كيف يوسع "داعش" إمبراطوريته الإرهابية؟
إيما غراهام- هاريسون - (الغارديان) 21/2/2015
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
على العكس من الصعود البطيء والحذر لتنظيم القاعدة، يقوم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام بتوسيع وصوله الدولي إلى أماكن بعيدة وبالكثير من السرعة، وفي بعض الأحيان إلى مجموعات تحمل معتقدات شديدة الاختلاف.
بينما جعلوهم يسيرون إلى أحد الشواطئ الليبية في الأردية البرتقالية التي أصبحت مألوفة الآن على نحو مرعب، حملت اللحظات الأخيرة من حياة 21 مسيحياً قبطياً الارتعاشة البشعة نفسها التي صنعتها أشرطة فيديو "داعش" المميتة السابقة، وإنما بشحنة إضافية من الرعب.
ويشير مسرح هذا الحدث، في ليبيا، إلى أن المجموعة كانت تنتشر أبعد وأسرع حتى مما كان تقدم المجموعة الدراماتيكي قد اقترح إمكانيته. وقد جاء ذلك التوصع بعد تعهدات بالولاء لزعيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش"، أبو بكر البغدادي، من جانب جماعات متشددة تمتد رقعة تواجهها من أفغانستان وحتى اليمن.
وكان اللفتنانت جنرال في سلاح البحرية الأميركي، فانسنت ستيوارت، مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية، قد حذر مجلس النواب الأميركي في هذا الشهر من أنه "مع وجود فروع لها في الجزائر ومصر وليبيا، فإن المجموعة الإرهابية تشرع في صناعة موطئ قدم دولي متنامٍ لها".
العمليات التي شملت قطع رأس سائح في الجزائر، وتصوير شريط فيديو لهجوم شُن بدقة متناهية على قاعدة عسكرية مصرية، بما في ذلك القتل المصاحب للجنود الناجين، وتنفيذ تفجير انتحاري في أفخم فنادق طرابلس -جاءت كلها مؤخراً من هندسة مجموعات متشددة أعلنت ولاءها للمجموعة التي كان اسمها ذات مرة يحدد جغرافيتها: "الدولة الإسلامية في العراق والشام".
في الأثناء، تتبنى التنظيمات التابعة إنتاجها الإعلامي المتميز إلى جانب التكتيكات الدموية الوحشية، مما يضخم سطوة العنف. وقد استدعى قتل المسيحيين المصريين أصلاً شن غارات نفذتها الطائرات المصرية على ليبيا، على نحو ربما يناسب بعض قادة "داعش" الحريصين على جر المزيد من الأعداء إلى داخل حرب مكلفة ومجففة للموارد.
يردد هذا الوضع أصداء التوسع العالمي السابق لتنظيم القاعدة، حتى في الوقت الذي لجأ فيه زعيمها إلى الاختفاء، من خلال وحدات موالية وإنما متمتعة بالحكم الذاتي الفعلي في اليمن وفي شمال وشرق أفريقيا وفي مناطق أخرى. لكن القاعدة تمددت ببطء وحذر، مع الدقيق في الحلفاء المحتملين الذين أرادوا استخدام ماركتها المرعبة في معاركهم الخاصة.
على العكس من ذلك، رحبت "داعش" مسبقاً بالعديد من الداعمين المحتملين، تحت ما يبدو أنه مظلة فضفاضة أكثر، ومن بينهم مقاتلون أفغان ممن يقول بعض المحللين إنهم ينطوون على خلافات عقائدية يعتد بها مع المجموعة.
يقول الناطق بلسان البيت الأبيض، جون ايرنست: "أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا التفريق بين مجموعة الدولة الإسلامية في بلاد الشام وبين أشخاص يحاولون لفت الانتباه إلى أنفسهم من خلال ادعاء الاقتران بالدولة الإسلامية". وأضاف: "إنهما شيئان مختلفان تماماً. وأعتقد أن أفضل مثال لدينا على هذه الحالة هو ما نشهده في أفغانستان".
الثروة الهائلة التي تمتلكها الدولة الإسلامية في العراق والشام، والقوة الاستثنائية التي تتمتع بها ماركتها، وصعودها الدراماتيكي انطلاقاً من الغموض والإبهام إلى السلطة على مساحات واسعة من أراضي دولتين، كل ذلك يجعل منها راعياً مغرياً. وهي تستطيع تقديم الدعم في مجالات تمتد من المساعدة المالية إلى الإمداد بالأسلحة، وإلى المساعدة العملية في إنتاج أشرطة الفيديو، إضافة إلى أنها برهنت بما لا يقل الشك على جاذبيتها بالنسبة للمانحين والمقاتلين الأجانب المحتملين على حد سواء. وقد استطاعت الدولة الإسلامية الوصول إلى مصر بفعالية بين عشية وضحاها عندما أعلنت المجموعة المتمردة المحلية "أنصار بيت المقدس" الولاء لأبي بكر البغدادي في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي. وتتوافر تلك المجموعة على خبرة أعوام عدة في مقاتلة قوات القاهرة، وربما يكون لديها نحو 12 مليون قطعة سلاح مخبأة في الصحارى الشاسعة هناك، وفقاً لما ذكره مسؤول استخبارات سابق.
أما في ليبيا، حيث تسيطر الدولة الإسلامية راهناً على ثلاث بلدات، فإن جذورها تبدو أقل وضوحاً؛ حيث ينضم إليها بعض المقاتلين من مليشيات محلية متمركزة في مدينة بنغازي، وآخرون عائدون من سورية. وقد تمكنت المجموعة من التقدم بسرعة في بلد عصفت به الحرب الأهلية، وأبرزت تقدمها بعروض متكررة للعنف المتطرف.
وفي الأثناء، تشعر البلدان التي تقع على حدود الأرض الأم لمجموعة "الدولة الإسلامية" بالقلق من أن تحاول "الدولة" التسلل إلى أراضيها. وكان المدير العام للأمن اللبناني قد حذر في وقت سابق من الشهر الحالي من أن "الدولة الإسلامية" تسعى إلى السيطرة على قرى تقع على طول الحدود مع سورية، من أجل استخدامها كمراكز انطلاق للعمليات.
وقال المدير العام للأمن العام في لبنان، اللواء عباس إبراهيم، لوكالة رويترز مؤخراً: "إن الدولة الإسلامية لا تريد السيطرة على القلمون... لكنهم يريدون استخدامها لتأمين ظهورهم في المنطقة. لقد تم وضع القوات العسكرية والأمنية اللبنانية في حالة التأهب التام".
فيما وراء الوصول المباشر الذي يتمتع به تمويل "الدولة الإسلامية" وواضعي تكتيكاتها، أصبح اسم المجموعة بالغ الشهرة، بحيث أنه ربما أصبح ينطوي على جاذبية كبيرة بالنسبة لاؤلئك الذين يتوافرون على اهتمام بسياساتها.
في كانون الثاني (يناير) من هذا العام، وبعد تدفق ثابت للتقارير القادمة من أفغانستان وتفيد بأن قادة من طالبان سينضمون إلى مجموعة "الدولة الإسلامية"، أعلنت المجموعة رسمياً عن أول نقطة أمامية لها خارج العالم العربي في "خراسان"، الاسم القديم لأفغانستان وباكستان.
إلى ذلك، يبدي العديد من المحللين شكوكاً في أن إعلان القادة الأفغان ولاءهم للمجموعة لا يفعل أي شيء أكثر من مواصلة المنافسات المحلية باستخدام آخر آلية في المتناول. وقد تجنب هؤلاء حتى الآن ارتكاب الفظائع الطائفية التي تتبناها الدولة الإسلامية في العراق وسورية، بل انهم يبدون مترددين في بعض الأماكن حتى في رفع الراية السوداء للمجموعة التي يزعمون أنهم يخدمونها.
يقول برهان عثمان، الذي أجرى بحوثاً عن المجموعة لصالح شبكة المحلل الأفغاني مشيراً إلى الخلافات العقائدية: "من الناحية العملية، لم تتورط مجموعة "الدولة الإسلامية" في مناطق هيلمند وفاراح (حتى الآن) في أفعال تشابه الوحشية أو الطائفية التي يمارسها الاتجاه السائد لدى الدولة الإسلامية".
عملياً، تستطيع مجموعة "الدولة الإسلامية" أن تتفاخر بقائد أفغاني واحد كانت له روابط فعلية مع الأرض الأم للدولة الإسلامية، وهو معتقل سابق في غوانتنامو، لكنه قتل في ضربة وجهتها طائرة من دون طيار في كانون الثاني (يناير) الماضي.
كتب عثمان في ورقة حديثة عن المجموعة، والتي حذرت من المبالغة في تقدير قوة المجموعة، فقال: "إن الإعلان عن فرع متشدد تابع في أرض غير مألوفة هو شيء، ورؤية المجموعة وهي تنمو لتصبح قوة صلبة وامتلاك القدرة إلى إدامتها هو شيء آخر تماماً. إن أفغانستان وباكستان تقعان على مسافة بعيدة جداً عن مناطق الأرض الأم للمجموعة، وربما تكون (المجموعات التابعة في هاتين الدولتين) قد أساءت تقدير حجم القبول الحقيقي للمجموعة".
*نشرت هذه القراءة تحت عنوان:How Islamic State is expanding its empire of terror