عبر الحدود.. أسلحة التنظيمات غير الرسمية لاستنزاف الدول
ي بلدة منزل شاكر الواقعة على 40 كلم غربي مركز ولاية صفاقس يسكن رجل تونسي لا يعرف أحد ماهية عمله تحديدًا، جُل ما يعرفونه عنه كونه مديرًا بإحدى الشركات الخاصة، قصير القامة ممتلئ قليلًا، وبوجه أربعيني يبدو منهكًا دائمًا ومبتسمًا أيضًا، رجل غارق في العادية إلا أن كيانًا آخر سيتولى تعريف سكان طريق منزل شاكر والتونسيين والعرب جميعًا بالرجل وبأشرس وسيلة ممكنة.
في ظهيرة الخامس عشر من ديسمبر/كانون الأول نهاية العام الماضي، خرج الرجل الأربعيني كعادته من منزله مستقلًا سيارته الفولكسفاغن، بعد عودته من رحلة مرهقة لم يعرف أحد وقتها وجهتها، وبعد تلقيه لهاتف غامض زعم صاحبه أنه يريد لقاءه لإشهار جمعية "الجنوب" للطيران، التي أسسها الرجل برفقة طيارين تونسيين سابقين، مرت ثوان معدودة فارقة، كسر فيها أزيز الرصاص هدوء الطريق، واستقبل جسده فيها عشرون رصاصة منها ثلاث مباشرات في رأسه، ليتوفى في الحال.
ثوان معدودة كانت فاصلًا بين تحول المهندس محمد الزواري من كائن حي إلى جسد أشبه بمصفاة، ولتشير بعدها أصابع الاتهام مباشرة لتل أبيب، ولقسم الاغتيالات في جهازها الأمني الأول "الموساد".
|
كتائب القسام تنعى الشهيد محمد الزواري [size=9](مواقع التواصل)[/size] |
لم تكن هذه الرصاصات موجهة لجسد الزواري فحسب، بل كانت محاولة أكثر عمقًا وتأثيرًا لقتل مسار تطوير الطائرات بدون طيار المعروفة بـ "أبابيل"، طائرات كان الزواري عرابها ومطورها، وكشفت عنها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية حماس، في الحرب التي أسمتها "العصف المأكول" مع الكيان المحتل عام ٢٠١٤، والتي تبنت الزواري التونسي رسميًا وأطلقت عليه لق: "طيار حماس".
لكن الطائرات بدون طيار بعد الحرب الباردة، أي ما يمكن تسميته عصر "الحروب ما بعد الحديثة"، كغيرها من الأدوات الفاعلة غير التقليدية هي فكرة والأفكار على الأغلب لا تموت، لذا وفي ٢٢ فبراير/شباط الماضي زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي أنه اعترض طائرة بدون طيار أطلقتها حماس باتجاه البحر المتوسط، في مؤشر واضح على استمرار المشروع بعد الاغتيال، مشروع لم يعد حكرًا على الدول ولا يتطلب مستويات عالية من التقنية، وإنما أرضية أساسية يمكن تحصيلها في زمننا الحالي من مواقع التسوق الإلكتروني ببساطة.
الموت من الأعلىفي مشهد نادر ومثير، أسقطت طائرة بدون طيار تابعة لـ "تنظيم الدولة" قذيفة يتوقع أن تكون بطول ٤٠ مم معدلة، فوق سيارة "هامر" أميركية تابعة للجيش العراقي مما أدى لتدميرها
غيتي
وفي إصدار حديث لـ "تنظيم الدولة الإسلامية" بعنوان "هذا وعد الله"، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني للعام الماضي ٢٠١٦؛ أعلن التنظيم بدايته الرسمية لاستخدام الطائرات بدون طيار على المستوى القتالي، والتي كان يستخدمها بشكل متواضع قبلًا وبشكل عام للتصوير والمراقبة، مثل بقية الأطراف الفاعلة في سوريا والعراق من ثوار وتنظيمات وفصائل.
ففي
مشهد نادر ومثير أسقطت طائرة بدون طيار تابعة لتنظيم الدولة قذيفة يتوقع أن تكون بطول ٤٠ مم معدلة، فوق سيارة "هامر" أميركية تابعة للجيش العراقي أثناء معركة الموصل، أدت إلى انفجارها بالكلية، في كسر لهيمنة الطائرات العراقية والأميركية على الفضاء العراقي، وخلق لرعب جديد دخل الساحة العسكرية، ونشر للفوضى لعدم توقع وقت ومكان الهجوم الذي يتم التحكم به عن بعد.
"أظهرت مقاطع دعائية لفصيل جند الأقصى قبل انضمامه إلى تنظيم الدولة مؤخرًا، قصفًا باستخدام الطائرات بدون طيار على مواقع للنظام السوري" |
|
هذا الهجوم هو واحد من مئات الهجمات التي شنها التنظيم خلال شهر فبراير/شباط 2017، باستخدام الطائرات بدون طيار، والتي توزع استخدامها على كل جبهات التنظيم في سوريا والعراق، في تغيير وصفه الجندي البريطاني السابق والمحلل العسكري نيك واترز بأنه قد لا يكون استراتيجيًا، لكنه يعني أن السماء مشغولة كما هي الأرض، مما يخلق مزيدًا من الجهد على الجنود المجهدين أساسً.
وفي رصده لهجمات التنظيم والتي أسماها "الموت من الأعلى"، والآتية ضمن قسم الطيران التابع لـ "هيئة التطوير والتصنيع العسكري" داخله، كشفت
وثائق من داخل التنظيم أن هناك قسم مسؤول عن شراء معدات متكاملة لتصنيع طائرات بدون طيار مناسبة، يمكن استخدامها لعدة أغراض كالمراقبة والتجسس والتصوير والهجوم والتفخيخ، كما حدث في أول طائرة اكتشفت للتنظيم وأدت لمقتل جنديين كرديين في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
لم يكن تنظيم الدولة أول من استخدم الطائرات المسلحة بدون طيار من التنظيمات غير الرسمية تاريخيًا، ولا حتى على مستوى الصراع السوري، فقد أظهرت مقاطع دعائية لفصيل جند الأقصى، قبل انضمامه إلى تنظيم الدولة مؤخرًا، قصفًا باستخدام الطائرات بدون طيار على مواقع للنظام السوري، كما نشر الإعلام الرسمي لـ "حزب الله" اللبناني
مقاطع مشابهة، مستخدمًا فيها قذائف عنقودية على مواقع للمعارضة، قيل أنه استخدمها مسبقًا أثناء حربه مع إسرائيل عام ٢٠٠٦، بالإضافة إلى مشروع حماس "طائرات أبابيل"، ضمن طيف أوسع وأكبر من الفاعلين غير الرسميين الذين يستخدمون الطائرات بدون طيار للمراقبة والتجسس والتصوير، خاصة بعد أن أصبحت متوفرة وسهلة الشراء تجاريًا، وأصبح لها وكلاء لبيعها في الشمال السوري، على سبيل المثال.
يأتي هذا التطوير داخل التنظيم ضمن عمل أكبر تقوم به "هيئة البحث والتطوير" بحسب ما كشفت
وثائق أخرى، وهي مسؤولة عن عدة صناعات حربية أخرى، أغلبها قائم على التفجير عن بعد باستخدام العبوات الناسفة والتفخيخ، والتي كسرت وجهًا آخر من وجوه احتكار القوة لدى الفاعلين الرسميين.
العبوات الناسفة
"جئناكم بالكواتم واللواصق"
(تهديد شهير لتنظيم الدولة في إشارة لاستخدام العبوات الناسفة في عمليات الاغتيال)
أحد الأسلحة المثيرة للاهتمام والتي استطاع بها الفاعلون غير الرسميين تحييد القوة التقنية المتقدمة للدول المختلفة خاصة في سوريا والعراق هي العبوات الناسفة، واسمها الكامل "العبوات الناسفة المرتجلة"، والمعتمدة على معدات بسيطة وأساسية في التفجير الذي يتم باستخدام نبضات إلكترونية أو كهربائية، مثل اتصال هاتفي أو صاعق كهربائي.
والعبوات الناسفة سلاح بدائي أدى لخسائر كبيرة وتحديدًا في صفوف القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، والتي كانت تتوقع حربًا سهلة لتخسر كثيرًا من جنودها باستخدام هذه العبوات الناسفة عن بعد، إذ سقط نصف عدد قتلى الجنود الأمريكيين لعام ٢٠١١ في أفغانستان باستخدام هذه العبوات، ضمن ٦٠٨ هجومًا بالعبوات الناسفة في ٩٩ دولة للعام نفسه، بحسب
إحصاء لوزارة الدفاع الأميركية.