قرية البلاونة.. تجليات «عمتا» 1
أبواب - مفلح العدوان - سأسير إلى النهر.. كأنني أدمنت المكان هناك..
أريد أن أناجي مياهه، وقصبه، وتلك المشية الخجولة لانسيابه، بكل قداسة، هناك..
وأريد أن أخلو اليه/ إليّ، فيه أو في مكان يطلّ على صفحة النقاء، فلي فيه قصص وحكايات أتمنى أن أكتبها، وأدونها، كما يليق بهذا المكان العظيم.
تأتي زيارتي هذه لقرية البلاونة، بعد أيام من عودتي من فلسطين، وكان تواصلي خلال ما نشرت من صور وكتابات عن تلك الزيارة، مع الصديق طالب البلاونة، وكانت دعوته التي لبيتها بكل محبة وتقدير، بعد أن ارتحت قليلا من زيارتي لفلسطين، وكتبت عن تلك الزيارة، وبدأت نشر فصولها يوما بيوم.
«في الانتظار»
ها نحن بانتظارك.. يأتي صوت الأصدقاء في قرية البلاونة، فأرد بأني ما زلت في الطريق اليهم؛ خرجت من عمان باتجاه صويلح، سرت الى السلط، وجسر زي، وتلك الطريق التي توصل الى مثلث دير علا، هي طريق العارضة. وصلت المثلث، ورحت منه شمالا، والهاتف لا يتوقف، كأنهم يخافون عليّ من الضياع في دروب مشيت فيها مئات المرات، وجزت خلاله قرى عاينتها حجرا وحجرا، ولكنه طبع الطيبين، يحتفون بضيفهم بالـ»يا هلا»، من «ممشاه الى ملقاه»، ويحرصون عليه قادما إليهمهم، أو مغادرا بيوتهم.
تداعيات ما قَبل الوصول
الطريق الى القرية، أليف، ساحر، مشبع بالحياة، والغور حولي، ووجوه الناس سمراء تُحنّيها الشمس، وتلوحهم خضرة عاشقة للزرع هناك.. أثناء مسيري الى قرية البلاونة استعدت ما كتبه لي صديقي طالب البلاونة، حيث كان جهده المشكور، في كتابة لمحة عن جوانب كثيرة من القرية، ومما كتبه عن موقعها وجغرافيتها أن» قرية البلاونة تبعد 25 كيلو متراً عن مدينة عجلون، و 35 كيلو متراً عن مدينة السلط..ويحدها من الشرق محافظة عجلون، ومن الشمال محافظة عجلون واربد، وفي الغرب تتكيء على ضفة نهر الأردن الشرقية. وقد كانت قبل 17 عاما تابعة لمحافظة اربد، وبناء على مطالبة الأهالي، تم فك ارتباطها الاداري مع محافظة اربد، وربطها اداريا بمحافظة البلقاء، تسهيلا على المواطنين، لقرب مراكز الخدمة الحكومية للقرية من محافظة البلقاء».
وفي السياق الجغرافي، أقرأ ما كتب صديقي المرحوم الباحث الباحث ركاد نصير في كتابه (المعاني اللغوية لأسماء المدن والقرى وأحواضها في المملكة الأردنية الهاشمية)، حول غور البلاونة، من خلال أحواضه، ومعاني تسميتها، حيث يشير الى كل من الأحواض التالية: «حوض الشاغور: تقول العامة: المياه إذا اخذت تجري تحت الأرض، والشاغور عندهم: المكان الذي تأخذ فيه المياه هذا المجر، ومنه شاغور المطحنة. حوض الشقيرية: الشُقَير: ضرب من الحرباء أو الجنادب. حوض العرين: جماعة الشجر الملتف كان فيه أسد أو لم يكن، أو مأوى الأسد. حوض الجَلَد: الأرض الصلبة الغليظة المستوية المتن. حوض كتار الجَلَد: الكَتَر: السنام المرتفع، والكِتر: من قبور عاد، أو بناء مرتفع كالقُبّة شبّه بها السنام».
جلسة في الحديقة
ها قد وصلت قرية البلاونة، والوقت صباحا، وكان بانتظاري أمام مسجد أبو عبيدة عامر ابن الجراح، كل من الصديق طالب البلاونة، والدكتور حسين مناور، وكانت اولى محطاتنا هو المقام الذي التقينا أمامه، وبعده المقبرة المجاورة، ثم اتجهنا الى قناة الغور الشرقية، ووصلنا قريبا من نهر الاردن، وتجولنا في دروب القرية، قبل أن نستقر في جلسة في حديقة عامة، هي حديقة البلدية، حيث كان ينتظرنا جمع من أهل قرية البلاونة، وهذه الجلسة كان من المفروض أن تقام في مدرسة البلاونة للبنات، غير أن ادارة التربية والتعليم في اللواء لم توافق على عقدها كمحاضرة في المدرسة، فكان أن تم نقل المكان الى هذا المكان الجميل، وهو منتزه وحديقة، ليكون الحوار دافئا، طيبا، يعكس روح بوح مختلف، عميق، وحميمي، مداره قرية البلاونة، وفضاؤه الوطن أجمع.
سر الماء
مفتاح الحديث عن قرية الكلام كان مبتدأه من خلال الدكتور حسين مناور البلاونة، ثم تناوب الحضور الكلام، مرة عن التاريخ، وتارة عن السياسة، ومرات عن حال القرية في الواقع المعاصر، ويتشعب بعدها باتجاه التعليم، والجغرافية، والبنية التحتية، والمكان والانسان منذ قديم الزمان، حتى الآن.
قال الدكتور حسين مناور: الاسم الأقدم لقرية البلاونة هو عمتا، وقد كانت قديما مشهورة بصناعة النبال، وتعرف أيضا في الكتب بغور البلاونة، وهي تمتد من روجيب، على ضفتي وادي راجب، وتنتهي بالنخيل.. انها القريبة من الماء، ولذا بقيت عامرة دائما، وهذا سر الماء مانح الحياة، ولذا فهي تحتوي على سواقي، وطواحين، وكنائس، ومعامل خمور، وأعمدة، وفسيفساء، وخرائب تاريخية قديمة، مثل خربة فرنة. تاريخ عتيق يسكن هنا، وفي المنطقة المحيطة، والحديث يدور حول آلاف السنين، حيث أقدم الحضارات، كما أنه مر عليها الرومان، وحضارات كثيرة، وأنشأ فيها الأتراك، حين كانت الإمبراطورية العثمانية، كثير من التلال الاصطناعية، لأغراض دفاعية، مثل تل عمتا.
حديث الرحالة والجغرافيين
أعود الى الوثائق وكتب التاريخ والجغرافيين، وقد كان الدكتور حسين مناور تحدث عن المراجع التي وثقت لقرية البلاونة (عمتا)، ذاكرا كل من سفرنامة/ناصر خسرو، وتاريخ ابن عساكر، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، وبلادنا فلسطين للدباغ، ودائرة المعارف الإسلامية، والقزويني في آثار البلاد وأخبار العباد، وفي هذا السياق أتصفح ماكتب الدكتور المهدي عيد الرواضية، في الجزء الثاني من (مدونة النصوص الجغرافية لمدن الأردن وقراه)، ومراجعه تشير الى بعض تلك المراجع، موثقا بعض التفصيلات التاريخية، والوثائق الجغرافية، حول قرية البلاونة، والتي كان الاسم الأقدم لها هو عمتا، كما أوضحنا سابقا، حيث يقول في المدونة:
«عَمْتا: قرية من قرى لواء الأغوار الشمالية، تقع في الطرف الجنوبي من اللواء، على بُعد (2كم) الى الشمال من بلدة دير علا، وتبعد عن العاصمة عمان مسافة (91كم)، وفيها مقام أبي عبيدة عامر بن الجراح. وقد ذكرها الإدريسي إحدى المناطق التي تتبع كورة الأردن، قال: كورة الأردن وأكبر بلادها مدينة طبرية ومنها اللجون ومنها كورة السامرية وهي نابلس، وريحا، وزغر، وعمتا.. وقال في موضع آخر: (عمتا مدينة الغور). وزارها الهروي، قال في ذكر مزارات بلد حوران: غور نابلس به قرية يقال لها عَمَّتا، بها قبر أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، وقد زرناه بطبرية. وقال ياقوت: قرية بالأردن بها قبر أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، ويقال: هو بطبرية، وقال المهلبي: من عمّان الى عمتا، وبها يُعمل النبل الفائقة، وهي في وسط الغور، اثنا عشر فرسخا، ومنها الى مدينة طبرية اثنا عشر فرسخا. وذكرها شيخ الربوة إحدى كور دمشق، قال: ومن أعمال دمشق: كورة بيت جبرين.. وغور مدينة عمتا. وذكرها صفي الدين البغدادي باختصار عن ياقوت قال: قرية بالأردن، بها قبر أبي عبيدة بن الجراح، وهي من قرى الغور. وذكرها مجير الدين الحنبلي (عثما) مصحّفة، قال في ترجمة أبي عبيدة بن الجراح:... وقبره في قرية يقال لها عثما، تحت جبل عجلون بين فقارس والعادلية بزاوية دير علا من الغور الغربي. كما ورد ذكرها في السجلات العثمانية، في دفتر الطابو رقم (970): مزرعة عامته (؟) تابع الغور، من خواص أمير اللواء، حاصلها خمسة آلاف آقجة، وحصة وقف أبي عبيدة ابن الجراح من الحنطة: أربع غرارات قيمتها خمسمائة وعشرون آقجة. ومن الشعير: أربع غرارات قيمتها مائتان وثمانون آقجة مقسوم ومفروز عن مال المزرعة المذكورة. وفي دفتر الطابو رقم (185): مزرعة عامية قرب فقارس، تابع الغور، خاص حاصلتها ستة آلاف آقجة».
سيرة قرية البلاونة
تقع قرية البلاونة في منطقة الغور الأوسط، أقصى شمال غرب محافظة البلقاء، وتتبع ادارياً الى لواء دير علا، من محافظة البلقاء، وهي احدى مناطق بلدية دير علا.
الديموغرافيا:
يبلغ عدد سكان قرية البلاونة حوالي 6000 نسمة، بحسب تقديرات أهل القرية عند زيارتها (عام 2015م)، ولكن يشير آخر تعداد سكاني عام، والذي كان فيعام 2004م، بأن عدد السكان كان في ذلك الوقت 5152 نسمة (2946ذكور و 2206 إناث)، يشكلون أسرة 901، تقيم في 1066 مسكنا.
التربية والتعليم:
يوجد في البلاونة المدارس التالية: مدرسة البلاونة الثانوية الشاملة المختلطة(مختلطة حتىالصف الثالث)، ومدرسة عامر بن الجراح الثانوية للبنين، ومدرسة البلاونة الأساسية للبنين، مدرسة البلاونه الأساسية للبنات،مدرسة ابو عبيدة الأساسية المختلطة،وهناك بناء حديث لمدرسة للبنات، تم بناءه بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتنمية،وقد مرّ على تجهيزه عام و لم يفتتح بعد.كما توجد في القريةروضة اطفال تابعة لجمعية البلاونة.
المجتمع المدني:
يوجد في قرية البلاونة عدة جمعيات وأندية، وهي جمعية البلاونه الخيرية،وجمعية السنابل الخيرية،وجمعية أم المكارم الخيرية، وجمعية سيدات أم عيّاش التعاونية،وجمعية ابناء دير علا التعاونية، ومركز شباب ديرعلا،ونادي شباب البلاونة الرياضي الثقافي.
الصحة:
هناك في القريةمركز صحي البلاونة وهو مركز صحي شامل،مركز صحي أم عياش هو مركز صحي فرعي.
*يوجد في البلاونةعدة مساجد هي كل من مسجد ابو عبيدة، حيث مقام الصحابي الجليل ابو عبيدة «عامر بن الجراح «، وهو اكبر مسجد في منطقة وادي الاردن ويؤمة المصلون من كل لواء ديرعلا.وهناك مسجدان بسعة ما بين (150 الى 300 مصلي)؛ الأول هو مسجد المغيرة ابن شعبة في حي أم عياش، ومسجد الشاكرين في منتصف قرية البلاونة، بالاضافة الى 3 مساجد موزعة على الاحياء السكنية بنيت بتبرع من أهل الخير.
*المقبرة الوحيدة في البلاونة هي المقبرة الملاصقة لمقام أبو عبيدة حيث يستخدما معظم أبناء لواء ديرعلا لدفن موتاهم، وأحيانا تستخدم من خارج اللواء بناءً على وصيّة.وقد بلغت القدرة الإستيعابية للمقبرة حدّها الأقصى، حيث تمّ استملاك و تخصيص قطعة أرض لمقبرة جديدة، في الزاوية الشمالية الغربية للقرية، في منطقة الكتار المشرفة على نهر الأردن.