ما نعرفه عن التنظيمات الإرهابية اليهودية المعتدية على الفلسطينيين
سلّطت الاعتداءات غير المسبوقة، التي تتعرض لها المدن والبلدات التي يقطنها فلسطينيو الداخل المحتل حالياً، الأضواء على خريطة التنظيمات الإرهابية اليهودية التي تنفذها ومنطلقاتها الفقهية ومرجعياتها الدينية والتباين في نشاطاتها الإجرامية، وطابع البيئة الجماهيرية والسياسية الحاضنة لها.
فكل من التنظيمات الإرهابية اليهودية التي تستبيح مدن وبلدات الداخل الفلسطيني، في الجليل والمثلث والنقب والمدن المشتركة، التي يقطنها الفلسطينيون واليهود، تستند إلى بناء تنظيمي واضح، وتوجهات ومنطلقات دينية وتأصيلات فقهية، وتخضع لتوجيهات مرجعيات دينية، يمثلها حاخامات ذوو تأثير كبير، وتتباين، في الغالب، في مجالات العمل الإرهابي الذي تعكف عليه.
وقبل التعرف على خريطة التنظيمات الإرهابية اليهودية، فإنه من المهم رصد جملة من السمات العامة المشتركة لهذه التنظيمات.
الخلفية الفقهية
تنتمي جميع التنظيمات الإرهابية اليهودية من ناحية فقهية إلى التيار الديني الحردلي، والذي يجمع بين التشدد الفقهي للتيار الديني الحريدي والتطرف القومي للتيار الديني الصهيوني؛ ما جعله أخطر التيارات الدينية اليهودية على الإطلاق. وأحد أكثر المصادر الدينية التي أثرت على توجهات التيار الحردلي في العقد الأخير مصنف “شريعة الملك”، لمؤلفيه الحاخامان: إسحاق شابيرا وموشي إلتسور، الذي صدر في 2009 وضمناه عشرات “المسوغات الفقهية” التي تبيح قتل الأطفال العرب، وضمنهم الرضع.
وبسبب هذه التوجهات، فإن التنظيمات الإرهابية تخضع لمرجعيات التيار الحردلي، وبعضهم موظفون كبار في سلك “الدولة”، مثل الحاخام شموئيل إلياهو، حاخام مدينة صفد المحتلة، وهو عضو مجلس الحاخامية الكبرى، التي تمثل المؤسسة الدينية الرسمية لدى الاحتلال الإسرائيلي، والحاخام إسحاق جزنبرغ، الذي يقطن مستوطنة “يتسهار”، وهو صاحب المصنف الفقهي “تبارك الرجل”، الذي ضمنه المسوغات التي تجعله يرى في باروخ غولدشتاين، منفذ مجزرة المسجد الإبراهيمي التي قتل فيها 29 فلسطينياً وجرح عشرات آخرين، عندما كانوا راكعين في صلاة الفجر يوم 25 فبراير/شباط 1994، أنه من “الصديقين”. من بين مرجعيات هذا التيار: الحاخام شلومو ملميد، والحاخام إسحاق لفنون، وغيرهما.
البيئة الجغرافية
تقطن الأغلبية الساحقة من قادة وأعضاء التنظيمات الإرهابية في المستوطنات التي دشنت في الضفة الغربية المحتلة؛ وإن كان هناك حضور قوي لهذه التنظيمات تحديداً في المستوطنات التي توجد وسط وشمالي الضفة الغربية. ولم يكن مفاجئاً أن الكثيرين من أعضاء التنظيمات الإرهابية، الذين توجهوا إلى مدن اللد والرملة وعكا ويافا لاستهداف فلسطيني الداخل، قدموا بشكل خاص من مستوطنة “يتسهار”، شمال نابلس، كما كشفت صحيفة “هآرتس”.
الانتماء العرقي
يمثل اليهود الشرقيون (السفارديم)، الذين قدمت عائلاتهم من الدول العربية والإسلامية، السواد الأعظم من أعضاء التنظيمات الإرهابية اليهودية. وقد خاض علماء الاجتماع السياسي في إسرائيل سجالات كثيرة حول تفسير ميل اليهود الشرقيين لإبراز مواقف عدائية تجاه العرب، على الرغم من أنهم قدموا من دول عربية.
وكان التفسير الأعم أن هؤلاء، بسبب نظرة الدونية التي تعامل بها المجتمع الصهيوني معهم، حرصوا على تبني هذا الموقف العدائي من العرب، لكي يؤكدوا تماثلهم مع هذا المجتمع، ومن باب إبراز ذلك كأحد صور “تميزهم”.
خريطة التنظيمات الإرهابية
هناك أربعة تنظيمات إرهابية يهودية رئيسة تعمل في الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني، وتحرص كل منها، في الغالب، على نشاطات إجرامية محّددة.
“لاهافا”
المنظمة التي تحتكر حالياً تنظيم معظم الاعتداءات والأنشطة الاستفزازية ضد فلسطيني الداخل المحتل. أسس هذه المنظمة ويقودها حتى الآن الحاخام بنتسي غوفشتين، الذي يعد من قادة الحركة “الكاهانية” التي تطالب بطرد الفلسطينيين إلى الدول العربية، وتنادي بتدمير المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم على أنقاضه.
وانطلقت هذه الحركة في البداية لمحاربة ظاهرة زواج اليهوديات بغير اليهود، وتحديداً العرب. وكان أعضاء هذه المنظمة ينظمون دوريات في المدن الإسرائيلية، وتحديداً في أماكن العمل التي تعمل فيها يهوديات إلى جانب غير اليهود، ويقومون بعد ذلك بالاعتداء على كل من هو غير يهودي يظنون أن له علاقة بيهودية. الصورة
كما أن أحد مجالات عمل هذه المنظمة يتمثل أيضاً في إقناع اليهوديات اللاتي تزوجن بعرب بترك أزواجهن. ومع مرور الوقت، باتت الحركة تنخرط في تنفيذ اعتداءات ضد الفلسطينيين في الداخل والقدس بهدف تقليص دافعيتهم للبقاء. ورأت المنظمة في المواجهات الحالية مع فلسطينيي الداخل فرصة سانحة لتنفيذ مخططاتها؛ وهو ما يفسر وجود غوفشتين في كل بؤر المواجهات حالياً على امتداد إسرائيل.
ويتبنى غوفشتين مواقف متطرفة بشكل خاص من المسيحيين؛ حيث إنه جاهر بحماسه لحرق الكنائس، بزعم أن المسيحية “ديانة وثنية لا يجوز التعبد بها في أرض إسرائيل”، استناداً إلى فتوى الحاخام موسى بن ميمون الذي عاش في القرن الثاني عشر في الأندلس ومصر.
“شارة ثمن”
تعد أخطر التنظيمات الإرهابية اليهودية، لأنها متخصصة في تنفيذ عمليات إرهابية تشمل عمليات القتل، والاعتداء على المزارعين الفلسطينيين، وإحراق المساجد والكنائس، وتسميم آبار المياه، واقتلاع كروم الزيتون وسلب المحاصيل، ومداهمة البلدات والقرى الفلسطينية وتخريب الممتلكات.
من أبشع العمليات الإرهابية التي نفذتها المنظمة، إحراق عائلة دوابشة الفلسطينية في قرية دوما في محافظة نابلس، في أغسطس/آب 2015، حيث نفذ الجريمة الإرهابي عميرام بن أويل. بالإضافة إلى رجم المواطنة الفلسطينية عائشة الرابي حتى الموت، بينما كانت خلف مقود سيارتها. وإلى جانب إحراق عشرات المساجد، فقد أحرق أعضاء “شارة ثمن” كنيسة “السمك والخبز” في الجليل. الصورة
وللتدليل على دور الحاخامات في تغذية إرهاب هذه المنظمة، فقد أشارت صحيفة “هآرتس” إلى دور الحاخامين جزنبرغ وإلياهو (سبقت الإشارة إليهما) في إسناد هذه المنظمة، حيث اعتبر جزنبرغ إحراق عائلة دوابشة “فريضة شرعية”؛ في حين بعث إلياهو برسالة إلى منفذي عملية رجم عائشة الرابي، جاء فيها: “إنكم بهذا الصنيع ستصلون إلى قيادة إسرائيل”.
“فتية التلال”
انطلقت هذه المنظمة، التي تتشكل في الغالب من فتية لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة، في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية، وتهدف بشكل أساسي إلى السيطرة على الأراضي الفلسطينية الخاصة وتدشين نقاط استيطانية عليها من دون الحصول على ترخيص من حكومة وجيش الاحتلال، الذي يقوم بتأمين هذه النقاط. وقد دشن هذه المنظمة بتسلال سمورطتش، الذي انضم إلى الحياة السياسية بعد ذلك وأصبح وزيراً للمواصلات، ويقود حالياً حركة “الصهيونية الدينية”، التي تعد حليفاً لحزب الليكود، الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو.الصورة
“لا فميليا”
تعد منظمة “لا فميليا” في الأساس الإطار الذي يمثل مشجعي فريق ” بيتار يروشلايم” لكرة القدم، والذي يحسب مشجعوه على اليمين المتطرف.
وحرص أعضاء “لا فميليا”، ومعظمهم يقطن الجيوب الاستيطانية في القدس المحتلة، على الاحتفاء بإنجازات فريقهم، أو التعبير عن إحباطهم، عبر شن اعتداءات وحشية على كل فلسطيني يجدونه في طريقهم داخل القدس.
ولعل أعضاء “لا فميليا” هم أول من أدخل شعار “الموت للعرب” للجدل العام، حيث يعد شعار التشجيع المعتمد لديهم، إلى جانب شعار “محمد مات”، في إشارة إلى نبي الإسلام، صل الله عليه وسلم.
وجاء في مطلع أغنية التشجيع التي يرددها أعضاء هذا التشكيل: لقد نزل الملعب… الفريق العنصري للدولة..كما قلت لك سترين الجيش الأقوى على وجه البسيطة.. سيزيل كل من يقف في طريقه.. إنه جيش مليشياوي، عنصري ووحشي، جيش يطلق عليه مشجعو بيتار يروشلايم”.
ومن المفارقة أن عضو العائلة الحاكمة في أبوظبي حمد آل انهيان اشترى نصف أسهم هذا الفريق، وقد ألغيت الصفقة تحت ضغط منظمة “لا فميليا” التي رفضت هذا التطور لدواع عنصرية.
الشرعية السياسية
لقد باتت التنظيمات الإرهابية اليهودية تحظى بشرعية سياسية تمثلت في وصول قادتها إلى البرلمان والحكومة، مثل زعيم “فتية التلال”، الذي بات نائباً ووزيراً؛ في حين نجح إيتمار بن غفير، زعيم الحركة “الكاهانية” التي تنتمي إليها منظمة “لاهافا”، في الحصول على مقعد في البرلمان نتاج الانتخابات الأخيرة، والتي خاضها مدعوماً من حزب الليكود برئاسة نتنياهو.
ومما يدل على دور الشرعية السياسية في تأجيج أنشطة المنظمات الإرهابية، حقيقة أن مفتش عام الشرطة الصهيونية كوبي شفتاي اتهم بن غفير صراحة بأنه وراء الاستفزازات التي قادت إلى هبة القدس وحرب غزة واشتعال الداخل الفلسطيني.الصورة
ومن الواضح أن الأزمة السياسية وعجز نتنياهو عن تشكيل حكومة، وحاجته إلى دعم تحالف الصهيونية الدينية والحركة الكاهانية برئاسة سمورطتش وبن غفير، تجعله عاجزاً، لو أراد، عن اتخاذ خطوات حقيقية للجم المنظمات الإرهابية. ومما يدل على ذلك، أنه في الوقت الذي تتهم الشرطة الإسرائيلية بن غفير بإشعال الأوضاع، فإن هذه الشرطة وبناء على تعليمات الحكومة تركز على اعتقال قادة فلسطينيي الداخل، كما تمثل بالأمس في اعتقال الشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل.