سوق عُكاظ
عُكاظ أشهر أسواق العرب في الجاهلية وأعظمها. اتُخِذَت سوقًا بعد عام الفيل بخمس عشرة سنةٍ، أي سنة 540م، ثم بقيت في الإسلام إلى أن نهبها الخوارج الحرورية حين خرجوا بمكة مع المُختار بن عوف سنة 129هـ. عُكاظ نخل بقرب الطّائف في السعودية، فكانت قبائل العرب تقصدها لأنّها في طريقها إلى الحج فيجتمعون في مكانٍ يُقال له "الإبتداء" فتعمر أسواقهم بالنّاس فينتهز الشّعراء هذه الفرصة فيعرضون ما قالوه من نخب قصائدهم على نقدة القريض هناك. ويكون لذلك احتفال تشهده الجماهير، فتشيع قصائدهم شيوعًا تامًا ويترنّم بها الرّكبان في كل صقعٍ وفي ذلك غاية ما يتمنّاه شاعر لشِعرِهِ. ولقد كان لهذه السّوق العظيمة وغيرها من أسواق العرب تأثيرٌ كبيرٌ في تهذيب اللّغة العربية. فكلّ شاعرٍ وخطيبٍ كان يفضي بأحسن ما عنده من المعاني العالية في العبارات الجَزَلية المُنتخلة فيتلقفها السّامعون ويدخلونها إلى كلامهم ويلفظون (يهملون) ما سواها من وحشي الكلمات ومُتنافر التراكيب. وفي ذلك مِن أثر التّهذيب اللّغوي ما لا يُستهان به. كانت قُريش لقربها من تلك السوق أسبق القبائل لإلتقاط كلّ معنى حسن ولفظ فصيح وعبارة شاردة. فنُسِبَ إليها التّهذيب الأخير للغة واستهلّت الشرف العظيم بنزول القرآن الكريم بلغتها واعتبرت لهجتها أخلص لهجات العرب من التّعقيد والتنافر. معنى عكـاظ عكاظ هي إحدى أسواق العرب ( السوق في لغة العرب تذكر وتؤنث ) ، بل هي أشـهرها على الإطلاق لما تتميز به عن غيرها من الأسواق الأخرى ، وعكاظ من مادة (عكظ). يقول صاحب القاموس : عكظه: يعكظه: حبسه . وعكظه : قهره ورد عليه فخره .. فيتعاكظون أي يتفاخرون ويتناشدون.. والتعاكظ : التجادل والتحاج . وهكذا نجد اسم السوق يدل على ما فيه ، فللاسم دلالة واضحة على المسمي ، فكل الذي أورده صاحب القاموس يناسب السوق " فقد سُمي عكاظُ عكاظاً لأن العرب كانت تجتمعُ فيه فيعكظ بعضهم بعضاً بالفخار أي يدعك..ويقال: عكظ الرجلُ صاحبه إذا فاخره وغلبة في المفاخرة ، فسُميت عكاظُ بذلك. وتذكر بعض المصادر أن سوق عكاظ أقامها أفعى نجران سلطان التبابعة معانـدة لموسم الحرم كما ذكر البيهقي . بعض أقوال المتقدمين في تحديده وعكاظ بأعلى نجد ،قال صاحب كتاب بلاد العرب : وعكاظ ، نخل في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقوم سوق العرب ، بالأثيداء بعكاظ وبه كانت أيام الفجار، وكانوا يطوفون بتلك الصخرة ، يحجون إليها . وبمثل هذاالقول قال الأصمعي . وقال الأزرقي : " عكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة على طريق صنعاء في عمل الطائف على بريد منها وهي سوق لقيس بن عيلان وثقيف ، وأرضها لنصر" ويقول عرام السلمي في كتابه أسماء جبال تهامة : ( ... وعكاظ صحراء مستوية ليس لها جبل ولا علم إلا ما كان من الأنصاب التي كانت في الجاهلية وبها الدماء من دماء البدن كالأرحاء العظام . وحذاءها عين يقال لها خُليص للعمريين ، وخليص هذا رجل وهو ببلاد تسمى ركبة أرض سوق عكاظ تشاهد من قمة هضبة العبلاء ويلاحظ أن هناك جهة رسمية قد تكون الجمعية السعودية للدراسات الأثرية ، أو الجمعية الجغرافية السعودية أو غيرهما وضعت مراسيم وعلامات من الخرسانة ودهنت باللون الأبيض تحدد سوق عكاظ . تاريخ انعقاد هذا السوق وقد اختلفت الروايات في تاريخ انعقاد هذه السوق ، فقالوا : " كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ، ثم تنتقل إلى سوق مجنـة ، فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة " وذكر ابن حبيب أنها " كانت تقوم للنصف من ذي القعدة إلى أخر الشهر " أما الأزرقي فذكر أن الناس كانوا يخرجون إلى مواسمهم فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي القعدة ، فيقيمون به عشرين ليلة تقوم فيها أسواقهم بعكاظ وقد ذكر ابن عبدربه في عقده أيضاً . أن سوق عكاظ تقوم أول يوم من ذي القعدة ، ولعل ما ذهب إليه الأزرقي ، وتابعه فيه ابن عبدربه ، هو الأقرب إلى الصـواب . وقد كان لقيـام السوق في الأشهر الحُرُم أثر واضح في تأمين الطرق إليها . رغم بعض التجاوزات الأمنية ولما كانت عكاظ من موسم الحج ، فإن السوق كانت تكتظ بصورة لم تشهدها أي سوق في جـزيرة العرب . وإلى ذلك يشير أبو ذؤيب الهذلي بقوله : إذا بنـي القباب على عكاظ= وقـام البيع واجتمع الألوفُ تواعدنا عُكاظ لنـنزلنــهُ= ولـم تشعر إذن أني خليـفُ
ومن هذه الألوف كان التاجر ، والخطيب والشاعر ، والبعيد والقريب ، والمسافر والزائر ، وكان الخائف والآمن ، والموتور والواتر ، كان أيضاً الكبير والصغير ، والطفل والشاب والشيخ والمسن من المعمرين ، كانت عكاظُ مسرحاً كبيراً يتسع لجميع الفعاليـات في الحياة العربية في العصر الجاهلي . حضور النبي صل الله عليه وسلم سوق عكاظ روى يزيد بن ارون عن حريز بن عثمان عن سليم بن عامر عن عمرو بن عبسة قال : أتيت النبي صل الله عليه وسلم بعكاظ ، فقلت : من تبعك على هذا الأمر ؟ قال : حر وعبد . وروى أبو الزبير عن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم مكث سبع سنين يتبع الحاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة يعرض عليم الإسلام ، وبعكاظ رأى رسول الله صل الله عليه وسلم قِسّ بن ساعدة وحفظ كلامه تجـارة وإعــلام وثقـافـة لقد كانت سوقاً شاملة لا تكاد ترقى إليها الأسواق الكبرى في زماننا الحاضر ، ولا المراكز التجارية التي تعقد في كبريات المدن الحديثة ؛ لما في عكاظ من نشاطات وفعاليات جُمعت في مكان واحد ؛ ففيها البيعُ والشراء ، وفيها تبادل للأسرى وافتداءهم ، وفيها الصلحُ وإنهاء العداء ، وفيها الشعُر والخطابة ، وإعلان الأحلاف ، وإصدار الحكم لرفع "فمن كانت له حكومة ارتفع إلى الذي يقوم بأمر الحكومة ، وكان الذي يقوم بأمر الحكومة في هذه السوق ، أُناس من بني تميم ، وكان أحدهم الأقرع بن حابس " فكم من أحداث وقعت في هذه السوق ، فسُجَّلَت على صفحات التاريخ ، وكم من مواقف شهدتها تؤكد تزعم عكاظ لبقية أسواق الجزيرة العربية ، لما كان فيها من نشاط تجاري ، ونشاط اجتماعي ، وسياسي وحربي ، ونشاط أدبي يدخل كله في إطـار الإعلام في ذلك العصر متى بدأ هذا السوق ومتى انتهـى وقال البكري في معجم مااستعجم : ( اتخذت سوقا بعد الفيل بخمس عشرة سنة ، وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومائة إلى هلم جرّا حدود سوق عكاظ اتقق على هذه الحدود من المحدثين كل من الشيخ ابن بليهد في كتابه صحيح الأخبار عما في بلاد العرب من الآثار, وعلامة الجزيرة حمد الجاسر في مجلته مجلة العرب وبن خميس في كتابه المجاز بين اليمامة والحجار ، والشيخ عبد الله بن محمد الشايع في كتابه عكاظ الأثر المعروف سماعا المجهول مكانا ، بل إن ابن بليهد أمضى أربعة عشر عاما في البحث عن هذا الموضع وتجميع النصوص الواردة في تعيينه حتى استقام له الأمر وضمن هذه البحوث كتابه الآنف الذكر فيحد هذا السوق من الجنوب : أكمة العبلاء وهي أكمة عالية تنتشر الحجارة البيضاء عليها وفيما حولها ولذا سماها العرب العبلاء . قال ياقوت الحموي : العبلاء اسم علم لصخرة بيضاء إلى جنب عكاظ . وقال بهذا القول أيضا ابن حبيب وأبو عبيدة . قال ابن بليهد وجنوبيه أكمة بيضاء يقال لها العبلاء من العهد الجاهلي إلى هذا العهد . وهي واقعة على خط العرض 35 27 21 وخط الطول : 58 39 40
ويحده من الغرب : أكمة الأُ ثَـيْداء ، سميت أرض عكاظ باسمها وهي كما حكت لنا النصوص : قال الأصفهاني في كتابه بلاد العرب : ( وعكاظ ، نخل في وادٍ بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقوم سوق العرب ، بالأثيداء بعكاظ وبه كانت أيام الفجار، وكانوا يطوفون بتلك الصخرة ، يحجون إليها ) . وقال ياقوت : ( الأثيداء ، بلفظ التصغير يجوز أن يكون تصغير الثأد بنقل الهمزة إلى أوله وهو الثدا ، والثدي : وهو مكان بعكاظ ) . يلاحظ لون الصخرة وأنه كلون الطحال بل حتى الشكل يشبه الطحال فلعل هذا سبب التسمية في النصوص القديمة . وقال ياقوت نقلا عن ابن حبيب : ( جِهار بالكسر وآخره راء اسم صنم كان لهوازن بعكاظ ، وكانت سدنته آل عوف النصريين ، وكانت محارب معهم ، وكان في سفح أطحل ) . وأطحل صفة للجبل أي أن لونه كلون الطحال . وفي هذا المكان هضيبة حمراء اللون وبجوارها من جهة الجنوب صخور لاطئة في الأرض يشبه لونها لون الطحال وفي طرفها الشرقي نتوءات بارزة لعل العرب شبهوها بالثدي فأسموها الأثدياء وهي واقعة على خط العرض 19 28 21 وخط الطول 40 38 40 يلاحظ الحجر المكسور إلى ثلاث قطع يمين الغار وهذا الحجر يعتقد الشيخ عبد الله الشايع أنه صنم هوازن المسمى جِهار الذي كان مستندا إلى هذه الهضبة . كما يعتقد أن هذا الغار كان مكانا لسادن الصنم . ويحده من الشمال أو الشمال والشمال الغربي : مجرى وادي عكاظ الذي يسمى اليوم بوادي الأخيضر وعين خُليص ويحده من الشرق : الحُريرة وهي جبل منبطح على الأرض في وسط الأرض المستوية وهي حرة ولكن لصغر المساحة التي تشغلها سماها العرب بالحريرة بالتصغير وهي واقعة على خط الطول 00 13 21 وخط العرض 33 40 40 وقد ورد في جريدة الرياض المقال التالي والذي نعتبر اضافته الى ما ورد أعلاه مفيد لناحية استكمال بعض المعلومات وتثبيت بعضها الآخر: عكاظ التاريخ والاسم والثقافة والشعر والأدب
عكاظ بضم أوله وآخره ظاء معجمة قال الليث سمي عكاظ عكاظاً لأن العرب كانت تجتمع فيه فيعكظ بعضهم بعضاً بالفخار، اي يدعك، وعكظ فلان خصمه باللدد والحجج عكظاً قال غيره عكظ الرجل دابته يعكظها عكظاً إذا حبسها، وتعكظ القوم عكظاً اذا تحبسوا ينظرون في أمورهم، وقال وبه سميت عكاظ، وحكى السهيلي كانوا يتفاخرون في سوق عكاظ إذا اجتمعوا، ويقال عكظ الرجل صاحبه إذا فاخره وغلبه بالمفاخرة، فسميت عكاظ بذلك، وعكاظ اسم سوق من أسواق العرب في الجاهلية، وكانت قبائل العرب تجتمع بعكاظ في كل سنة ويتفاخرون فيها، ويحضرها شعراؤهم ويتناشدون ما احدثوا من الشعر ثم يتفرقون، وأديم عكاظي نسب اليه وهو مما يحمل الى عكاظ فيباع فيها وقال الأصمعي عكاظ نخل في واد بينه وبين الطائف ليلة، وبينه وبين مكة ثلاث ليال، وبه كانت تقام سوق العرب بموضع منه يقال له الأثيداء، وبه كانت أيام الفجار، وكان هناك صخور يطوفون بها ويحجون إليها، قال الواقدي عكاظ بين مخلة والطائف، وذو المجاز خلف عرفة، ومجنة بمر الظهران وهذه اسواق قريش والعرب ولم يكن فيه اعظم من عكاظ، قالوا كانت العرب تقيم بسوق عكاظ شهر شوال ثم تنتقل الى سوق مجنة فتقيم فيه عشرين يوماً من ذي القعدة ثم تنتقل الى سوق ذي المجاز فتقيم فيه الى ايام الحج، عن معجم البلدان
وقال البكري صحراء مستوية، لا علم بها ولا جبل، الا ما كان من الأنصاب التي كانت بها في الجاهلية، وبها من دماء البدن كالأرحام العظام قال البلادي وكانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقاً لمكة في الجاهلية، وعكاظ على عفوة من ماءة يقال لها نقعاء، بئر لا تنكف قال محمد بن حبيب عكاظ بأعلى نجد قريب من عرفات، قال غيره عكاظ وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء وهي من عمل الطائف، وعلى بريد منها وأرضها لبني نصر، واتخذت سوقاً بعد الفيل بخمس عشرة سنة، وتركت عام خرجت الحرورية بمكة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومئة قال أبو عبيد عكاظ فيما بين نخلة والطائف الى موضع يقال له العنق، وبه اموال ونخل لثقيف بينه وبين الطائف عشرة أميال، فكان سوق عكاظ صبح هلال ذي القعدة عشرين يوماً، وسوق مجنة يقوم عشرة ايام بعده وسوق المجاز يقوم هلال ذي الحجة وروى يزيد بن هارون، عن جرير بن عثمان، عن سليم بن عامر عن عمرو ابن عبسة، قال أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعكاظ، فقلت من تبعك على هذا الأمر؟ قال حر وعبد وروى أبو الزبير عن جابر، ان النبي صلى الله عليه وسلم مكث سبع سنين يتبع الحجاج في منازلهم في المواسم بعكاظ ومجنة، يعرض عليهم الإسلام، وبعكاظ رأى رسول الله صل الله عليه وسلم، قس بن ساعدة، وحفظ كلامه وروى البخاري عن ابن جريح وابن عيينة قالا كانت هذه السوق متجر الناس في الجاهلية، فلما جاء الإسلام كرهوها، وتأثموها أن يتجروا في المواسم، فنزلت (ليس عليكم جناح ان تبتغوا فضلاً من ربكم) (آية 198من سورة البقرة) هكذا قرأها ابن عباس؟ ويتصل بعكاظ بلد يسمى ركبة، بها عين تسمى عين خليص للعمريين، وكان بعكاظ وقائع مرة وفي ذلك يقول دريد بن الصمة تغيبت عن يومي عكاظ كليهما وإن ينك يوم ثالث أتغيب وإن يك يوم رابع لم أكن وإن يك يوم خامس أتجنب ومن اخبار هذا السوق في السيرة، خبر قتل البراض عروة الرحال، فقال ابن هشام ان البراض قد قتل عروة، وهم في الشهر الحرام بعكاظ، وبقية القصة هناك (ابن هشام - السيرة 186/1) وذكر ابو عبيدة انه كان بعكاظ اربعة ايام يوم شمظة، ويم العبلاء، ويوم شرب، ويم الحريرة، وهي كلها بعكاظ فشمظة من عكاظ هو الوضع الذي نزلت فيه قريش وحلفاؤها من بني كنانة بعد يوم نخلة وهو اول يوم اقتتلوا به من ايام الفجار بحول على ما تواعدت عليه من هوازن وحلفائها من ثقيف وغيرهم، فكان يوم شمطة لهوازن على كنانة وقريش، ولم يقتل من قريش أحد يذكر، واعزلت بكر بن عبد مناة بن كنانة الى جبل يقال له دحم، فلم يقتل منهم أحد ثم التقى الأحياء المذكورون على رأس الحول من يوم شمظة بالعبلاء الى جنب عكاظ، فكان لهوازن ايضاً على قريش وكنانة فهو يوم العبلاء، ثم التقوا على رأس الحول وهو اليوم الرابع من يوم نخلة بشرب، وشرب من عكاظ ولم يكن بينهم يوم أعظم منه، فحافظت قريش وكنانة، وقد كان تقدم لهوازن عليهم يومان، وقيد سفيان وحرب ابنا أمية وأبو سفيان بن حرب أنفسهم، وقالوا لا يبرح منا رجل مكانه حتى يموت او يظهر، فسم العنابسة، وجعل بلعاء بن قيس يقاتل ويرتجز
فانهزمت هوازن وقيس كلها الا بني نصر فإنها صبرت مع ثقيف، وذلك ان عكاظاً لهم فيه نخل وأموال، فلم يغنوا شيئاً، ثم انهزموا وقتلت هوازن يومئذ قتلاً ذريعاً، ثم التقوا على رأس الحول بالحريرة، وهي حرة الى جنب عكاظ مما يلي مهب جنوبيها، فكان لهوازن على قريش وكنانة، وهو يوم الحريرة قال البلادي ليست هذه هي الأقوال التي قيلت في عكاظ، فقد اختصرنا قول البكري، وهناك من كتب كثيراً عن عكاظ منهم الجاسر، وعبدالله بن خميس، وعبدالرحمن عزام، والدكتور ناصر بن سعيد الرشيد، وغيرهم وأصبحت هناك كتب كثيرة عن سوق عكاط، ومما تقدم قول أبي عبيد، موضع يقال له العتق أرى الصواب، العقيق، وقوله عين تسمى عين خليص موجود الآن خلص، جبل قرب المكان الذي اجمع الباحثون على انه عكاظ ومما تقدم وما وصل الى من مراجع والقول للبلادي يظهر ان عكاظاً كان يقام في مكان من الأرض ربما غير كل سنة في حدود مساحة تبلغ عشرين كيلاً من العبلاء (العبل اليوم)، جنوباً الى خلص شمالاً، ومن قرب التقاء شرب بالريكة غرباً الى المبعوث شرقاً، حيث توجد اماكن قيل انها من عكاظ وقوله ان الحريرة في مهب الجنوب من عكاظ اذا صح، فإنه يحدد عكاظاً بين خلص الى المبعوث فإذا عكاظ كان الوادي اذا تجاوز العرفاء، يؤيد ذلك القول بأن لبني نصر نخلاً بعكاظ، وهناك اليوم نخل وزراعة، وقول خداش بطن عكاظ يدل على ان المكان واد عكاظ اعظم معرض في جزيرة العرب للتجارة، والصناعة، والفن، وأعظم مؤتمر للرأي والسياسة والاجتماع، وأعظم منتدى للشعر والخطابة والبلاغة لم تبلغ المعارض الدولية اليوم على ما بها من تنسيق وتنظيم وابتكار ما بلغته سوق عكاظ من حيث كثرة الرواد وتعدد الأهداف واستيعاب القبائل وحرارة اللقاء يلتقي فيه اليمني والعراقي والعماني والشامي بالنجدي والحجازي والهجري وتؤمه تجارة الفرس والأحباش وغيرها من الأمم فتجد لطيمة كسرى مجالاً تتفق ليه هناك كما تعرض به بضائع العراق وهجر وبصرى وعدن وبلاد الشام البرود والأدم وأنواع الطيب والسلاح والحرير والحذاء والزيوت والزبيب والسيوف والرماح والحلل والخيل الأصيلة ونجائب الإبل وغير ذلك مما تعددت اجناسه وتنوعت اشكاله تقبل القوافل اليه محملة بأجمل ما تنتجه الجهة المقبلة منها ان كان تجارة او صناعة او زراعة وتعود محملة بأجمل ما في جهتها بعد عرض وتسويق ومماكسة يضج بها عكاظ وتكون بين قبائل العرب وجيرانهم مصارعة ومنافرة وحروب وتارات وتقبل كل قبيلة تحمل مشكلتها وتهيئ حجتها، وتعد العدة لمقارعة الحجة بالحجة وكسر حدة الخصم وتخرج قبيلة او زعيم على عادة من عادات العرب او سنة من سننهم فتسمع منتديات عكاظ ما اتته هذه القبيلة او هذا الزعيم، فيكون الحكم عليها قاسياً وتحملها الأمم المشتركة في عكاظ عار الدهر فتبوء به خزياً مخلداً يضطلع بالحكم في هذا وذلك وما سواهما من مشاكل سياسية او اجتماعية حكماء اتفق العرب على تحكيمهم، وجعلوا قولهم الفصل وحكمهم العدل وتنصب المنابر لحكماء العرب، او يقفون على جمالها، يخطبون ويعظون، ويذكرون العرب بأيام الله، وما هنالك من بعث وحساب ونشور، وما دارت عليه من حكم فيها للمتعظ عظة، وفيها لكل قلب سليم مزدجر كان من بين أولئك حكيم العرب قس بن ساعدة الأيادي، وقف على جمل اورق وتضام الناس حوله وجعل يقول فيهم
ايها الناس اسمعوا وعوا، من عاش مات ومن مات فات، وكل ماهو آت آت، ليل داج ونهار ساج، وسماء ذات ابراج، ونجوم تزدهر، وبحار تزخر، وجبال مرساة، وأرض مدحاة، وأنهار مجراة، ان في السماء لخبرا، وإن في الأرض لعبرا، ما بال الناس يذهبون ولا يرجعون؟ ارضوا فأفاقوا ام تركوا فناموا؟ يقسم قس بالله قسماً لا اثم فيه ان لله ديناً هو ارضى لكم وأفضل لكم وأفضل من دينكم الذي انتم عليه، إنكم لتأتون من الأمر منكراً وكان من المجتمعين حوله غلام يسمع ويعي ما يقول، هذا الغلام هو محمد صلى الله عليه وسلم، قال بعد اربعين سنة من هذا المشهد لوفد اياد قوم قس بن ساعدة وقد يبايعون رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام كأني انظر اليه بسوق عكاظ على جمل له اورق، وهو يتكلم بكلام عليه حلاوة ما اجدني احفظه، فقال رجل من القوم انا احفظه يا رسول الله، فتلاه عليه، فلما انتهى قال النبي صل الله عليه وسلم (يرحم الله قساً اني لأرجو ان يبعث يوم القيامة أمة وحده) ولم يكن العرب يحرصون على شيء أكثر ما يحرصون على البيان، ولم يكن الفخر لديهم اعظم من ان يكون في القبيلة لسان يشيد شعره بمفاخرها، ويتغنى بمآثرها وينشر ذكرها ويرفع قدرها وتقتعد عن طريق الشعر قمة الفخر والسؤدد والمجد ذلك ان البلاغة واللسن صفتان مميزتان لهذه الأمة ذهبت تنشد فخرها في مجالات شتى وركزت امة العرب بخرها في لسانها، فجاءت عن طريقه بالمعجزات، وتركت من اسرار الضاد الآيات الباهرات تضرب قبة من آدم بهذا السوق يتربع بها نابغة بني ذبيان حكماً اول، لينتظم حوله عقد الشعراء من كافة القبائل، يعرضون عليه حصاد عامهم ذلك مما هذبته القرائح وأبدعته الأفكار فيصدون عن حكم صرف يصنف الشاعر وينقده ويضعه حيث تكون منزلته ويزدحم شداة الشعر ومريدوه حول قبته الحمراء يتبادرون في عرض تجاربهم الشعرية، وينتظرون القول لمن تصدر له التهنئة بالشاعرية المقبلة، انطلاقاً من قصيدته المعروضة، ليتناقل اهل عكاظ الخبر بأن القبيلة الفلانية نبغ بها شاعر فتذهب هذه تقيم الولائم، وتتبادل التهاني، وتجعل من ابنها الفائز في عكاظ علماً ترمقه الأبصار، وتحتضنه القلوب وتلتقي اللهجات العربية هنالك، وتقوم سوق النقد، ويعلق بشعر الشعراء وخطابة الخباء، ويتبادل الأحاديث ما يعلق بها من دخيل، جرة صلة تجارة او علاقة من العلاقات او جوار او ما يعلق بها من استعمال دعا اليه التسامح، او اقحمه الإيغال في لهجة حوشية فيذهب سوق عكاظ ما هنا او هنالك ويرجع بلسان القوم الى اصالته وجزالته وسموه ولم يكن المجمع العظيم ليفوت صاحب الرسالة صل الله عليه وسلم، بل قصده يتخول الناس بالموعظة، ويدعوهم الى ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة الجمعة 14 شوال 1428هـ - 26 اكتوبر 2007م - العدد 14368 جريدة الرياض |