنبه، وطهِّر قلبه، وحصِّن فرجه))، واستجاب الله له، يقول أبو أمامة: فلم يكن الفتى بعد ذلك يلتفت إلى شيء.
قصة بليغة تضمَّنت دروسًا متعدِّدة في التعامل مع المخطئ، أولها الدعاء له والحنوُّ عليه، والسماح له بالتعبير عن كوامنه، واستجاشة الخير الذي لا يخلو منه قلب خاطئ أبدًا، وفيها دعوةٌ لنا لنُراجِع أنفسنا، ونغيِّر من طريقتنا في التعبير عن ضجرنا من أخطاء أبنائنا وأصدقائنا، فالسبُّ والشتم الذي نكيله للمخطئين لن يكون سببًا في إصلاحهم وتهذيب سلوكهم وتعريفهم بأخطائهم.
3- رفقه - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع مَن تكلم في الصلاة:
ولنتدبَّر موقفًا آخَر يقصُّه علينا معاوية بن الحكم - رضي الله عنه - فقد دخل المسجد يومًا يصلي مع الصحابة خلف النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فعطس رجلٌ أمامَه، فشمَّته معاوية وهو يصلي، ولما كانت الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس استنكر الصحابة فعله، وهم في صلاتهم، يقول معاوية: "فحدقني القوم بأبصارهم"؛ لاستغرابهم من رجلٍ يتحدث وهو في الصلاة.
لكن الموقف ازداد تعقيدًا حين استنكر معاوية أنظارهم، وجعل يقول لهم وهو في صلاته: "وا ثكل أمياه! ما لكم تنظرون إليَّ؟!"، فزاد استنكار الصحابة لكلامه في الصلاة، "فضرب القوم بأيديهم على أفخاذهم"، وأخيرًا فَهِم معاوية مرادهم: "فلمَّا رأيتهم يسكتونني سكتُّ".
وحين انتهت الصلاة لنا أن نتخيَّل الأنظار وهي تتوجَّه إلى معاوية تلومه، ومثل هذا يتمنَّى - كما يقولون - لو تنشقُّ الأرض وتبتلعه قبل أن تلتهمه العيون بنظراتها العاتبة القاسية، الجميع يرقُب فعل النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - مع هذا الرجل الذي جهل ما يعرفه أطفال المسلمين عن حرمة الصلاة وبطلانها بكلام الناس فيها.
يقول معاوية: فلمَّا انصرف رسول الله دعاني، بأبي هو وأمي، ما ضربني ولا كهرني ولا سبَّني، ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه، قال: ((إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن)).
4- رفق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِمَن بال في المسجد: 
وبينما النبي جالسٌ ذات يوم بين أصحابه في مسجده، إذ دخل أعرابي فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدًا ولا ترحم معنا أحدًا، فقال رسول الله: ((لقد تحجَّرت واسعًا))، ثم ما لبث أن عرضت له حاجته، فتنحَّى وتبوَّل في ناحيةٍ من المسجد، فثار إليه الصحابة ليقعوا به بسبب هذه الفعلة الشنيعة، وهو الذي دعا عليهم قبل قليل بالحرمان من رحمة الله، ثم هو لا يدرك حرمة المساجد! أمَا يدري أن طهارة المكان شرطٌ من شروط صحَّة الصلاة؟ كيف يجعل من ميدان الطُّهْرِ محلاًّ لقضاء حاجته؟!
رأى النبي هبَّة الصحابة في وجه الأعرابي، وأدرك أن مثل هذا الأعرابي جاهِلٌ بأحكام المساجد، غير قاصد هتك حرمتها، فقال: ((لا تُزرِموه، دعوه))؛ وذلك حتى لا يتأذَّى بحبس بوله وانقطاعه، وأرشدهم إلى حلٍّ بسيطٍ تصغر بمثله كلُّ مشكلة مهما كبرت في عيون أصحابها، فقال: ((هريقوا على بوله سَجْلاً من ماء أو ذَنوبًا من ماء؛ فإنما بُعِثتم ميسِّرين ولم تُبعَثوا معسِّرين))، ثم لما أتَمَّ الرجل حاجته دعاه رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال له موجِّهًا وناصحًا: ((إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القَذَر، إنما هي لذكر الله - عزَّ وجلَّ - والصلاة وقراءة القرآن...)).
وفي هذا الحديث: "الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، إذا لم يأتِ بالمخالفة استخفافًا أو عنادًا، وفيه دفع أعظم الضررين باحتمال أخفِّهما لقوله: ((دعوه)).
5- رفق النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بِمَن قال له: اعدل يا محمد:
عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - كان يقبض للناس في ثوب بلال يوم حنين يعطيهم، فقال إنسان من الناس: اعدل يا محمد، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ويلك، إذا لم أعدل فمَن يعدل؟! لقد خبت وخسرت إن لم أعدل))، قال: فقال عمر - رضوان الله عليه -: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - معاذَ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي، إن هذا وأصحابًا له يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، فإن له أصحابًا يحقِر أحدكم صلاته عند صلاتهم، وقراءته عند قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، يخرجون على حين فرقة من الناس، يقتلهم أَوْلَى الطائفتين بالحق، آيتهم المخدج - يعني: ذا الثديَّة))، فكان الأمر كما أخبر؛ فإن الرجل المذكور وأصحابه خرجوا على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - بعد حرب صفين.
6- رفق النبي بالأعرابي الذي جذبه من ملابسه:
في الصحيحين عن أنس بن مالك قال: كنت أمشي مع رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجَبَذه جَبْذَة، حتى رأيت صفح أو صفحة عنق رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قد أثَّرت بها حاشية البرد من شدَّة جَبْذَته، فقال: يا محمد، أعطني من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضَحِك ثم أمر له بعطاء.
وفى "مسند البزار" وأبو الشيخ بسندٍ فيه ضعف: أنه - صلَّى الله عليه وسلَّم - جاءه أعرابي يومًا يطلب منه شيئًا فأعطاه - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم قال له: ((أحسنتُ إليك؟))، قال الأعرابي: لا، ولا أجملت، قال: فغضب المسلمون وقاموا إليه، فأشار إليهم أن كفُّوا، ثم قام ودخل منزله وأرسل إلى الأعرابي وزاده شيئًا، ثم قال: ((أحسنتُ إليك؟)) قال: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنك قلتَ ما قلتَ وفي نفس أصحابي شيء من ذلك، فإن أحببت فقُلْ بين أيديهم ما قلتَ بين يدي؛ حتى يذهب من صدورهم ما فيها عليك))، قال: نعم، فلمَّا كان الغد أو العشي جاء فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن هذا الأعرابي قال ما قال فزدناه، فزعم أنه رضي، أكذلك؟))، فقال الأعرابي: نعم، فجزاك الله من أهل وعشيرة خيرًا، فقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إن مثَلي ومثَل هذا الأعرابي كمثَل رجل كانت له ناقة شردت عليه، فاتَّبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفورًا، فناداهم صاحب الناقة: خلُّوا بيني وبين ناقتي؛ فإني أرفَق بها وأعلَم، فتوجَّه لها صاحب الناقة بين يديه، فأخَذ لها من قُمام الأرض، فردَّها هونًا حتى جاءت واستناخت، وشدَّ عليها رحلها واستوى عليها، وإني لو تركتكم حيث قال الرجل ما قال فقتلتموه دخل النار)).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:16

تعامل الرسول مع زوجاته

سَمَتْ معاملات رسول الله r سموًّا لا يدانيه أَحد؛ فكان r النموذج والمثل في تعاملاته مع زوجاته وأولاده وأحفاده، كما كانت معاملاته مع أصحابه مضرب الأمثال؛ فكان يخاطب كل صحابي بلغة تصل إلى قلبه قبل عقله وذهنه؛ لذلك أحبَّ الصحابةُ النبي r حبًّا ملك عليهم أفئدتهم. وكذلك كانت تعاملاته r مع جنوده؛ فكان معلِّمًا ومربيًّا غرس في نفوسهم وعقولهم المبادئ السامية التي تَفُوق كل المبادئ التي عرفتها الإنسانيَّة؛ فكانت معاملاته دليلاً على نبوَّته r.

وقد شاء الله I أن يخلق الإنسان من ذَكَرٍ وأنثى، وأن تكون إحدى سُنَنِه وآياته التزاوجَ بين هذين الجنسين، فقد قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]. فالسكينة والرحمة والمودَّة من أعظم آيات الله في الزواج.

وكانت حياة رسول الله r الزوجيَّة تطبيقًا لهذه المعاني القرآنيَّة؛ لذلك نجده r يُكثر من وصية أصحابه بالمرأة، ويحثُّ الأزواج أن يعاملوا أزواجهم معاملة حسنة مستمدَّة من آية الزواج القائمة على المودَّة والرحمة، فيقول رسول الله r: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"[1].

صور من علاقة رسول الله بزوجاته
الرسول  قدوتناr أمثلة وصورًا رائعة من خلال عَلاقته مع زوجه؛ فتجده أوَّل مَنْ يواسيها، يُكَفْكف دموعها، يُقَدِّر مشاعرها، لا يهزأ بكلماتها، يسمع شكواها، ويخفِّف أحزانها؛ فكان مثالاً يُحتذى، وقدوة حسنة يستفيد منها البيت المسلم على مرِّ القرون والأزمان؛ فعن أنس أنه قال: بلغ صفية أن حفصة قالت: بنت يهودي. فبكت فدخل عليها النبي r وهي تبكي، فقال لها: "مَا يُبْكِيكِ؟" فقالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي. فقال النبي r: "إِنَّكِ لابْنَةُ نَبِيٍّ، وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ، وَإِنَّكِ لَتَحْتَ[2] نَبِيٍّ، فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟" ثم قال: "اتَّقِي اللهَ يَا حَفْصَةُ"[3]. ضرب رسول الله

كما وصفت السيدة عائشة -رضي الله عنها- حال رسول الله r كزوج داخل بيته، فقد كان r "يَخْصِفُ نَعْلَهُ[4]وَيُرَقِّعُ ثَوْبَهُ[5]"[6]. فكان تعامله مع زوجاته من منطلق الرحمة والحب، كما أنه تعامل أيضًا من منطلق أنه بشر مثل باقي البشر الأسوياء، الذين لا يَرَوْنَ غضاضة في مساعدة أزواجهم.

ومن عظيم محبَّته لهن -رضي الله عنهن- أنه r كان يشاركهن المأكل والمشرب من نفس الإناء، فعن عائشة –رضي الله عنها- أنها قالت: "كُنْتُ أَشْرَبُ فَأُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ r، فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ, وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ[7] فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فيَّ"[8].

وكان يخرج معهن للتنزُّه لزيادة أواصر المحبَّة، فيروي البخاري: "كَانَ النَّبِيُّ r إِذَا كَانَ بِاللَّيْلِ سَارَ مَعَ عَائِشَةَ يَتَحَدَّثُ"[9].

وكان كثيرًا ما يمتدح زوجاته، فها هو ذا رسول الله r يمتدح عائشة -رضي الله عنها- قائلاً: "إِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ[10]عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ[11]"[12].

كما تجلَّت رحمته ورأفته r على زوجاته حينما دخل على زينب بنت جحش -رضي الله عنها- فوجد حبلاً ممدودًا بين الساريتين، فقال: "مَا هَذَا الْحَبْلُ؟". قالوا: هذا حبل لزينب[13] فإذا فترت[14] تعلَّقت[15]. فقال رسول الله r: "لا، حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ"[16].

وكثيرًا ما يحلُم رسول الله r على زوجاته، ويقابل جفوتهن بصدر رحب، وبشاشة وحُبٍّ، فقد استأذن أبو بكر t على النبي r فسمع صوت عائشة -رضي الله عنها- عاليًا، فلمَّا دخل تناولها ليلطمها، وقال: لا أراكِ ترفعين صوتك على رسول الله r. فجعل النبي r يحجزه[17]، وخرج أبو بكر مُغضبًا، فقال النبي r حين خرج أبو بكر: "كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟!" فمكث أبو بكر t أيامًا، ثم استأذن على رسول الله r، فوجدهما قد اصطلحا، فقال لهما: أدخلاني في سلمكما كما أدخلتماني في حربكما. فقال النبي r: "قَدْ فَعَلْنَا، قَدْ فَعَلْنَا"[18].

كما كان رسول الله r يقابل غَيرة زوجاته مقابلة فيها كثير من الحلم والأناة، وإعطاء كل زوجة حقَّها من التقدير والاحترام، فها هي ذي عائشة -رضي الله عنها- تغار من كثرة ذكر الرسول لخديجة -رضي الله عنها- وشدَّة حُبِّه لها، رغم وفاتها قبل أن يتزوَّج رسول الله r عائشة، فتقول –رضي الله عنها- في ذلك: ما غِرْتُ على أحد من نساء النبيِّ r ما غِرْتُ على خديجة قطُّ، وما رأيتُها قطُّ، ولكن كان يُكثر ذِكرها، وربما ذبح الشاة، ثم يُقَطِّعها أعضاءَ، ثم يَبْعَثُها في صدائق[19] خديجة، وربما قلتُ له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلاَّ خديجة. فيقول: "إِنَّهَا كَانَتْ وَكَانَتْ[20]، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ"[21].

ورغم ما كان يجد النبي r في بعض الأوقات من نسائه، إلاَّ أنه لم يضرب امرأة له قطُّ كما قالت عائشة رضي الله عنها: "مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ r امْرَأَةً لَهُ قَطُّ..."[22]. بل كان يواسيها عند بكائها لأي سبب من الأسباب، فيُروى "أن صفية -رضي الله عنها- خرجت مع رسول الله r في سفر، فأبطأت في المسير, فاستقبلها رسول الله r وهي تبكي, وتقول: حملتني على بعير بطيء. فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها ويسكِّتها..."[23].

كما أشرك النبي r زوجاته في مواقف عظيمة كثيرة، وأحداث تهمُّ الأُمَّة بأجمعها، ففي يوم الحديبية[24] أمر رسول الله r أصحابه أن ينحروا الهدي ثم يحلقوا، فلم يفعل ذلك منهم أَحد، وردَّد ذلك r ثلاث مرَّات دون أن يستجيب أَحد إلى أمره، ولمَّا لم يستجب أَحد إلى أمره، دخل رسول الله r على زوجه أم سلمة[25] -رضي الله عنها-، فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت: يا نبي الله، أتحبُّ ذلك، اخرج لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدْنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدنه، ودعا حالقه فحلقه، فلمَّا رأَوْا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل غمًّا[26]، ورغم خطورة هذا الموقف إلاَّ أن رسول الله r استحسن رأي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها، فكان خيرًا وبركة على الأُمَّة كلها.

والناظر إلى سيرته r يجد أن رسول الله r كان يُقَدِّر أزواجه حقَّ التقدير، ويُولِيهم عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان نِعْمَ الزوج r.

د. راغب السرجاني

[1] ابن ماجه (1977)، والترمذي (3895) وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب صحيح من حديث الثوري. وقال الألباني: صحيح. انظر: السلسلة الصحيحة (284).

[2] يعني: هي عنده في صحبته وعصمته ليلاً ونهارًا، يؤاكلها ويضاجعها ويعاشرها أشد العشرة والاختلاط، انظر: ابن كثير: تفسير القرآن العظيم 8/171، والألوسي: روح المعاني 28/162.

[3] الترمذي: كتاب المناقب، باب فضل أزواج النبي r (3894) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وأحمد (12415) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وابن حبان (7211)، وقال الألباني: صحيح. انظر: مشكاة المصابيح (6183).

[4] الخصف: إصلاح النعل وخياطته. انظر: الحربي: غريب الحديث 3/1030، وابن منظور: لسان العرب، مادة خصف 9/71.

[5] يرَقِّع الثوب: أي يصل ويسدّ خرقه. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رقع 8/131.

[6] أحمد (24793)، وقال شعيب الأرناءوط: حديث صحيح. وابن حبان (5769).

[7] العَرْق: العظم، وعَرَقْتُ العظمَ وتَعَرَّقْتُه: أخذتُ اللحم عنه بأسناني نهشًا، انظر: النووي: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 3/211، وابن منظور: لسان العرب، مادة عرق 10/240.

[8] مسلم: كتاب الحيض، باب جواز غسل رأس زوجها وترجيله... (300)، والنسائي (70) واللفظ له، والطيالسي (1606).

[9] البخاري عن عائشة: كتاب النكاح، باب القرعة بين النساء إذا أراد سفرًا (4913)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة y، باب في فضل عائشة رضي الله عنها (2445).

[10] الثريد: هو أن يثرد الخبر بمرق اللحم، وقد يكون معه اللحم، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 9/551، وابن منظور: لسان العرب، مادة ثرد 3/102.

[11] فضل الثريد على غيره من الطعام إنما هو لما فيه من تيسير المؤنة وسهولة الإساغة، وكان أَجَلَّ أطعمتهم يومئذ، انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 6/447.

[12] البخاري عن أبي موسى الأشعري: كتاب الأنبياء (3230)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة y، باب في فضل عائشة (2446).

[13] هي السيدة زينب بنت جحش أم المؤمنين رضي الله عنها.

[14] فترت أي: كسلت عن القيام في الصلاة. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 3/36.

[15] تعلَّقت: أي استمسكت به. وفي رواية مسلم: "أمسكت به".

[16] البخاري: كتاب أبواب التهجد، باب ما يُكره من التشديد في العبادة (1099)، ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب أمر من نعس في صلاته... (784).

[17] يحجزه: أي يمنع أبا بكر من ضربها ولطمها، انظر: العظيم آبادي: عون المعبود 13/234.

[18] أبو داود (4999)، وأحمد (18418)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.

[19] صدائق خديجة: أي أصدقائها، جمع صديقة وهي المحبوبة. انظر: المباركفوري: تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي 6/159.

[20] إنها كانت وكانت: أي كانت فاضلة وكانت عاقلة، ونحو ذلك. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/137.

[21] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب تزويج النبي r خديجة وفضلها (3607) واللفظ له، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل خديجة أم المؤمنين (2436).

[22] مسلم: كتاب الفضائل، باب مباعدته r للآثام... (2328)، وأبو داود (4786)، وأحمد (24080) واللفظ له، وابن حبان (488)، وأبو يعلى (4375).

[23] أحمد (26908)، والنسائي عن أنس بن مالك: السنن الكبرى 5/369 (9162)، واللفظ له، وقال الهيثمي: رواه أحمد وفيه سمية روى لها أبو داود وغيره ولم يضعفها أحد، وبقية رجاله ثقات. انظر: الهيثمي: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/589.

[24] الحديبية: قرية سمِّيت ببئر بها، بينها وبين مكة مرحلة، وبينها وبين المدينة تسع مراحل، اعتمر النبي r عمرة الحديبية، ووادع فيها المشركين لمضي خمس سنين وعشرة أشهر للهجرة النبوية. انظر: ياقوت الحموي: معجم البلدان 2/229، 230.

[25] هند بنت أبى أمية حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، القرشية، المخزومية، أم المؤمنين، انظر: ابن حجر العسقلاني: الإصابة 8/150 ترجمة رقم (11845).

[26] البخاري: كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب، وكتابة الشروط (2581)، وابن حبان (4872)، وغمًّا: أي حزنًا على عدم المبادرة للامتثال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:16

معاملات الرسول مع أولاده وأحفاده

جاء الإسلام بمعيار حقيقي للعَلاقة بين الأب وأبنائه، هذا المعيار قائم على الرحمة، والرأفة، والشفقة، والتوجيه، والرعاية الصحيحة لهؤلاء الأبناء في كل شئون حياتهم، فالأب هو الحصن الذي يأوي إليه الأبناء في كل وقت؛ ولذلك فإن القرآن قد خلَّد هذه العَلاقة عندما ذكر نداء لقمان -رحمه الله- لابنه، والذي يفيض بكل معاني التربية، فقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: 13].

صور من علاقة رسول الله بأولاده
الرفق بالأطفالتعالوا معًا ننظر إلى خصوصيَّة العَلاقة الرائعة بين الأب وابنته في موقف الرسول r الذي ترويه عائشة -رضي الله عنها- قائلة: أقبلتْ فاطمة تمشي كأن مشيتها مَشْيُ النبي r، فقال النبي r: "مَرْحَبًا بِابْنَتِي". ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله، ثم أسرَّ إليها حديثًا فبكت، فقلتُ لها: لِمَ تبكين؟ ثم أسرَّ إليها حديثًا فضحكت، فقلتُ: ما رأيت كاليوم فرحًا أقرب من حزن، فسألتها عمَّا قال.

فقالت: ما كنتُ لأفشي سرَّ رسول الله r. حتى قُبِضَ النبي r، فسألتها، فقالت: أسرَّ إليَّ: "إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ، وَلا أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي". فبكيتُ، فقال: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ". فضحكتُ لذلك[1]. هكذا كانت تربية الرسول r لابنته، تربية قائمة على الحبِّ والعطف والحنان.

أمَّا عند وفاة إبراهيم ابن رسول الله r، فقد تجلَّت عظمته r، وظهرت مشاعر الأب الجياشة تجاه ولده حين خاطبه قائلاً: "يَا إِبْرَاهِيمُ، لَوْلا أَنَّهُ أَمْرُ حَقٍّ، وَوَعْدُ صِدْقٍ، وَيَوْمٌ جَامِعٌ، لَوْلا أَنَّهُ أَجَلٌ مَحْدُودٌ، وَوَقْتٌ صَادِقٌ، لَحَزِنَّا عَلَيْكَ حُزْنًا أَشَدَّ مِنْ هَذَا، وَإِنَّا بِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ، تَدْمَعُ الْعَيْنُ، وَيَحْزَنُ الْقَلْبُ، وَلا نَقُولُ مَا يُسْخِطُ الرَّبَّ". وحينما قُبض إبراهيم ابن رسول الله r قال لهم: "لا تُدْرِجُوهُ فِي أَكْفَانِهِ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ". فأتاه فانكبَّ عليه وبكى[2].

صور من علاقة رسول الله بأحفاده
كما اهتمَّ رسول الله r بأحفاده، وعنى r باختيار أجمل الأسماء لهم، فعن عليٍّ t قال: لمَّا وُلِدَ الحسن سمَّيته حربًا، فجاء رسول الله r فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قال: قلتُ: حربًا. قال: "بَلْ هُوَ حَسَنٌ". فلمَّا وُلِدَ الحسين سمَّيته حربًا، فجاء رسول الله rأَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قال: قلتُ: حربًا. قال: "بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ". فلما وُلِدَ الثالث سمَّيته حربًا، فجاء النبي r فقال: "أَرُونِي ابْنِي، مَا سَمَّيْتُمُوهُ؟" قلتُ: حربًا. قال: "بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ". قال: "سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبْر وَشُبَيْر وَمُشْبِر"[3]. فقال: "

وكان من شدَّة حُبِّه ولهفته على أحفاده ما رواه عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه، قال: رأيتُ رسول الله r يخطب، فأقبل حسن وحسين، عليهما قميصان أحمران، يعثران ويقومان، فنزل النبي r فأخذهما فوضعهما في حجره، فقال: "صَدَقَ اللهُ: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَالنبي والحسن والحسينأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: 15]، رَأَيْتُ هَذَيْنِ فَلَمْ أَصْبِرْ". ثم أخذ في خطبته[4]. وكذا كان حُبُّه لبقيَّة أحفاده، فقد كان r يُصَلِّي وهو حامل أُمامة بنت ابنته زينب -رضي الله عنها- فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها[5].

وها هو ذا رسول الله r يخرج على المسلمين في إحدى صلاتي الْعَشِيِّ -الظهر أو العصر- وهو حاملٌ أحدَ ابنيه: الحسن أو الحسين، فتقدَّم رسول الله r فوضعه عند قدمه اليمنى، فسجد رسول الله r سجدةً أطالها، قال أَبِي[6]: فرفعتُ رأسي من بين الناس، فإذا رسول الله r ساجد، وإذا الغلام راكب على ظهره فعُدْتُ فسَجَدْتُ، فلمَّا انصرف رسول الله r، قال الناس: يا رسول الله، لقد سجدْتَ في صلاتكَ هذه سجدةً ما كنتَ تسجدها، أفشيء أُمِرْتَ به؟ أو كان يُوحى إليكَ؟ قال: "كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ، وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ"[7].

ولم تكن هذه المواقف مواقف عابرة في حياته r، ولكنها كانت صفة أصيلة من صفاته r؛ لذلك يُرْوَى عن أبي هريرة أن رسول الله r قَبَّل الحسن بن علي، والأقرعُ بن حابسr: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ"[8]. التميمي جالس، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلْتُ منهم أحدًا قطُّ. فقال رسول الله

ومع ذلك فلم يكن هذا الحبُّ العظيم من النبي محمد r لأولاده وأحفاده يدفعه إلى الجور على المسلمين من أجلهم، فيُروى أن عليَّ بن أبي طالب t أتى فاطمة -رضي الله عنها- فقال: إني أشتكي صدري ممَّا أجد بالقرب. قالت: وأنا والله، إني لأشتكي يدي ممَّا أطحن الرحا. فقال لها: ائتي النبي r؛ فقد أتاه سبي؛ ائتيه لعله يخدمك خادمًا. فانطلقت إلى النبي r فأتاهما فقال: "إِنَّكُمَا جِئْتُمَانِي لأَخْدُمَكُمَا خَادِمًا، وَإِنِّي سَأْخُبِرُكُمَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الْخَادِمِ، فَإِنْ شِئْتُمَا أَخْبَرْتُكُمَا بِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكُمَا مِنَ الْخَادِمِ: تُسَبِّحَانِهِ دُبُرَ كُلِّ صَلاةٍ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتَحْمِدَانِهِ ثَلاثًا وَثَلاثِينَ، وَتُكَبِّرَانِهِ أَرْبَعًا وَثَلاثِينَ. وَإِذَا أَخَذْتُمَا مَضَاجِعُكُمَا مِنَ اللَّيْلِ، فَتِلْكَ مِائَةٌ"[9].

هكذا كان يُعَلِّمُ رسول الله r أولاده، يُعَلِّمهم أنه لن يحابيهم -رغم محبته الشديدة لهم- على حساب المسلمين، بل ويعلمهم -كذلك- أن يرتبطوا بالله U فهو خير مُعين على كل أعمالهم، فالاستعانة به وحده I تُسْعِد الإنسان في حياته وآخرته.

هكذا كانت عَلاقة الأب r بأبنائه وأحفاده.. عَلاقة قائمة على المحبَّة والحنان تَشعر الأسرةُ في ظلِّها بالأُلْفة، فما أعظمك يا رسول الله مِنْ أبٍ وَجَدٍّ!

د. راغب السرجاني

[1] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3426).

[2] مسلم: كتاب الفضائل، باب رحمته r الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (2315)، وانظر: العصامي: سمط النجوم 1/210، 211.

[3] أحمد (769) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير هانئ بن هانئ. والموطأ - رواية محمد بن الحسن (660)، والحاكم (4773) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[4] أبو داود (1109)، وابن ماجه (3600)، والحاكم (7396) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي، وابن خزيمة (1700)، وقال الألباني: صحيح. انظر: صحيح أبي داود (981).

[5] البخاري عن أبي قتادة: كتاب أبواب سترة المصلي، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (494)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة (543).

[6] هو شداد بن الهاد الليثي t، وهو راوي الحديث، ورواه عنه ابنه عبد الله بن شداد.

[7] النسائي: كتاب صفة الصلاة، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة (1141)، وأحمد (16076) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين... والحاكم عن شداد بن الهاد (4775) واللفظ له، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

[8] البخاري: كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (5651)، وأبو داود (5218).

[9] ابن حبان (5524) وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح. وابن أبي شيبة: المصنف 7/38، واللفظ له.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:17

تعامل الرسول مع أصحابه

مِنْ نِعَمِ الله على الأُمَّة الإسلاميَّة نعمة الحُبِّ في الله I، التي بها توثَّقت العَلاقة بين المسلمين منذ بداية الدعوة، فبعدما كانوا في جاهليتهم متباغضين متقاتلين، انقلبوا بفضلٍ من الله إلى إخوة متحابِّين، قال تعالى في شأنهم: {فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} [آل عمران: 103]، ثم جعل الله الأُخُوَّة الصادقة دليلاً على إيمان العبد بربِّه، فقال U: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].

كما مدح رسول الله r المتحابِّين في الله، وكشف عن عظيم ثمار هذا الحبِّ في الآخرة، فقال r: "سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ.." فذكر منهم: "... رَجُلانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ..."[1].

كما ذمَّ رسول الله r التناحر والتخاصم بين الأصحاب، فقال r: "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ"[2].

صور من معاملات رسول الله لأصحابه
الصحابة وحب رسول اللهوفي سيرته r نجده يعامل أصحابه معاملة تدلُّ على حُبِّه لهم جميعًا؛ وكأنه r يخصُّ كل صحابي بحبٍّ خاصٍّ يختلف عن باقي أصحابه؛ حيث نجد رسول الله r يصف أصحابه بصفات تُعَزِّز من الألفة والتقارب بينه وبينهم، فيصف الزُّبير بن العوام t بأنه حواريه[3]، ويصفُ أبا بكر وعمر بأنهما وزيراه[4]، وجعل حذيفة بن اليمان t كاتم سرِّه[5]، ولقَّب أبا عبيدة عامر بن الجرَّاح t بأنه أمين الأُمَّة[6].

وكما نجده يشارك أصحابه في مأكلهم ومشربهم؛ تقوية لأواصر الصحبة والمحبَّة، فعن جابر بن عبد الله t قال: كنت جالسًا في داري فمرَّ بي رسول الله r فأشار إليَّ، فقمتُ إليه، فأخذ بيدي فانطلقنا، حتى أتى بعض حُجَرِ نسائه فدخل، ثم أذن لي فدخلتُ والحجاب عليها، فقال: "هَلْ مِنْ غَدَاءٍ؟" فقالوا: نعم. فأتي بثلاثة أَقْرِصَةٍ[7] فوضعن على نَبِيٍّ[8]، فأخذ رسول الله r قرصًا فوضعه بين يديه، وأخذ قرصًا آخر فوضعه بين يديَّ، ثم أخذ الثالث فكسره باثنين، فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي، ثم قال: "هَلْ مِنْ أُدُمٍ[9]؟" قالوا: لا، إلاَّ شيء من خلٍّ. قال: "هَاتُوهُ، فَنِعْمَ الأُدُمُ هُوَ"[10].

حب الصحابة للرسول صل الله عليه وسلمكما يشارك النبي r أصحابه كذلك في مزاحهم ولهوهم -ولم يكن مزاح رسول الله r إلاَّ حقًّا- فمزاح الأصحاب سبب من الأسباب الرئيسة في التلاحم والقرب، ومن هذه المواقف الرائعة التي أُثرت عن رسول الله r ما رواه أنس t أن رجلاً من أهل البادية كان اسمه زاهرًا، كان يُهدي للنبي r الهديَّة من البادية فيجهِّزه رسول الله r إذا أراد أن يخرج، فقال النبي r: "إِنَّ زَاهِرًا بَادِيَتُنَا وَنَحْنُ حَاضِرُوهُ".

وكان النبي r يحبُّه، وكان رجلاً دميمًا، فأتاه النبي r يومًا، وهو يبيع متاعه فاحتضنه من خلفه وهو لا يبصره، فقال الرجل: أرسلني، مَن هذا؟ فالتفت فعرف النبي r... وجعل النبي r يقول: "مَنْ يَشْتَرِي الْعَبْدَ؟" فقال: يا رسول الله، إذًا والله تجدني كاسدًا. فقال النبي r: "لَكِنْ عِنْدَ اللهِ لَسْتَ بِكَاسِدٍ". أو قال: "لَكِنْ عِنْدَ اللَّهِ أَنْتَ غَالٍ"[11].

هكذا كان يتعامل رسول الله r مع نفسيَّة أصحابه فيُعلي من شأنهم، فيسعد لسعادتهم ويحزن لحزنهم.

وفي أحلك لحظات المسلمين شدَّة وجدنا رسول الله r مع أصحابه كواحد منهم، يعاني ممَّا يعانون، ويتألَّم ممَّا يتألَّمون، ويلتمس أي شيء يكون سببًا في إشباعهم من الجوع، وإسعادهم من الحزن، فرغم جوع المسلمين في الخندق، ورغم قلَّة الطعام الذي أعدَّه جابر بن عبد الله t إلاَّ أنَّ رسول الله r لم يأكل دون إشراك أصحابه معه؛ حيث نادى في أصحابه قائلاً: "يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُورًا[12]، فَحَيَّ هَلاً بِكُمْ[13]"[14].

كما نجد رسول الله r يشارك أصحابه في أزماتهم ومصائبهم مشاركة فعَّالة بتبشيرهم تارة بثواب ونعيم الله في الآخرة، وبحلِّ مشاكلهم حلاًّ عمليًّا تارة أخرى؛ فها هو ذا يبشِّر عبد الله بن جحش عندما شكا له أن أبا سفيان قد أخذ دَارَهُم في مكة بعد الهجرة وباعها، فقال له: "أَلا تَرضَى يَا عَبْدَ اللهِ أَنْ يُعْطِيَكَ اللهُ بِهَا دَارًا خَيرًا مِنْهَا فِي الجنَّة؟" قال: بلى. قال: "فَذَلِكَ لَكَ"[15].

ويأتي صحابي آخر قد أُصيب في عهد الرسول r في ثمار ابتاعها فكثر دينه، فيقول رسول الله r لأصحابه: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ". فَتَصَدَّقَ الناس عليه، فلم يَبْلُغْ ذلك وفاء دَيْنِهِ، فقال رسول الله r لِغُرَمَائِهِ: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ، وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ"[16].

فقد كان رسول الله r نِعْمَ الصاحب لأصحابه؛ يقف معهم في أفراحهم وأتراحهم، وفي قوَّتهم وضعفهم، فلم يتميَّز r عنهم بمزيَّة، بل كان كواحد منهم في المأكل والمشرب والملبس، وهو ما جعل كثير من المشركين يتعجَّبون لهذه الرابطة القويَّة التي جمعته بأصحابه، فقال أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه: "ما رأيتُ من الناس أحدًا يحبُّ أحدًا كحُبِّ أصحاب محمد محمدًا!!"[17].

د. راغب السرجاني

[1] البخاري عن أبي هريرة: كتاب الجماعة والإمامة، باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد (629).

[2] البخاري: كتاب الأدب، باب الهجرة (5727).

[3] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل الطليعة (2691).

[4] الترمذي عن أبي سعيد الخدري (3680) قال النبي r: "... وَأَمَّا وَزِيرَايَ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ فَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ". وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. والحاكم (3046) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ومسند ابن الجعد (2026).

[5] البخاري: كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما (3533)، والكتاني، تحقيق منير الغضبان: التراتيب الإدارية في نظام الحكومة النبوية ص82.

[6] البخاري: كتاب المغازي، باب قصة أهل نجران (4121).

[7] الأقرصَةُ: جمع قُرْصٍ وهو الرغيف. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قرص 7/70.

[8] نَبِيّ: كل ما ارتفع من الأَرض، وفسَّروه بمائدة من الخوص، انظر: النووي: المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج 14/8، وابن منظور: لسان العرب، مادة نبا 15/301.

[9] الأُدُم: جمع الأُدْم وهو ما يؤكل بالخبز أَيَّ شيء كان. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة أدم 12/8.

[10] مسلم: كتاب الأشربة، باب فضيلة الخل والتأدم به (2052).

[11] أحمد (12669)، وقال شعيب الأرناءوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. والبيهقي (11724).

[12] صَنَعَ سُورًا: أَي طعامًا دعا الناس إِليه. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/399، وابن منظور: لسان العرب، مادة سور 4/384.

[13] حَيَّ هَلاً بِكم: أَي ابْدَأ بكم وعَجِّلْ، وهي كلمة استدعاء فيها حثٌّ، أي هلمُّوا مسرعين. انظر: ابن حجر العسقلاني: فتح الباري 7/399، وابن منظور: لسان العرب، مادة حيا 14/211.

[14] البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة (2905)، ومسلم: كتاب الأشربة، باب جواز استتباعه غيره إلى دار... (2039).

[15] ابن هشام: السيرة النبوية 3/28، والسهيلي: الروض الأنف 4/166.

[16] مسلم كتاب المساقاة، باب استحباب الوضع من الدين (1556)، والترمذي (655)، والنسائي (4530)، وأبو داود (3469)، وقد كفل الإسلام حق الدائنين كما أقرّ التشريع الإسلامي، انظر: الحطاب الرعيني: مواهب الجليل 5/7.

[17] ابن هشام: السيرة النبوية 2/172.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:17

تعامل الرسول مع جنوده

الشخصيَّة القياديَّة فطرةٌ حَبَا اللهُ بها أشخاصًا معيَّنِين، فكانوا قادة أفذاذًا، وعلى رأس هؤلاء القادة الأفذاذ يأتي أنبياء الله، الذين قادوا الأمم والشعوب إلى طاعة الله U، وقد تناول القرآن قصصهم مع شعوبهم؛ لتكون نموذجًا ومثالاً يحتذي به كل قائد؛ لذلك قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُولِي الأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، ثم سار النبي r على خُطا هؤلاء الأنبياء، فكان أعظمَ قائدٍ عرفته البشريَّة.

رسول الله القائد

وإذا نظرنا إلى سيرة رسول الله r نجده قائدًا محنَّكًا -في كل أمور الحياة؛ إداريَّة، واجتماعيَّة، واقتصاديَّة، وسياسيَّة، وعسكريَّة- يعرف جيِّدًا قيمة جنوده وقدراتهم، فعمل رسول الله rr القدوة والمثل في ذلك فنجد رسول الله r يقول لزعماء قريش عندما عرضوا عليه الدنيا: "مَا جِئْتُكُمْ بِمَا جِئْتُكُمْ بِهِ أَطْلُبُ أَمْوَالَكُمْ، وَلا الشَّرَفَ فِيكُمْ، وَلا الْمُلْكَ عَلَيْكُمْ، وَلَكِنَّ اللهَ بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ رَسُولاً، وَأَنْزَلَ عَلَيَّ كِتَابًا، وَأَمَرَنِي أَنْ أَكُونَ لَكُمْ بَشِيرًا وَنَذِيرًا، فَبَلَّغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي، وَنَصَحْتُ لَكُمْ، فَإِنْ تَقْبَلُوا مِنِّي مَا جِئْتُكُمْ بِهِ فَهُوَ حَظُّكُمْ مِنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَإِنْ تَرُدُّوهُ عَلَيَّ أَصْبِرْ لأَمْرِ اللهِ، حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ"[1]. على غرس المبادئ الإسلاميَّة الراسخة في قلوبهم، فكان أوَّلها -وأهمُّها كذلك- غرس الثقة في الهدف الذي يعملون من أجله؛ وهو إخراج العِبَاد من عبادة العِبَاد إلى عبادة الله وحده؛ وكان رسول الله

فالهدف واضح في ذهن رسول الله r، وثقته كبيرة بنصر الله له، رغم التكذيب والعناد الذي يلاقيه.

ثم نجد رسول الله r ينقل ثقته إلى أتباعه فيقول لخبَّاب بن الأرتِّ t بعدما اشتكى من قسوة تعذيب قريش له: "... وَاللهِ! لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ"[2].

ثم نجد رسول الله r يضع كل رجل مناسب في مكانه المناسب فقد كان الرسول r يعرف جيِّدًا قدرات رجاله، فهم -في نظره- العناصر الرئيسة التي يعتمد عليها القائد، ومعرفتُه بهم تصنع بينهم وبينه انسجامًا متبادَلاً، وتدفعهم لتقديم الجهود؛ بل والإبداع في عملهم، فلننظر إلى سيرته r سنجدها خيرَ شاهدٍ على ذلك، ففي غزوة بدر يُشير الحُباب بن المنذر t -وهو الخبير بالأمور العسكريَّة- على رسول الله r بقوله: يا رسول الله، إن هذا ليس بمنزلٍ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله، ثم نغوِّر ما وراءه من القُلُب[3]، ثم تبني عليه حوضًا فنملؤه ماءً، فنشرب ولا يشربون. فيقول رسول الله r له: "لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ"[4].

الرسول صل الله عليه وسلمونجد رسول الله r يعرف بوضوح إمكانات كل صاحب له r؛ حتى لا يتردَّد في وصف كل واحد منهم بوصف يوضِّح تفوُّقه على أقرانه في مجال معيَّن، فأبو بكر أرحم الأُمَّة، وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان أصدقهم حياءً، وعلي بن أبي طالب أقضى الصحابة، وجعفر بن أبي طالب أخير الناس للمسكين، وخالد بن الوليد سيف من سيوف الله، ومعاذ بن جبل أعلمهم بالحلال والحرام، وزيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض، وأُبَيّ بن كعب أقرأ الأُمَّة، وحمزة بن عبد المطلب أسد الله[5]. الفاروق،

رسول الله القائد العسكري

كان رسول الله r قائدًا فذًّا في كل مجال من مجالات الحياة، ومن أبرز هذه المجالات المجال العسكري، وما حدث في غزوة بدر خير شاهد على هذه العبقرية في القيادة، فقَبْل المعركة بدأ النبي r في تنظيم صفوف جنوده؛ ليكونوا على استعداد تامٍّ في مواجهة مشركي قريش، ولمَّا ابتدأت المعركة بالمبارزة، اختار رسول الله r ثلاثة من جنده الأشدَّاء في مواجهة خصومهم، وقد كان اختياره موفَّقًا لأبعد حدٍّ؛ لِعِلْمِه -وهو القائد- بحقيقة جنده وحالهم، فقال رسول الله r: "قُمْ يَا عُبَيْدَة بْنَ الْحَارِثِ، وَقُمْ يَا حَمْزَةُ، وَقُمْ يَا عَلِيُّ". فقَتَل اللهُ عتبةَ وشيبةَ ابني ربيعة، والوليدَ بن عتبة، وجُرِحَ عبيدةُ، فسبَّب ذلك هزيمة نفسيَّة للمشركين قبل لقائهم الفعلي مع المسلمين، فقتل المسلمون منهم سبعين، وأسروا سبعين آخرين[6].

رسول الله القائد المبدع

كما غرس رسول الله r فيهم أيضًا مبدأ (المبادرة والإبداع)، وتظهر هذه الصفة جليَّة واضحة في الأمور التي تحتاج إلى قرار سريع حاسم، ونظر ثاقب، وقدَّم رسول الله r القدوة والمثل في ذلك، فلننظر إلى صلحه r مع مشركي قريش في الحديبية، فهو يدلُّ -ولا شكَّ- على حُنْكَة وحسن سياسة من الرسول القائد؛ إذ كانت من النتائج المترتِّبة على هذا الصلح أن اعْتُبِر المسلمون في درجة مساوية لقريش، وهو أوَّل اعتراف بالدولة الإسلاميَّة من أشدِّ أعدائها وأقواهم في الجزيرة العربية، بل وأدَّى أيضًا إلى محالفة مجموعة من القبائل لرسول الله r، ثم أدَّى كذلك إلى الاستقرار الأمني الذي أعان المسلمين على نشر دعوتهم ودينهم في القبائل والقرى المجاورة؛ فكان هذا الصلح دليلاً على عمق نظرته r[7].

ولننظر إلى إبداع رسول الله r وهو يخطِّط للهجرة؛ بداية من اختياره للرفيق وهو خير أصحابه أبو بكر الصديق t، ثم للطريق الذي يسلكه؛ حيث اختار رسول الله r طريقًا غير معهود لقريش، وهو طريق السواحل، وكذلك مكثه في غارٍ بجبل ثور ثلاث ليالٍ؛ حتى تهدأ الأمور، ثم اختيار عبد الله بن أُرَيْقِط المشرك دليلاً، وإرساله عبد الله بن أبي بكر ليأتي بخبر قريش، وانتهاءً برعي عامر بن فهيرة للغنم حول الغار حتى يوفِّر الأمان، ثم تتجلَّى عظمته القيادية في توكُّله بعد ذلك على الله، واطمئنانه إلى معيَّته[8]، فيقول لأبي بكر: "مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟"[9].

رسول الله القائد القدوة

ولم يعمل رسول الله r على غرس هذه القيم والمبادئ بالكلمات الجوفاء والأحاديث الرنَّانة، ولكنه كان قدوة ومثلاً في كل شيء، فكان رسول الله r يؤثِّر في الآخرين بأقواله وأفعاله في تواضعه وحلمه، ورحمته وصبره.. ففي غزوة الأحزاب نجده r يرفع معنويَّات جنوده، ويُدخل السرور عليهم عندما يشاركهم بنفسه r في حفر الخندق، وهو يرتجز بكلمات ابن رواحةr للتراب، وقد وارى التُّراب بياض بطنه r[10]. أثناء نقله

فكان لهذا التبسُّط والمرح من رسول الله r أثره في التخفيف عن الصحابة ممَّا يعانونه أثناء هذه الغزوة، كما كان له أثره في بعث الهمَّة والنشاط، وإنجاز المهمَّة قبل وصول عدوِّهم، فكان بذلك خير قائد r.

رسول الله القائد الحازم العادل

غرس رسول الله r في أصحابه مبدأ الحزم، وكان النبي r القمَّة في هذه الصفة أيضًا؛ فلننظر إلى حزمه r عندما نادى في صحابته بعد انتهاء غزوة الأحزاب: "أَنْ لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ"[11]. فكان قرارًا حازمًا من القائد r لجنوده، فخرج الجميع لمواجهة مَنْ خان العهد وتعاون مع الأعداء.

فن القيادة غزوة الخندقأمَّا عدل رسول الله r مع جنوده فقد ضرب فيه r المثل الذي لا يُضَاهَى؛ ففي غزوة بدر كان رسول الله r ينظِّم صفوف أصحابه وفي يده قدح يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزيَّة[12]t وهو مُسْتَنْتِل[13] من الصفِّ، فطعنه في بطنه بالقدح، وقال: "اسْتَوِ يَا سَوَادُ". فقال: يا رسول الله، أوجعتني، وقد بعثك الله بالحقِّ والعدل. وقال: فأَقِدْنِي[14]. فكشف رسول الله r عن بطنه. وقال: "اسْتَقِدْ"[15]. فاعتنقه فقبَّل بطنه، فقال رسول الله r: "مَا حَمَلَكَ عَلَى هَذَا يَا سَوَادُ؟" قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردتُ أن يكون آخرُ العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك. فدعا له رسول الله r بخير[16].

هكذا كانت تعاملات رسول الله r مع جنوده، فكان بحقٍّ قائدًا إنسانًا في كل موقف من مواقف حياته، وفي كل غزوة من غزواته. فكانت تعاملاته هذه سمة قياديَّة جديدة تستمدُّ عونها وتوفيقها من الله؛ حتى يتأسَّى بها مَنْ يأتي بعده من القادة إلى يوم الدين.

د. راغب السرجاني

[1] البخاري: خلق أفعال العباد ص186 حديث رقم (408)، وابن كثير: السيرة النبوية 1/479.
[2] البخاري: كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام (3416)، وأبو داود (2649)، وأحمد (21095).
[3] القُلُب: جمع قليب، وهو البئر، انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قلب 1/685.
[4] ابن هشام: السيرة النبوية 1/620، وابن كثير: السيرة النبوية 2/402، والسهيلي: الروض الأنف 3/62، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/29.
[5] البخاري: مناقب الصحابة y، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة، والترمذي: المناقب، وابن ماجه (154)، وأحمد (12927).
[6] ابن كثير: السيرة النبوية 2/423، وابن سيد الناس: عيون الأثر 1/371، والطبري: تاريخ الأمم والملوك 2/22.
[7] محمود شيت خطاب: الرسول القائد ص288.
[8] السهيلي: الروض الأنف 2/315، وابن كثير: البداية والنهاية 3/179-182، وابن قيم الجوزية: زاد المعاد 3/45.
[9] البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة براءة (4386)، ومسلم: كتاب فضائل الصحابة y، باب من فضائل أبي بكر الصديق t (2381).
[10] ابن هشام: السيرة النبوية 1/495، وابن كثير: السيرة النبوية 2/306، والسهيلي: الروض الأنف 2/336.
[11] البخاري: أبواب صلاة الخوف، باب صلاة الطالب والمطلوب راكبا وإيماء (904) واللفظ له، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب المبادرة بالغزو وتقديم أهمِّ الأمرين 
المتعارضين (1770)، وابن حبان (1484).
[12] هو سواد بن غزية الأنصاري: شهد بدرًا والمشاهد بعدها، وهو الذي أسر خالد بن هشام المخزومي يوم بدر، وكان عامل رسول الله r على خيبر. انظر: ابن الأثير: أسد الغابة 2/561، وابن عبد البر: الاستيعاب 2/673.
[13] اسْتَنْتَل: تقدَّم. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة نتل 11/644.
[14] أقدني: أي مكِّنِّي من القصاص لنفسي، والقَوَدُ: القصاص. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة قود 3/370.
[15] استقد: أي اقتصَّ منِّي. انظر المرجع السابق.
[16] ابن هشام: السيرة النبوية 1/626، وابن كثير: السيرة النبوية 2/410، وقال الهيثمي: رواه الطبراني ورجاله ثقات. انظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 6/453. وقال الألباني: وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى. انظر: السلسلة الصحيحة (2835).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 70100
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 77
الموقع : الاردن

صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Empty
مُساهمةموضوع: رد: صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )   صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم ) Emptyالأربعاء 26 يونيو 2019 - 3:18

تعامل الرسول مع من لا يعرفه

من أبرز الدلائل على نبوة رسول الله محمد r تعاملاته الراقية مع من لا يعرف؛ لأننا قد نتجمَّل أمام بعضنا البعض، ونتعامل بجفاء مع من لا يعرفنا، لكن الله I قد مَنَّ على رسول الله r برقَّة القلب مع مَنْ يعرف، ومَنْ لا يعرف، فقال U: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

صور من تعاملات رسول الله
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمينوسيرة رسول الله r خير شاهد على تعاملاته الرائعة مع من لا يعرف؛ ولننظر إلى موقفه مع أم معبد، فعن حبيش بن خالد -وهو أخو أم معبد- أن رسول الله r حين أُخْرج من مكة خرج مهاجرًا إلى المدينة هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر عامر بن فهيرة ودليلهما عبد الله الليثي، مروا على خيمة أم معبد، فسألوها لحمًا وتمرًا؛ ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئًا من ذلك، وكان القوم مُرْمِلِينَ[1] مُسْنِتِينَ[2]، فنظر رسول الله r إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: "مَا هَذِهِ الشَّاةُ يَا أُمَّ مَعْبَدٍ؟" قالت: شاة خلَّفها الجهد عن الغنم.

قال: "هَلْ بِهَا مِنْ لَبَنٍ؟" قالت: هي أجهد من ذلك. قال: "أَتَأْذَنِينَ لِي أَنْ أَحْلِبَهَا؟" قالت: بأبي أنت وأمي! إن رأيت بها حلبًا فاحلبها. فدعا رسول الله r فمسح بيده ضرعها، وسمَّى الله تعالى، ودعا لها في شاتها، فتفاجت[3] عليه ودرَّت، واجترَّت[4]، فدعا بإناء يُرْبِضُ الرَّهْط[5]، فحلب فيه ثجًّا[6] حتى علاه البهاء[7]، ثم سقاها حتى رويت، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم، ثم حلب فيه ثانيًا بعد بدء حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، وارتحلوا عنها[8].

ففي هذا الموقف تتجلَّى عظمة النبي r فقد تعامل معها تعاملاً عادلاً، رغم أنه خرج مهاجرًا؛ لا يملك مالاً ولا طعامًا، وهي لا تعرفه حتى يسقط من نظرها، ولكن رسول الله r يتعامل من منطق النبوة وليس من منطق قطَّاع الطرق، الذين يغتصبون حقوق الآخرين.

وكانت معاملات رسول الله r الراقية هذه مع من لا يعرف سببًا في ثبات إسلام العديد منهم؛ فعن المنذر بن جريرٍ، عن أبيه، قال: كنَّا عند رسول الله r في صدر النَّهار، قال: فجاءه قومٌ حفاةٌ عراةٌ، مجتابى النِّمار[9]، أو العباء، متقلِّدى السُّيوف، عامَّتهم من مضر، بل كلُّهم من مضر، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رسول الله r لما رأى بهم من الفاقة، فدخل ثم خرج، فأمر بلالاً، فأذَّن وأقام، فصلَّى ثمَّ خطب، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ}، إلى آخر الآية: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ} [الحشر: 18]، تَصَدَّقَ رَجُلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّهِ، من صاع تمره -حتَّى قال- وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ. قال: فجاء رجلٌ من الأنصار بصُرَّة[10]، كادت كفُّه تعجز عنها، بل قد عجزت، قال: ثمَّ تتابع النَّاس حتَّى رأيت كومين من طعامٍ وثيابٍ حتَّى رأيت وجه رسول اللَّه r يتهلَّل كأنَّه مذهبةٌ فقال رسول اللَّه r: "مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ، وَمَنْ سَنَّ فِي الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"[11].

بل وكانت سببًا في إسلام البعض الآخر فها هو ذا زيد بن سعنة، وكان من أحبار اليهود، يقول: إنه لم يبقَ من علامات النبوة شيء إلاَّ وقد عرفتها في وجه محمد r حين نظرت إليه، إلاَّ اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلاَّ حِلمًا، فكنت أتلطف له لأن أخالطه فأعرف حلمه وجهله.

قال: فخرج رسول الله r من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب، فأتاه رجل على راحلته كالبدوي، فقال: يا رسول الله، قرية بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت أخبرتهم أنهم إن أسلموا أتاهم الرزق رغدًا، وقد أصابهم شدَّة وقحط من الغيث، وأنا أخشى - يا رسول الله - أن يخرجوا من الإسلام طمعًا كما دخلوا فيه طمعًا، فإن رأيت أن تُرسِل إليهم من يُغيثهم به فعلت. قال: فنظر رسول الله r إلى رجل جانبه -أراه عمر- فقال: ما بقي منه شيء يا رسول الله.

قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه، فقلت له: يا محمد، هل لك أن تبيعني تمرًا معلومًا من حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال: "لا يَا يَهُودِيُّ، وَلَكِنِّي أَبِيعُكَ تَمْرًا مَعْلُومًا إِلَى أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، وَلا تُسَمِّي حَائِطَ بني فُلانٍ". قلت: نعم. فبايَعَنِي r، فأطلقت همياني، فأعطيته ثمانين مثقالاً من ذهب في تمر معلوم إلى أجل كذا وكذا، قال: فأعطاها الرجلَ[12].

وما أجمل أن نختم بموقف رسول الله r مع رجل لا يعرفه r، وكان رسول الله r شديد الحرص على ضيافته، ولكن لفقره r لم يجد ما يضيفه به، فنزل هذا الرجل ضيفًا على أحد الأنصار، فعن أبى هريرة أنه قال: جاء رجلٌ إلى رسول الله r فقال: إنِّي مجهودٌ. فأرسل إلى بعض نسائه، فقالت: والَّذى بعثك بالحقِّ ما عندى إلاَّ ماءٌ. ثمَّ أرسل إلى أخرى، فقالت مثل ذلك، حتَّى قلن كلُّهنَّ مثل ذلك: لا والَّذى بعثك بالحقِّ ما عندى إلاَّ ماءٌ. فقال: "مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ؟". فقام رجلٌ من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله...[13].

هكذا كان النبي محمد r يتعامل مع من لا يعرف، وفي ذلك دلالة على نبوته r؛ لأنه كان واضحًا وشفافًا في كل أمر من أمور حياته.

د. راغب السرجاني

[1] المرملين جمع المُرْمِلُ: وهو الذي نَفِدَ زاده. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة رمل 11/294.

[2] مسنتين أي: مجدبين، أصتبتهم السنة، وهي القحط والجدب. انظر: ابن منظور: لسان العرب، مادة سنت 2/47.

[3] فتفاجت يريد فتحت ما بين رجليها للحلب. انظر: ابن قتيبة: غريب الحديث 1/192.

[4] اجترت: أخرج البعير الطعام من بطْنِهِ ليَمضُغَه ثم يَبْلَعه. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/729.

[5] يربض الرهط: أي يُرْوِيهم ويثقلهم حتى يناموا، ويَمْتَدُّوا على الأرض. انظر السابق 2/460.

[6] ثَجًّا: أي لبنًا سائلاً كثيرًا. انظر السابق 1/585.

[7] بَهَاءَ اللبن: هو وَبِيصُ رغوته. انظر السابق 1/443.

[8] الحاكم (4274)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

[9] مجتابي النِّمار: أي لابسيها، والنمار: جمع نمرة وهي كلُّ شملةٍ مخطَّطة من مآزر الأعراب، كأنها أخذت من لون النّمر لما فيها من السَّواد والبياض. انظر: ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر 1/832، 5/249.

[10] الصُّرَّة: ما يُجْمَعُ فيه الشيء ويُشَدُّ، انظر: المعجم الوسيط، مادة صرر 1/512.

[11] مسلم: كتاب الزكاة، باب الحثِّ على الصَّدقة ولو بشقِّ تمرة أو كلمة طيبة (2398)، والنسائي (2554)، وأحمد (19225).

[12] ابن حبان: كتاب البر والإحسان، باب الصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (288)، والحاكم (6547) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. والبيهقي (11066)، والطبراني: المعجم الكبير 5/164، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: روى ابن ماجة منه طرفًا، ورواه الطبراني ورجاله ثقات.

[13] مسلم: كتاب الأشربة، باب إكرام الضيف وفضل إيثاره (2054)، وابن حبان (5286)، وأبو يعلى (6168).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
صور من حماية الله عز وجل للمصطفى (صلَّ الله عليهِ و سلَّم )
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: الدين والحياة :: السيرة النبوية الشريفة-
انتقل الى: