المجد
مما يثير السخرية أن يلجأ بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الصهيوني إلى الاستعانة بأصدقائه العرب، وطلب نجدتهم من اجل التدخل لتهدئة الأوضاع الملتهبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومنع انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
نتنياهو يريد من هؤلاء “الأصدقاء” و”الحلفاء” الخُلّص، ان يمارسوا ضغوطا على السلطة الفلسطينية، للدفع بقواتها الأمنية إلى الشوارع جنبا إلى جنب مع قوات الاحتلال الصهيونية لإطلاق النار على الشباب الثائرين وقتل المزيد منهم.
الشباب الفلسطيني الثائر في الأرض المحتلة، الذي يضحي بأرواحه، دفاعا عن المسجد الأقصى في وجه الاقتحامات اليهودية، لم يطلب مطلقا أي تدخل عربي، وكل ما يطلبه أن يكف هؤلاء المسئولون العرب شرهم عنه، وان يتركوه في حاله، ولا يتآمرون عليه تحت ذرائع مختلفة.
فمن لا يقف في خندق الأقصى والمرابطين المدافعين عن هويته الإسلامية بالمال والسلاح والأرواح، ويجند كل إمكانياته وطاقاته في سبيل هذا الغرض المقدس، ليس من حقه أن يطالب بتهدئة انتفاضة الشرف والكرامة هذه، لإنقاذ نتنياهو ومستوطنيه من مأزقهم.
فعندما لا يطرد هؤلاء “العرب” سفيرا صهيونياً، ولا ينزلون الأعلام الصهيونية التي تلوث سماء بلادهم، ويبقون على السفارات مفتوحة، ويستمرون في عمليات التطبيع دون خجل أو حياء، فإن هؤلاء لا يستحقون المسجد الأقصى، مثلما لا يستحقون الانتماء إلى هوية رجاله، الذين يستشهدون دفاعا عنه.
هؤلاء الشهداء الذين سقطوا برصاص الاحتلال طوال الأيام العشرة الماضية، وانضموا إلى الآلاف من أشقائهم، لم يأخذوا الأوامر من الرئيس عباس ولا من غيره، ولم ينزلوا إلى ميدان الشرف والمقاومة بتوجيهاته، ولهذا لن يستمعوا إليه، بل لن يترددوا في توجيه حجارتهم نحوه، لان سياساته المتخاذلة هي التي قادت إلى مسلسل التغول والاهانات الصهيوني هذه. سنوات عدة، والشعب الفلسطيني يقف وحيدا في مواجهة آلة الموت الصهيونية الوحشية، المرفوقة مع تغول استيطاني لم يترك أرضاً، أو مياهاً، أو حتى هواء يتنفسه..
الشعب الفلسطيني واجه العدوان تلو الآخر.. وصبر على اقتلاع زيتونه، واعتقال المئات من أبنائه، مثلما صبر مكرها على أبشع أنواع التمييز العنصري، وعندما طفح كيله وقرر ان يواصل مقاومته، معتمدا على الله وحده، بدأت المؤامرات عليه، من العرب، وغير العرب. عشر سنوات وما يسمى بالرباعية الدولية في حالة من الصمت، وانعدام الحركة، فطالما إن العرب يركعون أمام نتنياهو، ويذعنون لسياساته الاستيطانية، وتعهده بعدم السماح بقيام دولة فلسطينية مستقلة..
الآن وبعد أن انطلقت أعمال المقاومة، وقرر الكف الفلسطيني التصدي للمخرز الصهيوني، بدأت هذه اللجنة التي عينت اكبر مجرم حرب في العالم (توني بلير) ليكون مندوبها للسلام، تتحرك ليس من اجل إنصاف الشعب الفلسطيني، وإنما من اجل إنقاذ دولة الكيان من جرائمها، تماما مثلما فعلت أثناء الانتفاضة الثانية، ووضعت “خريطة طريق” لم تؤد إلا للمزيد من الاستيطان والاهانات، وحواجز الإذلال بمجرد انخداع السلطة الفلسطينية بأكاذيبها، وإيقاف الانتفاضة.
ندرك جيدا أن دماء فلسطينية عزيزة غالية ستسفك، مثلما ندرك أيضا أن شبانا صغارا سيستشهدون، والآلاف غيرهم سيعتقلون في مراكز الاعتقال النازية الجديدة، ولكن لم يتركوا للشعب الفلسطيني أي خيار آخر غير المقاومة، وهو أهل لها.
فعندما تتبنى المحكمة الصهيونية العليا قانونا بالحكم بالسجن عشرين عاما على كل من يلقي حجرا على المحتل المدجج بالأسلحة، فماذا بقي أمام هؤلاء الشباب، غير استبدال الحجر بالسكاكين والقنابل، وربما الأحزمة الناسفة غدا، فسمو لي دولة واحدة في التاريخ الحديث تصدر مثل هذه القوانين الجائرة والإرهابية في الوقت نفسه؟ هذا شعب ينضح عزة، وكرامة، ورجولة، ويؤكد يوما بعد يوم عن استعداده للتضحية نيابة عن كل الشعوب، ولا نقول الحكومات، العربية والإسلامية لحماية مقدساته، واستعادة أرضه، وكل ما يطلبه أن يقف سماسرة دولة الكيان الجدد جانبا، وان لا يتدخلوا لنصرتها وحمايتها.
الشعب الفلسطيني يترك هذه الحكومات العربية المتواطئة مع أعدائه لشعوبها، فهي كفيلة بهم، فمن دماء شهداء الأقصى سيأتي الخلاص لهذه الأمة. |